هذا المقال متوفر أيضاُ باللغة English

undefined

Collage by the author; images by Eric Lafforgue (Flickr) & Copts of Sudan (Facebook) 

أنا حقيقةً آسف.

أنا آسف لأنهم علّمونا كيف نكره أنفسنا والآخرين، لكن يبدو أننا لم نتعلم الدرس.

انا آسف لأن تاريخ هذه الأرض لم يعد مثيراً للإهتمام كالفانتازيا النوبيّة الشائعة التي تجتاحُنا وتجتاح الحقائق التاريخية كذلك في طريقها.

أنا آسف أنّ ما كان مجرّد إنكار لمكوّن إثني وثقافي من مكونات السودان عمره 900 عام قد تحوّل لمراجعة تاريخية كاملة وهلوسات مضحكة.

أنا آسف لأنك تعتقد أن التبرؤ من جزء من الحمض النوّوي لهذه الأرض هو نهضة لجزءٍ آخر.

مغالطات تاريخية في كلِّ مكان.

أنا آسف لأننا أكسل من أن نفتحَ كتاباً لنُصحِّحٓ حكاياتنا الخيالية ونتدارك أخطائها.

أنا آسف لأنّ بعضنا يعتقد أن آبائنا وأجدادنا قد أُرغموا على التحدُّث باللغة العربية في موطنهم، بالرغم من عدم ثبوت ذلك في أيٍ من السجلّات التاريخية.

أنا آسف لإخبارك أنّه، وقبل جيلٍ كامل، كان أبي النوبيّ الحلفاويّ يتحدّث اللغة العربية ، وأن من عَلَّمَه هذه اللغة هم جدّي وجدّتي الحلفاويين الرطّانة. .

أنا آسف لإخبارك أنّه، لا جدّتي الحلفاوية ولا جدّة جدّة جدّة *10 جدّتها كانت تقرأ الهيروغليفية. ربّما لأن النوبيّة أعزائي الأمير والأميرة النوبيين لم تُكتب بالهيروغليفية أبداً؟1

أنا آسف لإخبارك أنّ رسائل الحُب التي كتبها أبي لأمي في السبعينات كانت بالعربي الفصيح. انا آسف لإخبارك أنّ شهادة زواج جدّي في الخمسينات كانت باللغة العربية. أما شهادة ملكيّة منزلنا من الثلاثينيات؟ أجل، باللغة العربية.

أنا آسف لإخبارك أن ألف، باء، تاء قد دخلت النوبة بسلام عبر التجارة والإتفاقيات (البقط) في القرن الثاني عشر، وأصبحت 2 اللغة المشتركة لعدد من القبائل المختلفة التي لم تكن تمتلك من قبل لغة موّحدة فيما بينها.

أنا آسف لإخبارك أنّ أرضنا لم تمتلك يوماً خليفة عربيّ دخيل مختلّ العقل يجوب الطرقات ليقطع ألسنة المتحدّثين بأي لغة غير العربية؛ في الحقيقة، فإنّ أول حاكم من أصل عربيّ في منطقة النوبة قد صعد إلى العرش عبر علاقات المصاهرة والتحالفات السياسية بين القبائل. 3.

انا آسف أنّ بَعضُنَا لم ينجح في علم الأحياء.

“اوه، أنتَ أسود؟ ما تتلصّق ياخ،ما ممكن تكون عربي!!”

“اوه، إنتِ حلبية؟! ما تعملي فيها أفريقية يا وَهَم!!” !!!”

للمعلوميّة: علم الأحياء لا يعمل بهذه الطريقة. انا آسف أن الجينات معقّدة أكثر مما تسمح أعينك المجرّدة لك أن ترى. أنا آسف أنك قد تمتلك من تلك الجينات العربية القذرة أكثر مما يمتلك المغربيّ العاديّ.

أنا آسف لأننا نترك للآخرين مهمّة تعريفنا كما يشاؤون.نسمح لللبنانيين أن يشكّكوا في عروبتنا ونسمح للنيجيريين أن يشكّكوا في أفريقيتنا…

آسف لأننا لم نعد نستطيع محاربة تبييض البشرة وتمليس الشعر دون ربطها ب “الإمبريالية أو الإستعمار العربيّ”. حقّاً؟ أراهن أنّ الهنود الجنوبيين يلومون الهنود الشماليين العرب كذلك.

أنا آسف جداً أننا نكرّر أخطاء الأجيال السابقة وتصنيفهم العرقيّ المريض، ولكننا هذه المرّة نستهدف مجموعةً أخرى وبلمسة وقاحة القرن الحادي والعشرين.

هل تنادي بفكرة “السودان المتنوّع” المثاليّ؟ آسف أنا لا أستطيع إستيعاب هذه الفكرة وأنا يُطلب مني تطهير السودان من كلّ ماهو عربيّ في نفس الوقت. تناقضات؟

أنا آسف لأننا لم نعد نستطيع إنتقاد حُكّام الخرطوم المجرمين بدون أن نسحق أي شئ وكل شئ عربيّ. العرب القذرين. أنا آسف أننا لا نرى أي عيب في ذلك.

هل تكره عَلَمَكْ؟ تشعر أنّه لا يُمثّلك؟ هل تعتقد أنّه عربيّ اكثر من اللازم؟ أنا آسف جداً أنَّك لا تعرف أنّ الدوّل السودانية السابقة إستخدمت هذه الألوان لقرون قبل أن يستخدمها العرب، ولها إرتباط بتاريخ هذه الأرض اكثر من الألوان الثلاثية للعَلَم السابق. 

لكن من يهتم بالحقائق؟ صحيح؟—

هل أنت نوبيّ؟ مسكاقّنا ايرقين بورّو. سعدتُ بمقابلتك. أنا نوبيٌّ ايضاً، لكن خمّن مَن ليس كذلك؟

الزَّغاوة، البِجة، المساليت، الرشايدة، الأقباط، حتى الكنوز ليسوا نوبيين! 5 مفاجأة، صحيح؟ اوه حسناً، انا آسف أنّ نوبيّتنا ليست شاملة كما ترغب قصصنا الخيالية منها أن تكون.

أنا آسف أننا لسنا صوماليين متجانسين، ولا تِغرينية بملامح موّحَدة يسهُل التعرّف عليها. السودان أسود، السودان بنيّ، السودان أبيض. السودان إفريقيّ، السودان عربيّ. السودان مُسْلِم، السودان مسيحيّ، السودان وثنيّ، والسودان كان يهوديّاً حتى قُمنا بإخراجهم كما سنعمل على إخراج من تبقّى منّا إذا واصلنا على التقسيمات ونفيّ الآخر. 

بعد 30 عاماً من الآن، ستروي لأحفادك عن دمّك التهارقيّ النقيّ، متتبعاً خطوات حبوباتنا الحلوين اللآئي توفّينَ وهنّ يعتقدنّ أنهنّ حفيدات نبيّ…ولهذا بالذات أنا حقّاً وفعلاً آسف.

.

مراجع:

1- “The Basic Languages of Christian Nubia: Greek, Coptic, Old Nubian, and Arabic” http://www.ancientsudan.org/writing_03_old_nubian_&_arabic.htm

2- The journal of the Royal Anthropological Institute of Great Britain and Ireland” pg. 16 https://archive.org/details/journalofroyalan17royauoft

3- “A History of the Sudan: From the Coming of Islam to the Present Day” by P. M. Holt, M. W. Daly, pg. 18 https://books.google.ae/books?id=BXB_BAAAQBAJ&pg=PA17&lpg=PA17&dq=banu+kanz+rule&source=bl&ots=saU7aJaj81&sig=ouA7ICH4fNaGBOQS6TxUwwCNIhA&hl=en&sa=X&redir_esc=y#v=onepage&q=banu%20kanz%20rule&f=false

4- “Y-Chromosome Variation Among Sudanese: Restricted Gene Flow, Concordance With Language, Geography, and History” pg. 3,6,7 http://www.researchgate.net/publication/5233268_Y-Chromosome_Variation_Among_Sudanese_Restricted_Gene_Flow_Concordance_With_Language_Geography_and_History

5- “A History of the Sudan: From the Coming of Islam to the Present Day” by P. M. Holt, M. W. Daly, pg. 17 https://books.google.ae/books?id=BXB_BAAAQBAJ&pg=PA17&lpg=PA17&dq=banu+kanz+rule&source=bl&ots=saU7aJaj81&sig=ouA7ICH4fNaGBOQS6TxUwwCNIhA&hl=en&sa=X&redir_esc=y#v=onepage&q=banu%20kanz%20rule&f=false