هذا المقال متوفر أيضاُ باللغة English

في الحادي والعشرين من مارس لعام 2020م بدأت ايسكوم أوغندا المتحدة -وهي شركة لتوليد الطاقة الكهرمائية في أوغندا- بسحب المياه من البحيرة بعد أن منحتهم مديرية إدارة الموارد المائية الإذن بذلك. في هذا الممارسة بدأت الشركة بسحب ألف متر مربع لكل ثانية نسبة لزيادة مستويات المياه في الوقت الحالي والتي وصلت إلى 12.94 متر، قريبة من تلك النسبة في الرابع من مارس لعام 1964م. أيضًا كشفت الشركة بأنه بحلول مايو الجاري تجاوزت المياه أعلى ارتفاع لها في حدث غير مسبوق تاريخيًا حيث وصل أعلى ارتفاع تم تسجيله إلى 13.41 متر بينما وصل الارتفاع يومها إلى 13.42 متر. إنها فقط البداية لكارثة طبيعية ستلقي بملايين الأوغنديين خارج منازلهم بينما فقد الكثير منهم وظائفه لأن المياه من البحيرة الغاضبة والتي كانت تنتهك بالنشاط البشري فاضت وغمرت أماكن عملهم. تعرف البحيرة باسم نالوبالي وقد تمت إعادة تسميتها إلى بحيرة فكتوريا نسبة إلى المملكة فيكتوريا ملكة إنجلترا وكان ذلك بواسطة البريطاني جون هانين سبيك. تبلغ مساحة سطح البحيرة 53.947 كيلو متر تقريبًا مربع أي 23.146 متر مربع. تعد بحيرة نالوبالي -أو فيكتوريا كما هي مشتهرة- البحيرة الإفريقية الأكبر من حيث المساحة والبحيرة الاستوائية الأكبر. كما تحتل المرتبة الثانية كأكبر بحيرة للمياه العذبة من حيث المساحة حيث تسبقها بحيرة سوبيريور في أمريكا الشمالية. تعتبر بحيرة فيكتوريا التاسعة عالمية من حيث الحجم حيث تحتوي على 2.424 كيلومتر مربع من الماء مما يعادل 1.965×10 فدان. نصحت السلطات البيئية القومية-وهي السلطة المسؤولة عن حماية البيئة-الأوغنديين ومنذ سنوات عديدة بالتوقف عن قطع الأشجار والبناء بالقرب من الأجسام المائية ولكن هذا الأمر غالبا ما لم يجد آذانا تصغي. الآن تأخذ الطبيعة مجراها.

undefined

غرق المتاجر والأكشاك في سوق مولونقو للأسماك في موانيونوي. أتوليندا آلان لصالح أندريا 

التعدي على الأسطح المائية

يسكن الناس قرب البحيرة منذ سنوات عديدة وخاصة الأغنياء والمشاهير ورجال الأعمال والقساوسة والصيادين. أيضًا دخل العديدون في أجزاء من أرض البحيرة وغمروها بالرمال للتحكم في مياها ولكن هذه المحاولات باتت غير مجدية. يعتقد الكثيرون بأن البحيرة غاضبة الآن وتريد استرداد أراضيها الأصلية. لقد ازداد الاستيطان والتنمية العمرانية حول البحيرة وحول النيل مما جعلها تتكدس بالفنادق والمنتجعات والشواطئ والمنازل. لقد غرقت و غمرت المياه العديد من المباني مثل فندق سيرينا كيجو وفندق منتجع يبيكي موانيانو وفندق بروتيا عنتبي وشاطئ جابا وشاطئ كي كي وشاطئ ميامي والعديد من الشواطئ الأخرى والأسواق. إضافة إلى أعمال جابا المائية ومراسي الزوارق والعديد من المساكن والمنازل بالقرب من البحيرة. تم تحديد عدد كبير من المناطق المحيطة بالبحيرة والأنهار أنها شديدة الخطورة من حيث الفيضان، وأصبحت المرافق الضرورية كالمدارس والمرافق الصحية ودور العبادة الكنائس والمساجد في خطر.

في الخامس و العشرين من مارس 2020م نزح الآلاف من سكان القرى من مناطق لامبو و ناميريمبي و ديمو مما يهدد بتوقف صيد السمك في تلك الأراضي. غرقت المنازل و نجح قلة من السكان المحظوظون بالنجاة. قام الرجال و النساء الأغنياء بحصر خسائرهم حيث تدمرت مصالحهم و غمرت بالمياه. تعد كالانقالا من الأماكن المدهشة في أوغندا والتي تجذب السياح الأجانب والمحليين سنويًا. حتى وإن بعض الناس يفضلون قضاء شهر العسل هناك، ولكن هذه الكارثة ستاتي خصمًا على أرباح صناعة السياحة. بالرغم من ذلك فإن البلد حاليا تحت الإغلاق التام مع منع الزوار المحليين والأجانب من التنقل نتيجة لجائحة كورونا التي هزت العالم وخلفت خسائر كبيرة في الأنفس والأعمال والوظائف.

undefined

يقف الرئيس يواري موسيفيني في كيتوبولو حيث تكاد المياه تغمر الطريق via independent.co.ug 

في الخامس من مايو 2020م توقف الرئيس موسيفيني عند مبنى مديرية كيتايبولو كاتابي على طريق عنتبي. في هذه المنطقة تكاد المياه تغمر الطريق. وجه الرئيس نصائح للسكان بإخلاء المنطقة أو المخاطرة بالغرق في المياه. أيضًا أضاف الرئيس بأنه بينما تزداد المستويات باستمرار سيقومون بتوجيه المياه إلى محطتي ناولبالي وكييرا لتوليد الكهرباء وذلك للحفاظ عليها.

عانت قرى الصيد في منطقة مولونقو في مونياونيو وجابا وبورت بيل في لوزيرا بعدما غرقت منازلهم المؤقتة. في الثامن من مايو أخذت سلطات مدينة كامبالا عددًا من الإعلاميين في جولة حول ضفاف البحيرة حيث حذر المسؤولون السكان من البقاء ووجهوهم إلى إخلاء المنطقة والتوجه إلى مناطق آمنة قبل فوات الأوان. لازال بعض الأغنياء يعاندون ولم يوافقوا على مغادرة منازلهم. غرقت منطقة مولانقو تمامًا كما تم تحذير الباعة من التواجد هناك أو القيام بأي أنشطة وأغلق المكان رسميًا. في الثالث والعشرين من إبريل 2020م كتب د.دانيال اوكيلو وهو مدير الخدمات الصحية في سلطة العاصمة كمبالا رسالة يوجه فيها الباعة بالمغادرة ولكن الكثرين تجاهلوا دعوته. حذر د.اوكيلو في رسالته من احتمالية تفشي أمراض مثل الكوليرا كما حذر من احتمالية وقوع خسائر بشرية خلال الفيضان. يعتمد أكثر من خمسين ألف شخص على سوق مولونقو للأسماك حيث تباع الأسماك والكحول، بينما يدير البعض متاجر ومحلات صغيرة يبيعون فيها الملح وزيوت الطهي ومنتجات أخرى يستخدمها باعة الأسماك في محلاتهم.

تأثرت منازل مثل منزلي رجال الأعمال حاميس كيققوندو وكريستوفر سيمبايا صاحب أعمال سيمبولو للفولاذ المتحدة والقسيس روبربت كايانجا من مركز لوباقا ميريكل وقري سكينر من كنيسة واتوتو. لقد ابتلعت مياه البحيرة مجمعًا سكنيًا كاملًا وغرق منزل كيققوندو. من الشائع أن يريد الأغنياء حول العالم العيش بالقرب من المياه ولكنهم هذه المرة تعدوا على أراضي الطبيعة الأم. ولازال الأمر غير واضح عن مدة استمرارية هذه المشكلة. ينصح السيد كيايولي رونالد وهو وزير المياه والبيئة الولائي الأوغنديين بأخذ الحيطة والحذر بشكل دائم وتجنب التعدي على الأجسام المائية. يصرح الوزير بقوله "من واجبنا أخذ الاحترازات المقدمة من هيئات البيئة والمياه بشكل جاد. من الأفضل الالتزام بالتدابير الوقائية عوضًا عن تحمل الخسائر الفادحة التي تسببها الأنشطة البشرية تجاه الطبيعة الأم".

أصدر معالي وزير المياه والبيئة سام كيوتوريس بيانًا في الأول من مايو الجاري حذر من زيادة سريعة في مستويات المياه نتيجة لازدياد الأنشطة البشرية وتحديدا الأنشطة التي تتسبب في تدهور البيئة. تؤدي إزالة الغطاء النباتي الغابي والتعدي على الأراضي الرطبة والشواطئ وضفاف النهر وسوء استخدام الأرض إلى تعرية التربة مما يؤدي إلى اختلاط الطمي بالمياه. تؤدي التعرية إلى زيادة سرعة حركة المياه إلى البحيرات والأنهار وتكون محملة بالكثير من الطمي مما يقلل من السعة التخزينية لمخزون المياه في الأجسام المائية. بالإضافة إلى ذلك فإن التمدن يخلق أسطحًا قليلة النفاذية للماء مثل الطرق والأسقف والأرصفة التي قللت من تغلغل المياه داخل التربة واعتراض المياه وسعة التبخر في الغابات والأراضي الرطبة. وضح الوزير بأن الكارثة أثرت على وسائل النقل البري التي تديرها سلطات الطرق القومية الأوغندية مما يشمل المعديات في نهر النيل والتي تم تعطيلها حيث غرق المرفأ. أيضًا تم إيقاف إنشاء جسر كياكو ومصب خزان ايسيمبا للطاقة المائية. أيضًا تأثرت مرافق حيوية مثل نظام الصرف الصحي ومحطات المياه والمرافق الصحية والطرق وغيرها الكثير. و يحتمل أن تزداد الأمراض المنقولة عبر المياه أو المتعلقة بها مثل الكوليرا والدوسنطاريا والملاريا والبلهارسيا.

بعيدا عن بحيرة فيكتوريا فان الأجسام المائية الأخرى مثل بحيرة كياقوا تتعرض لزيادة تاريخية في مستويات المياه حيث بلغت 13.2 متر، كما ستحظى البحيرة و الشواطئ والمستنقعات والفيضانات بمستويات المياه المرتفعة. ستتعرض العديد من المباني و المرافق الحيوية المحيطة بالبحيرة- مثل المرافق الصحية والمدارس والطرق ومستويات المياه ومرافق الصرف الصحي – و ستكون عرضة للفيضان. بينما لا يتوقع أن تزيد بحيرة ألبرت زيادة خطيرة، و لكن نسبة للفيضان ستتأثر بعض المناطق في مقاطعات هوينا وبولييسا ونتوروكو. أدت زيادة مستويات المياه في بحيرة ألبرت التي بدأت منذ إبريل إلى جعل قرابة مئتي شخص مشردين في مقاطعة باكواش في مناطق مثل دي و بانيمور. غرق على الأقل مئة منزل ودمرت ممتلكات تصل إلى مليون شلن بواسطة الفيضان. ساعدت السلطات في إعادة توطين عشرين من المنازل بينا غرق الكثير في الفيضانات. أيضا قاموا بالتواصل مع الحكومة وطلب المساعدة في إعادة توطين هؤلاء. يحذر الوزير كيوتوريس ويقول:” في شان من سبق ذكره وجهني معالي رئيس أوغندا بإزالة كافة الأنشطة والاعتداءات على الأراضي الرطبة والشواطئ وضفاف النهر والغابات الحكومية بشكل فعال. أيضًا تم إرشادي للعمل مع الحكومة المحلية للتأكد بأن يتم إزالة زعماء الأبرشية والمقاطعات الفرعية الذين لم يتخذوا خطوات عملية ضد المتجاوزين. أود أن أدعوا الناس في مناطق الأراضي الرطبة والبحيرات والأنهار ومنتجعات الغابات بالإخلاء مباشرة. تعمل وزارتي بالتعاون مع الحكومة المحلية والوكالات الحكومية الأخرى على إجلاء الناس الذي يسكنون على بعد مئة متر من ضفاف النهر وثلاثين متر من الأراضي الرطبة ومئتين من ضفاف البحيرة وفي منتجع الغابة وإيقاف الزراعة حول المنحدرات وذلك للتقليل من التعرية وجريان المياه من المرتفعات ". ولكن هذا الأمر لم يطبق بعد ولاتزال بعض الأنشطة البشرية مستمرة في هذه المناطقة المغمورة بالمياه.

نُصح الأشخاص الذين يعيشون في المناطق سكنية على الشواطئ وضفاف الأنهار والأراضي الرطبة والغابات والمناطق المعرضة للفيضانات في وحول بحيرات فيكتوريا وكيوجا وألبرت و نهرالنيل- بما في ذلك المنحدرات الجبلية المعرضة للانهيار- بالانتقال على الفور إلى أماكن آمنة لتقليل الخسائر والأضرار الناجمة عن ارتفاع مستويات المياه والفيضانات. في منطقة كاسيزي، انفجرت انهر نياموامبا ونياموغاساني وموبوكو على ضفافها ، وقطعت مستشفى كيلمبي والطرق والجسور والمدارس والمراكز الصحية ومنازل الناس. ونشرت قوات الدفاع الشعبية الأوغندية مئات من رجالها من لواء المشاة الجبلي بقيادة المقدم دينيس وانياما لنقل وإنقاذ ضحايا فيضانات كاسيسي وبونديبوغيو. وحذرت وزيرة الدولة للبيئة بياتريس أنيوار من أن الحكومة لن تعوض أي شخص يتعدى بشكل غير قانوني على أراضي البحيرة وأنه سيتم إخلاءها بالقوة. "سوف نتجول في جميع الأجسام المائية، وسنبدأ بتقديم المشورة لهم. وقالت: "أولئك الذين يقطنون الأماكن التي لا يجب السكن فيها وبطريقة غير مشروعة، سنقوم بإجبارهم على الخروج وليس هناك تعويض ولا يجب أن يسألوا".

تحديات عديدة

في الآونة الأخيرة، قام الرئيس بزيارة مفاجئة إلى محطة نالوبالي للطاقة في جينجا حيث ظهرت جزيرة عائمة لم تكن موجودة من قبل، مما تسبب في انقطاع التيار الكهربائي على المستوى القومي. وقدرت الجزيرة بما لا يقل عن مئة هكتار في لوزيرا وعشر هكتارات في جينجا. ووفقًا لوزارة الزراعة، من الممكن أن يكون ارتفاع منسوب المياه سببًا في دفع الجزر. وفي الوقت نفسه، كانت هناك مشاكل في مناطق أخرى حيث كانت العديد من الجزر العائمة تطفو، بما في ذلك؛ خليج بونجاكو (مبيجي / كالونجو)، خليج سانغو ونهر كاجيرا (كيوتيرا)، وخليج فيلدينج وخنق ثرستون (جينجا / مايوغا).

undefined

صورة للجزيرة العائمة في مركز نالوبالي للطاقة في جينجا. أتوليندا آلان لصالح أندريا

أدى ارتفاع مستويات المياه إلى فصل أجزاء كبيرة من الأراضي في أجزاء مختلفة من البلاد بالقرب من البحيرات. هذه القطع من الأرض بدأت تتحرك على سطح البحيرات في الأسبوع الثاني من أبريل ، مع وصول جزيرة واحدة تبلغ مساحتها 12 فدانًا إلى محطة نالوبالي للطاقة في جينجا وتسببت في انقطاع التيار الكهربائي على مستوى الدولة، كما أشار بيان من الحكومة في ذلك الوقت. تم نشر المعدات في سد نالوبالي و تضمنت: حفارتان ذراعان طويلتان -بطول سبع عشر مترًا، وثلاث -من شاحنات التفريغ بسعة طنين، وشاحنتين ذاتية التحميل، ومركب، وواحدة لأبحاث مصايد الأسماك، وعبّارة من وزارة الأشغال والنقل بهدف حصاد أي بقايا من الأعشاب و الرغوة للحفاظ على سلامة سد نالوبالي. تمت إزالة هذه الجزيرة منذ ذلك الحين.

مع تصدي العالم لجائحة كوفيد-19، يتعين على الأوغنديين مواجهة الفيضانات والانهيارات الأرضية والفقر والجوع. من المتوقع أن تنخفض مستويات المياه بحلول نهاية مايو 2020، على الرغم من أن هذا غير حاسم بسبب موسم الأمطار الذي بدأ للتو والذي دمر الحدائق والمنازل. لقد وعدت الحكومة ببذل قصارى جهدها لضمان عدم فقدان الأرواح في هذه الكارثة. لن يعاني الأوغنديون من العواقب الاقتصادية بسبب الإغلاق التام الناتج عن جائحة كوفيد-19 فحسب، بل سيعانون أيضًا من الفيضانات التي غمرت أماكن عملهم. يجب على الكثير منهم الانتقال من منازلهم والاستئجار في مناطق أخرى، في هذه الأثناء يجب على أولئك الذين كانوا قد أغلقوا بضاعتهم داخل المتاجر في الوقت الذي بدأ فيه الإغلاق بسبب كوفيد-19، أن يحسبوا أيضًا خسائرهم حيث من الممكن أن تكون بضاعتهم قد غرقت في الماء. لا يزال من غير الواضح، كم من الوقت ستستغرق الحكومة لتعويض أولئك الذين بنوا أعمالهم ومنازلهم بشكل قانوني على شواطئ البحيرة.


سارة بريومومايشو

سارة صحفية أوغندية و تسجيل صوت و مديرة إعلام اجتماعي، كما تعد من المدونات المؤثرات. عملت سارة مع 4 محطات إذاعية رئيسية كمحررة و مذيعة أخبار إنجليزية لمدة 8 سنوات. وهي حالياً مراسلة ومحررة أخبار في هوت شوت للإعلام والإنتاج في كمبالا. هي حاليا أيضا المدير الإداري لأندريا في أوغندا.