صورة توضح التنوع الثقافي لتوحد السودانيين ضد كوفيد بأخذ الاحتياطات واللقاح. المصدر: يونيسف السودان
يقال إن إجراء اختبار الحمض النووي يمكن أن يكون أحد أكثر التجارب المبهجة في حياة المرء حيث يمكنك التعرف على أسلافك والأجزاء المختلفة من العالم التي أتيت منها. من منظور صحي هناك العديد من الأساطير فيما يتعلق بـ "اليانصيب الجيني"، كيف أنه في المجموعة الهائلة من الاحماض النووية ينعم البعض فقط بدرجة أقل من التعرض لأمراض معينة. وبالتالي يؤجج ذلك نيران التفوق ويقسم العالم في الأوقات التي يحتاج فيها إلى الوحدة - كوسط جائحة عالمي.
كبشر نحن عرضة للإصابة بالمرض بغض النظر عن لون بشرتنا أو موقعنا الجغرافي أو حتى جنسنا. في حين أنه من الصحيح أن بعض الأمراض تؤثر فقط على هامش من الناس لأسباب وراثية فإن هذا لا يوفر الحماية لأن حتى الأمراض التي تسمى الأمراض المربوطة بالنوع- مثل سرطان الثدي الذي يصيب الرجال أحيانًا بينما سرطان البروستاتا الذي يصيب الرجال عادة ويمكن أن يصيب النساء في حالات نادرة للغاية.
الإمتياز الموروث أو الفطري: من أين يأتي التمييز الصحي على أساس العرق
في الماضي كان الطب مليئ بالأساطير وقيل إن بعض الأجناس تتعامل مع الألم بشكل أفضل ولا تصاب بالعدوى بسهولة أو ببساطة متفوقة وراثيًا وإنها مجرد دعاية لإظهار القوة تمامًا. كما كان يُعتقد أن الملوك يتم اختيارهم من قبل الإله. يحب البعض اعتبار أنفسهم بشرًا مثاليين وقد تسبب هذا الشعور المتضخم بالأهمية في إلحاق الضرر بالمجتمعات المهمشة وحتى الآن يميز بعض الممارسين الطبيين بين أولئك الذين يسعون للحصول على خدمات بناءً على خلفيتهم.
مع مرور الوقت ارتبطت بعض الأمراض بأجزاء معينة من العالم مما تسبب في وصمة العار والسخرية من المجتمعات النامية على الرغم من أن بعض الأمراض أصبحت مستوطنة في مناطق انتشارها لا علاقة له بلون البشرة أو العرق لمواطنيها.
محاربة كوفيد وليس بعضنا البعض، ولادة جرائم الكراهية أثناء الوباء
عندما انبثق كوفيد من ووهان في الصين، عانى العديد من الآسيويين في جميع أنحاء العالم من جرائم الكراهية. تم تصنيفهم عنصريًا واستهدافهم في الأماكن العامة نظرًا لإعتقاد بعض الناس أنهم سبب كوفيد 19. فقد أشعل وسم مثل #أوقفوا كراهية الأسيويين النار على منصات التواصل الإجتماعي مشيرا إلى السخرية من ربط مرض ما بمجموعة وراثية معينة.
هناك إعتقاد خاطئ عرقي آخر كان ينتشر كالنار في الهشيم خلال المرحلة الأولى من الوباء وهو أن الأفارقة يقاومون بشكل طبيعي كوفيد 19. لقد أصاب الوباء أجزاء أخرى من العالم في البداية في طريقه للوصول إلى إفريقيا. منذ أن استغرق الأمر بعض الوقت وقع الناس تحت افتراض أنه لن يؤثر على أعراق معينة، ولكن تم فضح هذا بشكل طبيعي لأن الفيروس استولى ليس فقط على القارة ولكن على نصف الكرة الأرضية بأكملها.
في السودان انتشرت شائعات كثيرة مع مرور الوقت حول فيروس كورونا واتضح أن لديهم مراحل من حيث الكمية والنوعية. وتتراوح المراحل من الإنكار المطلق والإنحدار إلى المقاومة والذعر الذي يولد الإحتقار للحقيقة، مما يؤدي إلى العديد من المفاهيم الخاطئة الضارة التي ترفض الزوال وأخيراً قبول حقيقة الفيروس.
أصبح هذا واضحا مع انتشار شائعات مفادها أن الناس في الولاية الشمالية يرفضون التطعيم، ولكن وفقاً لتقارير وزارة الصحة "حتى الآن 187 ألف شخص تم تطعيمهم ضد كوفيد 19 في الولاية الشمالية ويبلغ عدد الملقحين بالكامل 209،814 بينما الذين تم تحصينهم بالكامل 120،945."
هناك شائعات أخرى مثيرة للإهتمام وهي أن اللقاح يتم توزيعه بشكل غير عادل وأن بعض الدول تحصل على اللقاح بعد انتهاء وظيفته. يمكن مواجهة هذا بسهولة عند مشاهدة حملات التطعيم التي أطلقتها وزارة الصحة في جميع الولايات الثماني عشرة في وقت واحد.
على المستوى الإقليمي، خرج بعض القادة الأفارقة لإدانة "تخزين اللقاحات" من قبل الدول المتقدمة تاركين الدول الفقيرة تحاول إنتزاع حصتها قدر الإمكان. اشترت العديد من البلدان كمية هائلة من اللقاحات تفوق بكثير احتياجاتها مما جعل الكثيرين يرون في ذلك على قصدا عنصريا.
ومع ذلك، لم يتوقف التمييز عند مرحلة اللقاح بل استمر حتى مع وصول التطعيم إلى حالة التطعيم الكاملة حيث تم رفض تأشيرات دخول العديد من الأفارقة والوصول إلى أجزاء مختلفة من العالم بينما لم يتلق نظرائهم نفس المعاملة.
رجل يتلقى تطعيمًا في منشأة صحية بالسودان. المصدر: الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية – السودان
هل جدري القرود تتمة لكوفيد 19؟
مع ظهور جدري القرود على الساحة العالمية كمرشح للإنضمام إلى قائمة الأوبئة العالمية استخدمت العديد من المنافذ الإخبارية صورًا لأفارقة عند الإبلاغ عن الفيروس. الصحفي والمحلل السوداني حسن بركية تحدث عن وصمة العار التي تحيط ببعض الأمراض وكيف تنشر وسائل الإعلام على نطاق واسع صور السود دون إجراء بحث شامل، خاصة لمرض مثل جدري القردة وهو غير معروف على نطاق واسع.
يكشف بركية أن ربط جدري القرود بالأفارقة يذكرنا بالأشخاص الذين يربطون كوفيد 19 بالصينيين بسبب مكان اكتشاف هذه الفيروسات لأول مرة. بالإضافة إلى ذلك صدر بيان يعالج هذا الأمر حيث أوضحت رابطة الصحافة الأجنبية في إفريقيا أنه "لا ينبغي أن يكون وجه هذا المرض أي عرق أو بشرة جلدية".
يلاحظ بركية أن الصور المتداولة حاليًا في وسائل الإعلام التي تصور الأشخاص ذوي البشرة السوداء المصابين بآفات قد توصم الأفارقة وبالتالي تربط المرض بعرق أو جنس معين. ويضيف أن وصمة العار تكون أسوأ بشكل خاص بالنسبة للأفراد المصابين بمرض تظهر عليه أعراض واضحة مثل الآفات الجلدية للمصابين بجدري القرود. يمكن أن يكون لذلك تأثير سلبي قوي على الفئات الموصومة وقد يشعر الناس بالوحدة والعزلة وحتى تخلي مجتمعاتهم عنهم".
عمل فني يرفض فكرة جعل العرق مرادفًا للمرض. المصدر: www.arhsharbinger.com/
إسقاط الستارة على سباق التفرقة
بعد مرور أكثر من عامين على انتشار جائحة الكورونا، أصبح من الواضح أكثر من أي وقت مضى أن اختلافاتنا يجب أن توحدنا ولا تفرقنا. العرق جزء من هويتنا ويجب الإحتفاء به ولكن ليس على حساب الآخرين. إن ربطه بفيروس أو طلب الحماية ليس عن طريق الإحتياط ولكن بالإعتماد على الجينات هو ممارسة ضارة لن تؤدي إلا إلى إطالة أمد معركتنا ضد كوفيد 19.