متمرداً بطبيعته، بدأ ميستا دي مشواره الفني من دمج أناشيد الإنجيل مع موسيقى الريغي و موسيقى صالات الرقص مما سبب صدمة للكثيرين في جماعة الكنيسة. دينق ماثيانغ مابور ليس موسيقياً عادياً من جنوب السودان، هو صاحب عزيمة ويؤمن بموسيقاه المتنوعة. جنباً إلى جنب مع أصدقاءه الموسيقيين سجل ألبوماً وباع ما يكفي من النسخ للفت نظر مدير مدرسته في الخرطوم. في ذلك الوقت، كان يتدرب بحماس للإنضمام إلى فريق الهلال لكرة القدم، ولكن عند طلب مدير المدرسة، شارك في مسابقة للمواهب وفاز بجائزة مالية على أداءه. ولم يمض وقت طويل حتى أخذته الحياة في إتجاه آخر.
مثل الكثيرين ممن عانوا من عدم الإستقرار والظروف الإجتماعية والسياسية القاسية في ما كان يوماًالسودان الكبير، هاجر دينق إلى الولايات المتحدة. وللوقوف على قدميه، حبه للموسيقى غذى جهوده لكتابة وإنتاج المزيد من التسجيلات والإشتراك في العروض. يتذكر دينق: “الأمور في الولايات المتحدة كانت مختلفة، المنافسة كانت محتدمة. رأيت موسيقيين البوب يعملون بجد على موسيقاهم، لذلك بدأت في دفع نفسي أكثر. في ذلك الوقت كنت لا أزال أعاني من مشاكل في أوراقي الرسمية لأنني كنت مهاجراً غير رسمي. لم يكن لدي مصدر دخلحينها والموسيقى أصبحت مصدر دخلي. الحياة كانت مشكلة تؤرقني وأصبح جلياً أن الموسيقى هي طوق النجاة بالنسبة لي. “
إنتقل من واشنطن العاصمة – المدينة التي كانت أول مهبط له في الولايات المتحدة- إلى ناشفيل حيث إلتقى العديد من المنتجين والفنيين الذين ساعدوه على صقل مواهبه. كان في بيئة التعلم فيها ينتج عن طريق التجربة، فأسفرت عن رفع منحنى التعلم لديه وما نتج من ذلك من مكاسب.
في حين كانت رحلةأوراق هجرةدينق متعثرة، تلقى بصيص أمل من مكالمة “رضا” صديق أراد تعريفه على “ناس جوطة“، وهي مجموعة من مغنيي الراب وفنانين الهيب هوب السودانيين المقيمين في الولايات المتحدة. دفعت هذه المكالمة الهاتفية دينق للعودة إلى العاصمة لتسجيل الأغنية الشهيرة “لا“. كانت مشاركة دينق الخاصة قوية، مما أثار إهتماماً بموسيقاه داخل المجتمعات السودانية وجنوب السودانية محلياً وفي دول المهجر، التي تحفزت وتفاعلت مع النشيد الثوري، والذي صدر في وقت متقلب للبلدين. عرف الفنانون أن هذا سيكون تسجيلاً قوياً، يقول دينق “عندما سمعنا الأصوات الغنائية في النهاية والموسيقى المصاحبة علمناأن ذلك سيكون إنتاجاً كبيراً! لذلك أطلقنا الأغنية كتسجيل ثم إنضم “إيهاب” من “ناس جوطة” فقمنا بإنتاج الفيديو الذي فجر الأوساط الفنية. “
كان توقيتاً سيئاً خاصة أن أوراق الهجرة قد وصلت إلى طريق مسدود وتقرر ترحيل دينق. وكان من المقرر عقد لقاء مع ضابط الهجرة والمحامي، فسألهم دينق سؤالاً بسيطاً ” إلى أين سيتم ترحيلي؟“ بالنسبة إلى أي شخص آخر، يمكن أن يكون الجواب إلى موطنك الأصل، لكن وضع دينق – الذي إنفصل موطنه الجنوبي الأصلي وصار دولة ذات سيادة بعد سنوات من مغادرته لأرض السودان الكبرى – كان الأمر معقداً. في كلتا الحالتين، ولد دينق وتربي في شمال السودان ويعرف طريقه بسهولة في مصر ورومانيا – حيث أمضى بعض السنوات – أفضل من معرفته بمناطق جنوب السودان. كانت الرؤية غير واضحه، حيث ألغيت سودانيته و جواز سفره بينما كان يحاول الإستقرار في الولايات المتحدة.

لسوء الحظ، لم يكن الجميع معجباً بكلمات الأغنية الجريئة. بدأت المشاكل تواجه ميستا دي والآخرين. لحسن حظ ميستا دي، ساعدته الأغنية في قضية الهجرة وفي الحصول على الموافقة، حيث حصل أخيراً على الجنسية عندما تم حل جميع المسائل العالقة مع الضابط المسؤول عن حالته المعقدة. كان الوقت مناسباً ليكون موسيقياً، يعتقد دينق “للموسيقى تأثير قوي، لقد غيرت حياتي! لو لا الموسيقى كل شيء كان سيصبح في الحضيض“. ذهب دينق للإنتهاء من الكلية والتخصص في تكنولوجيا المعلومات. و يواصل العمل على موسيقاه وإنتاج تسجيلات جديدة وفيديوهات على صفحات وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة به عندما يسمح له الجدول الزمني. وهو يصر على عدم فقدان شغفه، مؤكداً “أأخذ إجازة لمدة شهرين وأقوم بكتابةمجموعة من الأغاني ثم أعود إلى العمل وأقوم بإصدار تسجيلات جديدة، وأقوم ببعض العروض هناوهناك . لم أعد أفعل ذلك من أجل المال أو الشهرة الآن، لقدأنقذت الموسيقى حياتي و لذلك أناأحاول أن أرد بعض الجميل. “
أغاني ميستا دي تبدو وكأنها مذكرات شخصية ، فهو يشاركنا جانبه الناعم في “بقيت أتمتم” مع حكاية من أيام دراسته الثانوية عندما كان معجباً بزميلتة في المدرسة. ومع لحن من شرق أفريقيا يطربنا في “قليبي” مقاسماً إيانا الحكايات عن الحب المثالي. أما في “بعد العاصفة” فيمطرنا ببعض الإيجابية عندما تكون الأمور في حياتنا أو العمل أو مع أحبابنا لا تسير على نحو سلس.
على الرغم من أن هناك نغمة ريغي واضحة في موسيقاه، فإن ميستا دي يعترف انه يحب مزج الإيقاعات، “أنااصنع ألحاني وإيقاعاتي الخاصة، أمزج أنواعاً مختلفة من الموسيقى لأنني نشأت في أجزاء مختلفةمن العالم . لذلك لا أحدد نفسي بالقواعد“. يواصل الكتابة عن القضايا اليومية، وتضمين ذكرياته عن الوطن في تسجيلاته وعن الحياة التي عاشها من قبل . المزيج الفريد من الأصوات الذي ينتجه ميستا دي مستوحى من خلفيته، حياته وعمله الحاليين، ورحلاته وشغفه مما ينتج أغاني متناغمة بشكل جميل تنصهر في مزيج مريح من الإنجليزية والعربية.
يمكنكم متابعة قناة الساوندكلاود الخاصة بميستا دي للإستماع لأحدث تسجيلاته ومتابعة صفحته على فيسبوك لمشاهدة أحدث الفيديوهات والتحديثات عن عروضه القادمة.