إنتشرت مؤخراً موجة من الفنانين المبدعين في معارض مستقلة و على الإنترنت، ولا شك أن الإنترنت ساعد بشكل كبير في دعم نمو المشاريع الناشئة، وسهّل وصول أصحاب الأفكار المتقارية لبعضهم البعض وبذلك دفع نمو المشاريع الصغيرة التي كانت ستعاني إن خطت في طريق المشاريع التقليدية. في هذا الملف سنسلط الضوء على نوار كمال (22 سنة) مصممة مجوهرات NK (NK Jewelry) والتي تخرجت بتخصص في دراسات التسويق. تصمم نوار قطع المجوهرات الفريدة على نغمات التراث الأفريقي في السودان وبقية أفريقيا و تمزج بين المواد التقليدية الخلابة بطرق حديثة.
تصوير: مكي راشد
ماكياج: سلاف الأمين
عارضات أزياء: ميادة عادل و سارة الأمين
ما هي قصة إنشاء مجوهرات NK؟
في عام 2009، أثناء دراستي الجامعية سافرت إلى غانا في عطلة و ألتحقت هناك بدورة تدريبة لصنع المجوهرات. أحببت حبات الخرز في غانا بعد التعرف على التقنيات المستخدمة لخبزها وخلط الأنماط والألوان. بعد الحصول على المهارات والتقنيات اللازمة لصنع المجوهرات من الخرز، عدت إلى السودان و صنعت مجموعة صغيرة لبيعها في بازار مدرسي في عام 2010. كانت تجربة صادمة لأنني لم أتوقع أن يحب و يشتري الناس السوك سوك (الخرز) الذي صنعته، لكنني جنيت الكثير من المال ذاك يوم. عندها قررت أن هذه فكرة تجارية قابلة للنمو. شغفي لتصميم المجوهرات من سن مبكرة هو ما دفعني لدراسة التسويق في الجامعة. كنت أعرف أنني بحاجة لكسب خلفية أكاديمية لدعم إنشاء شركة لتصميم المجوهرات في المستقبل.
ين تجدين الإلهام؟
بطبيعتي أحب الفنون والثقافات الأفريقية. و لكني لاحظت أن الثقافة الأفريقية محصورة في أشكال معينة في السودان كالرسم و النحت – عكس ما وجدت في كينيا أو غانا على سبيل المثال، من النادر أن نرى مجوهرات عصرية بلمسة أفريقية بإستثناء المصممة خصيصاً للأحداث التقليدية.
حدثينا عن تصميماتك؟
في بداية إنطلاقة المشروع ظن الناس أن عملي غريب، فلم يتعودوا في الماضي أن يروا حبات خرز كبيرة مخلوطة بلمسة من الذهب. صديقتي و مصدر إلهامي تبيان بحاريكانت و لا زالت واحدة من القليلين الذين فهموا رؤيتي من البداية و رأوا الجانب الجمالي لما أصنعه. حتى الآن، فهي مستمرة في دعمي وإلهامي عن طريق إرسال الصور والحسابات الفنية التي تعتقد أنني سأعجب بها و تلهمني. يرى الكثير أن فن تبيان أيضاً غريب الأطوار قليلاً، فنقدم السند لبعض في هذا النحو.
رؤيتي التصميمية الأولية قادتني لإستخدام مواد صديقة للبيئة مثل الزجاج المعاد تدويره و الصدف، و عظام الحيوانات ، والنحاس والخرز و النوع الحممي منه و والمرجان وغيرها الكثير، إستخدام هذه المجموعة المتنوعة ساعدني على فهم الحد من النفايات لأن الفن يمكن أن يحول أي شيء إلى قطعة جميلة بوجود الرؤية التصميمية المناسبة و أعتقد أن إستخدام المواد الأصلية يجعل تصميماتي تبرز، فلقد إخترت خلط حبات الخرز و النحاس كلمسة تصاميمي المميزة.
منذ البداية لعبت عميلاتي دوراً كبيراً في توجيهي نحو أنواع التصاميم التي أنتجها الآن. ففي البداية تعودت أن أصنع قلائد فقط، ثم تلقيت ردود فعل من سيدات أردن إرتداء تصاميمي مع الثياب السودانية، بالتالي أدرجت تصاميم خاصة لهذا الغرض. كما إقترح البعض زيادة طبقات إضافةـ وإقترحت أخريات أطوال مختلفة لتصاميم معينة. على الرغم من أن بعض التعديلات تأخذ المزيد من الوقت، ولكن لا تزال تجربة تخصيص التصاميم لتوافي رؤى العميلات جزءاً قيماً من علاقتي معهن.
في أحدث مجموعاتي قررت إضافة لمسة عصرية من خلال دمج البلورات والماس واللؤلؤ والزهور مع الخرز الأصلي وبصراحة لم ألتف حول موضوع معين، و لكن هذا ما يمثل الفن بالنسبة لي فأنا أرى الفن كعملية سلسة حيث يتم ربط الصناعة بالإلهام والوقت المتاح بعد إدارة مبيعات المجموعة الحالية و ترويجها. عندما أرى أنه تم بيع مجموعة ما مراراً وتكراراً آخذ القرار ببدء العمل على مجموعة جديدة.
مزج التقليدي مع الحديث أصبح سوق مربح في الوقت الحاضر، خصوصاً أن النساء بتن يبحثن عن قطع فريدة، هل ترين هذا في قاعدة عميلاتك ؟
بالتأكيد أنا أعمل في سوق متخصص، ولكن بعد خمس سنوات من التصميم و البيع أرى أن هناك نوعين من النساء اللواتي يقتنيان تصاميمي، هنالك السودانية التي تحب إرتداء تصميمات فريدة من نوعها وتقدر الصناعة المحلية، وهنالك أيضا الأجنبية التي تحب القطع الفنية الأفريقية و حسب رؤيتي أن المميز في تصاميمي أنها مناسبة للإرتداء في أي مكان و في أي وقت طالما أنها تختلط مع أزياء مناسبة لأسلوبها و ألوانها المتعددة.
كيف يكافئك عملك ؟
المكافأة بالتأكيد تأتي من خلال سماع ردود فعل عميلاتي وعندما تتصل بي صديقاتهن لإبداء الإعجاب بالتصاميم، فأنا أعلم وقتها أن دائرة الثقة موجودة ومتوسعة. كما أنني أحب إدارة عملي الخاص لأنني من خلاله إستطعت تحويل شغفي إلى عمل قابل للتطبيق وأنا قادرة على تشغيله بكفاءة وعندما أنظر إلى تصميماتي الأولى في 2010 أستطيع أن أرى فرقاً ملموساً في الحرفية والأسلوب، وهذا يريحني لأنه يدل دلالة أنني أنمو كفنانة وكذلك كسيدة أعمال.
و كنت قد قمت بالشراكة مع مصممة الأزياء العمانية صحوة والتي تدير دار كرونكو للأزياء بإشراك تصاميمي على مدى عامين على التوالي في 2014-2015. هذه خطوة كبيرة بالنسبة لي للخروج من قالب السودان والتوسع إلى شبكة أزياء أكبر.
ماهي التحديات التي تواجهك في هذا المجال ؟
يمكن تصنيف التحديات إلى قسمين؛التحدي الأول هو قدرة الإنتاج و المكان المحدوين، فأحيانا يكون تنظيم طلبيات العميلات تحدياً كبيراً لأني أعمل بمحدودية في الإنتاج، فكل قلادة تستغرق وقتاً ودقة، وبالتالي عندما تأتي طلبات كثيرة في آن واحد أصاب بالإرتباك. لحسن الحظ، لدي صديقات يساعدن في هذه الحالات و يقدمن يد المساعدة لتقديم الطلبات في موعدها المحدد.
المسألة الثانية معضلة أجد نفسي فيها في حالة عدم إستلام العميلة لطلبيتها في الوقت المحدد في حين تكون هناك عميلات أخريات أبدين إهتمامهن بنفس القطعة. إضافة إلى ذلك، بعض العميلات يطلبن تغييرات محددة، وبالتالي فهذا يأخذ المزيد من الوقت في الصناعة. على الجانب الآخر أيضاً عدم وجود متجر يعني أنني حالياً أعمل في منزلي المحدود مكانياً و غير مريح لعائلتي، وحتى أحيانا للعميلات اللاتي يأتين في أوقات مختلفة من اليوم.
أدرتِ مشروعك عبر الإنترنت على إنستاغرام و الفيسبوك لسنوات عديدة، ماذا بإعتقدك كان تأثير هذا على إدارة المشروع؟
نما المشروع على الإنترنت و هناك منصاتي الرئيسية لعرض التصميمات والتواصل مع العميلات بصفة شخصية. ساعدت بساطة تشغيل متجر الإنترنت على أن أركز على الجوانب التقنية لإدارة الأعمال بشكل كامل من البداية بتحديد مفاهيم التصاميم و شراء المواد، وعرض التصاميم وتسويقها و إدارة المبيعات والتواصل مع العميلات. وسائل التواصل الإجتماعي إينستاجرام والفيسبوك شهدت طفرة في الإستخدام في السنوات الأخيرة و هذا ساهم في توسيع قاعدة عميلاتي، التي إمتدت بدفعة من إنتشار الشكر عبر العميلات لشبكاتهم من الأصدقاء و المعارف، و أعتقد أن سيطرتي الكاملة على خط الإنتاج أتاحت لي فرصة ممتازة للتواصل المباشر مع عميلاتي.
ما هي أهدافك المستقبلية ؟
أعمل الآن على أهدافي للسنوات القادمة، و أهمها أن أرى مجوهرات NK تعمل ليس فقط في العالم العربي بل في العالم الغربي، مثلاً أود أن أفتتح متجر متكامل على الإنترنت، مما سيجعل العملية برمتها أسهل من حيث الدفع و تسليم المنتج. ولكنني للأسف لم أجد الفرصة لتفعيل هذا المتجر في السودان حتى الآن بسبب العقوبات والقيود المالية وهذا تحد آخر بالنسبة لي، لأنني إضطررت أن أرفض طلبات من عميلات في دول أخرى بسبب الكابوس الوجستي في إرسال المنتج وتلقي الدفع هنا.
أعمل كذلك على إعادة هيكلة الشركة داخلياً، و إستطعت الإتصال بخبير في الأعمال التجارية سيساعدني في تفعيل التغيرات المستقبلية. في الحقيقة أنا أتعلم الكثير من خلال عملي وتخطيطي للمستقبل والتعامل مع التغيرات الجديدة؛ حتى الآن أرى أكبر تغيرات في الأفق: موقعي الخاص على شبكة الإنترنت، متجر وورشة ومبيعات دولية.
من ناحية أخرى، أخطط للعمل أكثر على نموي الخاص كفنانة، أشعر بقوة أن الممارسة تجلني أفضل، ولكني أود أن أضيف إلى مهاراتي صناعة الذهب الفضة. وهذا من شأنه أيضاً أن يجعلني أبدأ في ورشة خارج الحالية (في المنزل) بسبب حجم المعدات والضوضاء التي حتماً ستزعج عائلتي. واحدة من أهدافي في نهاية المطاف إنشاء مركز تعليم النساء على أساسيات تصميم المجوهرات، ربما أستطيع أن أُلهمهم لإنشاء أعمالهم الخاصة – وهو ما حدث لي في غانا.