مقدمة
ريادة الأعمال النسائية في السودان ليست ظاهرة جديدة، بل هي امتداد لتاريخ طويل من مشاركة النساء في الاقتصاد غير الرسمي، حيث قمن بإعالة أسرهن وتحريك الأسواق من خلال مشاريع صغيرة تنطلق من منازلهن أو من طاولات متواضعة في الأسواق الشعبية. ومع ذلك، فإن ما نشهده اليوم يتجاوز النمط التقليدي، إذ ان النساء يؤسسن علامات تجارية متخصصة، ويُعدن تعريف مفهوم الريادة في سياق محلي مضطرب اقتصادياً وسياسياً.
إحدى السيدات السودانيات تبيع منتجات سودانية بسيطة في إحدى طرقات العاصمة. المصدر: الجزيرة.نت
من النماذج المعاصرة، تبرز عوضية كوكو المعروفة ب"عوضية سمك"، التي بدأت ببيع الأسماك في السوق المحلي وتحولت إلى رمز للمرأة المكافحة، حتى نالت تكريمات محلية ودولية تقديراً لدورها في دعم النساء العاملات وخلق فرص عمل.
تشير تقارير البنك الدولي إلى أن النساء في السودان يواجهن تحديات كبيرة في ريادة الأعمال، حيث لا تتجاوز نسبة الشركات التي تديرها نساء 3%، بينما تبلغ نسبة الشركات التي تضم نساء ضمن مالكيها الرئيسيين 8%. ومع ذلك، تهدف مبادرات مثل مشروع تسريع ريادة الأعمال النسائية والوصول إلى التمويل (AWEAF)، إلى تمكين النساء من خلال توفير التدريب والدعم المالي، مما يسهم في تعزيز دورهن الاقتصادي.
من خلال هذا المقال، أحاول تسليط الضوء على نساء سودانيات حوّلن الشغف والخبرة إلى مشاريع اقتصادية حقيقية – كبيرة، متوسطة، وصغيرة – تُنتج، وتُصدّر، وتُوظّف، رغم كل المعوقات. هؤلاء النساء لم ينتظرن التمكين، بل صنعنه بأنفسهن. ومن خلف الكواليس، وفي مواجهة بنية تحتية ضعيفة ودعم محدود، تبرز الريادة النسائية كقوة اقتصادية حقيقية تُعيد تشكيل المشهدين الاقتصادي والاجتماعي في السودان.
المشاريع الكبيرة
آلاء حمدتو: مشروع صحي من رحم الإبداع المحلي
آلاء حمدتو، المؤسسة والرئيسة التنفيذية لشركة "سولار فود"، وهي شركة ناشئة متخصصة في تصنيع الأغذية المجففة باستخدام تقنيات التجفيف بالطاقة الشمسية. تهدف الشركة إلى الحد من فاقد المنتجات الزراعية في السودان، والذي يُقدّر بنسبة تصل إلى 40% من إجمالي الإنتاج، من خلال توفير حلول مستدامة وصديقة للبيئة لصغار المزارعين.
منذ تأسيسها عام 2017، تمكنت الشركة من توسيع منتجاتها إلى أكثر من 22 صنفًا، وبدأت التصدير إلى أسواق خارجية شملت المملكة المتحدة، والإمارات العربية المتحدة، وقطر، والمملكة العربية السعودية. إلا أن الحرب التي اندلعت في السودان تسببت في تدمير كامل لمصنعها الواقع في المنطقة الصناعية ببحري، مما أجبرها على مغادرة البلاد بشكل مؤقت.
صورة تظهر الدمار الذي حل بمصنع Solar foods في منطقة الخرطوم بحري الصناعية.
ورغم التحديات، قررت آلاء العودة إلى السودان وإنشاء مصنع بديل في مدينة كسلا. وقد واجه المشروع الجديد صعوبات كبيرة تتعلق ببيئة الأعمال، أبرزها التضخم، نقص المعدات، ضعف البنية التحتية، انقطاع التيار الكهربائي، والتهديدات الأمنية المباشرة مثل الهجمات الجوية. وأشارت حمدتو إلى أن الوضع يتطلب مبادرات ذاتية للنهوض، في ظل غياب الدعم المؤسسي أو الدولي الفعّال.
من خلال مشاركتها في منتديات دولية، أبرزها المنتدى العالمي لريادة الأعمال والاستثمار في المنامة، سلطت آلاء الضوء على التحديات المشتركة التي تواجهها النساء في مناطق النزاع، مؤكدة أن النساء السودانيات يمتلكن الكفاءة والمرونة اللازمة لاستعادة نشاطهن الاقتصادي، بالرغم من الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد.
صورة لمنتجات Solar Foods. المصدر: حساب Solar Foods على الانستقرام
المشاريع المتوسطة
نوار كمال: مجوهرات تحكي قصة وطن
في سن الرابعة عشرة، وبين دروب غانا الملوّنة، انفتحت عينا نوار كمال على عالم لم تكن تعرفه من قبل: عالم المجوهرات المصنوعة من الزجاج والنحاس المعاد تدويرهما. كانت تلك لحظة الاكتشاف الأولى، وبداية رحلة طويلة من الشغف والابتكار. لم تكن مجرد رحلة نحو الحِرفة، بل نحو الهوية، حيث قررت نوار أن تمزج بين ما رأته هناك وبين إرثها السوداني الغني.
من تلك التجربة وُلدت علامة NK Jewelry، مشروع يعكس شخصية نوار وروحها. كل قطعة تصممها تحكي قصة عن السودان، عن إفريقيا، عن البيئة، وعن الفن كوسيلة للتعبير والتغيير. تستخدم نوار مواد صديقة للبيئة، وتعيد توظيف الزجاج والنحاس لخلق قطع أنيقة تعبّر عن التراث بروح عصرية.
من شغف طفلة إلى علامة تجارية معروفة، قطعت نوار مشواراً طويلاً جعل منها واحدة من أبرز رائدات الأعمال الشابات في السودان. في تصاميمها، تلتقي الخرزة الغانية باللمسة السودانية، وتذوب الحدود بين القديم والجديد، بين المحلي والعالمي. وبهذا، لا تقدّم نوار مجرد مجوهرات، بل حكايات تُلبَس وتُعاش.
أحد تصاميم NK Jewellery. المصدر: حساب NK Jewellery على الفيس بوك
آمنة حمدتو: أزياء تحاكي الصمود والجمال
بدأت آمنة حمدتو رحلتها كمدوّنة في مجال الجمال، لكن شغفها بالأناقة والهوية أخذها في اتجاه مختلف. عام 2018، أسست علامتها الخاصة للأزياء Amna’s Wardrobe، من دون تخطيط مُسبق، فقط لأن الحاجة الشخصية دفعتها لذلك. كانت تبحث عن ملابس محتشمة تعكس ذوقها وتعبر عن هويتها السودانية، لكنها لم تجد. فقررت أن تصمّم لنفسها، وما لبث هذا الفعل الشخصي أن تحوّل إلى مشروع حقيقي يلقى صدى واسعاً.
في تصاميمها، تدمج آمنة الأقمشة المطرّزة يدوياً والنقوش المستوحاة من التراث السوداني مع قصّات معاصرة تناسب النساء في حياتهن اليومية والمناسبات الخاصة. ومن خلال منصتها، وجدت كثير من النساء من الجاليات السودانية في الخليج وأوروبا في تصاميمها ما يُشبههن.
تشكيلتها الرمضانية الأخيرة لسنة 2025، ميمونة، لم تكن مجرد ملابس، بل رسالة صمود وأناقة في وقت الأزمات. وقد حظيت بتفاعل واسع على منصات التواصل، وأكّدت أن الموضة يمكن أن تكون أكثر من مظهر، بل ذاكرة وهوية وثقافة متنقلة.
تصاميم آمنة حمدتو ضمن "Amna’s Wardrobe". المصدر: حساب آمنة حمدتو على الفيس بوك
ولاء البدري: مشروع محلي يتحول إلى علامة تجارية واعدة
من أم درمان، بدأت ولاء عوض علي محمد صالح البدري رحلتها في ريادة الأعمال عام 2015 بشغف فطري تجاه الأزياء والتجارة. أطلقت أول مشروع لها تحت اسم "أوكسجينه فاشون"، وهو متجر إلكتروني يعرض كل ما يتعلق بالموضة من ملابس، أحذية، شنط، وجلابيب، ومع الوقت تطوّر ليصبح متجرًا فعليًا في بازار دائم بمنطقة امتداد ناصر. كانت تستورد منتجاتها من عدة دول، بينها تركيا، مصر، والسعودية، ونجحت في الجمع بين وظيفتها وإدارة مشروعها الخاص، مدفوعة بحبها للتسويق والإبداع في البيع.
لكن الحرب قلبت الموازين. في يوم واحد، فقدت كل شيء: محلها، مخزنها، وبضائعها. ومع ضياع موردها الأساسي، اضطرت لمغادرة السودان واللجوء إلى مصر. هناك، لم تنتظر ولاء الفرصة، بل صنعتها. في بلد جديد وظروف قاسية، عادت الفكرة من جديد: مشروع محمول، مستدام، ومُنتَج بيدها. لاحظت غياب درجات كريم الأساس المناسبة للبشرة السمراء في الأسواق، ومن هذا النقص وُلدت الفكرة: إنتاج مستحضرات تجميل سودانية تُراعي تنوّع ألواننا وهويتنا.
بدأت من الصفر؛ التحقت بدورات تدريبية، وطوّرت علامتها التجارية الخاصة في تصنيع المكياج. لا تمويل خارجي، ولا دعم مؤسسي، فقط إرادتها، دعم أسرتها، وما تبقّى من رأس مال قديم. وخلال فترة وجيزة، نجحت في بناء اسم يُذكر، وجودة يُعتمد عليها، وبراند يُعبّر عنها وعن آلاف النساء السودانيات.
منتجات تجميلية من براند ولاء البدري. المصدر: صفحة ولاء البدري
مشاريع الصغيرة
إسراء محمد: شابة تكسر النمط و تفتتح مطعم كوري في شرق السودان
إسراء محمد، الشابة من ولاية كسلا، التي وجدت في الطهي طريقاً للثبات والنهوض. بعد أشهر قليلة من اندلاع الحرب، وبأول راتب حصلت عليه من عملها مع أختها، بدأت مشروعها من المنزل في إعداد الأكلات الآسيوية، لتصبح لاحقاً صاحبة أول مطبخ متخصص في الطعام الكوري في كسلا تحت اسم ميمي كوري.
كانت البداية بسيطة – طبق واحد فقط – لكن خلفه كانت سنوات من التجريب والشغف بالمطبخ الكوري والصيني، امتدت لأكثر من خمس سنوات. مع تطور المشروع، جاءتها فكرة إنشاء مطعم، وهو ما تحقق بعد شراكة اقترحها عليها أحدهم قبل الافتتاح بخمسة أشهر. وفي 15 فبراير، افتُتح مطعم ميمي كوري رسمياً، ليقدّم تجربة طعام جديدة لسكان المدينة.
تُحضّر إسراء اليوم أكثر من عشرة أصناف من الأطعمة العالمية مثل التكبوكي، الراميون، الكورندوق، الدومبلينغ، الكاتسو، الكيمتشي، والموتشي. وقد حرصت منذ البداية على توفير أدوات المائدة المناسبة، فطلبت العيدان الخشبية عبر شحن خاص لتكمل التجربة الآسيوية الأصيلة.
لم يكن التحدي في الطبخ، بل في الظروف؛ الكهرباء المتقطعة في السودان أجبرتها على تقليل الإنتاج، فاعتمدت نظام الطلبات الأسبوعية للحفاظ على الجودة والتنوع. رغم صعوبات التبريد ونقص بعض المكونات، استطاعت إسراء أن تحافظ على مشروعها وتُرضي زبائنها، الذين وجدوا في طعامها تجربة جديدة ومميزة. فخورةً بما حققته، تواصل اليوم تطوير وصفاتها، مجربة أصنافاً جديدة لتضيفها إلى قائمة ميمي كوري، ومؤمنة أن النكهة الحقيقية تبدأ من الشغف.
صورة لعدد من الأطباق في المطعم. المصدر: صفحة مطعم ميمي كوري على الفيس بوك
لينا صلاح: من هواية إلى مشروع
لينا صلاح من كوستي، تعمل من منزلها في صناعة الكروشيه والشنط بالخرز. بدأت كهواية منذ عام 2019 ولم تكن تخطط لتحويلها إلى مشروع. لكن مع بداية الحرب وتدهور الوضع الاقتصادي، قررت أن تبدأ مشروعها كمصدر دخل.
وجدت دعماً كبيراً من أسرتها والمحيطين بها، لكن المشروع واجه تحديات صعبة مثل ارتفاع أسعار الخامات وصعوبة الحصول عليها نتيجة الحصار الاقتصادي على ولاية النيل الأبيض، في وقت كان الناس يركّزون فيه على الاحتياجات الأساسية. رغم ذلك، استمرت لينا في العمل، وتقول إن متوسط أرباحها الشهرية يبلغ حوالي 250 ألف جنيه سوداني، وهو مبلغ جيد لمشروع صغير بدأ في ظروف استثنائية.
اليوم، تُعرف لينا على نطاق واسع داخل الولاية، وتلقى منتجاتها طلباً متزايداً من الزبائن. تؤمن أن التصميم والابتكار قادران على فتح الأبواب، وتعمل حالياً على توسيع نطاق مشروعها ليصل إلى ولايات أخرى. رغم أنها لم تتلقَّ أي دعم رسمي حتى الآن، فإنها ترى أن مشروعها قابل للنمو، وتتمسك بأمل كبير في أن تصبح منتجاتها جزءاً من مشهد الموضة المحلي في مختلف أنحاء السودان.
صورة لإحدى تصميمات لينا صلاح، المصدر: لينا صلاح
قوانين الاستثمار بين الحياد النظري والتمييز العملي
رغم أن قانون تشجيع الاستثمار السوداني لسنة 2021 لا يتضمن أي تمييز صريح على أساس النوع الاجتماعي، إلا أن البيئة التنظيمية التي ينظمها تفرض قيوداً غير مباشرة تحد من تمثيل النساء في ريادة الأعمال. وتشير بيانات مسح ريادة الأعمال العالمي (GEM 2020) إلى أن غالبية النساء 66% يعتمدن على مدخراتهن الشخصية لتمويل مشاريعهن. بينما لا تتجاوز نسبة من حصلن على تمويل مصرفي 17%، بسبب اشتراطات الضمانات العقارية التي لا تتوفر لعديد من النساء بسبب التوزيع غير المتكافئ للملكية العقارية داخل الأسرة أو المجتمع.
كذلك، تُظهر تقارير البنك الدولي أن تأسيس مشروع صغير في السودان يتطلب ما بين 56 إلى 66 إجراءً إدارياً، تشمل جهات اتحادية ومحلية، ما يشكل عبئاً إضافياً على النساء بالنظر إلى مسؤولياتهن الاجتماعية والأسرية.
وفي جانب التمويل، تُصعّب المتطلبات المصرفية العامة –وإن كانت محايدة نظرياً– من وصول النساء للتمويل، مما يؤدي إلى تمثيل منخفض في قطاعات الاستثمار الرسمي. كما تلعب القيود الثقافية والتقاليد الاجتماعية دوراً تراكمياً، حيث كانت النساء حتى وقت قريب يواجهن قيوداً قانونية على الحركة والتوقيع الرسمي باسمهن، ما أثّر سلباً على مشاركتهن الفعلية في الاقتصاد.
وتشير توصيات الجهات البحثية إلى ضرورة تبني سياسات داعمة تشمل برامج تمويل مخصصة للنساء، تبسيط الإجراءات الإدارية، وتوفير ضمانات بديلة عن العقارات.
الاستجابة للتحديات: مبادرات التدريب و التمكين
أظهرت نتائج استطلاع ميداني أُجري ضمن إعداد هذا التقرير أن التحديات التي تواجه النساء السودانيات عند تأسيس مشاريعهن تتجاوز الجانب المالي لتشمل أبعاداً اجتماعية وبنيوية. فقد أفادت غالبية المشاركات بأن نقص رأس المال هو العائق الأكبر أمام البدء في مشروع، حيث تم اختياره من قِبل أكثر من 86% من المستجيبات. كما برزت ضعف البنية التحتية مثل انقطاع الكهرباء، ورداءة الإنترنت، وصعوبات النقل كعامل رئيسي يعيق التشغيل والاستمرارية، لا سيما في المناطق الطرفية.
إلى جانب ذلك، أظهرت البيانات أن أكثر من 65% من المشاركات يعانين من قلة الخبرة في إدارة المشاريع، وضعف التدريب الفني، بينما أشار عدد كبير منهن إلى غياب الدعم الأسري والمجتمعي، وهو ما يعكس التحدي الثقافي الذي لا يقلّ تأثيراً عن التحديات الاقتصادية. وفي المقابل، عبّرت نسبة كبيرة من النساء عن اهتمامهن بالتمكين والتدريب؛ إذ أبدت 93% من المشاركات رغبة في حضور ورش عمل متخصصة في ريادة الأعمال، وأكدت نسبة مماثلة على أهمية وجود دعم موجّه خصيصاً للنساء.
في هذا السياق، أوضحت مشاعر عبدالكريم، رئيسة جمعية رائدات الأعمال في كوستي، أن الجمعية تسعى إلى تمكين النساء اقتصادياً، خاصة صاحبات المشاريع الصغيرة التي تحتاج إلى دعم مالي وفكري. وتخطط الجمعية لتنظيم ورش عمل في مجالات ريادة الأعمال والتسويق، إلى جانب إقامة أسواق مفتوحة لدعم المنتجات المحلية. كما تطمح إلى توسيع نشاطها مستقبلاً ليشمل محو الأمية والتعليم في المناطق الريفية.
وأشارت مشاعر إلى أن الجمعية لم تتلقَّ أي دعم حتى الآن، رغم حاجتها إليه، مؤكدة أن نقص رأس المال هو التحدي الأكبر، يليه صعوبة إقناع الأسرة بخوض سوق العمل. وأضافت أن أكثر من 80% من النساء يواجهن هذه التحديات عند التفكير في تأسيس مشروع. واختتمت بدعوة كل امرأة تمتلك الرغبة في أن تبدأ مشروعها وألا تتردد في اتخاذ الخطوة الأولى.
جمعية رائدات الأعمال بالنيل الأبيض تطلق دورة تدريبية بعنوان "ابدأ مشروعك" . المصدر: صفحة رائدات عمل على الفيس بوك
الدعم المؤسسي و المجتمعي: شراكات نحو التمكين
رغم ضعف البيئة الداعمة وغياب السياسات التحفيزية، برزت بعض الجهات التي تسعى لتمكين المرأة اقتصاديًا، مثل هيئة الأمم المتحدة للمرأة، التي أطلقت خلال السنوات الماضية برامج لرفع مهارات النساء في إدارة المشاريع والوصول إلى التمويل، لا سيما في ولايات دارفور والنيل الأزرق وكسلا. كما نفّذ المجلس الثقافي البريطاني عبر مبادرة "المرأة في الاقتصاد" تدريبات شملت التسويق الرقمي، التخطيط المالي، والعلامة التجارية، بالتعاون مع شركاء محليين.
من جانب آخر، تبرز فعاليات مجتمعية مثل Khartoum Lights، التي تحولت من مجرد سوق موسمي إلى منصة تفاعلية تربط بين رائدات الأعمال والمستهلكين والداعمين المحتملين، في بيئة آمنة تُعلي من قيمة الإنتاج المحلي. بحسب منظمّي الفعالية، فإنّ أكثر من 70% من المشاركات فيها هنّ من النساء، نصفهنّ يشاركن للمرة الأولى في معرض مفتوح.
الخاتمة
تعكس قصص رائدات الأعمال السودانيات في هذا المقال روح الصمود والإبداع التي تميز المرأة السودانية. ففي ظل ظروف اقتصادية وسياسية بالغة التعقيد، استطاعت هؤلاء النسوة في تحويل شغفهن وطموحاتهن إلى مشاريع ناجحة، تتراوح بين المشاريع الكبرى والمتوسطة والصغيرة، لتسهم بفاعلية في بناء اقتصاد أكثر مرونة وتنوعاً. إن التحديات الكبيرة التي تواجههن، من نقص رأس المال وضعف البنية التحتية إلى غياب الدعم المؤسسي الكافي، لم تثنِ عزيمتهن، بل زادت من إصرارهن على تحقيق النجاح وتقديم نماذج ملهمة. كما أن دعم هذه المبادرات النسائية ليس مجرد مساعدة فردية، بل هو استثمار في مستقبل السودان، حيث تبرهن المرأة يوماً بعد يوم أنها ليست فقط جزءاً من الحل، بل هي قائدة التغيير ومهندسة التنمية المستدامة.