في رمضان 2016 إكتظت القنوات العربية بالمسلسلات مثل كل سنة، فالموسم يعتبر الأهم والأكثر مشاهدة دوناً عن بقية شهور السنة. المميز في الأمر هذا العام التنوع غير المسبوق للأعمال الدرامية، والأكثر لفتاً للإنتباه إستحواذ عدد كبير من مسلسلات هذه السنة على إنتباه المشاهدين العرب.
إلهام الرواية للسينما والدراما والمسرح قديم قدم هذه الوسائط، حيث تمكنت هذا العام عدة أعمال من شق طريقها إلى الجمهور وشد إنتباه القارئ والمشاهد العربي عبر تجسيدها في مسلسلات عرضت على القنوات العربية. فمثلاً كان مسلسل “ساق البامبو” للروائي الكويتي المعروف سعود السنعوسي أحد أهم الأعمال التي إنتظرها قراء الرواية الحائزة على البوكر العربية عام 2013. ومسلسل “أفراح القبة” المقتبس من رواية تحمل ذات الإسم للروائي المصري نجيب محفوظ والتي لم تلق نصيبها من الشهرة مثل بقية أعماله، ومسلسل “سمرقند” للروائي اللبناني أمين معلوف.
قبل عدة أعوام شاهدنا أيضاً “ذاكرة الجسد” أحد أشهر روايات الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي كمسلسل درامي، ومسلسل “عايزة أتجوز” للكاتبة والمدونة المصرية غادة عبد العال، ومسلسل مقتبس عن رواية “ذات” للروائي المصري صنع الله ابراهيم. كما لاقت أعمال أدبية طريقها إلى السينما مثل “عمارة يعقوبيان” لعلاء الأسواني وفيلمي “فيرتيجو” و “الفيل الأزرق” للكاتب أحمد مراد.
صدى التكييف عالمياً بالمئات من الأفلام والروايات
عالمياً هنالك الآلاف من هذا النوع من التطبيع منذ بدايات السينما، فمنذ 2013 حتى هذه اللحظة تم إنتاج ما يقارب المئة عمل روائي إلى أعمال سينمائية. في 2016 وحدها تحولت 19 رواية معروفة إلى أفلام. كان للكاتب المعروف ستيفن كينج الحصة الأكبر في تحويل أعماله الأدبية منذ السبعينات وحتى اللحظة، إذ تحولت أعماله إلى ما يقارب 100 عمل تلفزيوني وسينمائي.
في الشرق الأوسط تعتبر مصر الأوفر حظاً والأغزر إنتاجاً لهذا النوع من الدراما، بالإضافة لكونها تمتلك خبرة وقدرة إنتاجية ضخمة. لذلك نعرف أن الكثير من أعمال الأديب إحسان عبد القدوس تم تحويلها إلى أعمال فنية، وهو صاحب التجربة الأغنى بحوالي 49 عمل روائي تم تحويله إلى فيلم، وخمس روايات تحولت إلى مسرحيات، و19 مسلسلاً إذاعياً وتلفزيونياً. أما الكاتب العالمي نجيب محفوظ فقد إشتهر بثمانٍ وعشرين عملاً أدبياً تحول إلى التفزيون والسينما والمسرح، ولا ننسى بالطبع المشاركات الـ 47 للكاتب المعروف يوسف السباعي.
أين السودان؟
بالرغم من الأصداء الجيدة التي تتلقاها الرواية السودانية حول العالم إلا أنها حتى الآن لم تقتحم هذا المجال بالقوة المطلوبة وتترجم إلى أعمال مرئية. فلم نسمع في التسعينات عن مسلسل تلفزيوني أو فيلم مستوحى من عمل أدبي، سوى فيلم “عرس الزين” الذي قام بإخراجه الكويتي خالد الصديق عام 1976.
مؤخراً قام فريق أردني بتحويل قصة الكاتبة السودانية الشابة صباح سنهوري إلى فيلم قصير، وهي القصة التي فازت بأول جائزة للطيب صالح في القصة القصيرة عام 2009 وحملت عنوان “العزلة”. تقول صباح حول تجربتها: “كانت تجربة مميزة وكنت متشوقة أن أرى شخصيتي التي كتبتها على ورق على قيد الحياة تماماً وفي فيلم. المخرج والسيناريست الأردني برهان سعادة قرأ القصة على الإنترنت، ثم وضع تصوراً لتحويلها إلى فيلم قصير مدته ٣٥ دقيقة، وقام بالتواصل معي. حقيقة أنا أشعر بالإمتنان للممثل الأردني حسن الشاعر لإجادته شخصية بطل قصتي، لأنها كانت شخصية صعبة ومتناقضة وتتأرجح بين حالات كثيرة”. الفيلم عُرض في مناسبات مختلفة في الأردن والسودان ومهرجانات عديدة وخلق صدى كبير ونال إعجاب الجمهور.
بالإضافة إلى ذلك فنحن موعودون بعدد من الأعمال في الفترة القادمة، فالوسط الثقافي في السودان يتوقع أن يكون لفوز الروائي السوداني علي الرفاعي بجائزة كتارا كأفضل رواية قابلة للتحويل لعمل درامي تأثير في تحريك النشاط في هذا الإتجاه. المخرج السوداني الشاب أمجد أبو العلا قال بأنه يعمل الآن على مشروع سينمائي مستوحى عن قصة قصيرة للكاتب السوداني حمور زيادة. كما أننا في إنتظار الفيلم المستوحى من إحدى أشهر أعمال الأديب السوداني الطيب صالح “موسم الهجرة إلى الشمال”، والذي أعلن مخرجه أحمد عبد المحسن عن بدأ العمل عليه منذ عام 2014 بتمويل سويسري و مساعدة فنية من عدد المؤسسات السودانية. والشابان ممدوح صالح المنتج و هاشم حسن المخرج يقومان بتفيذ فيلم روائي مدته 25 دقيقة مقتبس من إحدى قصص الطيب صالح وهي “حفنة تمر“.

Image Credit: A Handful of Dates on Facebook
المعالجة الدرامية تفقد النصوص الأدبية بعدها الجمالي
هنالك شبه إجماع على أن التغيير غير المقبول لأحداث الرواية عند تحويلها لعمل مُشاهَد يُفقد الرواية معناها، فالقارئ العربي الذي يشاهد كتابه مجسداً على الشاشة غالباً ما يواجه هذا العمل بالرفض، وهو ما يَدعُ قراء الروايات دائماً للتعبير عن إستيائهم عن الشكل المختلف الذي ظهرت به روايتهم المفضلة.
يقول المخرج أمجد أبو العلا: “عندما يرى القارئ العمل الفني يكون هنالك خيالان: الخيال الخاص بالقارئ والخيال الآخر، خيال الصانع. وعلاقة المُشاهد بالمقدم له لها علاقة بالنتيجة، فيجب على المشاهد أن ينفصل عن خياله الذي قرأ به الرواية عندما يجلس ليشاهد عملاً روائياً تحول إلى عمل فني، أي يجب أن يستسلم لشكل الخيال الآخر”.
أما صباح سنهوري التي تحولت قصتها إلى فيلم سينمائي قصير تمنعت قليلاً عن التعديل في بداية الأمر، تقول: “عندما أرسل المخرج إليّ بالسيناريو كان لدي بعض الملاحظات التي أخذها بعين الإعتبار بعد ذلك. الفيلم صُور في الأردن وبطاقم أردني وأخذ طابعاً سياسياً لأنه جاء في فترة الربيع العربي عندما كان في أوجِه، وكان لديّ بعض التحفظ لأَنِّي دائماً أبتعد عن التأطير وأميل للإنسان عموماً من غير التحيّز لعرقه أو دينه أو بلده. لكنني إحترمت وجهة نظر المخرج ورؤيته خصوصاً أن القصة كانت تحتمل تغييرات ورؤى كثيرة”.
في عام 2016 لاحظتُ العدد المتزايد للمسلسلات من هذا النوع على حساب الأفلام، فشاركت المخرج أمجد أبو العلا ملاحظتي، وإن كان ذلك يُعزى لمزاجية المشاهد العربي التي تتوجه نحو تجسيد المسلسلات لا الأفلام، فقال لي: “المشاهد العربي لا يهتم إن كان ما ينتظره فيلم أم مسلسل، العمل الجيد من إعلاناته أو أول لحظاته يلفت النظر. لكن من ناحية إنتاجية فالأموال تُصرف أكثر على المسلسلات، لأن عوائدها سريعة عن طريق القنوات التلفزيونية، عكس السينما التي قد تكون متعثرة قليلاً، فيصعب عليها إستقبال الروايات بغزارة”.
وبالرغم من ذلك فإن إنتاج هذا النوع الوسيط بين الدراما والأدب لا يتناسب حتى الآن مع غزارة إنتاج السينما والدراما من جهة والأعمال الروائية المنشورة من جهة. فمثلاً نجد أن أوروبا وأمريكا تنتج ما يقارب 30 عملاً درامياً مقتبس من الروايات في العام الواحد، بينما مايزال الإنتاج العربي يقتصر على 3 إلى 5 أعمال في السنة. يقول أمجد: “من المهم جداً تحويل الروايات لأعمال أدبية، فالسينما ولدت بعلاقة مع الأدب والمسرح، فمثلاً قديماً كانوا يسمون السيناريو أو النص “رواية” وهو ما يعطي أسبقية في إستلهام النصوص وتحويلها لأعمال فنية للسينما على التلفزيون”.
هل تبقى الأفلام في الذاكرة أكثر ؟
هل تزيد مبيعات الكتب بعد تجسيدها وعرضها على الشاشات؟ بالتأكيد، فمثلاً رواية “الفيل الأزرق” لأحمد مراد و”هيبتا” لمحمد صادق ورواية “عمارة يعقوبيان” للأديب علاء الأسواني كانت تتصدر المبيعات قبل عرضها سينمائياً، وهو ما شجع صنّاع الأفلام على تحويلها إلى أفلام سينمائية. إلا أن عرضهما كأعمال سينمائية شد إنتباه القراء إليها من جديد.
تقول إليزبيث جيلبريت في إحدى محادثات تيد: “منذ بضع سنوات، كنت على وشك أن أصعد على متن الطائرة في مطار جون إف كينيدي الدولي، وإذ بامرأتين تقتربان منّي، إتجهت نحوي الطويلة ثم قالت: “عزيزتي، هل لديك علاقة بذاك الشيء “طعام صلاة حب” الذي إشتهر مؤخراً؟ فأجبتها بنعم، صَفعت صديقتها ثم إنصرفت قائلة، “أرأيتِ؟ لقد قلتُ لكِ، إنها تلك الفتاة التي ألّفتْ ذلك الكتاب المستوحى من ذلك الفيلم”.
سألت أمجد أبو العلا إن كان تحويل الروايات الأدبية إلى مسلسلات وأفلام يخدم الدراما العربية أم العكس فأجاب أن: “التلفزيون قادر على إعطاء الرواية وقتاً أكثر، فالسينما مثلاً قد تعطي النص الروائي ساعة ونصف إلى ثلاث ساعات، بينما التلفزيون يأعطيها حوالي 15 – 20 ساعة تقريباً مقسمة على 30 حلقة. وهو ما يعطي مساحة أكبر للرواية، خصوصاً لو كانت شخصياتها متشعبة أو كانت تستدعي الحكي بهدوء أكثر، فالدراما ستخدمها بالتأكيد. وبالمقابل هنالك كتّاب مهمون يقدمون سيناريوهات مهمة تستطيع تغطية ضعف الرواية أحياناً بسبب السرد الذي يكون خصباً في خيال الكاتب”.
تحويل الأعمال الفنية من قالب إلى آخر يخلق زخماً يتكرر في كل مرة حول المعاني المستلهمة منه، ويعطي مساحة لعدد أكبر من المتذوقين لأشكال الفنون المختلفة أن تتقارب وجهات نظرهم حول عمل معين. هل سنرى تأثير إيجابي يثير إهتمام القراء، و الكتاب و النقاد بتحويل الروايات السودانية إلى أفلام في الأعوام القادمة عبر المشاريع المشار إليها التي يتم تنفيذها الآن؟