نهاية كل نظام حاكم يعتمد فى حكمه على العنصرية و الإستبداد و الظلم و طمس حقوق المواطنيين السقوط. هذا ما آلت اليه بعض الدول مثل مصر و ليبيا و الجزائر و أخيرا السودان . من بين جميع هذه الثورات تمتاز الثورة السودانية بالسلمية في التغيير. و إن دل ذلك فإنما يدل على مدى وعي الشباب السوداني القائم بالثورة ضد نظام الرئيس المخلوع عمر البشير و جميع أطراف نظامه الفاسد، النظام الذي دام ثلاثين عام يتعايش على موارد البلاد و على حقوق المواطنيين و تعطيل عجلة التطور. و أخيرا أتى صوت يطالب بسقوطه، فتعالت الحناجر المُنادية " تسقط بس" من فتيان و كنداكات بلادي بسلمتيهم ضد أسلحة العسكر. تساقطت أرواحهم و سالت دماهم لتروى هذه الثورة، ثورة ديسمبر المجيدة. الرحمة لشهداء بلادي الذين ضحوا بأرواحهم الطاهرة فداء للوطن، و التحية لك أيتها الأم العظيمة التى فقدت إبنها فى تلك الليالي التى تعالت فيها أصوات الذخيرة الحية ضد المواطنيين العُزل. كنتم و ما زلتم جزءاً منا و ما زالت أرواحكم الطاهرة تحرس مطالب الثورة المجيدة، و الآن بعد عام كامل كيف هو الحال؟

Image via 3ayin.com
لجان المقاومة في ثورة ديسمبر
امتازت الثورة السودانية بالوعى الطاغي فى جميع نواحيها من تنظيم مواكب و استخدام أدوات المقاومة السلمية من اعتصام سلمي و غيره. و من الركائز التى لعبت دوراً هاماً فى سقوط النظام السابق، و هي الآن تقوم بحراسة كل مكاسب الثورة السودانية و ضمان حق الشهداء: لجان المقاومة. فى أبسط صورها هى مجموعة من شباب الأحياء تجمعوا لتكوين لجنة تهدف لتلبية المواكب التى يدعو لها تجمع المهنيين السودانيين و تحديد مسارات المواكب و تأمين الموكب و سلامته، و غيرها من المهام التي تضمن سلامة الموكب. و كان ذلك فى الشهور الأولى للثورة السودانية و تحديدا فى شهر يناير 2019. إستطاعت كل منطقة و كل حي تكوين لجنة مقاومة تسعى لتلك الأهداف، و تقسم المهام من توزيع منشورات، مجموعة تقوم بحرق اللساتك و مجموعة تقوم بتأمين المواكب. بدأت اللجان فى العمل منذ شهر يناير و حتى الآن. كانت طبيعة عملهم تقتصر على أفراد حيث كان ذلك يعرضهم للإعتقالات من قبل جهاز الأمن و المخابرات و الأجهزة الأمنية الأخرى. كان يقع عليهم الجانب التوعوي للشعب السوداني بضرورة المواكب و الحفاظ على سلميتها، و إقامة المخاطبات فى الأسواق العامة و مواقف المواصلات العامة و غيرها من الأماكن التى تضج بالحركة معرضين أنفسهم للإعتقالات و التصادم المباشر مع الأجهزة الأمنية. بعد ذلك و تحديدا فى شهر رمضان المبارك بدأت اللجان بإعادة هيكلتها، و كونت مجموعة مكاتب منها المكتب الإعلامي و المكتب التيسيري و المكتب التنفيذي و غيرها من المكاتب التى تهدف لتنظيم العمل. و بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع و قبل موكب ثلاثين يونيو تم التواصل الفعلي من قبل لجنة العمل الميداني التابعة لقوى الحرية و التغيير مع لجان المقاومة و ذلك لإقامة مواكب أكثر تنظيماً و ندوات ومخاطبات بوجود قادة من قوى الحرية و التغيير.
التحديات
منذ تكوين اللجان و حتى الآن فهي تتعرض لمجموعة تحديات مختلفة، ففي فترة قبل سقوط النظام السابق كانت تتعرض للاعتقالات و التعذيب و غيرها من العوامل التى تؤدى لتأخر العمل. أما الآن تتعرض لجان المقاومة لتحديات مختلفة. لتوضحيها كان علينا البحث فيها، فالتقيت بشاب من لجان مقاومة فى محلية كرري يعمل فى إحدى مكاتب لجان المقاومة، فأوضح قائلا "لجان المقاومة ما زالت تمتلك المواكب و الإضراب و العصيان السلمي و كل الوسائل التى تنادي بالسلمية لمقاومة الظلم و لضمان حفظ مكاسب ثورة ديسمبر المجيدة، و لضمان حق الشهيد و محاكمة كل رؤوس النظام الفاسد و محاسبة مرتكبي مجزرة القيادة العامة. لم يقتصر دور اللجان على حفظ مكاسب الثورة فقط بل و حتى لضمان حق المواطن السوداني من خبز و وقود و غاز و غيرها من متطلبات الحياة اليومية". هنا و في هذا الجانب تم تحويل العمل الفعلي للجان المقاومة من حفظ مكاسب الثورة و مراقبة الحكومة الإنتقالية و مجلس الوزراء و ضمان محاكمة مرتكبي مجزرة القيادة العامة، إلى ملاحقة الفساد فى الخبز و الوقود و الغاز و هو فى الأصل من مهام القوات النظامية .
و يبقى السؤال أين هي القوات النظامية؟ من التحديات الحالية التى تواجهها لجان المقاومة أيضا المحاولات المتكررة لإختراقها. و فى هذا الجانب تحدث أحد أعضاء لجان المقاومة قائلا "تتعرض لجان المقاومة لمحاولات إختراق من قبل النظام السابق و أتباعه و ذلك للتمكين و السيطرة على صوت الشارع العام الذى يضمن لهم و بنسبة بسيطة الرجوع للساحة السياسية الحالية. و لكن ما زالت لجان المقاومة تحارب و تردع كل من يحاول التسلل لها و تفكيكها، و ذلك عن طريق الفحص الدوري لكل كوادرها بالتعاون مع المحليات. ليس النظام السابق وحده من يحاول التسلل و السيطرة على لجان المقاومة، بل و أيضا بعض الأحزاب السياسية، إذ أنها تستعمل وسائلها المختلفة من ورش و محاضرات و دورات تدريبية لدعم كوادر اللجان، وفتح بعض الأجندة المتعلقة بها و زرع أفكارها. و للجان المقاومة ميثاق تؤمن به و هو ميثاق قوى الحرية و التغيير فقط. كما بدأت لجان المقاومة بتكون جسم تنظيمي على مستوى البلاد و سيدمج لجان الأحياء بلجان أكبر، و ذلك لحفظ مكاسب ثورة ديسمبر المجيدة على المدى البعيد، فى ظل وجود الحكومات المنتخبة الجديدة".

Image via sudanway.com
دور لجان المقاومة في محاربة التحديات الحالية
ما هو دور لجان المقاومة الآن و في المستقبل؟ هنا التقيت بعضو من لجنة الخدمات و التغيير بإحدى اللجان التابعة لمحلية أم درمان لمعرفة ما دور هذه اللجنة و كيف تكونت؟ أجاب "ما زالت لجان المقاومة تمارس عملها السياسي لحفظ مكاسب ثورة ديسمبر المجيدة. بدأت أيضا بتكوين لجنة الخدمات و التغيير لتحل محل اللجنة الشعبية التابعة للمؤتمر الوطني سابقا. و لجنة الخدمات و التغيير تابعه للجان المقاومة فى الحي، و تعمل على توفير كل احتياجات الحي. كما تعمل كوسيط بين سكان الحي و المحلية، و عليها تحديد مشاكل الحي و رفع المشاكل و الشكاوي للجهات المسؤولة. عليها أيضا نظافة الحي و الحفاظ على النشاطات الاجتماعية و الثقافية و الرياضية في الحي، و توفير شهادات السكن و الوفيات و غيرها مما يحتاجه المواطن. حيث يتم التعامل مع لجنة الخدمات و التغيير من قبل لجان المقاومة كإشراف للعمل و الحفاظ عليه بصورة تضمن سلامة و راحة سكان الحي" .
و بعد ذلك تواصلت بإحدى المبادرات الشبابية التى تخدم المجتمع بصورة واضحة وهي مبادرة شباب بحري. عرفت المبادرة بأنها شبابية مستقلة لا تنتمى لأي جهة، و تعتمد على القوى الشبابية فى الجانب الطوعي. تواصلت مع ميسون عبد الله عبد المطلب عضو فى مبادرة شباب بحرى لتحدثنا عن المبادرة، فقالت "تكونت المبادرة نسبة للوضع الحالي و انتشار فيروس كورونا وسط المواطنين. كان هدفنا صناعة المعقمات و كل مستلزمات الطب الوقائي، و نشر منشورات توعوية و أيضا توفير الكمامات. تمكنا من تحقيق هدفنا بصناعة 10000 معقم و تم توزيعه فى منطقة بحري، و تعقيم الأسواق و المواصلات العامة و الأحياء و المساجد. و أيضا تم توزيع أكثر من 20000 كرتونة تحتوى على مواد تموينية للأسر المتعففة. حالياً نعمل على توفير أماكن للحجر الصحى للمصابين بالفيروس. للجان المقاومة الدور فى توزيع المعقمات داخل الأحياء، و تعمل أيضا المبادرة على مشروع كرتونة صائم و توزيع الطعام بصورة يومية على أطفال الشوارع، كما أنه فى بعض الأحيان تتلقى المبادرة الدعم من الجمعيات الخيرية و الشركات الخاصة. و من هنا ندعو المواطنيين بالإلتزام بتوجيهات وزارة الصحة لمحاربة فيروس كورونا و ثقة في الله قادرين أن نتخطى هذه المرحلة".

Image via sudanjem.com
لجان المقاومة في الفترة الانتقالية
ثورة ديسمبر المجيدة تمتاز بسمات حَملتها و شعارات تشمل كل معاني الإنسانية من حرية سلام و عدالة، و لكن هناك من يحاول التلاعب بهذه الثورة و محورتها كل حسب أهدافه. حتى الحكومة الإنتقالية الحالية و بعد عام لم تنجح فى محاسبة مرتكبي مجزرة القيادة العامة و لا القصاص للشهداء، فكل ما نراه الآن هو محاكمات للقتلة دون تنفيذ الأحكام. و لم تستطع أيضا الحفاظ على مبدأ الكفاءات بالصورة التى تضمن لنا تكوين دولة قانون. كما أنها فشلت فى تحسين الوضع الاقتصادي للبلاد. جميعنا نعلم التحديات التى تمر على البلاد فى الفترة الحالية و لذلك يجب على الحكومة الإنتقالية الإستفادة من هذه اللجان بصورة جادة و العمل على حفظ الوضع الإقتصادي الحالي و محاسبة كل تجار العملة و من يلهو بالنظام الاقتصادي، و أيضا يجب بدء المحاكمات و تنفيذ العقوبات ضد مرتكبي مجزرة القيادة و أخذ القصاص للشهداء.
لجان المقاومة لها الفضل الكبير فى نجاح ثورة ديسمبر المجيدة و هي من الركائز التى كانت و ما زالت تمارس عملها الى الآن. تعتمد لجان المقاومة فى الجانب الأول و الأخير على قوى الشباب، فهم أصحاب التغيير الحقيقي. هذه الفئة من الشباب هم من يستطيعون تعزيز عجلة التطور فى البلاد و عليه يجب الإهتمام بهم و تدريبهم على العمل الطوعي، و الإستفادة من حماسهم و طاقاتهم للخروج معاً من هذه الأزمات التى تمر علينا. السودان من الدول التى تضج بالاحزاب السياسية التى كانت تنادي بالإلتفاف ضد نظام الطاغية عمر البشير، و لكن بعد السقوط تراجعت و بدأت بعرض أجندتها لضمان منصب لهم فى الفترة الإنتقالية و الحكومة المنتخبة. يجب على الأحزاب و الحكومة الإنتقالية الإتفاق على الإصلاح و التعاون مع القوى الشبابية و لجان المقاومة، و ذلك لضمان خروجنا من هذه الأزمات التى تمر على البلاد: من الوضع الاقتصادي و جائحة كورونا و الفساد المالي و غيره من الأزمات.