في السنوات التي عقبت إنفصال جنوب السودان في عام 2011، كان العديد منا لا يزال يتساءل عن كيفية التوفيق بين الأفكار والعواطف التي توالت في هذه النقطة التحولية التاريخية ذات التأثير الإجتماعي-سياسي. الفنون الإبداعية دائماً في طليعة التعبير في مثل هذه المواقف، ويقدم لنا كتاب “أعرف سودانن” موجز عن هذه اللحظة من وجهة نظر العديد من الكُتاب المشاركين الذين قدموا قصص قصيرة، وقصائد، ومقالات حول السودان وجنوب السودان من خلال مسابقة على الإنترنت. أسفرت المسابقة على طبع الكتاب و توزيعه سنة 2014. كان لدينا الفرصة للتحدث مع المحررين أمل عثمان ورود آشر عن الكتاب و عملية الإختيار، و فريق التحرير.
الكتاب
أندريا: ماذا كان المحفز الأساسي وراء إنتاج أعرف سودانيْن؟
رود:جميلة مجيد أرادت أن تعكس حبها للسودان، بالرغم من أنها أمضت معظم حياتها في بريطانيا. حدثتني وكنتُ في غاية الحماس، وظفتُ أمل عثمان و د. علي “أمين الصندوق”، وعمل الفريق الرباعي بجد لتحويل الفكرة إلى واقع.
أمل:الفكرة الأصلية لإنتاج كتاب عن الأدب السوداني كانت لجميلة بعد أن قرأت مجموعة القصص القصيرة للكاتبة النيجيرية تشيماميندا نجوزي أديتشي بعنوان “الشئ الذي حول عنقك” ولاحظت غياب وجود أدب سوداني بطبيعة مشابهه. من هنا وكما وضح “رود” أخبرته بفكرتها وبعدها بمدة بسيطة كونا مجموعة العمل.
أندريا:هل كانت فكرة المسابقة مفيدة أم لجأتم لوسائل أخرى لجمع القصص؟
رود:الموقع الإلكتروني كان ممتاز و جذب قدر هائل من التفاعل لذلك إتفقنا على إجراء المسابقة وتم التبرع بالجوائز. كان هناك حماس منذ البداية لجذب كتابات إبداعية للكتاب المقترح.
أندريا: المسابقة (والكتاب) لم تركز على فئة محددة بل فتحت المجال أمام كافة المشاركات: قصص قصيرة، شعر، تدوين في المساقين الخيالي والواقعي. لماذا هذا المجال الواسع وكيف أثر ذلك على إختيار المشاركات الفائزة؟
رود:تم الإتفاق منذ البداية على فتح المجال أمام كافة أنوع الكتابات. كان الهدف نشر جميع المشاركات في الكتاب، إضطررنا لاحقاً إلى تعديل ذلك لكن نسبة كبيرة من المشاركات التي تلقيناها تم الموافقة على نشرها في الكتاب النهائي.
أمل:رغبنا كذلك بالسماح للتنوع في التعبير الإبداعي، وبإعطاء الكُتاب الحرية في سرد ما يودون قوله عبر الوسائط التي يرونها الأنسب والأكثر راحةً لهم. هذا مشروع لتعزيز الفنون في السودان وفي مجتمعات السودانيين في دول المهجر، فكان مهماً بالنسبة لنا ألا نحد من أساليب التعبير التي قد يرغبون بإستخدامها.
أندريا: كم عدد المشاركات التي تلقيتموها؟ وما هي المعايير التي إعتمدتم عليها في قبول أو رفض المشاركات؟
رود:تم نشر 42 مشاركة وحوالي 6-7 مشاركات ذات طبيعة سياسية أو دينية تم إستبعادها (تم التنويه منذ البداية إلى أن هذه المجالات لن يتم تغطيتها).
أمل:كنا دائماً متفقين على أننا لا نرغب في أي مشاركات ذات أجندة سياسية أو دينية، وهذه ال 6-7 مشاركات تم إستبعادها لهذا السبب فقط. كان شيئاً مؤسفاً لكنه ضروري لضمان إستمرارية الكتاب ونجاحه المستقبلي.
أندريا: كيف تم الترويج للكتاب؟ وماذا كانت ردود الفعل التي وجدها؟
رود:الإعلان عن الكتاب تم عن طريق الموقع، أقيم حفل التدشين مع قراءات من الكتاب في شرق لندن تلته عروض أخرى (أيضاً مع قراءات) في لندن والخرطوم. ردود الفعل كانت حماسية ودرامية ومازالت حتى بعد 18 شهراً.
أمل:جميلة، علي وأنا قمنا كذلك بالترويج للكتاب عبر صفحات التواصل الإجتماعي الخاصة بنا مثل فيسبوك وغيره. إتصلنا كذلك بمنظمات سودانية مثل منظمة “يوث فاكتور يوكي” الذين قاموا بدورهم في الترويج للمسابقة والكتاب عبر موقعهم على الإنترنت.
أندريا: هل واجهتكم أي مشاكل في النشر و/أو التوزيع؟
رود:مؤسسة “غيبينغ” للطباعة كانت متعاونة في كل مراحل الطباعة والنشر. التوزيع دائماً مشكلة، خاصةً في إرسال النسخ إلى الخارج. بالإضافة للعروض الجماهيرية تم إرسال عدد من النسخ بالبريد. حتى الآن ما زلنا بدون موزع لكن من المهم البحث عن موزع للمجموعة القصصية يمثل الفكرة خلف المشروع.
أندريا: لماذا إخترتم ليلى أبوالعلا في لجنة تحكيم المسابقة؟
رود:ليلى أبوالعلا كاتبة سودانية محترمة تبنت مشروعنا وأصبحت المُحكمة للمسابقة، وكانت تشجعنا في كافة مراحل المشروع.
أمل:بالإضافة لذلك، ليلى واحدة من أنجح الكُتاب السودانيين في العصر الحديث، ومعروفة على نطاق واسع ككاتبة إفريقية. كنتُ متطوعة في مهرجان يُقام سنوياً يدعى: “كُتاب إفريقيا” تُقيمه جمعية الأفارقة الملكية. قبل أيام من المهرجان، علمتُ أن ليلى أبو العلا ستكون متحدثة في اللجنة وذكرتُ ذلك ل “جميلة”، رأينا فرصة عظيمة في دعوتها للمشروع كمُحكمة ومشاركة. قد يبدو ذلك مستهلكاً لكن شعرتُ أنه كان مقدراً أن تكون في تلك اللجنة في مهرجان تلك السنة تحديداً ونحن في منتصف المشروع.
أندريا: هل يمكنم إخبارنا عن المشاريع الخيرية التي يتم تمويلها من عائد الكتاب؟ ولماذا وقع إختياركم عليها؟
رود:المشاريع الخيرية التي تم إختيارها كانت لصالح الأطفال اليتامى في كل من الخرطوم وجوبا والإثنين كانا بحاجة لتمويل مستمر. بالنظر للخلفية الثقافية للبلدين فإن تلك الحوجة كانت حديثة نسبياً: فالأسر إما أصبحت غير موجودة لرعاية الأطفال أو أن ظروف النزاع قد حرمت الأطفال من والديهم. هناك تبرعات إضافية تم جمعها مؤخراً لصالح معسكر للنساء اللاجئات في الخرطوم.
المحررين
أندريا:ما الذي جمع أعضاء الفريق لإنشاء هذا الكتاب؟ وما الذي يربطهم شخصياً بالسودان؟
رود:جميلة، أمل وعلي كانوا جميعاً تلامذتي في المدرسة السودانية بلندن. في السنوات التي تلت ومع تقدمهم في التعليم ظلوا على تواصل معي، وأنا من هواة المراسلة! الثلاثة كانوا متابعين لأخبار التطور في السودانيْن. وانا عملتُ كذلك معلماً في خور طقت الثانوية في الفترة بين 1963 – 1965 وحافظتُ على علاقات ببعض طلابي السابقين.
أمل:أنا أدرس الأدب، لذلك فالأدب هو شغفي سواء كان ذلك عبر كتابته أو قراءته. من نشأتي في إنجلترا فالناس هنا لا يعرفون السودان بالرغم من أنه كان أكبر دولة في إفريقيا في وقت ما. لاحظتُ جهل الناس بالبلد وثقافته، وكانت لدي الرغبة دائماً في المشاركة في توثيق قصص عن الأرض وأهلها. حقق لي هذا المشروع تلك الرغبة، ومن الجميل الإنضمام إلى فريق يحمل أفراده نفس الإخلاص. هذا لا يعنى أن الكتاب يستهدف القارئ الغربي، لأن الهدف كان التشجيع وخلق مساحة لإيصال أصواتنا وعرض قصصنا للقراء السودانيين، لكن إذا وصلت كلماتنا بجانب ذلك لقراء آخرين فهذا بالتأكيد إنجاز جميل.
أندريا: ماذا كانت قصصك المفضلة؟ ولماذا؟
رود:“ماذا لو؟” ؛ أو “حلفا” ؛ “عندما غادر أخي” والكثير غيرها.
أمل:“شجرة التبلدي” ل ياسمين سنادة ؛ أو “حلفا” ل ميادة أحمد عكاشة ؛ “ذكريات الممكن” ل شهد فضل المولى ؛ “الصابرون” ل اليزابيث هاريسون ؛ بصراحة يمكنني الإستمرار دون توقف في ذكر القصص التي أعجبتني.
أندريا: بعد العمل على الكتاب، ماهي الثيمة أو الموضوع الذي ترونه سائداً في الكتابات الإبداعية في السودانيْن؟
رود:الحنين إلى الماضي (النوستالجيا) ؛ حب الطبيعة المتنوعة ؛ الإحساس بالحنين ؛ الإحساس بالفخر (رغم كل التحديات المحلية والعالمية).
أمل:النوستالجيا فعلاً كانت هي الموضوع السائد ؛ الألم ؛ الذكريات ؛ الحب ؛ الإحساس بالإنتماء. من الصعب تحديد مواضيع معينة، كانت هناك الكثير من الكتابات بموضوعات مختلفة لكن تلك كانت أبرزها.
أندريا: ما المطلوب للخروج بالحكايات السودانية/ الجنوب-سودانية للمحيط الأوسع للكتابات الإفريقية الإبداعية؟
رود:هذا معقد، وذلك لعدم وجود إستقرار سياسي في الدولتين، وعدم وجود ثقة. النزاع يولد قائمة طويلة من الأولويات الملحة ليس من بينها الكتابة الإبداعية. التمويل كذلك يمثل مشكلة، مع وجود العقوبات الاقتصادية من القوى الخارجية حتى التحويلات المالية البنكية البسيطة تصبح شبه مستحيلة.
أمل:أعتقد أنه يجب التأكيد على أهمية الفنون ودورها خاصةً في دولتيْ السودان. الشباب المهتمين بالفنون يجدون عدم تشجيع لإختيارهم طريق غير الطريق التقليدي للشباب في السودان (مجالات الطب والهندسة والعلوم وما شابه) والتي يُعتقد أنها تضمن مستقبلاً أكثر إستقراراً. إذا وجد الناس التشجيع ولم يتخوفوا من أن الفنون ليست ضياعاً للوقت ربما قد نجد المزيد من الكتابات القصصية ، الإنتاج شعري والفنانين الجريئين. بعد رأب الصدع الثقافي بأهمية الفنون في البلد سيصبح بمقدورنا الإنتقال بفنوننا إلى محيط الكتابات الإفريقية. عن ما يمكن عمله الآن؛ المجلات كهذه مدهشة بالنسبة لي، لأنها تضع أصوات الشباب عبر أحد أكثر الوسائط إستخداماً لدى الشباب: الإنترنت. نحن بحاجة للمزيد من “أندريا”، “ناس ويذ نوتبادس”و منصات أكثر كهذه تسمح بالإبداع.
أندريا: هل فكرتم بالتعاون مع هيئات أخرى مثل جائزة كاين للأدب الإفريقي، مؤسسة مايلز مورلاند أو غيرها لمشاريعكم المستقبلية؟ وماذا عن الإتصال ببعض الجهات في السودان؟
رود:نعم لكن الأمر ليس بهذه السهولة: جائزة كاين تتطلب موضوعات أطول من التي تضمنها كتابنا (للأسف). لو كان هناك تمويل موضوعي كنا إستعنا بموظف للمساعدة، بالرغم من أننا نحن الأربعة لم نسحب أي تكاليف على المشروع مما ساعد على توفيرنا أموال أكثر للمشاريع الخيرية (أكثر من 2500 جنيه إسترليني).
أمل:التعاون مع مثل تلك الهيئات يأتي وفق معايير و كتاب أعرف سودانيْن غير تقليدي إن لم يكن في طبيعته إذاً في طريقة إنتاجه. أعتقد المنظمات التي قد تكون الأنسب للكتاب هي المنظمات التي تروج للأدب الإفريقي أكثر من تلك التي تساعد في إنتاجه من حيث الفكرة.
أندريا: هل ترون المسابقة والكتاب مشروع لمرة واحدة؟ إذا بالإمكان تأمين التمويل، هل يمكن إقامة المشروع سنوياً (أو بصورة منتظمة على الأقل)؟
رود:وجدنا تشجيعاً لإنتاج جزء ثاني من كتاب “أعرف سودانيْن”؛ العديد من الكُتاب يرغبون بالمشاركة. لكن، مشروع إنتاج كتاب مثل هذا يتطلب إلتزاماً وجهداً مقدريْن يجب ألا يستهان بهما.
أمل:هنالك إهتمام كبير بالجزء الثاني من الكتاب، وأنا أعرف أن الكثير من الكُتاب كانوا يرغبون بالمشاركة في الجزء الأول، لكن لم يتمكنوا من الإلتزام بمواعيد التسليم النهائية لذلك إحتمالية الجزء الثاني دائماً موجودة. لكن وبالإتفاق مع ما قاله “رود” الوقت والجهد اللازميْن لمثل هذا المشروع مقدريْن ولا يجب الإستهانة بهما منا كفريق التحرير.
أندريا: لو أُتيحت لكم الفرصة لتجميع/إنتاج كتاب ثاني، كفريق تحرير ما الذي ستجعلونه مختلفاً فيه (المحتوى، الترويج أو غيره)؟
رود:من المهم وجود شبكة منافذ بيع. من المهم كذلك الإلتزام بمواعيد التسليم النهائية و أن يكون للمحررين الأساسيين الوقت الكافي لمتابعة سير الأمور. المحررين الأصليين كانوا يقضون زمن غير محدود.
أمل:بالتأكيد العمل على وجود شبكة منافذ بيع، و تخصيص زمن أكثر للتحضير لتدشين الكتاب وإختيار موقع أكبر لحفل التدشين، فللأسف قللنا من تقدير الإهتمام الذي سيجده الكتاب في المرة السابقة فكان المكان صغير نسبياً مقارنةً مع الحضور.
أعرف سودانيْن تحرير جميلة مجيد، أمل عثمان، رود أشر و علي عبد الله علي رمرم و نُشِر عام 2014.
نُشِر هذا المقال في العدد الثالث: خطوات. يمكنكم قراءة العدد الكامل هنا.