هذا المقال متوفر أيضاُ باللغة English

الفنانة فيفيانة نياشان من مواليد 1965 بمدينة ملكال بولاية أعالى النيل، و من أسرة مشهورة بالفن. منذ سن مبكر بدأت الغناء بلغتها الأم (شلو) و تغني حالياً بأربعة لغات محلية. دخلت  فيفيانة الساحة الفنية عام 1992 وأصدرت أول ألبوم غنائي عام 2000 و واصلت مسيرة غنية حتى الآن. الأحوال المتقلبة للبلاد تجعل قلبها ينشطر بسبب المعاناة التي يتعرض لها شعب الجنوب التي أثرت عليها و على فنها و قدرتها على إستخدام موهبتها. تنعم بالشغف للغات المحلية و الفن التراثي و تتصبر لترى السلام يحل لتغني فرحاً لشعب جنوب السودان. في هذا الحوار نتعرف على إحدى رموز الفن الفلكلوري فيفيانة نياشان.

أندريا: من هي الفنانة نياشان؟

نياشان إسم الشهرة ، أما إسمي فهو فيفيانة نياشان جيمس شواي، و أنا من منطقة معروفة في شمال مدينة ملكال إسمها لؤل و أم للأربعة أطفال.

أندريا: أين ترعرعتي؟

أنا من مواليد حي مديرية بمدينة ملكال، و بعد ولادتي تنقلت الأسرة إلى حي دنقرشوفو، ومنها لحي جلابة، وأخيراً بعد أن تزوجت إستقريت في حي أصوصا. تلقيت تعليمي الإبتدائي في منطقة لول الثانوية في مدينة كدوك و من ثم معهد المعلمين بملكال.

أندريا: متى بدأت علاقتك مع الغناء؟

الفن وراثة من الأسرة، فعمي شقيق والدي الأكبر هو فنان كبير ومشهور في إطار القبيلة بمنطقتنا لؤل، وهو يؤلف و يغني أغاني المدح والتأبين والرقص. منذ الطفولة إكتشفني و قال أنني سوف أكون فنانة كبيرة في المستقبل، كنت وقتها أرتل الترانيم في كنيسة لؤل وأؤلف أغاني بنات في محلات النقارة عندة القبيلة أثناء الأفراح.

لم أبداء بتقليد الأغاني فكنت أؤلف الأغاني وأنا صغيرة وأحياناً أردد أغاني الآخرين ولكن لا أقوم بتقليدهم. ومن ناحية الغناء على خشبة أحب أن أغني لفناني القبيلة أغاني عن التقاليد أو أغاني طؤم (لعب نقار عند قبيلة شلو) فكنت أغني والناس ترقص.

خرجت من بطن القبيلة للشارع العام بعد أن وجدت الإرشاد من فنانين كبار قبل إنفصال البلاد مثل عبد القادر سالم و أحمد الريح. كانو يرشدونني و يصرون أن علي الخروج للإطار الجماهيري. سافرت معهم لتمثيل السودان في الخارج في سويسرا و سوريا قبل الحرب الحالية في سوريا، أيام الحفلات التي تنظمها الجالية السودانية في الخارج.

أندريا: هل تغنين بلغتك المحلية فقط حالياً؟

أحب أن أغني بلغتي المحلية لغة الأم (شلو) من أجل إرسال رسالة لفئة معينة في المجتمع الذي أعيش فيه. حالياً أغني بلغات أخرى ولكن لا أجيدها والرسالة أحياناً لا تكون واضحة.

من أرشدوني في طريقي ظلوا يقولون لي أنني أحصر نفسي بلغة الشلو. شجعوني على تقليد فنانين في أغانيهم باللغات الأخرى إذا إستطعت حتى أتقن اللغات. جربت الفكرة وغنيت للمرحوم الله يرحمو، ماديشا موكوبي في أغنيته “كيجي” بلغة مورو. حالياً أنا في مجتمع فيه مورو و الأغنية لها تأثير و دور في الفن بجنوب السودان. أغني أيضاً بلغة الدينكا، والنوير، والباري قليلاً من جورشول. هذا الجهد لأرضي جمهوري ولكن رغم كل هذا المجهود فأنا أكثر إرتياحاً عندما أغني بلغتي المحلية (شلو).

أندريا: من أبرز الفنانين السودانين الذين إحتكيت بهم؟

القائمة طويلة فإنني كنت مشتركة في إتحاد الفنانين في السودان فلدي معرفة بالكثيرين. ولكن هناك الكثير مما أذكر من الماضي وحتى يومنا هذا و لا يمكن النسيان حتى بعد الإنفصال. أذكر الفنان عبدالكريم الكابلي عملت معه الكثير من اللقاءات عن التراثيات وكان برنامج جميل. و أذكر أيضاً لقاء لي في التلفزيون القومي مع الفنانين أحمد الريح  و ود الأمين.

أندريا: هل غنيتي لأحد هؤلاء الفنانين؟

كثيراً ما حالو أن يجعلونني أقلد أغانيهم باللغة العربية. حتى أنه كان هناك شاعر سوداني كتب لي أغاني بالعربية، لكن لم أغني الأغنية فتعجب من أنني لا أجيد اللغة العربية. قلت له المسألة ليس اللغة وأنا لا أريد أن أتطفل في لغة غير لغتي، ربما أتحدث به لكن هناك فرق بين الكلام والأغنية.

أندريا: لكن لديك أغاني بالعربية؟

بالفعل غنيت بالعربية و لكنني كنت خجله من اللغة العربية وحريصة على النقد لأن هناك جنوبيين يجيدون اللغة العربية. في عيد رفع علم الإستقلال ألفت ثلاثة أغاني بالعربية، و لكن رجعت إلى لغتي الأم مجدداً لأنني متأثرة بلغتي. كلما أفكر في العربية تراودني الفكرة أنني لا أجيد هذا اللغة، و لكنني أستمتع بالأغاني العربية بالأخص أغنية الفنان السوداني المعروف، المرحوم إبراهيم الكاشفي “أرض الخير” خاصة المقطع
“أنا إفريقي أنا سوداني”.

أندريا: متى كان أول ظهور لكي على خشبة المسرح؟

دخلت الفن عام 1992 في الخرطوم أيام النزوح. التجربة كانت جميلة، وهذ يرجع للإهتمامنا بثقافتنا، ففي  الغربة يهتم الشخص بثقافته نسبه للبعد عن البلد التي تعود عليها. كان أول ظهور للجنوبين بثقافاتهم بفضل الطلبة الجنوبين بالجامعات والمعاهد الذين إهتموا بتقديم الدعوات للفنانين الجنوبيين في الخرطوم أثناء الإحتفالات الرسمية (تخريج أو ندوات ثقافية). هذا شجع الناس أن تظهر بالفن الجنوبي على المستوى العام في الخرطوم، بالتالي أول ظهور كان على مسارح الطلبة لكن كنت مشهورة في ملكال قبل النزوح الى الخرطوم.

undefined

أندريا: متى صدرأول ألبوم بإسمك؟

أول عمل فني منظم كان سنة 2000 بعنوان “وداكونة”. التجربة كانت فريدة لأنني كنت أول فنانة جنوبية يصدر لها ألبوم غنائي يباع في السوق و يوزع بطريقة واسعة في جنوب السودان والخارج. لكن قبلي كان هناك فرقة غنائية من الإستوائية قامت بإصدار ألبوم غنائي. ربما لم أستفيد من التجربة من الجانب المالي، لكن التجربة فتحت الباب أمام الفنانين الجنوبيين للإصدار ألبومات غنائية، وكنت أرشدهم عن كيفية إصدار ألبوم فني. 

أندريا: حدثينا عن إسم الألبوم؟

سميت الألبوم على مدينة وداكونة التي تقع شمال ولاية أعالى النيل مقاطعة مانج. غنيت عن جمال المنطقة والمجتمع والثروات، فكل قبائل جنوب السودان كانت متواجدة في هذا المدينة عندما عادوا من الشمال. زرت المدينة في 1999 و رأيت كل الناس فيها نائمة داخل سور مفتوح لا أحد يسأل الأخر، و لا صوت سلاح، والملثم يغني في الشارع عن الحرية. أتذكر أنني ذهبت إلى النيل لشراء سمك و كان رخيص جداً فالناس كانت مكتفية بالبساطة. في نفس الليلة ألفت أغنية وسميتها وداكونة.

أندريا: من ساعدك للنهوض في الساحة الفنية؟

لم أجد المساعدة مادياً، لكن المساعدة المعنوية كانت من الجمهور الذي يحب الأغاني التي أؤديها. دائما في جنوب السودان من يحبون الأغاني هم الفئة الفقيرة مثلنا.

أندريا: غنيت عن السلام والإنفصال وتحققت كيف تنظرين لجنوب السودان الآن؟

هي نظرية جميلة في نظري، لكن لدي أغنية لم ينتهي مفعولها حتى الآن وقد غنيتها قبل التوقيع على إتفاقية السلام (نيفاشا)، أيام الحرب الأهلية في السودان الموحد. والأغنية كانت رسالة لأطراف الحرب على أساس أن يتم وقف الحرب ليعيش الناس بحرية خاصة المرأة لتستقر ولا تسمع صوت السلاح و تعيش في سلام. غنيت الأغنية عام 1992 في برنامج ثقافي في الخرطوم، وعندما غنيت الأغنية على خشبة المسرح للجنوبيين النازحين في الخرطوم بكى الجميع و أنا معهم. مضمون الاغنية هو أن يوقف الأطراف الحرب ويتحاوروا بالإرادة ويتركون الجميع يتحرك بحرية (الصياد في البحر والمزارع في الحقل)، من دون تفرقة أو لون. الأغنية مؤثرة فعندما أغني كل من فقد أسرته أو أهله أو ممتلكاتة يدمع. إعتقدت أن مفعول الأغنية إنتهى مع إتفاقية السلام الشامل بنيفاشا لكن عندما عادت الحرب مجدداً تأثرت بالأغنية مجدداً. أتمنى أن يتحقق السلام والإستقرار.

أندريا: ما هي نظرتك للموسيقى الحديثة في جنوب السودان؟

الإنسان يمثل الثقافة وهذا غير ثابت، ومع التطور والعولمة لابد أن تدخل أشياء جديدة للثقافة و الأغاني والموسيقى. لكن الإيقاع الإفريقي واحد. أنا كفيفيانة في وسط أهلي الجنوبيين أحب أن أغني بالطمبور وفكرت في إصدار ألبوم جديد قبل الحرب عام 2013.  قمت بتأليف أغاني  لملوك قبيلة شلو على إيقاع تقليدي بالطمبور وهذا عمل توثيقي.

أندريا:عند القبيلة ماذا تعني الأغنية؟

الأغنية عند قبيلة الشلو تعني الفرح و السلام، ومقسمة لأغاني الفرح والحزن.

أندريا: هل غنيتي للحب؟

(ضحكاً) كيف لا أغني عن الحب و أنا فنانة. كل فنان أو فنانة لابد أن يغني أو تغني عن الحب، فحتى في الكنسية كنا نغني عن الحب.

أندريا: كثير ما يكون المواطن ضحية أغاني هابطة، ما رأيك؟

بالفعل صحيح، وهذه إحدى مهددات الفن في جنوب السودان والسبب هو عدم وجود جسم للمصنفات الأدبية ولجنة الشعر والنصوص. ولكن هذا ليس السبب واللوم لا يمكن أن يقع على الفنانين بسب الطريقة التي يغنون بها، ربما إكتسبو هذا الثقافة من مكان التربية وعلينا كمجتمع إرشادهم إلى الثقافة التقليدية لشعب جنوب السودان وهذا يحتاج أن يكون هناك جسم للمصنفات الأدبية تنظم العمل الفني في البلاد بدلاً من ترك المساحة دون رقابة.

أندريا: ما هو تأثير الحرب على الفنان؟

أنا شخصياً تأثرت جداً، فلم يبقى سوى أن أصبح شهيدة مع الشهداء. فقدت أناس أقرباء في الأسرة، و أطفال ربيتهم ماتوا أمام الأنظار. فكرت أن أعتزل الفن، بسبب أنه ليس هناك معنى للأغنية، فالفنان يغني عندما يكون فرحاً، و الحرب جعلتني غير مستجمعة لقواي و موهبتي. حتى الآن رغم توقيع إتفاقية السلام لايوجد سلام.

أندريا: هل لديكي أعمال جديدة لمحبينك؟

الجديد هو أن أعلن إعتزالي من الغناء. الشعب جائع و حتى أنا الفنانة جائعة فكيف يمكن أن أغني ومن أجل ماذا أغني و نحن في هذه الحالة.

أندريا: كلمة أخيرة؟

أشكر شعب جنوب السودان على صبرهم، وأنصحهم بعدم الإستسلام مثلي، عليهم مواصلة الصبر ولكل شيء وقت.

نشر هذا المقال ضمن عددنا الرابع بعنوان “الفن”، يمكنكم تصفح العدد كاملاً على هذا الرابط.