تعد سينما جنوب السودان في سنواتها الأولى ، إلى أن مدى عمق الأفلام التي تم إنتاجها في السنوات القليلة الماضية واعد جدا. شهدنا ثلاث نسخ من مهرجان جوبا السينمائي، و عرضا لأفلام متنوعة من إنتاج صانعي أفلام جنوب سودانيين. تراوحت في موضوعاتها من السياسة إلى الثقافة والأعراف الاجتماعية. كما رأت بعض الأعمال المستقلة النور، و حازت أيضا على جوائز في الأعوام الثلاثة الماضية، مثل "زواج غالي" و "فيلم ديفاي".
في الاحتفال بيوم المرأة - الذي حولناه إلى أسبوع النساء في السينما - يسرنا أن نقدم أكول دي مابيور ، المخرجة الشابة الصاعدة، و التي تناولت موضوعات متفرقة مثل التحيز على أساس اللون و المحرمات الأخرى من المواضيع بين الأجيال. أخرجت أكول "حساء الطماطم" و "السقوط في السماء" أثناء دراستها في جامعة كيب تاون. ما يجذب الاهتمام في هذين الفيلمين القصيرين هو التصوير السينمائي المغري و كذلك النوعية. "حساء الطماطم" مرح للغاية بينما يدهشك جدا عمق "سقوط في السماء".
"سقوط في السماء" هو فيلم وثائقي تجريبي مدته 9 دقائق يستكشف التحيز على أساس اللون، فوبيا الأفارقة، و يوضح وجهات نظر النساء السود الملونات في جنوب إفريقيا عبر استخدامه للآداء والغناء. قامت كل من أكول دي مابيور و كريتين توريس بإخراج الفيلم، بينما عملت كامفيليه ستيمالا كمصورة سينمائية. العروض في الفيلم هي من تقديم: جولي نكسادي، بابالوا توم، فيليبا كابالي كاجوا، وعفيفة عمر. "حساء الطماطم" فيلم درامي مدته 3 دقائق يستكشف موضوعات التعييب الجسدي، والتوتر في الأجيال بين النساء في سياق جنوب إفريقيا. عُرضت الأفلام في مهرجانات وأماكن مثل مهرجان ديربان السينمائي الدولي ، مهرجان ريل سيسترز لأفلام الشتات ، متحف زيتز للفن المعاصر في إفريقيا، ومعهد الوعي الإفريقي.
في حين أن توغلها في مجال صناعة الأفلام لم يكن مباشرًا ، نمّت رحلة أكول المتدرجة قدرتها على استخدام صناعة الأفلام من أجل سرد القصص. في هذه المقابلة نتعمق أكثر لنتعرف على أفكار ورؤية أكول دي مابيور.
أندريا: كيف بدأتِ عملك في صناعة الأفلام؟
أكول دي مابيور: عملت كعارضة أزياء لمدة خمس سنوات، وعشت في نيويورك وباريس ولندن. سارت الأمور بشكل جيد في بعض الأحيان، لكنها لم تكن جيدة في الكثير من الأحيان. قررت في نهاية عام 2014 أن ذلك لن يستمر على نحو ثابت ، أو يمكن أن أقول أنني تحليت بالشجاعة لإدراك ذلك. شعرت كمن يسير وظهره في مواجهة جرف، و كأن الأرض تسقط من خلفه، إلا أن المنظر يبدو رائعا أمامه. تظل تشعر كما لو أن شيئا خاطئا سيحدث. أفكر في الأمر في مثل هذه الصور القوية لأنه تطلب مني ذلك حلمًا مرئيًا وواضحاً جدًا من أجل أن أتشجع لإدراك أن ما أقوم به لن ينجح. الأمر مغر حقًا، و مقيد. رأيت أشخاصًا يظلون في هذه الصناعة حتى عندما يصبح الأمر غير مناسب، وقد سحقهم ذلك. لكنهم ما زالوا باقين على أمل أن القادم هو الأفضل. ليس هذا في مجال عرض الأزياء فحسب، بل حتى في صناعات الترفيه والرياضة أيضًا، حيث يبقى الناس فيهم لفترة أطول مما بمقدورهم تحمله. من الصعب التحدث عن مثل هذه الصناعات ، لأن الناس يقدسونها و يسيؤون لها في نفس الوقت.
عرفت أن هذا لن ينجح معي، لكنني كنت قلقة لأنه لم يكن لدي أي مهارات أخرى، و نمى المجتمع لدي الشعور - حتى الآن – بأنني لا أصلح في شيء آخر عدا عرض الأزياء. ينظر الناس إلي و أولئك الذين يشبهونني ويقولون "يجدر بك أن تكوني عارضة أزياء".
قررت العودة إلى الجامعة ، وبينما كنت هناك ، إستمر الناس يسألونني "لماذا أنت هنا؟"، حتى ذلك الحين شعرت أن الناس كانوا يقدمون لي خيارات محدودة من الأشياء التي يمكنني القيام به. ولكن يمكننا أن نقوم بأشياء كثيرة، وهذا يتعلق بالطموحات. عدت إلى الجامعة لأنني شعرت أنني أفتقد للمهارات.
Source: Marie Claire
أندريا: لماذا صناعة الأفلام؟
أكول دي مابيور: قررت إنتاج الأفلام لأن عائلتي بأكملها تسير على هذا النهج الفني. أخي رسام عظيم، و درست أختي تصميم الأزياء. لطالما شعرت أنني كنت أهمل هذا الجانب من نفسي ، لكنني كنت أعلم دائمًا أنني سأعود إليه وأغذيه يومًا ما - ولكن في ذلك الوقت لم يكن لدي الشغف. أتذكر أنني كنت أتحدث مع شخص ما عن فكرة ، فاقترح أن أصنع فيلماً عنها. كانت هذه لحظة عظيمة، لأنني شعرت أن هذا سيكون تحديًا أحتاجه، و سوف يتطلب مني الكثير. عندما كنت أعمل في مجال عرض الأزياء كان الأمر صعباً و لكنه كان أحادي البعد، حيث لم أكن أتناوله بطريقة إبداعية. بالنسبة إلى صناعة الأفلام ، كنت أعلم أنني بحاجة لصقل العديد من المهارات والقيام بها بشكل تعاوني، وسيكون كل مشروع بمثابة جبل كبير لا بد من تسلقه. جعلني هذا متحمسة لتحقيق شيء ما.
ثم أتت مسألة صنع الأفلام. تواصلت مع جامعتي السابقة (جامعة كيب تاون) حيث فشلت بشدة قبل خمس سنوات. لم أقم حتى بتوديعهم عندما غادرت، فقط قمت بالاختفاء. سمحوا لي بالعودة لكن تحت الكثير من الشروط لدراسة الإنتاج السينمائي والإعلامي. قمت بصناعة بعض الأفلام من خلال ذلك، و عرض كل منها في مهرجان واحد على الأقل.
أحاول في هذه المرحلة معرفة كيفية استقطاب الجماهير لمشاهدة أفلامي بشكل اكبر. في السنوات الماضية ركزت كثيرًا على صناعة الأفلام لدرجة أنني لم أركز على الجماهير بنفس القدر. في الوقت الحالي أقوم بتأسيس شركة إعلامية تركز على التمثيل والطموحات وزراعة خيال أفريقي متجدد واستخدام الوسائط الرقمية والاجتماعية.
Source: Fall into the sky press kit
أندريا: كيف أثر تعليمك على رحلتك؟
أكول دي مابيور: ما زلت جديدة في مجال صناعة الأفلام، حيث أن كل ما قمت به حتى الآن تم إنجازه أثناء فترة دراستي بالجامعة. منذ البداية كان هناك نقاش حول ما إذا كنت بحاجة للالتحاق بالجامعة من أجل ذلك أم لا، لكنني طالبة جيدة سواء كان ذلك في الجامعة أو في الحياة. فشلت كثيراً في السابق، لكن مع إحساس متجدد بالتركيز قمت بعمل جيد حقًا وازدهرت. بالنسبة لبعض الأشخاص فإن الالتحاق بالجامعة من أجل صناعة الأفلام ليس أمرا ضروريا. لكنني كنت بحاجة إلى هذا لتنظيم نفسي. تعلمت جيدًا في تلك البيئة ولم أكن أعي بأنني سأقدر، بسبب مدى سوء أدائي سابقا.
انجذبت إلى صناعة الأفلام بسبب مدى تعقيدها وتعاونية العمل ؛ حيث تحتاج إلى مجموعة من الأشخاص من الذين يؤمنون حقًا بالمشروع مهما كان، يلتقون و يطرحون أفكارهم سوية. أعجبني هذا المجال لأنه فن. و تم تعليمنا عن صناعة الأفلام كشكل من أشكال السرد القصصي.
حصلت على أربعة تخصصات: دراسات إعلامية ودراسات الجندر ونظريات الأفلام، وتخصصت في إنتاج الأفلام والإعلام. لقد كان الجانب نظري ثقيلا للغاية ، لكنها جامعة في النهاية، و بالتالي فإن الجانب النظري يكثر ، إلا أنني استمتعت بهذا أيضًا.
أندريا: كيف أثرت دراسات الجندر على عملك؟
أكول دي مابيور: إن وجهات نظر النساء مهمة للغاية بالنسبة لي ، لأنني أجد تلك المنظورات التي تم حذفها وتجاهلها مهمة ، ولأنني أستطيع أن أشعر بها كوني امرأة. قرأت فصل أليس وولكر عن التحيز على أساس اللون في كتابها "البحث عن حدائق أمهاتنا"، و الذي كتبته في الثمانينات. كانت هي التي وجهتني إلى هذا المصطلح. بدا الأمر كملحق للعنصرية أو تعبيرًا ملطفًا للعنصرية ، لكنه شيء مختلف تمامًا. عندما تخبر الناس أن الأشخاص ذوي البشرة الفاتحة يفضَلون على أصحاب البشرة الداكنة، و أن البشرة الداكنة مرفوضة ، فإن الفكرة تبقى معهم. لذلك أجرينا نقاشات عميقة في هذا الموضوع، لأن هنالك التصور في جنوب إفريقيا بأن جميعهم ذوو بشرة فاتحة. دراسات الجندر سمحت لي بالتطرق إلى مثل هذه المفاهيم وفهمها. حتى أنه عندما أنهيت التخصص، قمت بتدريسه في العام الماضي لطلاب السنة الأولى والثانية. أعتقد أن هذا مهم جدًا نظرًا لإغفال قضايا الجندرية وتجاهلها. قد يخفي البعض التعليقات في إطار الفكاهة و يفترضون عليك تقبلها ، وإذا لم تقم بذلك، فأنت شخص سيء. أقدر حس الفكاهة ، لكن الفكاهة يمكن استخدامها أيضا لإخفاء المشاعر البغيضة والمؤذية.
أندريا: كيف طورت نطاق صناعة الأفلام لعموم أفريقيا؟
أكول دي مابيور: الفيلم الأخير الذي عملنا عليه هو "السقوط في السماء" ، و الذي يركز على التحيز على أساس اللون، التحيز ضد الأفارقة و كراهية الأجانب، من منظور النساء السود و الملونات في جنوب إفريقيا. يعد كل من التحيز على أساس اللون والكراهية أشياء مألوفة بالنسبة لي. إنها أشياء لا يمكنني عدم التفكير فيها فقط من خلال التواجد والسفر عبر مختلف الأماكن في العالم. يلفت الجميع انتباهي دائمًا إلى كوني أفريقية، وغالبًا ما يتم ذلك بطرق معادية وسلبية - ليس من قبل الناس البيض فحسب. وهذا هو التحيز على اساس اللون، نقوم بذلك مع بعضنا البعض نحن السود و الملونين. و بسبب ذلك، دائما ما لفت الأمر انتباهي، ظللت أفكر به كثيرًا. أعتقد أننا نقلل من مدى أهمية الرمزية والتمثيل. نريد فقط الراحة. ولكن إذا لم نواجه الطيف الكامل لإنسانيتنا ، وهو ما يعني مواجهة الألم وعدم الراحة ، فسنظل نعاني.
لذا، في حين أنك تقوم بتحفيز نفسك برسائل مختلفة لتشعر بالرضا، فأنت لست مستعدًا أو قادرا على تجربة كامل إنسانيتك. ما يتوجب تحديه هو أن مثل هذه الأساليب لا تسمح إلا بشيء واحد، ليس بالضرورة سيئًا، إلا أنه ليس معقد أيضا. إن ما نريد أن نلفت الانتباه إليه في أفلامنا هو مدى تعقيد هويتنا وهو ما ستسهم به الوحدة الأفريقية في مدنا بالقدرة على احتواء هوياتنا في تعقيداتها من دون تمزيق أنفسنا. هناك شعور بأن الأمر مستحيل، حيث تم تقسيمنا إلى حد كبير لتبسيط الأمور إلى "أننا جميعًا أفارقة وكل شيء على ما يرام" ، لكننا في حقيقة الأمر مختلفون. ومع ذلك، يمكننا أن نعيش معًا و نحتوي بعضنا البعض في كماليتنا. هذا التبسيط المفرط سينتهي به المطاف دائمًا إلى تمزيق الأمور، مما يعني أن جوانب من نفسك ستهدأ. وإذا قمت بإسكات جوانب من نفسك ، فإنها لا تختفي ، بل تتفاقم وتعود.
Source: Tomato Soup press kit
أندريا: كيف تبدو عملية صناعة الأفلام بالنسبة لك؟
أكول دي مابيور: أقوم باستمرار بتطوير الطرق، فالكثير منها يتعلق بالأشخاص الذين أعمل معهم. جميع الأفلام التي صنعتها كانت عندما كنت طالبة جامعية ، وكان من حسن حظي أن أكون جزءًا من فريق من النساء الرائعات الملونات. تبادلنا تجاربنا في صفنا، والذي يهيمن عليه البيض. كان الشعور الغالب هو ان وجهات نظرنا يُقلل من قيمتها. وبصفتي ممثلة للصف، تحدثت عن هذا الأمر و تصرفنا حياله. أدركنا أننا سنستمر في عيش هذا الأمر عندما نشرع في حياتنا العملية، لأنه حتى في جنوب إفريقيا فإن صناعة السينما لديها مشاكل في تمثيل المجتمع. لذلك قمنا بتنظيم وإيجاد طرق لصنع أعمال يهمنا أمرها.
كمخرجة ، أحاول أن أكون منظمة قدر الإمكان. يجب أن تراقب الكثير من الأجزاء المتحركة و السيئة أيضا طوال الوقت. أدركت أنه لا يمكنك أبدًا أن تكون مستعدا بالشكل الكامل للدخول في الإنتاج وما بعد الإنتاج، كما لا يوجد ما يكفي من الوقت أو المال أبدًا. أحب الرحلة التي تقودني لذلك، بما فيها من الملل والتعقيد، و حقيقة أنه لأمر صعب للغاية و يتطلب بأن تقوم بتقديم نفسك من أجل أن تصنع شيئا مقبولا.
أندريا: ما هو القادم بالنسبة لك؟
أكول دي مابيور: أعمل حاليًا على فيديو موسيقي مع أحد فناني emPawa 100. و أقوم أيضًا بتطوير سلسلتين على الإنترنت: إحداها تحمل عنوان العمل "Wife Material" عن كيفية احتواء النفاق في الفضاء بين التقليد والحداثة ، والآخر بعنوان "Byte This "، وهو برنامج للطهي يستكشف اتجاهات الإنترنت الغذائية. أعمل أيضًا على عملي الخاص، و الذي هو عبارة عن شركة إعلامية تدعى A Place Outside (APO). أرغب في إعداد محتوى يمكن لجميع أنواع النساء الأفريقيات مشاهدته والتواصل معه. محتوى يمكننا أن نحبه ونكرهه ونحلم بي ، و يمكن أن يؤكد على آرائنا أو يشوش عليها. مهمتي هي المساهمة في تنمية خيال أفريقي متجدد وإعادة تطلعاتنا إلى الوطن.