يحدث ذلك فقط عندما يغشاك الهواء المنعش والمناظر المذهلة، إلى أن تدرك كيف كنت تحد نفسك داخل صندوق، خانقا روحك الداخلية، وعظمتك التي تبدأ في الانحلال.
عدت إلى جنوب السودان منذ حوالي خمسة أشهر، بعد خمس سنوات من العيش في الخارج. استعد لبداية جديدة في وطن تم تجريده من موسم ليتنفس فيه، و من أي فرصة للازدهار بنفسه الشابة والرائعة. بما أنني كنت في جنوب السودان من قبل، فلم تنل مني كل السلبية التي كانت تنتشر على الإنترنت حول حالة البلاد، لأنه حتى من خلال الإعصار السياسي كان لا يزال هناك بعض الجمال، وكان مقدرا لي أن أعثر عليه.
لم تكن شخصيتي المتوازنة مستعدة للخروج والاستكشاف، حيث طفى طبعي المنطوي المنغلق على السطح. كنت مترددة للغاية في القيام بأي شيء؛ لم أكن أعرف أنني أفوت فرصة اختبار بعض من أفضل المشاهد التي تقدمها لي هذه الأرض. كان يحدني خوفي من الخروج إلى الخارج وتجربة ما لم يسبق لي تجربته. حرمت نفسي من نفسي، و من جزء من هويتي.
هل تعرفون إذن ما قمت به؟

استيقظت ذات يوم وقررت أنني سأمنع نفسي من الوقوع في دوامة من الإحراج (الأمر الذي قد يكون في الواقع جيداً). سألني أحد زملائي عما إذا كنت أرغب في الانضمام إلى رحلة على الطريق إلى تيريكا بولاية تيريكا (ولاية وسط الاستوائية سابقا) وبدون تردد، قلت نعم.
في التاسعة من صباح اليوم التالي، كنا في سيارة لاند كروزر عبر المدينة. هبت الرياح و كانت بمثابة سقوط الزهور عبر وجهي. رقصت ضفائري من خلال النافذة على أصوات الأغاني التي رحبت بي في الوطن. لم أشعر مطلقًا بهذا القدر من الحرية في حياتي من قبل ، وبدا أن كل التوتر يتلاشى دون بذل جهد كبير، في مجرد الاستجابة لدعوة الطبيعة.
كنت أشعر بشعور عدم الانجاز في الآونة الأخيرة، و كأن الوقت ينفد مني. أعلم أن الكثير من الناس يمكنهم فهم هذا الشعور، فنحن في عصر يشعر فيه الناس بأهمية الانجاز في الحياة بحلول 21-25 من العمر. يشعر البعض أن مجرد وصولهم للسن القانونية يوجب عليهم التمسك بزمام الأمور. بقدر معرفتي أن الأمر ليس بهذا الشكل، لا يسعني إلا أن أقع في فخ السباق نحو النجاح.

من مئات الفدانات المزروعة بالذرة الصفراء لتوفير احتياجات مدينة كاملة، والجبال التي تحكي قصص أسلافنا، تساءلت عما إذا كان بمقدوري أخذ كل الصور التي احتاجها بهاتفي ليسعني مشاركة هذه القصة. لم أستطع تصوير كل شيء في غضون الساعات القليلة التي كنا فيها هناك، فوعدت نفسي حينها بأنني سأعود إلى مزيد من الضحك والذكريات.
كانت المدينة هادئة جدا. ذهبوا نحو أعمالهم، وكان الأمر يبدو كما لو كانت البلدة مستقلة عن جنوب السودان التي يوصف بأنه "منطقة مميتة" و غير قابلة للسكن. لقد استمتعت بجمال هدوء وقوة التأمل الداخلي.
إنتابني شعور بأهمية عيش الحياة وأن لا ندع الحياة هي التي تقودنا. لا يجب عليك ركوب سيارة وقيادتها لمدة 3 ساعات للاستراحة ، ولكن خذ وقتك من حين لآخر لاستعادة ال زِن مرة أخرى.
ناماستي!
