هذا المقال متوفر أيضاُ باللغة English

هل تتذكرون تلك الأيام عندما كانت الزيارات المنزلية في الجو الساخن تُكافأ بالعصائر الباردة التي يصنعها الناس طازجة مع قدومكم؟ نحن ناسٌ نحب الخلاطات، وقائمة المشروبات اللذيذة طويلة ولكنني طالما تمنيت عصير الجريب فروت المُحلى طبيعياً، أو مزيج من الكركديه والعرديب، أو حتى كوب من عصير الليمون المنعش ببساطته. كانت هذه العصائر بسيطة و لذيذة وصحية إلى حد ما، عندما لا يُكثِر الناس من زيادة السكر للتحلية.

في هذه الأيام، الرغبة بمثل هذه العصائر كأمل وجود الثلج في الصحراء. كما لو أننا قد هاجرنا إلى كوكب جديد حيث كل المشروبات يجب أن تكون غازية ومعسلة بالسكر و ملونة و جاهزة من متجر في زجاجة بلاستيكية.

بالتأكيد الوضع الاقتصادي بات صعبٌ للعديد من الناس. الفواكه الطازجة أكثر تكلفة من المشروبات الغازية الرخيصة والمتاحة على نطاق واسع بما أن السكر مدعوم من قبل الحكومة، ولكن الفواكه غير مدعومة. ومع ذلك، هذا التغيير النظامي لغذائنا ينذر بالخطر، خاصة وأننا ننظر حولنا ونرى أن مرض السكري يبدو جزءاً طبيعياً من الوصول إلى منتصف العمر في السودان. لو كنا دولة ذات بنية تحتية طبية وظيفية جيدو لكانت أجراس الإنذار أعلنت وباء السكري منذ مدة طويلة.

أعلم أنكم تظنونني أبالغ، ولكني أدعوكم لعّد جميع الأصدقاء والأقارب المباشرين لكم الذين لديهم داء السكري من النوع 2 أو يعانون من السمنة المفرطة (السمنة يمكن أن تؤدي إلى مرض السكري).

فالنتابع.

في بعض مدن الولايات المتحدة كانت هناك جهود لحظر المشروبات الغازية في المدارس أو إدخال القوانين التيتحِد من أحجام الحصص المتداولة عن طريق حظر المشروبات الغازية فائقة الحجم في مطاعم الوجبات السريعة. مثلاً بيركلي في ولاية كاليفورنيا فرضت ضريبة على أونصة الصودا. لم تنجح هذه الجهود دوماً، لأن صناعة المواد الغذائية مسيسة وقوية وبالتالي غالبا ما تكافح الجهود الصحية.

حملات حظر المشروبات الغازية أو المشروبات السكرية غالباً ما تكون مثيرة للجدل، و لكنها خلقت نقاشاً صحياً عن القيمة الغذائية والآثار الصحية لهذه المشروبات. في السودان، هناك نقاش ضئيل حول مساوئ المشروبات السكرية، ولكن البحث ما زال قائماَ. وفيما يلي نعرض القضايا الأربعة الرئيسية المحيطة بمساوىء الصودا والمشروبات السكرية.

undefined

Source: Pinterest.com

1- الصودا تساهم في تدهور صحة العظام و هشاشتها

حالة الجسم الطبيعية هي قلوية. المشروبات الغازية حمضية جدا بسبب محتوى حمض الفوسفوريك وإرتفاع نسبة السكر، مما يجبر جسمك على سحب الكالسيوم من العظام لتحقيق التوازن في الحموضة، وبالتالي هناك خطورة على صحة العظام من سرقة جسمك المواد المغذية لبناء العظام. هذا هو الخطر بعينه للأطفال وصغار البالغين والأمهات والحوامل الذين يحتاجون إلى الكالسيوم لدعم إحتياجات النمو.

2- المشروبات السكرية تقتل خلايا المخ

المشروبات الغازية محملة بالسكر و فركتوز من الذرة و هي مادة تحلية إصطناعية مصنوعة من الذرة وأكثر إدمانا من السكر. هناك العديد من الدراسات التي وجدت وجود صلة بين إستهلاك السكر وفقدان الذاكرة. كشفت دراسة حديثة وجود صلة مباشرة بين مستويات السكر في الدم و الجسم، وتقلص أو ضمور مركز الدماغ الرئيسي المسؤول عن الذاكرة. وأظهرت الإختبارات على 141 فراد أن فقدان الذاكرة كان مرتبطاً بإرتفاع نسبة السكر في الدم حتى عند أولئك الذين لم يعانوا من داء السكري. الملخص أن الإرتفاعات في نسبة السكر في الدم (حتى إن كانت خفيفة) يمكن أن تَضُر الدماغ.

3- مشروبات الصودا هي السبب الرئيسي وراء السمنة العالمية و وباء السكري

هذه مشكلة عالمية، والعديد من الدول (بما في ذلك ذوي الاقتصاد المتقدم) إستيقظت على واقع مرير بأن الإستهلاك المفرط لمشروبات الصودا الغازية والعصائر السكرية الأخرى يأخُذ منها العديد من الناس سعرات حرارية فارغة. وقد أدى ذلك إلى زيادات كبيرة في البدانة وأمراض القلب ومعدلات مرض السكري ويشكل ضغط كبير على الموارد الطبية الوطنية.

SugarScienceمنصة أكاديمية مستقلة أميركية تركز على تبادل المعلومات حول تأثير السكر على صحتنا، وتشير من أبحاث “أن الناس الذين يشربون واحد أو إثنين من المشروبات المحلاة بالسكر يومياً لديهم خطر داء السكري النوع الثاني أعلى بنسبة 26% ،مقارنة مع الأشخاص الذين يتناولون أقل من واحد في الشهر”.

4- كثرة تناول السكريات يمكن أن تتلف الكبد

إلى جانب البنكرياس، الكبد أيضا مسؤول عن معالجة السكر. أما الفركتوز، و هو النوع الأكثر شيوعاً من السكر في المشروبات الغازية والمشروبات السكرية، تتم معالجته في الكب فقط.

عند تناول الفركتوز في شكل الفاكهة الكاملة المعززة بالألياف، يتم إمتصاصه ببطء في مجرى الدم ويعمل كمصدر وقود للجسمعلى المدى الطويل. و لكن يتم معالجة الفركتوز السائل الموجود في المشروبات الغازية والعصائر بشكل مختلف، وعندما يستهلك بكميات كبيرة أو على الريق فإنه صعب جدا على الكبد (تماماً مثل الكحول) ويمكن أن يؤدي في النهاية إلى أمراض الكبد .

يشير الأطباء إلى ظاهرة “بطن السُكر” نتيجة أن الكبد يكسر السكر و يحوله إلى دهون يتم بعد ذلك تخزينها في الأجهزة الأخرى وحول البطن. وترتبط هذا الظاهرة بمجموعة من الأمراض الأخرى بما في ذلك أمراض القلب والسكتات الدماغية والسكري والسرطان ومرض الزهايمر.

بالنسبة لي هذه الأسباب كافية لترك الصودا و العودة إلى الكركديه، ماذا عنكم؟ 


داليا حاج عمر

داليا طالبة في التغذية الوظيفية ومهتمة بالبحث عن الطرق البديلة للشفاء مثل مبدأ "الطعام كدواء". تدرس داليا حالياً للحصول على رخصة تدريب صحي ينمي فضولها لفهم الجهاز الهضمي وإدمان المأكولات السُكرية. لا تثني داليا عن السُكر، ولكنها تثابرعلى إبراز فوائد الأطعمة التقليدية مثل التيف والدُخُن، والأطعمة و المشروبات التقليدية المخمرة. تهتم داليا بالتأمل و بناء قدرات الجسد والروح من خلال اليوغا، والرقص والضحك والتواصل مع الطبيعة.