في 2019، دخل لصوص على مكاتب صديقي توني، وسرقوا أجهزة الكمبيوتر الجديدة والأثاثات التي إشتراها لفريق العمل في شركته. توني، رائد الأعمال الذي استطاع أخيراً توفير إحدى أهم مقومات العمل، كان محبطاً للغاية. لكن ليس بمقدور أحد تحطيم رجل عظيم، أو هكذا يقولون. جمع توني فريقه ونفض الغبار عن نفسه وانطلق مجدداً، مخططاً البدء من الصفر، ولكن وخلال الرحلة تغيرت طريقة تفكيره. التقيت توني في فبراير في رحلة إلى المدينة التي يقطن فيها، وخضنا نقاشاً تطرق توني فيه إلى تخففه من عبء إيجار مكتب. و شرح لي أنه قرر بعد صدمة السرقة أن توفير خدمة إنترنت لفريقه، الذي يعمل من أماكن متفرقة الآن، يسير العمل بصورة جيدة.
في ذلك الوقت كان فيروس كورونا حكاية بعيدة عن شرق أفريقيا، بالأحرى أفريقيا كلها. وانتشرت المقالات الفضولية في الإعلام الغربي، تتناول لغز خلو أفريقيا من الإصابات. كانت مكاتب العمل نشطة ومزدحمة ويستيقظ الموظفون يومياً و يتزمرون بشأن دوامهم من 9 إلى 5 كل يوم، لكن مع احساس بالالتزام بسبب الروتين. ومن ثم سُجِلتْ في أوغندا أول حالة إصابة، وبعد ذلك بقليل تم فرض حظر التجوال. أغلقتْ المكاتب وطلب من الموظفين العمل من المنزل. وأصبح تطبيق "زووم" هو غرفة الاجتماعات البديلة، وبصورة مفاجئة أصبح العمل من المنزل هو الطبيعي. واليوم، بعدما يقارب ال4 أشهر حتى بعد تخفيف حظر التجوال، فالكثير من الموظفين في مكاتب العمل (الذين ما يزالون يعملون) يأتون إلى المكتب في مناسبات قليلة. توني الذي تحول إلى العمل من المنزل منذ قرابة العام، وأنا التي أكتب وأنا مرتدية بيجامتي وأعدل في الملفات بينما أشاهد الأبقار في المرعى، يمكن أن نكون أمثلة جيدة أن العمل عن بعد ليس بالمفهوم الجديد. بالفعل، بدأت الصحف المحلية في التعاون مع مبدعين شباب من هذا الجيل يصنعون محتواهم من غرف معيشتهم. ورغم ذلك عليّ الإقرار بأنه لم يسبق لي التفكير بنسبة واحد من مليون أن هذه الموجة ستضرب بقوة وتنتشر. لم نكن على استعداد، والموظفون بالتحديد تعودوا على العمل في مكتب مخصص وعلى مراقبة أصحاب العمل والتعدي على الخصوصية في "مكاتب العمل المفتوحة".

Image of the author working outdoors
بما أننا نتحدث عن العمل عن بعد، يجب علينا مساءلة أنفسنا: هل كان هناك ضرورة للدوام اليومي والعمل بين أربعة جدران، ومشاكل التنفس بسبب التهوية؟ يتعلق الجواب على ذلك بالموظفين والتكاليف. علينا أولاً تحليل الدوام اليومي وتأثيره على الموظفين. إن الموظف المكتبي المتوسط، الذي يعيش في كمبالا ويعاني من قلة وسائل النقل بالإضافة للطرق الوعرة، يأخذ يومياً ساعة أو اثنتين للوصول اعتماداً على استيقاظه المبكر. حيث يصل المكتب متعباً من القيادة إذا كان يملك سيارة، أو من الضيق في الركوب مع 14 آخرين في عربة مستأجرة، والتي كانت تنقل 16 على الأقل قبل فرض الموجهات المتعلقة بالكورونا.
تشكل ثقافة المكاتب، كالدوام اليومي، روتين في أوغندا. هناك تبادل للمزاح والنمائم غير المؤذية، فنتحدث عن الزحام و الحركة السيئة في ذلك الصباح، و نناقش عناوين الصحف الإخبارية، و كيف يخفف التيار الكهربائي في مناطق نيجيرا وناليا. ثم بعد ذلك تأتي وجبة الإفطار، ونشتري سمبوسة من المرأة التي تبيعها بجوار المبنى، و نحضر بعض السكر لنعد الشاي، وأخيراً نستقر في مكاتبنا. لكن قبل أن نباشر العمل نتصفح تويتر و فيسبوك إن كان ذلك إدمانك. وعندما نكون جاهزين للعمل، يكون هنالك اجتماع مع الإدارة. وفي الـ11 صباحاً، تكون فترة الدوام من 8-5 تقلصت بمعدل 3 ساعات.

Image by Onyait Odeka via dignited.com
وبعد ذلك قليلاً يأتي وقت الغداء، وينضب كل الحماس في فترة ما بعد الظهر، وإعتماداً على نهاية الدوام يدفع الموظف نفسه إلى العمل حتى الـ5 مساءاً، حتى ولو بطاقة جسدية وذهنية منخفضة، أو يستعمل خدمة إنترنت المكتب لتحميل الحلقة الأخيرة من مسلسل "صراع العروش". يعود الموظفون في نهاية اليوم إلى المعاناة مع حركة المرور، و يصلون إلى البيت متعبين، بالكاد لديهم الطاقة ليجهزوا ملابسهم للغد.
هذه الدائرة المحكمة – مرتبطة بصرامة الشركات، والتي تُفرض بالإكراه من قبل أصحاب العمل، وتطبق بحزافيرها من قبل الموظف،كشخص يحاول التأقلم مع النظام والتعايش معه. بالمقابل هناك موظفون لديهم مقدرة على التركيز بين جدران المكتب، بسبب المشتتات في المنزل المليئ بالناس وأطفال راكضين في الأرجاء – خاصة مع المدارس المغلقة. لكن ما بين صعوبة الحركة، و مراقبة المشرف في العمل، وإزعاج زميلك بتنصته على مكالماتك الهاتفية؛ فإن الإنتاجية والأداء في المكتب يعتبران منخفضان بالنسبة للكثيرين. لكن من خلال تحايل الموظفون على القوانين والتواجد في المكتب، يحافظون على طمأنينة وسعادة المدير. إذن ماذا سيحدث لو تخلينا عن مفاتيح المكتب؟ من المرجح أن تزيد إنتاجية الموظفين، في حالة عدم إحتياج العقل والجسد تكبل مصاعب دوام الصباح المرهق. وسيكونون محفزين إذا سمح لهم بعدم الحضور في الأيام التي يكونون فيها غير مستقرين نفسياً. وصاحب العمل؟ يحصل على الأمرين؛ الدافع والتقييم الدقيق للإنتاجية مع إدارة النتائج المخطط لها. وسيوفر تكاليف عالية لإيجار المكتب، والأثاث، والمياه، والكهرباء، وخدمة الإنترنت أيضاً. فالأمر مكسب لكلا الطرفين.