أعادت جائحة كورونا تغيير وتشكيل حياتنا اليومية. بسبب كوفيد-19، نحن الآن أكثر تقديرا لأواصر الترابط الإجتماعي. جاء ذلك في وقت كانت فيه الطبيعة في حاجة ماسة لأخذ فترة نقاهة وراحة من تلوث المحيطات وانبعاثات الغازات. هنا أبرز الإنترنت قوته الحقيقية. أصبحت المساحة الرقمية الآن جغرافية جديدة يمكن للمرء أن يتنقل فيها بين العمل والترفيه والتعليم. إنه تغيير كبير بالنسبة للموظفين الذين أُجبروا على العمل عن بُعد، لكنهم برهنوا امكانية تحقيق نفس النتائج المتوقعة من العمل في المكتب.
التفرقة الرقمية - المصدر: thelearningcorp.com
قبل مئات السنين، كان من الممكن أن تثير هذه المسألة الضحك، لكنها أضحت من أفضل الاكتشافات التي غيرت حياة الانسان تغييرا جذريا. ومع ذلك، فإن الانضمام إلى الفضاء الافتراضي في إفريقيا، خصوصًا في السودان، يمثل تحديًا مجحفا وعسيرا.
يكمن جمال العالم الرقمي في أن أي أحد يمكنه أن يقول أو بالأحرى أن يكتب ما يريد. لقد رأينا ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي التي عملت كأداة ثورية للتحايل على الرقابة وتعبئة الأفراد لقضايا مشتركة مثل قضية حياة السود مهمة Black Lives Matter،، بل وحتى انتفاضة السودان في ديسمبر 2018. حيث يمكن للناس في جميع أنحاء العالم على التساوي , والتفاعل , وتشكيل روابط حقيقية. يمكن للأفراد العمل لدى رؤساء لم يلتقوا بهم من قبل، واغتنام الفرص المتساوية للتنافس على نطاق عالمي. أصبحت الدورات التدريبية عبر الإنترنت في متناول الجميع، حيث تقدم تعليمًا على مستوى عالمي لأي شخص وفي أي مكان ، ويستطيع المزيد من الأفراد تطوير حياتهم المهنية بمعدل ممتاز. وعلى الرغم من كل هذه القفزات العملاقة في المساواة الرقمية، فإن الوضع الراهن أبعد ما يكون عنها.
قبل أن يتمكن المرء من التجول في مساحات أرض العجائب الرقمية ، يجب أن يكون لديه إِتِّصَال بالإنترنت أولاً ، أليس كذلك؟ وهذا ليس بالشئ الساهل. على سبيل المثال: في يوغندا، تخضع خدمات الإنترنت لضرائب عالية ، وتحول الإنترنت الوظيفي إلى رفاهية ؛ وبالتالي تناقصت أولويته. بالنسبة للفرد العادي الراغب في الاستفادة القصوى من العالم الرقمي، يعتبر وجود خدمة إنترنت سريعة وعملية واقتصادية امرا ساحرا ونادرا كرؤية أحادي القرن. القدرة على تأمين الاتصال بالإنترنت أصبحت أشد تعجيزا ، ناهيك عن فكرة تأمين بيانات كافية للمشاركة في المؤتمرات الافتراضية أو المنتديات أو المشاركة في الدورات التدريبية عبر الإنترنت. كذلك هو الحال في السودان و جنوب السودان. حيث ارتفاع التضخم في السودان يشير بصورة واضحة بأن الأفراد ذوي الدخل المنخفض الذين ليس لديهم الإمكانية للوصول إلى تعليم عالي الجودة، أو تحصيل المعرفة من العالم الحقيقي؛ هم أنفسهم الأقل احتمالا للوصول إليها من العالم الافتراضي. علاوة على ذلك، ونظرًا للفجوة الحالية في الدخل بين الرجال والنساء ، فمن غير المرجح أن تقتني النساء حزم الإنترنت عالية الجودة بغرض تطوير أنفسهن. بعبارة أخرى، فإن النساء، وتحديداً نساء الطبقة العاملة متوسطات الدخل ، يكسبن القليل جدا من هذا العالم الافتراضي.
المصدر: shutterstock
حتى لو تم العثور على أحادي القرن السحري للإنترنت عالي السرعة ،تبقى المشكلة قائمة ! حيث مازالت هناك مواقع وخدمات غير متاحة بسبب عنوان ال IP الخاص بها. عنوان ال IP أو برتوكول الأنترنت هو في الأساس جواز السفر الرقمي - فهو يتيح للخوادم وموفري الخدمة معرفة البلد الذي تتصل منه. هل تتذكر تلك الدورات التدريبية الرائعة المتوفرة عبر الإنترنت والتي تسد فجوة التعليم؟ حسنًا ، ليست جميعها مجانية ولا تتوفر في كل الدول – على سبيل المثال: السودان. من المثير للحنق أن يتواصل هذا النوع من عدم المساواة والتحيز، بالاستمرار الى هذا اليوم والعصر، وفي هذا البعد الرابع للعالم الرقمي. هذا يرسخ أن بيئة الإنترنت تعكس لعنة العالم الحقيقي؛ حيث تقسم السياسة والتحيز الناس، ويمتاز بعضهم على الآخر.
على الجانب المشرق، وبغض النظر عن هذه القيود، يبدو أن الكثيرين قادرون على تجاوز تلك القوانين الرقمية السخيفة باستخدام VPN (الشبكات الافتراضية الخاصة). تقوم VPN بشكل أساسي بتغيير عنوان ال IP الخاص بك، كأنها بطاقة تعريفية مزيفة لتغيير الجنسية. على الرغم من أن الشبكات الافتراضية الخاصة فعالة وبعضها مجاني، إلا أنها ليست الحل الأمثل للمشكلة. فالمفهوم الأيديولوجي القائل بأن ليس كل 0 و 1 متماثلين لمجرد اختلاف مكان وجود الفرد الذي يكتبها خلف الشاشة، أمر يذكرنا بالتمييز في الحياة الواقعية وهذا امر مقلق للغاية. ماذا يقول ذلك عن المجتمع الدولي ككل إذا كانت الخدمات والمواقع والموارد الافتراضية تعتمد على جنسية الفرد أو موقعه؟
المصدر: phys.org
يعني الاتصال بالإنترنت اليوم، بالنسبة للكثيرين؛ أن تكون نشطًا على وسائل التواصل الاجتماعي. على الرغم من أن تلك زاوية نظر ضيقة جدا لرؤية العالم الرقمي، وهذا جزء صغير جدا منه، فهو يمتلئ بالفرص التي تتراوح من التطوير المهني إلى التوجيه الروحي. إمكانيات حقيقية لا حصر لها. ومع ذلك، فإن الجانب التنموي للإنترنت ليس شائعًا ولا مستخدمًا كما ينبغي أن يكون؛ لعدد من الأسباب التي تأتي في المقام الأول خلفا لنقص التعليم وفرص الولولوج. يحتاج الناس إلى التمكين والإطلاع على الموجودات في الفضاء الشاسع للبعد الرقمي الرابع، والكفاح من أجل تحقيق المساواة والتواجد عليه كمثل أي فرد من دول العالم الأول.
حان الوقت الآن لسد الفجوة الرقمية، لابد أن يتحصل كل الأفراد على الفرص المتساوية للوصول إلى جميع المواقع والخدمات والموارد المتاحة على الإنترنت اليوم قبل الغد. فكر في العدد الهائل لعائدات الإعلانات والفرص والوظائف التي يمكن أن يخلقها عالم بلا حدود. هذا ما يحتاجه العالم الآن. لا يعني هذا الغاء كل السياسات الرقمية مطلقا، بالطبع لا! فقط ينبغي أن تكون تلك القوانين قوانين بناءة وأقل تقييدًا؛ لتنظيم بيئة رقمية آمنة وسهلة الوصول وممتعة لجميع الناس،باختلاف أماكنهم، على بساط المساواة.