هذا المقال متوفر أيضاُ باللغة English

الريف يتمثل في الأرض الواسعة المكسوة ببساط أخضر يعتليه القليل من البيوت والمباني ويقطنها القليل من الناس. في عصرنا يعيش كثير من الناس في المدن حيث تتوفر فرص عمل أكثر، و تربطهم مسافات قريبة.

لا أريد ان أصف لكم الريف فقط، بل أريد أن أحدثكم عن مشاعرنا عندما نذهب للريف، ماذا نفعل؟ وكيف تكون تجربة السفر الى الريف في العطلات، والعديد من الأشياء المتعلقة بحياة الناس في الريف. لقد سألت نفسي مرات عديدة لماذا أفضل الذهاب الى الريف؟ بقدر ما حاولتم البحث عن الأجوبة فإنكم لن تفهموا ذلك أبداً، لكن يمكنكم أن تشعروا بتلك الأجوبة في داخلكم.

 يسافر معظم الناس إلى الريف أو إلى قراهم التي ينتمون إليها أو تلك التي ولدوا وترعرعوا فيها في الأعياد و العطلات. يذهب الناس الى الأماكن التي قضوا فيها طفولتهم و مشوا فيها خطواتهم الأولى و تعلموا فيها المبادئ الأساسية التي يعيشون بها حتى الكبر. ستجدون أن بعض الناس يعشقون البيئة الريفية و يعشقون الترحاب و الحفاوة التى تغرقهم بها أسرهم الصغيرة أو الممتدة عندما يعودون.

أينما ذهبتم ستجدون أشخاص طيبون وآخرون سيئون. لن تجدوا مكان يتساوى فيه الناس من حيث الطيبة و السوء. و لكن على عكس سكان المدينة الذين يتصنعون حساً من الأصالة، ستشعرون بأصالة سكان الريف في تفرد يليق بهم. سلوكهم تجاه بعضهم البعض، رحابة و حفاوة كرمهم الذي يطال القريب وحتى الغريب عنهم، يجعل المرء شغوفاً جداً للبقاء في تلك المناطق بشكل دائم.

أعرف العديد من الناس الذين لا يتخيلون أن يعيشوا في مناطق ريفية، ولكن بإعتقادي أن إختيارنا لأماكن سكننا يعتمد على شخصياتنا و أسلوب الحياة الذي نرغب فيه. يصعب تحديد أسلوب حياة معين للشخص لذلك يحتج البعض  بالمستوى التعليمي في الريف، مع أن المدارس في المناطق الطرفية تبلي حسناً في الإمتحانات السنوية على مستوى الولايات. لذا فإن التعليم  يعتمد على الفرد و طموحاته. يشتكي أيضاً هؤلاء الناس من قلة الخدمات و قلة الوسائل الترفيهية، متناسين الأمر الأكثر أهمية وهو أن العائلة هي أهم مكونات الثقافة في السودان. 

undefined

Source: Pinterest.com

أدى الإعتماد على التقنيات الحديثة لإضعافنا- نحن البشر- من كافة النواحي. لقد إختفت إحتياجاتنا النفسية -التى تقلل من التوتر في حياتنا- كالحوجة إلى السلام و البيئة الخالية من التلوث. ولذلك نسافر إلى الريف حيث تقل الضوضاء و الاكتظاظ السكاني. لا أستغرب في حرص الكتاب و الروائيين على العمل في أجواء الريف، حتى أنه لمن النادر أن نجد كاتباً لم يحتفي بسعادته في خصوصية الريف ولم يمتع نفسه و قارئه بزقزقة الطيور  و همسات المياه في الخيران و خرير الماء في الجداول. لا توجد سيارات تمر هناك بإستمرار، فلن تسمعوا أصوات أبواق السيارت و ضوضاء الطرقات و لن تجدوا القواطع  و المشوشات التى تحدث بإنتظام في المدن.

تشكل البيئة المكتظة خطراً عظيماً وذلك لأن كل كارثة طبيعية ستجلب الكثير من العواقب في المدن، بعكس الريف الذى تكون فيه المباني متباعدة عن بعضها. في الريف يمكنكم الجلوس بهدوء و التركيز على مهامكم و أهدافكم التى تودون إنجازها، فنحن كبشر نستلهم الأفكار من سلوكيات كاستكشاف الطبيعة، قراءة الكتب و المقالات، الاستماع إلى الموسيقى و نشاطات أخرى مماثلة. يستحسن أن نعيش تجربة كهذي في بيئة قليلة الإزعاج ولذلك يعتبر التفاعل مع الطبيعة مهما لإستمرارنا و بقاءنا.

تعتبر الزراعة المهنة الأولى في معظم المناطق الريفية و يعيش الكثير من سكان الريف في المزارع أو الحظائر. أعتقد بأن المتعة في العيش تقبع حقيقة في البحث و إيجاد الأدلة المتجددة عن الحياة و الوجود. أيضاً تقبع في الحياة البرية التى توجد بشكل أكثر في المناطق الريفية مقارنة بالمدن. في نقطة معينة من الزمن يمتلك سكان القرى القدرة على التكيّف مع التحديات التى تجلبها الطبيعة. ولأن سكان القرى يتمكنون من زراعة محاصيلهم و تربية مواشي لا يوجد مكان أفضل من ذلك لتنشئة العائلة. إن الاستيقاظ في الصباح الباكر لإطعام الماشية و الدجاج، و حلب الأبقار يعطي الإنسان إحساساً دائماً بإحترام الأسعار- كأسعار البيض و الحليب. رغماً عن كون الريف يعتبر إحصائيا أقل من حيث  من مستوى الدخل وذلك نسبة لإنخفاض التكاليف المعيشية، إلا أنه يعطي مساحات لنمو الأطفال و لعبهم و يشكل فرصة للتمتع بجمال الطبيعة. يتعلم سكان القرى كيفية تدبير أمورهم أفضل من نظرائهم الذين نشأوا في المدينة و أيضا تزيد فرصهم للتعرف على جيرانهم لصغر المجتمعات.

هناك جزء كبير مني يرغب في البقاء في تلك المناطق الريفية التى إرتادها. كلما ذهبت إلى الريف أرى الشمس و الخضرة وكل الأشياء تزدهر من حولي و يتملكني شعور بأن هذا هو الواقع الذي أريده! توفر مثل هذه المناطق فرصاً اقتصادية واجتماعية كثيرة جداً إذا تم الأعداد الجيد للسفر والتوجه اليها. إنها مناطق رائعة و مذهلة لرمي كل همومكم و أموركم المستعجلة و تركها جانباً و الإستمتاع بلحظة صفاء. 


كارمن فايز جرجس

كاتبة سودانية