هذا المقال متوفر أيضاُ باللغة English

بعد شهرين من الحريق الذي دمر سوق واهين، أحد أكبر الأسواق المفتوحة في هرجيسا، عاصمة أرض الصومال، إيمان السكان وعزمهم على استعادة مصدر رزقهم الوحيد لم يذبل.


إندلع الحريق يوم الجمعة 1 أبريل 2022 الساعة 20:00 بتوقيت شرق إفريقيا، حيث دمرت ممتلكات قيمتها مليارات، ولكن الخبر السار هو أنه لم تُفقد أرواح ولكن تم الإبلاغ عن إصابة 28 شخصًا. تمت السيطرة على ألسنة اللهب في الساعة العاشرة من صباح اليوم التالي، نتيجة الجهود المتضافرة لمئات الأشخاص في الحي الذين بقوا مستيقظين طوال الليل خوفًا من التأثير المحتمل للهيب الضخم.


كان سوق واهين مركزًا لآلاف الأعمال التجارية الصغيرة وأكشاك السوق، والمصدر الوحيد للدخل اليومي لآلاف سكان المدينة. أدى الحريق الذي دمر مئات الأعمال وآلاف المحلات التجارية إلى تحويل مصادر دخل هؤلاء إلى رماد.

                                   

المصدر: تلفزيون أرض الصومال الوطني. مشهد الحريق

الوضع الإقتصادي في أرض الصومال

فشلت أرض الصومال منذ انفصالها عن الصومال في عام 1991 في الحصول على الإعتراف الدولي، مما أدى إلى ضعف الإقتصاد ومحدودية فرص الإستثمار. بسبب التجارة الخارجية المحدودة واجهت الحكومة تحديات في توفير الإزدهار الإقتصادي الكامل لسكانها البالغ عددهم 5 ملايين نسمة وكانت الشركات المحلية هي العمود الفقري لإستدامة الإقتصاد.


ومع ذلك، فقد بنت الأمة نفسها من الألف إلى الياء منذ عام 1991 بعد الصراع، وأحرزت تقدمًا لم يكن يُعتقد أبدًا أنه ممكن، وكانت الشركات المحلية والصغيرة العمود الفقري لإستدامة اقتصاد أرض الصومال. أدى حريق سوق واهين إلى القضاء على ثلاثين عامًا من الإجتهاد في 15 ساعة فقط، تاركًا الخراب لآلاف الأشخاص مما جعلهم يغرقون في حالة من الإفلاس. كان الوضع أكثر سوءًا لأن الحريق اندلع في الليلة التي سبقت بداية شهر رمضان في أرض الصومال، عندما تكون الأنشطة التجارية في هذا السوق مزدهرة عادة. على نحو العادة، يتسوق الناس لشراء الطعام واللوازم المنزلية والأثاث والملابس استعدادًا لشهر رمضان، وهو أكثر الأوقات انشغالاً لتلك الشركات الصغيرة في السوق.


وبحسب السلطات المحلية، فقد أثر الحريق على مئات من سبل العيش ودمر ممتلكات تصل قيمتها إلى ملياري دولار أمريكي. خسرت الحكومة المحلية ما يصل إلى 40٪ من إيراداتها وفقًا لنائب عمدة المدينة.


قال عمدة المدينة عبد الكريم أحمد موجي للصحفيين : "لم تشهد البلدة مثل هذه الكارثة الهائلة من قبل. كان هذا المكان هو المركز الإقتصادي لهرجيسا وعلى الرغم من أن رجال الإطفاء بذلوا قصارى جهدهم لإحتواء الحريق إلا أن السوق دمر".


يُشتبه في أن سبب الحريق كان صدمة كهربائية، لكن السلطات لم تؤكد بعد السبب المحتمل وراء بداية هذه الصدمة. خرج الحريق عن السيطرة بسبب إكتظاظ المباني وهياكل البناء الرديئة التي جعلت من المستحيل على رجال الإطفاء الوصول بسرعة إلى جميع المناطق. العديد من الأسواق المفتوحة الأخرى في مدن أرض الصومال معرضة لخطر مثل هذه الكارثة.


خلال زيارته إلى السوق، قال رئيس أرض الصومال موسى بيهي عبدي إن الحكومة المركزية ستفرج عن مليون دولار للمساعدة في الإستجابة الطارئة للكارثة، ورشح لجنة وطنية لعمل قائمة بالضحايا وتسجيل الممتلكات المفقودة لكل مشغلي السوق.


حب الوطن والتصميم على إعادة بناء السوق

كان من المثير للدهشة أن الناس من جميع مناحي الحياة تعاونوا مع رجال الإطفاء لإخماد اللهب، وتطوع العديد بعربات نقل المياه. الجهود الدؤوبة التي يبذلها الصحفيون المحليون لنشر الأخبار وتقارير وسائل التواصل الاجتماعي اجتذبت الدعم الذي اشتدت إاليه الحاجة من المدن المجاورة الأخرى، بما في ذلك دعم مدينة جيجيجا الإثيوبية التي وفرت المزيد من رجال الإطفاء.


كانت الروح الوطنية في الصدارة حيث قدمت الشابات دون كلل الطعام والشراب لرجال الإطفاء الذين عملوا لمدة 15 ساعة متواصلة بلا كلل لوضع حد للدمار. في مقابلة مع مراسلي وسائل الإعلام المحلية، فإن معظم الضحايا الذين فقدوا جزءًا كبيرًا من رأس مالهم التجاري اظهروا ايماناً وصبراً، قائلين أن لديهم إيمانًا كاملاً بالله وهم واثقون من أنهم سيتعافون تمامًا من هذا الحادث المؤسف. رد أحد رجال الأعمال الذي فقد عشرة متاجر في الحريق على أسئلة الصحفيين بحماس مطلق وعزم:

 "لقد بدأت أعمالي التجارية من الصفر وأعطاني الله كل هذه الثروة ولا يزال الله موجوداً وهو الوحيد الذي سألجأ إليه، أنا واثق من أن أعمالي ستزدهر مرة أخرى."


وأشار رجل أعمال آخر، بوشارو، إلى أن التجربة كانت نقطة تعلم وأنه يأمل جدًا أن يعيد بناء مصدر دخله.


قال تاجر السوق باش بوشارو : "لقد فقدت كل شيء الليلة. كان هذا الحريق هو الأكبر الذي رأيته في حياتي. كان لدي العديد من الأعمال في السوق وكلها احترقت وتحولت إلى رماد، كل ما يمكننا تعلمه من هذه الكارثة هو التخطيط الجيد للسوق".


قالت سعدو، بائعة في السوق، إن عائلتها بأكملها تُركت مفلسة بلا مصدر دخل. و لكنها مؤمنة أن لا شيء سيعيقها مرة أخرى حين تعود للبناء.


قالت سعدو يوسف: "كنت أعيل ستة عشر شخصًا من أعمالي الصغيرة في هذا السوق، و كنت شريان الحياة الوحيد لهم والليلة ليس لدي أي شيء ولا حتى شلن (بنس واحد). هذا لن يمنعني بأي شكل من الأشكال من إعادة البناء. لقد بدأت سابقًا من الصفر وسأفعل ذلك مرة أخرى".

        

سوق واهين قبل الحريق. المصدر: إدوارد كافانو / الجزيرة



أرض الصومال، على الرغم من عدم الإعتراف بها إلا أنها حظيت بالتعاطف والدعم من العديد من المسؤولين بما في ذلك رئيس وزراء المملكة المتحدة، بوريس جونسون. قال رئيس الوزراء بوريس جونسون على تويتر: "حزين لرؤية تداعيات الحريق في هرجيسا مع هذا الدمار في السوق المفتوح الذي يعد القلب الإقتصادي للمدينة، مما أثرعلى العديد من الشركات الصغيرة والعائلية."

        

تبرعت الشركات في أرض الصومال بحوالي 8 ملايين دولار أمريكي، باستثناء آلاف الدولارات التي تم توزيعها بالفعل على ضحايا الكارثة. تبرع الدكتور إسماعيل أحمد ، مالك شركة Worldremit ومؤسس مؤسسة SAHAMIYE، بمبلغ 150.000 دولار أمريكي تم توجيهه إلى 410 من سيدات الأعمال الأكثر ضعفًا والمتضررات من الحريق.


هناك أيضًا حملة ضخمة لجمع التبرعات من قبل مواطني أرض الصومال في جميع أنحاء العالم الذين يرسلون الموارد من أجل مساعدة الأفراد الذين فقدوا أعمالهم في الحريق ولإعادة بناء السوق. وقد أرسلت دول الجوار -بما في ذلك الصومال وجيبوتي- دعماً مالياً قدره مليون دولار لكل منهما. في حين حررت الصومال أيضًا مبلغ 11.700.000 دولار أمريكي معلق من البنك الدولي، حيث أنها تخطط لدعم الميزانية الوطنية لأرض الصومال ويتم إضافتها الآن إلى حسابات تبرعات واهين. كما قامت المؤسسات الحكومية في أرض الصومال بجمع الأموال لدعم المتأثرين من حرائق واهين. كما وعد الإتحاد الأوروبي بالتبرع بمبلغ 200000 يورو، بينما تبرعت المنظمات غير الحكومية الدولية الأخرى بمبلغ 500000 دولار أمريكي.


أخبرت اللجنة الوطنية المرشحة وسائل الإعلام المحلية أنها تلقت 15.902 مليون دولار. وذكروا أيضًا أنهم يأملون في تلقي 15 مليون دولار من مختلف الصوماليين المغتربين في أنحاء العالم. أقام التجار متاجر في الشوارع المجاورة لسوق واهين مع استمرار الجهود المبذولة لإعادة بناء السوق.


قال وزير الأشغال العامة والأراضي والإسكان في أرض الصومال عبد الله أبو بكر في إجتماع نظمته جامعة هرجيسا كلية الهندسة، والذي ضم مهندسي المدينة والموظفين المحليين والعامين، فيما يتعلق بخطط إعادة بناء سوق واهين:

"إعادة بناء سوق واهين هو شأن وطني ووزارة الأشغال العامة والأراضي والإسكان جلبت وكلفت المهندسين الأفضل تعليماً وخبرة في الدولة لإعادة تصميم سوق واهين والأسواق الأخرى في المدينة. وستشارك الحكومة المحلية في البناء كذلك."


.يرغب معظم مشغلي السوق في واهين في إعادة بناء السوق وستدعمهم الحكومة بالتصميم وستوفر المهندسين

الجميع يتطلع إلى المستقبل بعد هذا الحدث المدمر الذي هز الوطن وجيرانه.



المصادر:

https://somalilandsun.com/somaliland-rebuilding-waheen-market-in-hargeisa-challenges-and-opportunities-apd/

https://twitter.com/Kadarnouh/status/1510512797339328512

https://www.dw.com/en/fire-destroys-somaliland-wholesale-market/a-61342586


أميمة قود

أميمة كاتبة وباحثة مستقلة من صوماليلاند ، فقد تخصصت في هندسة الاتصالات والتعليم. لدى أميمة اهتمامات في بالشبكات واستراتيجيات وسائل التواصل الاجتماعي والابتكار وريادة الأعمال.