قبل 55 عاماً ولد في أمدرمان الفنان التشكيلي أبو شريعة أحمد، وهو واحد من أعظم الفنانين في وقتنا الحالي. وبرغم مولده في فترة لم يكن فيها الفنانون قادرين على التعبير عن أنفسهم بحرية إلا أن ذلك لم يمنعه من السعي وراء الحلم الذي امتلكه منذ الطفولة. افتتن أبو شريعة بالفن منذ نعومة أظافره، فوالده خياط "ترزي" صمم أزياء نسائية نابضة بالألوان، والتي لم تكن مصدر دهشة لزبائنه فقط، بل كذلك للفتى أبو شريعة، وهذا هو السبب في
أن معظم أعماله غنية بالألوان.
المصدر: Le Belle Personess
تخرج أبو شريعة من جامعة السودان – كلية الفنون الجميلة والتطبيقية عام 1990م، و من الرفاق أصدقائه صلاح المُر والطيب ضو البيت وحسين حلفاوي. ويقول أبو شريعة أنهم لم يكونوا أصدقاء في البداية لأنهم كانوا في سنوات دراسية مختلفة، ولم يتخصصوا في نفس المجال الفني- إلا أنهم تواصلوا لاحقاً في الجامعة. ويضيف أحمد" بعد الدراسة، عملت كمصمم و رسام لمدة عامين إلى ثلاثة، و صممت أغلفة الكتب و اللوح الإعلانية. لكنني لم أكن شغوفاً بهذا العمل، وشغفي كان هو الرسم".
المصدر: Afriart Gallery
سافر أبو شريعة إلى مدينة نيروبي بكينيا من أجل ورشة عمل عام 1993، هناك شعر بدفئ المكان لأنه استطاع أن يرسم أخيرا ويبعث الروح في شغفه. يقول أبو شريعة “حصلت على فرصة حضور ورشة في كينيا، في ذلك الزمن كان السودان يشهد اضطراباً سياسياً، والتمكن من السفر كان معقداً. وجدت الكثير من مواد الرسم في كينيا والتي كان من الصعب الحصول عليها في السودان. لذا عندما قدمتُ إلى كينيا وجدت الورق، والألوان وكل شئ احتاجه للرسم". أقام أبو شريعة أولى معارضه في استديو مورو للفنون، وهو واحد من أكبر صالات الفنون في نيروبي. ويشير إلى أن عرضه كان ناجحاً للغاية ومن بعدها حصل على إقامة في مركز Paa Ya Paa للفنون بنيروبي. ويضيف "قضيتُ قرابة العامين في المركز في جو يعبق بالفن . وقد ساعدني ذلك كثيراً في العمل بشكل دؤوب".
سافر أبو شريعة بعد انتهاء إقامته إلى أوروبا من أجل معرض فني باسم "البزوغ مع الشمس، النساء والعمل في أفريقيا – كندا" كان ذلك عام 1995 ليعود بعدها إلى كينيا قبل انتقاله لإقامة فنية أخرى في معهد جوتة بألمانيا. وهنا خطط الفنان للحصول على درجة في الدراسات العليا لكنه غير رأيه لاحقاً. عاد أبو شريعة إلى أوغندا في العام 2003 من أجل معرض في صالة عرض تُليفينيا المشهورة حالياً بـ(صالة الفن) ومن حينها أصبحت أوغندا مقره حيث يعيش فيها مع زوجته وأطفالهما.
ويقول أبو شريعة "أتيت إلى أوغندا من أجل معرض في صالة تُليفينيا عام 2003 وكان عرضاً ناجاً للغاية. لكنني قدمت من مكان ذات جو بارد جداً والجو هنا في أوغندا كان دافئاً ومشابهاً لأجواء الخرطوم. لذا سافرت إلى ألمانيا لإحضار الكثير من أدوات الرسم وقررت الإقامة في أوغندا". وبحسب أبو شريعة فإن السودان كان به الكثير من المعوقات في بداية التسعينيات والتي لم تسمح له ولأصدقائه ممارسة الفن، يقول أيضاً أنه لم تكن هناك حرية للتعبير من خلال الفنون وكان عليهم مغادرة البلد من أجل ممارسة شغفهم الفني. وأن الأمر لم يكن ذات معنى في خلق أعمال فنية لا يستطيع العالم رؤيتها، لكن برغم ذلك فإن الأمور قد تغيرت.
ويعلق أبو شريعة " تغيرت الكثير من الأشياء مع وسائل التواصل الاجتماعي، هناك الكثير من صالات العرض في الخرطوم، وأنا اتحصل على بعض مواد الرسم من هناك. كما أنني أقمت عدد من المعارض في الخرطوم". أبو شريعة وأصدقائه صلاح وضو البيت وحسين التقوا سوياً في معرض فني بصالة أفري آرت (كمبالا – أوغندا) وعرض الفنانون أعمالهم الفنية الجديدة في معرض إستمر مدة شهرين بين مارس و مايو 2021.
المصدر: فيسبوك
شمل المعرض لوحات بالحبر من أعمال أبو شريعة أحمد من مشروعه "حلقات الثورة". وتكشف اللوحات عن دور النساء في الثورة السودانية التي وصلت أوجها في يونيو 2019 . نساء مثل آلاء صلاح صدحن بكلمات احتجاجية قوية، و ساعدن في إشعال الثورة التي أسقطت الرئيس عمر البشير بعد 30 عاماً من الحكم. يأتي كل ذلك للدلالة على الدور التكاملي الذي مثلته النساء بتواجدهنْ في الصفوف الأمامية في التظاهرات من أجل الديمقراطية حيث فاقت أعدادهن الرجال.
المصدر فيسبوك
لوحات أبو شريعة في المعرض مرسومة بالأبيض والأسود، لكنه يقول أن أغلب أعماله الأخرى مفعمة بالألوان لأنه روح مبتهجة. و يضيف "إذا رأيت أعمالي المبكرة فستلاحظ أنها مفعمة بالألوان بدرجة كبيرة، وعندما أشاهدهم أتذكر أن والدي كان خياطاً ومصمم أزياء نسائية. وفي طفولتي اعتدنا الذهاب سوياً إلى مشغله، و كنت أرى أقمشة الملابس الملونة، وهذا أحد الأسباب في استخدامي ألوان صارخة."
المصدر: Redhill Art Gallery
يصف أبو شريعة لوحاته الفنية بأنها استعراض للذكريات؛ والتي تتضمن ما ذكر سابقاً كذكريات من الثورة السودانية و تلك التي عاشها في طفولته. يريد أبو شريعة أن يجد الناس لوحاته للمرة الأولى اتصالاً مع ذكريات قريته التي ترعرع فيها، حيث يظن أن أي شخص يلمح اللوحة سيجد رابطاً مع معظم بيوت الطفولة.
المصدر: Redhill Art Gallery
يقول أبو شريعة "أتذكر تفاصيل البيت كلها، كيف اعتدت التسلق إلى أعلى المنزل والاستمتاع بمنظر القرية. كان والدي يعطيني بعضاً من القصب، وبذلك عندما أرسم يكون الأمر شبيهاً بالتأمل. أرغب في التعبير عن شكري الشديد للعالم من خلال لوحاتي. أرغب في تعلقهم بلوحاتي وأن يتحاوروا مع اللوحة التي تحفز بعض من الذكريات في حياتهم". ويعلق بالقول أن ما فعلته النساء في السودان كان ملهماً للغاية، لأنهن فعلن كل شيء في تنظيم التظاهرات السلمية و اسقاط الديكتاتورية. وهذه هي طريقته في مساعدة الأجيال القادمة للتعرف على ثورة 2019 والدور الذي لعبته النساء فيها.
المصدر: instagram
أقام وشارك أبو شريعة في 100 معرض منفرد ومشترك وكذلك 5 مزادات لبيع لوحاته. بعض من المعارض المنفردة تتضمن فندق مريديان – 1987، تُليفينيا جاليري – 2002، صالة ريد هل للفنون – 2013 و ترايبال آرت جاليري – 2019 ضمن الكثير من العروض الفردية. كما لديه الكثير من المعارض المشتركة والتي تتضمن معرض الذكرى الـ 30 لمنظمة الوحدة الأفريقية (O.A.U) – 1993 الفن السوداني المعاصر في كنستسلون – 1997 ومعرض أبو ظبي الفني – 2020 وغيرها من العروض. أما المزادات التي تضمنتها أعماله فهي بونهامس، مزاد الفن السوداني، نيروبي، مزاد غرب أفريقيا الفني، سيركل آرت جاليري، و مزاد جامعة الأحفاد الفني.
بالنسبة للأشخاص الذين يبتاعون لوحات أبو شريعة الأخيرة والتي تدور حول دور النساء في الثورة السودانية فإنها هدية تشير إلى مقدار قوة النساء في المجتمع. لا يمكنك غير التعجب عندما تجد ابنتك هذه اللوحة في المستقبل وتسألك عن موضوعها، فتسرد لها التاريخ.
نُشر هذا المقال كجزء من سلسلة تغطي كيف شكل نظام الإنقاذ مشهد الفنون والثقافة في السودان على مدى 30 عامًا. بدعم من .أفاق, الصندوق العربي للثقافة والفنون, المجلس العربي للعلوم الاجتماعية, ومؤسسة أندرو ميلون.