مقدمة
يتمتع الفن الصومالي بتاريخ غني وواسع يمتد لآلاف السنين. من بين أقدم الأمثلة على ذلك الرسوم الصخرية الرائعة التي عُثر عليها في كهوف لاس غيل بالقرب من هرجيسا. هذه الكهوف تحتوي بعضاً من أقدم الفنون الصخرية المعروفة في أفريقيا، والتي يعود تاريخها إلى حوالي 9,000 سنة. تتضمن الأعمال الفنية مجموعة واسعة من المشاهد، بما في ذلك تصوير الماشية، الحيوانات البرية، إلى جانب الشخصيات البشرية التي غالباً ما تكون مزينة بأغطية رأس معقدة. توفر هذه الأعمال الفنية القديمة رؤى قيمة حول حياة الشعب الصومالي في العصور المبكرة، مظهرةً ارتباطهم العميق بالطبيعة واعتمادهم على الثروة الحيوانية. إن التركيز البارز على الماشية يبرز أهمية الرعي في الثقافة الصومالية، وهو تقليد لا يزال حيوياً حتى يومنا هذا. علاوة على ذلك، تعكس الألوان الزاهية والتصاميم المعقدة الموجودة في رسومات لاس غيل الذوق الجمالي القوي لدى الشعب الصومالي القديم، وهي سمة تم الحفاظ عليها وتقديرها عبر الأجيال.
في هذا المقال، أجريت مقابلة مع الفنانة الصومالية الشابة رحمة عبدي هاشي التي تعمل في مجال المهندسة الميكانيكية أيضاُ و تستخدم رحمة اسم "إيفوك" كعلامة تجارية. كما سلطت الضوء على اللحظات الرئيسية وتأملات الفنانات الصوماليات من عدة مجالات.
النزاعات وتأثيرها على الفن
خلال فترة الحرب الأهلية بعد انهيار الحكومة الصومالية، تراجع الفن الصومالي، وفرّ الفنانون الذين يمتلكون موهبة فنية من البلاد، بينما أولئك الذين بقوا لم يتمكنوا من رسم أي شيء بسبب التحديات والفرص المحدودة التي واجهوها. في تلك الفترة، أصبح الفن وغيره من الآداب نادراً. على الرغم من أن النساء كنّ ظل الأمل في كل مشهد مخيف شهدناه، فقد حاولن تحويل التحديات إلى فرص. وكان ذلك هو الوقت الذي تعلمت فيه العديد من النساء الصوماليات فنون الرسم وأظهرن الموهبة التي يمتلكنها، وكان بإمكانهن أن يصبحن مثل فريدا كاهلو. رحمة والعديد من الفنانات الصوماليات اللواتي وُلِدن في تلك الحقبة أظهرن الإمكانيات التي يتمتعن بها.
بدأت بسؤال رحمة: "ما هي التحديات الرئيسية التي تواجهها النساء الصوماليات في مجال الفن والثقافة خلال فترات الحروب الأهلية؟"
فأجابت قائلةً: "خلال فترات الحروب الأهلية، واجهت النساء الصوماليات تحديات كبيرة في الفن، بما في ذلك القيود المفروضة على الحقوق، والإيذاء الجسدي، والإساءة نتيجة الحرب، والضغوط الاجتماعية، وإفتقارهن لحرية التعبير عن فنهن، مما أعاق مشاركتهن في الفنون. ومع ذلك، على الرغم من هذه العقبات، استخدمت بعض النساء الفن والثقافة بشجاعة للتعبير عن مشاعرهن وإلهام الآخرين وإظهار إمكانياتهن في المساهمة في إعادة بناء وتطوير المجتمع في تلك الأوقات الصعبة".
معرض "HOY"
قام كل من مهاد محمد، محمد مير، وفابيو سكريفانتي بتنظيم معرض للصوماليين بعنوان "هوي" في المتحف الوطني في مقديشو في يوليو 2023. أظهر مهاد وفريقه كيف يمكن لجهد واحد أن يؤدي إلى تغييرات كبيرة، مسلطين الضوء على فكرة أن الشعب الصومالي يمكنه تحقيق أعمال عظيمة عندما يتحد. تعني كلمة "HOY" باللغة العربية "البيت"، وهو المكان الذي تبدأ فيه الحياة، ويلتقي فيه الأحباء.
في هذا الحدث، عرضوا أنشطة فنية جميلة، وقدموا مفهوم "البيت"، وعرضوا جمال الفن، وصوراً فوتوغرافية للشعب الصومالي وأرضه، بالإضافة إلى مساهمات النساء الصوماليات في مجالات الفن والتصوير الفوتوغرافي. إجتمع العديد من الصوماليين هناك ليشهدوا ما يحمله "HOY" من رسائل. كان "HOY" حدثاً ملهماً دفع المجموعات الفنية الأخرى إلى القيام بالمثل، مثل "فانكييننا" في هرجيسا التي نظمت حدثاً مشابهاً في فبراير 2024.
سألتُ مهاد: "بما أنك أحد المنظمين، هل يمكنك مشاركتنا بما يعنيه هذا الحدث لك؟ بالإضافة إلى ذلك، كيف شاركت النساء أو ساهمن في هذا الحدث؟"
"شكراً لكوداكس، فهذا شرف كبير لي. أشعر بسعادة كبيرة لأنني قد نظمت أول معرض من هذا النوع في بلادي، وهو أمر لا يمكن الإستهانة به. لقد شاركت النساء الصوماليات بشكل جيد جداً، يمكنكِ أن تري كيف عرضن إنجازاتهن هناك، ويمكنكِ أن تفهم مدى حماستهن لإقامة معارض من هذا النوع حيث يمكنهن عرض قدراتهن وإبداعهن الفني." هكذا أجاب مهاد محمد.
شاركت كل من سناء أشرف، وآيان سعيد، ونجاح هارون، وفادوما محمد في معرض "HOY". فقد عرضن أعمالهن وأظهرن أن النساء الصوماليات قادرات على القيام بأشياء مذهلة ولديهن أيضاً موهبة كبيرة في قلوبهن. شارك الثلاثة الأوائل بلوحاتهن، بينما عرضت فادوما مجموعة من الصور التي التقطتها. كما قدم مصورون صوماليون من الذكور أعمالهم هناك؛ كان من بينهم سيبرينتس، محمد أوتاما، كاليك أحمد، سيد فداهي، ومامادو عمر. حيث جعلت مشاركاتهم المعرض يتألق.
جانب من المعرض. المصدر: محمد أوتاما
سناء تشرح فنها للزوار. المصدر: محمد أوتاما
جانب من المعرض. المصدر: محمد أوتاما
سألتُ رحمة: "ما أهمية الصور والمعارض الفنية التي تعرض الثقافة الصومالية، وخاصة تلك التي تقودها النساء؟"
فأجابت: "الصور والمعارض الفنية التي تقودها النساء مهمة للغاية لعرض الثقافة الصومالية، حيث تسلط الضوء على وجهات نظر وروايات فريدة. شجعت هذه الفعاليات الفنانات من خلال توفير الرؤية ومنصة ليتحدين الصور النمطية، وتعزيز الفهم الثقافي، وإلهام الأجيال القادمة."
حكايات الفنانات الصوماليات
على الرغم من أن عدد النساء الصوماليات اللواتي يعملن في مجال الفن قليل، إلا أن العديد منهن يحاولن رفع أيديهن وإظهار ما يمكن أن تفعله النساء الصوماليات. نجمة هاشي أحمد، التي تستخدم اسم "نجوم آرتس" كاسم فني، هي واحدة من أفضل الأمثلة إذا تحدثنا عن دور النساء الصوماليات في صناعة الفن. رسمت نجمة العديد من الأعمال الفنية، ودائماً ما تتحدث عن الفن الذي يمكن أن تمارسه النساء الصوماليات.
قالت نجوم في لقاء في 2020: "أريد أن أستمر في رسم هذه الصورة الجميلة للفتيات الصوماليات لأننا، كنساء صوماليات، يمكننا تحقيق ما نريده في حياتنا، ويمكننا أن نخلق حياتنا الخاصة دون أن نخاف من أحد. مجتمعنا مجتمع مهيمن عليه الذكور، ولكننا نكافح ونقاتل ضد هذا الهيمنة، لأننا أيضاً يمكننا تحقيق أحلامنا من خلال عملنا الجاد، ويمكننا أن نتحدث ويمكن أن يتم الإستماع إلينا."
لوحات نجوم أرتس. المصدر: محمد أوتاما
سألتُ رحمة: "كيف تستخدم النساء الصوماليات الفن لمعالجة القضايا الاجتماعية مثل المساواة بين الجنسين والتعليم؟"
فأجابت: "تستخدم النساء الصوماليات الفن لمعالجة القضايا الاجتماعية الرئيسية مثل التعليم وحقوق المرأة. ويعبرن عن آرائهن ويتناولن التحديات الثقافية من خلال الأغاني والأدب والحكايات التقليدية والفنون البصرية. تسمح هذه الأشكال الفنية لهن بتسليط الضوء على قضايا مثل التمييز الجنسي والإساءة، بينما يدافعن عن المساواة في التعليم. على الرغم من العقبات، يستمررن في عرض مواهبهن عالمياً، مستخدمات كل من المنصات التقليدية والحديثة، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي. وبالنسبة لي، أستخدم إنستغرام للترويج للتغيير الاجتماعي والمساواة بين الجنسين."
سناء أشرف هي أيضاً واحدة من الفنانات الصوماليات البارزات. تخرجت كمهندسة مدنية مثل رحمة ولديها شغف بالفن مثلها وترسم فنوناً مرتبطة بالصوماليين والطبيعة. تستخدم فنها لزيادة الوعي بالعديد من التحديات مثل قضايا المناخ والمساواة بين الجنسين وتعزيز التغيرات الاجتماعية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، باستخدام فنها فقط. وعرضت فنها في معرض "HOY" ومعارض أخرى، مثل معرض "EUGREENWEEK".
فن سناء عن البيئة الخضراء. المصدر: محمد أوتاما
شيماء معاد فنانة تشكيلية بارزة شاركت في المعرض الافتتاحي لـHangool الذي أقامته فانكييننا. تخرجت من كلية التغذية وعلوم الأغذية وحصلت على درجة ثانية في الهندسة المعمارية وتخطيط المدن. سألتها عما تستخدمه في الفن، فقالت: "بشكل عام، بالنسبة لي، الفن هو وسيلة للتواصل، للتعبير عما أشعر به أو أفكر فيه أو أريد قوله". كانت مساهمتها في المعرض الافتتاحي لـHangool ملحوظة، حيث قدمت أعمالاً فنية مذهلة.
مشاركة شيماء في معرض Hangool. المصدر:محمد أوتاما
أعمال رحمة متجذرة بعمق في علم النفس. فهي ترسم لوحات واقعية، والعديد من أعمالها الفنية متجذرة بعمق في الواقعية الاجتماعية. قالت رحمة: "الفن هو عن قول الحقيقة، وأنا لا أفعل سوى ذلك." رحمة هي مهندسة مثل سناء التي ذكرناها سابقاً. كلاهما يستخدم فنهما من أجل التغيير الاجتماعي ولتعزيز الحقيقة.
لوحة رحمة عن لوم الذات. المصدر: محمد أوتاما
فاطمة عويس، فنانة صومالية شابة تقوم برسم اللوحات والرسوم التوضيحية، وفن المانغا،. فاطمة هي واحدة من النساء الصوماليات الموهوبات الشابات اللاتي استخدمن فنهن لتتبع التغيير الاجتماعي وتعزيز السلام والنزاهة. تقول فاطمة إن الفن هو "طريقة للتعبير عن الذات." وكامرأة صومالية، صنعت فاطمة فنها للتعبير عن نفسها من خلال إظهار مدى قدرة النساء الصوماليات للعالم.
فاطمة عويس تحمل لوحة فنية رسمتها عن السلام. المصدر: محمد أوتاما
سألتٌ رحمة: "كيف ينظر المجتمع العالمي إلى دور النساء الصوماليات في الفن والثقافة من حيث عرض أعمالهن الفنية؟"
أجابت قائلةً: "يعترف المجتمع العالمي بالدور الحيوي للنساء الصوماليات في الحفاظ على ثقافتهن وتحويلها من خلال الفن، على الرغم من التحديات الكبيرة التي يواجهنها. لقد رأوا أننا نستخدم وسائل فنية متنوعة للتعامل مع القضايا الاجتماعية والثقافية والسياسية، لتعزيز حقوق المرأة واستخدام التقنيات الحديثة لزيادة رؤيتهن وتأثيرهن على مستوى العالم."
لا يمكننا نسيان نجاح هارون عندما يتعلق الأمر بذكر الفنانات الصوماليات. تستخدم نجاح فنها ورسمها للتعبير عن الذات والمجتمع. حيث قالت في لقاء في 2024: "كانت مواضيع أعمالي دائماً تعبيراً عن الذات والمجتمع، كما ترى، لقد وُلِدت بعد الحرب الأهلية في بلد فقدت فيه معظم طرق التعبير عن الذات، لذا جيلي من الفنانات المبدعات أصبحن بشكل تلقائي هن اللاتي يحاولن إعادة بناء تلك الجسور. معظم لوحاتي هي صرخة على القماش إذا جاز لي قول ذلك، ما لا أستطيع كتابته أرسمه، وهكذا يكون الحال عادة بالنسبة لي."
نجاح هارون تقف أمام عملها الفني. المصدر:محمد أوتاما
تُظهر النساء اللواتي ذكرتهن سابقاً وفنانات صوماليات أخريات الإمكانيات التي يمتلكنها. حيث يحاولن استخدام فنهن من أجل السلام والوحدة والقوة في المجتمع الصومالي. وعلى الرغم من أنهن لم يدرسن في مدارس الفنون تخصصن في مجالات أخرى، إلا أنهن لا يتوقفن عن تعزيز السلام والثقافة وقول الحقيقة، و التعبير عن أفكارهن من خلال الفن. على سبيل المثال، قامت نجوم هاشي برسم عمل فني يروي قصة مدني بريء قُتل على يد شرطة أرض الصومال خلال احتجاجات ضد حكومة السيد بيهي في أغسطس 2022. كما قامت بعمل فني آخر يظهر امرأة شابة وهي تضرب أحد وزراء حكومة موسى بيهي.
تم رسم كلتا اللوحتين بواسطة نجوم. المصدر: محمد أوتاما
تابعت بسؤال رحمة "ما الذي دفعكِ لمتابعة الفن، على الرغم من دراستكِ لمجالات أخرى مثل الهندسة في الجامعة؟"
فأجابت: "أعتقد أن الفن يتيح للأفراد، بمن فيهم المهندسون مثلي على سبيل المثال، الذين يواجهون عملاً مرهقاً، التعبير عن أفكارهم بشكل إبداعي من خلال الفن والرسم. يُعد الفن بمثابة مهرب ذهني من صرامة المهام التقنية، مما يقدم طريقة منعشة لتحفيز العقل. بالنسبة للكثيرين، أعتقد أن الفن يمثل أداة تحوُّل تمزج بين المهارات التقنية والإبداع، مما يسمح لهم باستكشاف أفكارهم والتعبير عنها بطريقة فريدة."
الخاتمة
تُعيد النساء الصوماليات تعريف الفنون، و تحويل التقاليد القديمة التي تعود لقرون إلى تعبيرات معاصرة قوية. تاريخياً، اشتهرت هؤلاء النساء بسبب مهارتهن في الحرف اليدوية في المناطق الريفية، والآن يخلقن فناً يُنافس أقرانهن العالميات، متحديات الصور النمطية ويعيدن تنشيط الثقافة الصومالية. على الرغم من عقود من الزمن، استخدم مؤرخو الثقافة وصناع التغيير إبداعهم لعلاج وإلهام وإعادة بناء مجتمعاتهم، واحتفالاً بالتعبير الفني والمجتمع، فإن أعمالهم تمتد إلى ما هو أبعد من الجماليات، وتتناول قضايا مثل المساواة بين الجنسين والعدالة الاجتماعية وبناء السلام.
وترمز الفعاليات الأخيرة مثل معرض "HOY" لعام 2023، وبرامج التدريب المستهدفة للفتيات الشابات لتطوير المهارات الفنية، وعرض الأعمال الفنية في الجامعات المحلية مثل جامعة سيماد، تُمثّل جميعها نهضة ثقافية. وبالإضافة إلى هذا الزخم، جمعت "Sheekadeena" بالتعاون مع "4cartstudio" و"ewarap" عشرين امرأة شابة موهوبة، كانت العديد منهن يرسمن للمرة الأولى. كان فنهن عرضاً قوياً للإبداع والشجاعة، مما يسلط الضوء على الدور الحيوي للمنصات الفنية في تمكين النساء وتعزيز الروابط المجتمعية.
صورة من تصوير اسامة نور عن الفعالية. المصدر: محمد أوتاما
ومع ذلك، فإن الحفاظ على هذا الزخم يتطلب دعماً كبيراً يشمل التمويل، والمنصات، والتعليم. وكما تقول رحمة: "يتعلق الفن بقول الحقيقة، وهذا ما أفعله فقط." ومن خلال حقيقتهن، تتحدى النساء الصوماليات المعايير، وتحطمن الحواجز، ويضمنن أن تُسمع أصواتهن. إن فنهن ليس مجرد انعكاس للثقافة، بل هو قوة تشكّل مستقبلها، وتخلق إرثاً من الصمود والابتكار الذي سيلهم الأجيال القادمة. يجب علينا أن نواصل الاستثمار في المبادرات التي تمكّن وتُعلي أصوات النساء الصوماليات في الفنون، لضمان الاعتراف بمساهماتهن والاحتفال بها على نطاق واسع.