هذا المقال متوفر أيضاُ باللغة English

يُعد كتاب “هناك بلد: روايات جديدة من أمة جنوب السودان الجديدة” أول مجموعة قصص قصيرة من دولة جنوب السودان الجديدة، ويتكون من 8 قصص كتبها مؤلفين مختلفين. على الرغم من أن القصص تصف الحب والولاء والزواج والوفاة، فالحزن والأسى يغلف كل ملامحها، فجميع القصص تحدث في ظل الحرب والتشرد واليأس والرعب. بالرغم من قسوته هذا الكتاب مهم للغاية، فإنه يفتح الجروح من أجل الشفاء والتوفيق بين الماضي والحاضر. لا يسع القارئ إلا أن يرسم مستقبل حكيماً أكثر، حيث ترسم الروايات واقعاً آخر على خلفية أكثر إشراقاً. أدناه إقتباس من مقدمة الكتاب بقلم المحرر نيول لويث تونج. 

undefinedImage Credit: Goodreads.com 

“عندما يعلم الناس أنني من جنوب السودان، يكون دائما لديهم أسئلة- ليس فقط عن الحرب الأهلية الطويلة في السودان وآرائي حول ما يمكن فعله لإحلال السلام والإستقرار، ولكن فضولهم يكون عن الإطار أو التوجه الذي يستطيع أو يوفر لهم فهم عن هذه الأمة الجديدة. كثيراً ما يُطلب مني وصف الثقافة الأدبية في بلدي، والتوصية بالأعمال التي تعبر عنها. أفهم تماماً لماذا الناس تلجأ إلى الأدب بدلاً من وسائل الإعلام لإكتساب المعرفة العميقة حول جنوب السودان. فالخيال والشعر يمكن أن يعطي القراء إحساساً بالمكان، لولاه لما قدروا على تخيله.

يمكنني أن أتذكر كلاسيكيات الأدب الأمريكي التي مكنتني من هذا الأمر. “موبي ديك” على سبيل المثال، على الرغم من أنها رواية صعبة بالنسبة لي حين قرأتها في المرحلة الثانوية فحينها لم أكن متمكناً من اللغة الإنجليزية. جسدت لي الرواية على مدى السنوات القليلة الماضية ما وصفه المؤرخ ناثانيال فيلبريك بذكاء “الشفرة الوراثية الأمريكية: الوعود والمشاكل والصراعات”. بالإضافة إلى كتب “الرجل الخفي”، “أيها الأحباء”، و”دم الميريديان” التي أعطتني لمحات عن أمريكا وتاريخها.

في القارة الأفريقية، نجد كُتاب ذو سمعة عالمية قوية تعتمد أعمالهم على تأثير الأوساط الثقافية والإجتماعية عليهم. فهناك لشيماماندا أديتشي، “نصف شمس صفراء” لنجيب محفوظ، “ثلاثية القاهرة” لشينوا أشيبي “الأمورتتداعى” و لجون ماكسويل كويتزي، “وصمة عار”و لتنداي هوتشو “مصففة شعر من هراري”. هذه الأعمال بالنسبة لي آفاق تقدم أعمق لفهم بلدانهم مقابل الروايات التاريخية التقليدية. 

جنوب السودان لا يزال صغيراً جداً ليستطيع المطالبة بالزمرة الأدبية. وهكذا، عندما يسألني شخص ما عن أدب يعبر و يمثل الثقافات وخبراتها، أميل إلى التوصية على السرد الشخصي لكُتاب الشتات و اللاجئين السابقين وناجين الحرب. أود أن أشير هنا لكتب مثل ديف إيجرز “What Is the What”وهي رواية عن حياة فالنتينو أتشاك دينغ، و “سكبوا النار علينا من السماء” لبنسون دينغ، ألفونسيون دينغ، بنيامين أجاك وجودي بيرنشتاين. كما أرشح “تعب الرب منا” لجون بول داو ومايكل سويني، “هروبي من العبودية”لفرانسيس بوك وإدوارد تيفنان، و “عبد: قصتي الحقيقية” لمندي ناظر وداميان لويس.

جميع هذه الأعمال هي روايات مفجعة مليئة بالمشقة والصراع للبقاء على قيد الحياة. تصور لنا القصص المختلفة ويلات الحرب، وحشية الفقر، والمرونة، والنعمة، وقوة الروح البشرية على التحمل و مواجهة الشر و اليأس المطلق. على مدى السنوات الماضية ولدت هذه الروايات الوعي والدعم لجنوب السودان، وقدمت شهادات و أدلة دامغة عن الفظائع التي وقعت على مدى السنوات الخمسين الماضية من الإضطراب. ولكنني أتردد في تسميتها أدب جنوب السودان.

إذن، ما هو أدب جنوب السودان؟ هذا السؤال يثير مخاوف قديمة حول طبيعة الأدب الإفريقي – مصادره، تأثيراته، لغاته، إمكانياته – كما صارع في تفكيك هذه الأسئلة كُتاب مثل تشينوا أتشيبي ونجوجي واثينغو كجزء من صراع الإرث الإستعماري. الحاجة إلى إيجاد وسائل للتعبير تناسب الثقافات والتصورات الأفريقية تأتي في المقدمة، جنباً إلى جنب الغاية ملحة لصياغة السياق الإستعماري والمنعطف التاريخي الذي تقع فيه جنوب السودان حالياً. 

في “حرب الرؤى: نزاع الهويات في السودان” (1995) يلاحظ البروفيسور فرانسيس دينق أن “المؤرخون يقولون أنه من دون الجنوب لن يكون هناك شمال. هذا أكثر صدقاً عن الجنوب؛ فدون المواجهة مع الشمال، وتاريخ الغزوات تجار الرقيق الجشعة الذي لا يزال حي ، ومحاولات حديثة من قبل حكومات ما بعد الإستقلال للهيمنة على الشعوب الجنوبية، لن يكون هناك أي جنوب ككيان سياسي”. واليوم، وفقاً لأستاذ جوك مادوت جوك، فالتوتر مع الشمال لا يزال “الغراء الرئيسي الذي يربط أعراق متعددة في البلاد معاً.”

العموميات التي شكلت خطاب الصراع السوداني والإنفصال في نهاية المطاف رسمت الشمال كإسلامي عربي، في حين إتسمت الجنوب بالمسيحية و الإفريقنية، وإقليمياً جزءاً من شرق أفريقيا. في الواقع، هناك مئات اللغات والأعراق التي تتعايش في الشمال. بالمثل، في الجنوب هناك أكثر من ستين لغة، وعلى الرغم من أن الإسلام والمسيحية يمارسان فالنظم العقائدية المحلية تهيمن على المجال الروحي. علاوة على ذلك، فقد أجبرت العقود القليلة الماضية من الحرب الملايين من الجنوبيين على الفرار من منازلهم، فهناك عدد كبير اللاجئين في البلدان المجاورة، ولكن الجزء الأكبر من النازحين يعيش الآن في الأحياء الفقيرة والمخيمات في شمال السودان، بما في ذلك في العاصمة الخرطوم.

من الصعوبة تعريف الثقافة الجنوب-سودانية. للمزيد من التعقيد، جميع القصص التي جمعناها هنا كانت مكتوبة باللغة الإنجليزية. كما يقول نجوجي: أليس هذا “الإنتصار النهائي لنظام الهيمنة”؟ أو نستحضر هنا عبارة أشيبي: “هل من الصواب أن يتخلى الرجل عن لغته الأم من أجل لغة أخرى؟” ليست اللغة الإنجليزية الوسيلة الرئيسية للتحدث لغالبية السودانيين الجنوبيين، خصوصاً أهالي القرى. يجب أن نفسر أسباب نشر أول كتاب قصص يحمل إسم جنوب السودان باللغة الإنجليزية، وهي لغة إستعمارية.

في الحقيقة فالكثيرين في القارة يتكلمون لغات الإستعمار. قال أتشيبي في كتاب “صباح في يوم الخلق” الذي يحتوي على مجموعة مقالات أن “عطل الإستعمار في أفريقيا أشياء كثيرة، لكنه أنشأ وحدات سياسية كبيرة حيث كانت هناك صغيرة مبعثرة من قبل.” هذه “الوحدات السياسية الكبرى” متحدة في التجارب المشتركة تحت القهر الإستعماري. اللغات الإستعمارية تعزز هذه الوحدة كوسيلة مشتركة من الإتصال والهوية الوطنية تحت مظلة تجد فيها الأعراق والثقافات المختلفة تمثيلاً متساوياً. كما سمحت اللغة الإنجليزية للعديد من الكتاب لقاء الأدب من أمكاكن آخرى، فمن المعقول إستخدام الإنجليزية هنا لإرسال عملنا إلى باقي العالم. 

هذا هو الهدف من هذه المختارات، ففي محاولة لإثراء ثقافتنا وتقاسم أعمال أدبية من بلدنا الجديد، نريد للعالم أن يقرأ قصص من جنوب السودان.

لولا الإنترنت لكن العثور على هذه القصص مستحيلاً. وبصرف النظر عن الشخصية الأدبية المعروفة في جنوب السودان، الناقد الشهير والشاعر تابان لو ليونج، وعارف جمال وقصيدته “الصباح في سيرا ماتو” المقتبسة في الكتاب، كل المساهمين في الكتاب شباب. وجدت العديد منهم بينما كنت أبحث عن قصص قصيرة أفريقية على الإنترنتو عرفت البعض الآخر بعد نشر دعوتنا لتقديم القصص, فشاركنا بالقصص شباب من جوبا، و نيويورك، و القاهرة ونيروبي وسيدني، و لندن و كالجاري.

إخترت هذه الروايات من بين عشرات تلقيتها لأنها لخصت وسلطت الضوء على لحظة تمزق جنوب السودان. تميزت أمتنا بالتجول والحنين، والإنتظار والعودة. لم تكن هناك أي قوة أو واقعة أخرى في جنوب السودان غير الحرب في العقود القليلة الماضية. الحرب مهيمنة، وسيستمر إرثها يؤثر على الأدب والثقافة بطرق عديدة في السنوات القادمة. وجه الحرب يظل مألوفاً أكثر من واقعي السلام والإستقرار الجديدين، ولكن هناك ما هو أكثر بكثير من هذا فقط، وآمل أن تبدا هذه المجموعة بإعطاء القارئ صورة منه. “

أعيد ننشر هذا النص بموافقة الناشر من الموقع الإلكتروني هنا . 


فريق التحرير

فريق تحرير أندريا