في السبعينيات والثمانينيات، كان المشهد الموسيقي الإثيوبي يشهد إزدهاراً ثوريًا من عباقرة الفن من مؤلفي الأغاني والمغنين والملحنين والعازفين. في المقال السابق تحدثنا عن جيرما بينيه ومحمود أحمد وعدد من الفنانين الآخرين. تتناول هذه المقالة ملك الموسيقى الإثيوبية الدكتور تيلاهون جيسيسي والأب الروحي للجاز الإثيوبي الدكتور مولاتو أستاتكي وغيرهم.
المصدر: بينتيريست - تيلاهون جيسيسي في أيام شبابه
"صوت إثيوبيا العظيم"
الدكتور تيلاهون جيسيسي (1940-2009)
بدأ تيلاهون جيسيسي بالغناء أمام زملائه في الفصل عندما كان صغيرًا. كان لديه شغف كبير بالغناء على الرغم من تحذيرات والده؛ حيث رفض تيلاهون مواصلة تعليمه وهرب من منزله إلى أديس أبابا لمتابعة مسيرته الغنائية. وسرعان ما أصبح الباقي تاريخًا حين أصبح أحد أشهر الفنانين الإثيوبيين في كل العصور. حيث قام الدكتور تيلاهون بتحويل صناعة الموسيقى بصوت ملائكي لا مثيل له وأعلن ملكًا لصوت الموسيقى الإثيوبية.
تستمر موسيقاه الخالدة في جذب قلوب الكثيرين. من بين أغانيه العديدة ، "إثيوبيا"، و "فكريش نيو يوغوداجن" (حبك يؤذيني)، و "ييهيووتي هيووت" (حياة حياتي) التي أعتز بها وهي أعز أغنية الى قلبي لأنها تعيد ذكريات عزيزة علي حيث كنا أنا وأبي نرقص على أنغامها عندما كنت طفلة. كان الدكتور تيلاهون يعمل على ألبوم جديد عندما وافته المنية، و للأسف مات قبل أن يكمله. ألبوم "Kome Lmerksh" (دعني أباركك واقفًا) تم طرحه للجمهور بعد 12 عامًا بعد وفاته. لقد طال انتظار هذا الألبوم من تأليف الأسطوري تيلاهون جيسيسي لكنه سيظل موضع تقدير لسنوات قادمة.
المصدر: بينتيريست - د. مولاتو أستاتكي
"الأب الروحي للجاز الأثيوبي"
الدكتور مولاتو أستاتكي (1943 - حتى الآن)
وُلد مولاتو في عام 1943 في عائلة مرموقة، حيث تم إرساله إلى بريطانيا في عمر ال16. في البداية، كانت النية بالنسبة له السعي وراء مهنة هندسة الطيران. ومع ذلك، مثل أمجاد الصباح بدأ شغفه الشديد بالموسيقى ينبت بسرعة لذلك قرر متابعته. قاده سعيه لتعلم الموسيقى إلى الالتحاق بكلية ترينيتي للموسيقى في لندن، حيث درس العزف على البيانو والكلارينيت وضبط الإيقاع. في وقت لاحق، التحق بمدرسة إريك جيلدر للموسيقى في تويكنهام. في السنوات التي تلت ذلك، عزف على آلات البيانو والفيبرافون في النوادي مع موسيقيي الجاز الأفريقي والكاريبي، بما في ذلك أوركسترا إدموندو روس الشهيرة. في عام 1969 انتقل إلى بوسطن للإلتحاق بكلية بيركلي الموجهة لموسيقى الجاز مما جعله أول طالب أفريقي يلتحق بها.
في عام 1969 عاد الدكتور مولاتو إلى إثيوبيا وفي باله تأليف موسيقى فريدة من نوعها. و لقد كان مشروعًا في الوقت المناسب لأنه كان أيضًا بداية العصر الذهبي الذي بدأه المنتج الفرنسي فرانسيس فالسيتو. كان الدكتور مولاتو رائد الجاز الإثيوبي ثم سرعان ما اشتهر.
المصدر: بينتيريست - د. مولاتو أستاتكي
بعض أعماله الشهيرة تشمل يكيريمو سيو (رجل ذو خبرة وحكمة)، تيزيتا (حنين للماضي)، وقيبيلي (بلدي) من بين العديد من الأعمال الأخرى. حتى أن بعض الموسيقيين المشهورين مثل جاي زي أخذ عينات من أغانيه. وأيضاً تم أخذ عينات من أغنيته بعنوان يجيل تيزيتا (ذاكرتي الخاصة) بواسطة داميان مارلي و ناس، وكانت أغنيتهما تسمى As We Enter. كانت الأغنية أيضًا ضمن الموسيقى التصويرية المستخدمة في فيلم "الزهور المكسورة" لعام 2005 بطولة بيل موراي.
في مايو 2012، حصل مولاتو أستاتكي على الدكتوراه الفخرية في الموسيقى من كلية بيركلي. حيث لا يزال نشيطًا في المشهد الموسيقي في الوقت الحاضر ولا يزال اسمًا مألوفًا.
المصدر: فيسبوك - الدكتور مولاتو أستاتكي إلى جانب أليسون كراوس الحائزة على جائزة جرامي وأعضاء فرقة إيجلز.
المصدر: ديسكوغرافي- بيزونيش بيكيلي
"أريثا فرانكلين إثيوبيا"
بيزونيش بيكيلي (1936-1990)
واحدة من أبرز المطربين في عصرها، ولدت بيزونيش بيكيلي عام 1936 في هرار، إثيوبيا. دخلت مجال الفن في سن مبكرة كراقصة، لكنها لاحقًا بدأت في الغناء. كان أسلوبها مختلفًا عن أسلوب أي شخص آخر في ذلك الوقت. كان لديها ذوق ممتاز وكانت دائما متأنقة. حملتها أغانيها حول العالم. حيث كان لديها جوهر أريثا فرانكلين، الشيء الذي أثار إهتمام الناس بصورة أكبر. سجلت أكثر من 200 أغنية خلال مسيرتها المهنية، واشتهرت بأغاني مثل هولوم بيميقيريم (كلي إندهاش)، مينقتون مان ياوكيوال (من يعرف رغبتي)، وأديس فيكر إنين يزوقنال (لدي حب جديد).
غالبًا ما يتم إغاظة المشاهير من خلال الأسئلة المستمرة من المعجبين، لكن بيزونيش كانت دائمًا تعامل معجبيها بأقصى درجات الإحترام كلما رأوها في الشوارع. إنها قريبة وعزيزة على الإثيوبيين وهم يشيرون إليها بإخلاص باسم "بيزوي خاصتي".
قرب نهاية حياتها وعلى الرغم من دعم زوجها النبيل، فقد تأثرت بشدة بفقدان السمع الذي عانت منه، بالإضافة إلى تلف كبدها. في 11 مايو 1990، ظهرت في آخر أداء لها في لوس أنجلوس، كاليفورنيا. توفيت في 25 يونيو 1990 و لكن أغانيها عاشت وإستمر الناس في سماعها، حيث أنها مصدر إلهام للموسيقيات الشابات.
المصدر: موقع بينترست - غيتاشيو ميكوريا في شبابه
"ملك الساكس الإثيوبي"
غيتاشيو ميكوريا (1935-2016)
"اخترت الموسيقى لتكون حياتي، أحب العزف على الساكسفون"
غيتاشيو هو واحد من ألمع الموسيقيين في إثيوبيا، و له مهنة موسيقية استمرت 68 عامًا. كان يعرف ما يريد أن يفعله منذ أن كان صغيراً وإنتقل إلى أديس أبابا لتحقيق حلمه. في عام 1948، تم تعيينه بواسطة مسرح البلدية عندما كان يبلغ من العمر 13 عامًا فقط براتب 10 بير. أصبح غيتاشيوعازف الساكسفون الرئيسي لمدة 8 سنوات بعد الانتهاء من تدريبه، في وقت لم يتم فيه تقديم الساكسفون إلا مؤخرًا. في الخمسينيات من القرن الماضي ، كان من أصغر الموسيقيين الذين انضموا إلى المسرح الوطني الجديد. في الستينيات انضم إلى أوركسترا الشرطة حيث عمل فيها لأكثر من ثلاثة عقود.
خلال الحرب الإثيوبية الصومالية في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، كان له دور فعال في بث الإلهام وإشعال النار داخل القوات الإثيوبية. شيليلا هي أغنية حرب إثيوبية تقليدية يغنيها المحاربون الإثيوبيون وهم يستعدون للمعركة. وهي تهدف إلى إيقاظ البطل داخل كل رجل وامرأة لتنشيط حب الوطن، وتجديد إصرارهم على تحقيق النصر. حيث أنه لم يخذلهم أبداً هذا، و هو بالضبط ما فعله غيتاشيو. نفخ الهواء من رئتيه في الساكسفون الخاص به، وضبطه بأصابعه كما لو أن النغمات اللحنية غير التقليدية لها القوة التي تجسد المحاربين السابقين في كل جندي. لعب غيتاشيو دورًا مهمًا في انتصار المعركة.
يعتبر دوره في الحرب اللحظة المحورية في حياته المهنية. في التسعينيات، أخرج إلى جانب فرانسيس فالسيتو، منتج إثيوبيكس، ألبومه "نجاشي الساكسفون الأثيوبي" وأغنية واحدة مخصصة لشيليلا "شليلا بيساكسفون" عرض هذا الألبوم أسلوبه الذي ابتكره على مر السنين، ولم يكن مفاجئًا أنه حصل على شهرة دولية نتيجة لذلك. حيث دعته الفرقة الهولندية The Ex إلى الأداء معهم وبعد ذلك، وُلد تعاون من شأنه أن يستمر عقدًا من الزمان.
عندما كان يبلغ من العمر 77 عامًا، تم تشخيصه بأنه مصاب بمرض السكري ونتيجة لذلك تشكلت قرحة في ساقه. لذلك كان الأداء واقفاً صعبًا عليه وبعدها شرع في الأداء أثناء جلوسه على كرسي. عندما توفت زوجته عام 2015 تفاقم مرضه.
تم إعداد تكريم كبير للأسطورة المريض، وعلى الرغم من عدم قدرته على التحرك كثيرًا فقد استمر في العزف بنفس الحماس كما كان من قبل إن لم يكن أفضل. في عام 2016 توفي عن عمر يناهز 81 عامًا.
المصدر: موقع بينترست - الراحل غيتاشيو ميكوريا
المصدر: بينتيريست - علي محمد بيرا في شبابه
"أيقونة الأورومو"
علي محمد بيرا (1947- حتى الآن)
ولد علي بيرا في ديرة داوا، ثاني أكبر مدينة في إثيوبيا، وكان الطفل الوحيد لوالده الذي انفصل عن والدته عندما كان علي في الثالثة من عمره. خلال طفولته، استحوذت الموسيقى على أذنيه وقلبه، وعندما كان مراهقًا يبلغ من العمر 14 عامًا في أوائل الستينيات انضم إلى مجموعة تسمى "أفران كالو" مما جعله أصغر عضو في المجموعة. بعد غنائه أغنية "بريدا باري"، بسبب شعبية الأغنية أطلق عليه الناس اسم علي بيرا "علي الربيع" ، الاسم الذي أصبح اسمه الأخير الرسمي.
في معظم الأغاني، كتب ولحن وعزف وغنى. في الوقت الذي كُتبت فيه غالبية الأغاني باللغة الأمهرية، كان علي متعدد اللغات يكتب الأغاني بلغة أوروميفا كما أنه يكتب الأغاني باللغات الأمهرية والصومالية وهراري.
الدكتورعلي ليس فقط فنانًا موهوبًا بالفطرة ولكنه أيضًا شخص منضبط ورحيم. تشمل بعض أعماله الأكثر شهرة "أوشورورو" تهويدة للأطفال - و نين ديما "هيا بنا" و "أمَاليلي". بالنسبة للأشخاص مثلي الذين بالكاد يتحدثون لغة أوروميفان، فإنهم ينجذبون بطريقة ما ويبدو أنهم مرتبطون بأغانيه وأعتقد أن هذه ميزة فريدة توضح أن الموسيقى عالمية.
كان علي بيرا رائدا في أغاني أوروميفان. يصادف هذا العام 2021 عامه الستين في صناعة الفن. إنه ليس رمزًا من رموز الأورومو فحسب بل هو أيضًا رمز إثيوبي. يواصل الدكتور علي صنع الموسيقى بنشاط.
المصدر: انستجرام (athousandteeth@)
بناءً على ذلك، فإن الدور المهم الذي لعبه فرانسيس فلاسيتو هو أمر شامل للعديد من الإثيوبيين المقدرين. لقد سهل العصر الذهبي، وأدى حقًا إلى ظهور نجوم إثيوبيكس. صاغ الراحل أمها إشتي هذا في كلمات ، "لولاه [فرانسيس فالسيتو] ، لكانت الموسيقى الإثيوبية محكوم عليها بالفشل". يجب أن يذهب الثناء أيضًا إلى الأشخاص المسؤولين عن تصميم أغلفة التسجيلات النابضة بالحياة.
في نهاية هذه السلسلة من إثيوبيكس، أتساءل كيف تظل الأغاني التي تعود إلى عقود ماضية في قلوب الناس ولها هذا التأثير الخالد، ومع ذلك فإن غالبية الأغاني التي تم إنتاجها اليوم تبدو سريعة الزوال. صناعة الموسيقى في إثيوبيا اليوم لا يمكن مقارنتها بعصر الإثيوبيكس. ومع ذلك، هناك موسيقيون موهوبون للغاية، لكنهم مشبعون جدًا بالمنتجين الذين ينشئون نفس الصوت مرارًا وتكرارًا مع كلمات غير مؤثرة. مع ذلك، ما زلت أعتقد أن هناك أملًا للموسيقى الإثيوبية لأنه بلا شك يوجد فنانين موهوبين بشكل لا يصدق مثل تيدي أفرو، وقوزاي تسفاي، وأبوش زيليكي وأكثر من ذلك، والذين يشكلون حجر الأساس اللازم لجعل الصناعة ذهبية مرة أخرى.