هذا المقال متوفر أيضاُ باللغة English

تم تعليمنا على الدوام بأن ننفض عواطفنا السلبية وأن نتجاهلها ونتخلص منها ونقضي عليها وأن نجد طريقة للتخفيف من حدتها. لا يتمنى أحد منا أن يعيش يوماً سيئاً مليئاً بالعواطف السلبية، وقد كشف العديد من الباحثين بأن التوتر المزمن يؤثر على نمو أدمغتنا وأحجامها.

يقول الناس بأن البكاء كل ليلة لا يجدي، فإنه ليس بالأمر الجيد لصحتكم النفسية. عليكم أن تصبحوا عديمي الإحساس فهذا هو ما تحتاجونه لكي تعيشوا. يشكل التوتر والإحساس بالغباء والحسد والغضب والحزن أمثلة للعواطف السلبية التي تصيبنا كل يوم تقريباً وعندما تعترينا هذه المشاعر. سنرغب في حظرها أو إلغاءها لكي نحظى بيوم "عادي" كما يزعم البعض. من منا يريد شبحاً من التوتر يزحف اليه ويشل تفكيره ويعرقل عمله؟ وكيف نتخلص من خاصية الحساسية المفرطة التي تقتلنا مع كل تفاعل جديد أو أحداث جديدة في حياتنا، والتي تؤدي إلى تكوين أفكار غير مهمة تشغل عقولنا لفترات طويلة قد تصل إلى سنوات عديدة.

إن العواطف السلبية تتحكم فينا وتشل حركتنا إلى حد كبير. فهي تؤثر على أداءنا وكيفية تعاملنا مع حياتنا والأشخاص من حولنا. بالرغم من ذلك فإن هناك جانباً آخر للعواطف السلبية وقد تناوله بعض المعالجين النفسيين والشعراء والكتاب والباحثين. تركز تلك البحوث على أنه من الجيد التعرض للمشاعر السلبية بين الفينة والأخرى وكيف أن هذه العواصف من المشاعر غير المرغوب بها تكسبنا عدسة تمكننا من رؤية أشياء ما، تجعلنا أكثر تبصراً وترينا نباهة لم نكن لندركها في الحالات العادية.

undefined

Source: http://serenitymindcare.com

 التخوف

قد تساعدنا الأحاسيس السيئة التي تعترينا في توقع عواقب أفعالنا وذلك حينما لا نتملك المعلومات الكافية لاتخاذ قرار بطريقة منطقية. تظهر المخاوف خاصة عندما تصيبنا الكوابيس العميقة والتي تحدث بسب حساسيتنا وانخراطنا المتعمق في الأحداث من حولنا وشعورنا بالآثار المترتبة على كل شيء نقوم به.

عندما ننظر إلى المخاوف بطريقة إيجابية نجد أنها تخدم أغراضاً مفيدة، فعندما نشعر بالخوف فإننا نقلق من الأشياء الخاطئة وأيضاً فإننا نصبح حظرين في مواجهة المخاطر وننهي واجباتنا قبل
انقضاء زمن تسليمها. إن الشعور بكل شيء بعمق هو أمر مرهق جداً ولكن إن كنا مسترخيين جداً فإن هذا أمرُ قد يقتلنا حيث إننا لن ننجز شيئاً من مهامنا.

الحسد

الحسد هو أمر سيئ ومخجل جداً ولكن عندما نستمع إلى إحساسينا نجدها في الحقيقة تحاول أن تخبرنا شيئاً عن أنفسنا. شيء يمكن أن يساعدنا بأن نصبح مدركين لذواتنا ومقدراتنا ونتفهم أنفسنا. الحسد أحد العواطف المهمة والتي تساعدنا في معرفة ما نريد أن نفعله بالضبط وما ينبغي أن نفعل وبالتالي فهو نداء للإنجاز والفعالية وفقا لهذه الحقائق التي نكتشفها.

وكما تقترح قناة اليوتيوب مدرسة الحياة The school of life”“ فإن الاحتفاظ بمذكرة لتدوين لحظات الحسد أمر مفيد لدراسة أنفسنا بتعمق.

الحزن

يصنف ريانر ماريا ريلك الحزن إلى قسمين: عميق جيد وخطير.

النوع العميق الجيد يمر علينا بقسوة ولكنه يحدث تغييرات كثيرة علينا. إن التغيرات التي تحدث في خضم هذا الحزن في غاية الأهمية.

نحن نحمل الأحزان الخطيرة كي نبتعد عنها. يعبر ريلك عنها فيقول: " إن الأحزان الخطيرة تمر كالمرض الذي تتم مداواته بغباء وبسطحية فهي ببساطة تختفي، وبعد فترة من الصمت تشتعل مجدداً وبشدة وتتجمع الأحزان في ذات الشخص وتصبح الحياة غير قابلة للعيش و مرفوضة وضائعة و قد يموت بسببها الإنسان".

يشجعنا ريلك بأن نتحمل الحزن – الحزن الجيد- ونتعايش معه بثقة أكتر من التي نتمتع بها عند الفرح. بالنسبة اليه فإن الأشياء الجوهرية تدخل في نفوسنا في لحظات الحزن، وعليه فإنه ينبغي علينا أن ننتبه إلى أنفسنا وإلى تلك المشاعر السيئة عندما تحدث.

undefined

Source: http://serenitymindcare.com    

التسامي/الإعلاء عند فرويد

يعرف فرويد التسامي بأنه إعادة توجيه أفكارنا ومشاعرنا لأشكال مختلفة، بعبارة أخرى أن نضع مشاعرنا السلبية في استخدام جيد.

يستخدم العديد من الفنانين وخاصة الموسيقيين التسامي، فهم يحولون التجارب السلبية كتعاطي المخدرات والمشاكل العائلية لأعامل فنية ذات شعبية عالية. يلعب التسامي أو الإعلاء دوراً كبيراً في حل المشاكل والتفكير بعمق. يبدو بأن التسامي هو بديل نافع كي نحول الرفض والأنانية والحسد إلى أغنية أو كتاب أو فيلم.

يريد فرويد بأن نتسامى بطريقة جيدة.

أحيانا هي جيناتنا وكيمياء أدمغتنا

في معظم الأحيان لا يمكننا أن نتحكم في عواطفنا السلبية كالتخوف. على سبيل المثال تتحكم الجينات في مستوى المخاوف وتحدد حساسيتنا تجاه الموترات المختلفة في حياتنا. كل ما نستطيع القيام به وقتها أن نتفادى العوامل التي تحفز المخاوف ونقلل من التعرض اليها وأن نتعلم كيف نتعامل معها.

مثال آخر هو المخاطر الغبية التي نخوضها عندما نكون في حالة حب وبعدها نتعجب كيف قمنا بمثل هذه الأفعال. اكتشف الباحثون بأن هرمون الاوكسيتوسن يبدو بأنه يزيد من ثقة الناس في التعاملات الاجتماعية وحتى التعاملات مع الغرباء. في تجربة بحثية تم إعطاء بعض المشاركين هرمون الاكسيتوسين عبر رشاش انفي وأصبحوا أكثر قابلية لإعطاء المال لمن يثقون بهم مرتين مقارنة بأولئك اللذين لم يتم إعطائهم الاوكسيتوسن.

تحدد بعض الجينات قابليتنا للإصابة بالتوتر والاكتئاب والصدمات النفسية من عدمها عند مرورنا بأحداث قاسية في حياتنا. تحدد الجينات والبيئة ما إذا كنا أكثر أو أقل حساسية تجاه التوتر وكيفية تعاملنا مع العواطف السلبية المشابهة.

الترويج لنوع واحد من الشخصيات

في مجتمعاتنا السودانية كثيراً ما نسمع بكلمة "اتلحلح" ولكن لا يمكن لأحد أن يقرر ببساطة بأن يصبح أقل توتراً وأن يتعامل مع التوتر بشكل جيد وأن يصبح قوياً في مواجهة التوتر. الشخص المتوتر ليس بمجنون وكذلك فإن العواطف السلبية ليست دلالة على الضعف.

هنالك مثال يزعجني شخصياً وهو:" هل أنت حسن ولا حسين"، وهو إعلان رأيته في الإنترنت وفي لوحات الإعلانات في الشوارع. يقارن الإعلان بين نوعين من الشخصيات وفي ذات الوقت يؤيد الشخصية المنفتحة. الشخصيتان هما حسن وهو الشخص المنفتح شديد الثقة والذي لا يتردد أبداً والذي يشع سعادة وإنجازًا. أما الشخصية الثانية فهي حسين وهو الشخص الهادئ المتوتر والحذر والذي هو مقيد بتفكيره المفرط وتوتره. يصور حسين على أنه دائماً متأخر عن الآخرين. ويصور حسين وكأنه لا يستطيع أن يتخذ قراراً ناجحاً في حياته، مثلاً بمن سيتزوج. يعكس هذا الإعلان بأننا نتوجه إلى تضييق المدى لاختلاف الشخصيات.

الخاتمة

من الغرابة أن نعرف بأن العواطف التي تجعلنا نشعر بالسوء عادة ما تجعلنا نتصرف بطريقة جيدة.

الشخص الذي يشعر بالمشاعر السلبية والسيئة ليس شريراً أو ملعوناً. إن تفسير الناس لما هو طبيعي يختلف من شخص لآخر ولكن أحياناً يتطرف الناس وهذا يجعل الكثير من الناس يحاولون جاهدين إخفاء مشاعرهم السلبية عوضاً عن محاولة فهمها.

لا أحد ينكر الدور الذي تلعبه المعاناة في محبتنا لأنفسنا ومقدرتنا على فهم المعاني بشكل أفضل لأننا عندما نمر بمعاناة فإننا نركز على الأشياء السلبية والإيجابية معاً. أحيانا لا يكون لنا أن نملك المنطق والحسابات والأعداد طوال الوقت لكي تعيننا على اتخاذ القرار، كل ما نملكه هو الحدس بجانب العديد من العواطف المتضاربة.

هذه ليست دعوة للتوقف عن البحث عن مساعدة احترافية. أيضاً هذه ليست دعوة كي نغرم بالحزن أو العواطف السلبية ولكنها محاولة كي أوضح بأن هنالك طريقة مختلفة تستحق الإستكشاف لنفهم
بأن المشاعر السلبية تريد أن تخبرنا شيئاً وأن هذه الطريقة تستحق بأن نستكشفها. إنني أدعوكم إلى إعادة التفسير وكما يشاع في القول المأثور" ما لا يقتلنا يجعلنا أقوياء".

 المراجع  

 1- School of life Youtube channel.  

2- Welcome to your brain: Why you lose your car keys but never forget how to drive and other puzzles of everyday life – Sandra Aamodt, Sam Wang. [chapter 17, 18 & 20] 

3- Letters to a young poet – Rainer Maria Rilke – [letter number 8] 

4- Quiet: The power of introverts in a world that can’t stop talking – Susan Cain.  

     


تقوى وراق

تقوى وراق درست علوم الكمبيوتر وتكنولوجيا المعلومات في جامعة السودان. تهتم بالكتب والذكاء الاصطناعي وأحيانًا الأمان والفن (وتحديداً الرسوم المتحركة) واللغة الألمانية