هذا المقال متوفر أيضاُ باللغة English

في ال31 من مارس السابق، كسر السكان حالة صمت شوارع مدينة غولو وذلك بطرقهم المتكرر على الصفائح، الأحواض وأجسام أخرى ذات أصوات عالية، من منزل لآخر لاعنين فيروس كورونا الشيطاني للإبتعاد. رغم ذلك، كثير من المسيحيين سائلوا عقولهم والمعرفة العلمية إذا ما كان يمكن لهذا الطقس المساعدة في طرد فيروس كورونا. كما انتقدت وزارة الصحة والرئيس يوري كيجاتا موسفني ذلك الفعل باعتباره مضللاً للعامة، ويزيد خطورة الحد من المرض، لكنه أيضاً يمنح أملاً زائفاً بعدم إصابة المرض للسكان المحليين الذين يشغلون الحيز الأكبر من شمال أوغندا.

"ريمو جيمو" طقس لنشر المعرفة

يقول سولمون أويات أوكيتا رئيس وزراء بلدية مقاطعة نَوويا "ريمو جيمو هو طقس يمارس منذ أزمان قديمة في مجتمع الأشولي، حيث كان كبار السن يتشاورون مع القادة الروحيين و يحشدون كل منزل للإستعداد بأواني القرع و جلود الحيوانات، و الصناديق، و القدور وأي شيء آخر يصدر صوتاً عالياً. ومن ثم يبدأون الضرب على هذه الأشياء في يوم و زمن محددين آملين التخلص من اللعنات المرسلة و طرد الأرواح "الشريرة" التي جلبت الوباء". يقول أيضاً أن هذا الطقس مُورس لأول مرة مع انتشار أوبئة الحصبة، الجدري، الجدري المائي، الزُهَرِي. وحسب أوكيتا سمي مرض جدري الماء "قُوك إقودا" والذي يعني لا تلمسني، وسمي بذلك بعد نصح القادة الروحيين المرضى بعدم ملامسة بعضهم البعض لمنع إنتشار المرض. ويفيد أوكيتا أن طقس ال"ريمو جيمو" يمارس في العادة عندما يواجه المجتمع بهجوم من وباء غامض. ويشير أوكيتا أن قبائل أفريقية عديدة تدرك الكوسمولوجيا (علم الكون) و تمارس ريمو جيمو بطرق متباينة. يضيف "نحن في مجتمع الأشولي نؤمن بعالم "الأرواح"، الأرواح الإلهية و الأرواح الشيطانية أيضاً. هذه القيم تلعب دوراً كبيراً في تشكيل القيم المجتمعية".

undefined

Photo via southworld.net

يقول وليم أوكيدي أحد كبار السن ويعيش في مدينة لندن بالمملكة المتحدة أن تصور الأشولي لطقس"ريمو جيمو" في حد نفسه بدأ خلال فترة الأوبئة، بحكمة ومعتقد تم اختباره عبر القرون. الحكمة الأفريقية في "ريمو جيمو" تتمثل أنه في مواجهة أي وباء فإن الطرق على الأشياء يحرك وعي المجتمع بشأن الوباء ويذكر الناس الأكبر سناً في كل بيت للإستعداد لهذا الوباء. عندما يحدث هذا الطقس يسارع السكان لمعرفة أسباب الطرق على الأشياء وما يجب لعنه. تضع هذه المعلومات تلقائياً الأولوية للوباء كما حدث في فترة الحظر.

قوك إقودا: تشكل ممارسات المجتمع

لا تختلف حملة "إلزم البيت" بأي درجة عن "قُوك إقودا" والتي تعني بالضبط لا تلمسني؛ لأنه بالمكوث في المنزل فأنت تقلل من الاحتكاك بالمجتمع مما يزيد الحماية من الوباء. وكان هذا ناجحاً في الماضي. باتريك أوبالو، مواطن في ليبي سنتر في بلدية غولو يقول أنه من التجارب السابقة فإن "ريمو جيمو" يعمل. ويعتقد أن فرص مهاجمة المرض لمجتمع الأشولي ضئيلة جداً وذلك لإنتشار الوعي وسط السكان المحليين عن التباعد الجسدي ضمن موجهات أخرى من الحكومة وفاعلين آخرين. يضيف "هناك سيناريوهات معينة تحتاج لتدخلات طقوسية وروحية. على سبيل المثال، انظر إلى الأسبوعين الأولين من الحظر، عندما طبق الناس "ريمو جيمو" لم نشهد أي شروق للشمس كما توقعت الأرواح".

ليلي أدونق من مقاطعة نَوويا وعضوة برلمان تقول أن "ريمو جيمو" هي تعويذة تطبق في كل العالم بطرق مختلفة. تعتقد أن كل الأديان التي لها شعائر اليوم من ثقافة لها أصول في مكان ما. المسيحيون يمارسون التعويذة في الكنائس، على سبيل المثال الكنيسة المعمودية والهمهمات باللسان والصلوات لطرد الشياطين. كل الشفاعات في الكنائس هي أشكال من طرد الأرواح الشريرة. ومن لا يعلم أن الأفارقة متدينين بشكل ملحوظ في كل المناحي؟ وذلك سبب صلاتنا حتى من أجل ألا تخرب روح الفساد أرضنا. كم عدد الصلوات الوطنية التي نظمت ومن نظمها؟ فهي كلها صلوات "ريمو جيمو" تهدف إلى محاربة وطرد الفساد من أوغندا.

undefined

Photo via ghafla.com 

وتلاحظ أدونق أن الأشولي، عندما يهددهم وباء، يجتمع كل السكان أمام بيوتهم وغالباً في المساء أو الساعات الأولى من الصباح، ويصنعون أعلى صوت ممكن من خلال الطرق على الأجسام، من صفائح فارغة، الأبواب وأي جسم بإمكانه خلق صوت عالي كما يحدث في الكنائس عندما يُمَس الناس بروح مقدسة. يستخدمون هذا الطقس لإعلان وجود وباء على سبيل المثال الجدري، الحصبة ضمن أمراض كانت تقتل الناس بأعداد كبيرة، والتي يعتقد أنها مجلوبة من شيطان (روح شريرة) أو "جيمو". الطرق أو الصوت العالي يبدأ من الشرق إلى الغرب عادةً، بعد تصريحات من القائد ببعض القوانين الصارمة مع عقوبات لمن لم يتبعها. و تضيف "في الواقع، في أحد المقاطعات، أُمر الناس بعدم الخروج من المنزل، و حتى بعدم الذهاب إلى مزارعهم، ألا يشربوا الكحول أو يأكلوا الطعام البارد . خلال كارثة فيروس كورونا ما الذي تتوقع فعله من زعيم تقليدي من أجل حشد مجتمعه سوياً لتفادي ما يلوح في الأفق من "جيمو" (كارثة)؟ في حين أن هناك رسائل للناس من خلال التلفاز، محطات الراديو والقرى تخبرهم بالكارثة التي تلوح وأن يبقوا في المنزل وهو أمر فعله الأشولي من زمن طويل". وحسب أدونق فإن القادة يعززون ممارسة المباعدة الجسدية والبقاء في المنزل واتباع الموجهات كما وضحتها وأقرتها الحكومة، و لكن بطريقة أفريقية. فهم يستندون على مقدرتهم لاستكمال الجهود الحكومية، و هذا لا يشمل لقاء الناس في اجتماعات كبيرة أو الذهاب إلى مجلس القائد، بل يقوم به أي مواطن من منزله. وتلاحظ أن ممارسة العادات هي حق إنساني موافق عليه من المادة 2 من الدستور الأوغندي. وتضيف أن هنالك حكم مسبق وجاهل عن أهمية العادات.

و لكن لا يتفق الجميع على أهمية الطقوس التقليدية في مواجهة فيروس كورونا، فالقس بيتر كينغ مواكا من مركز إحياء الشعائر الذي يتبع للكنيسة في قرية غولو يقول "يضيع الناس من طرق الله الحقة". ويجادل مواكا أن في زمن الجوائح يجب أن يصلوا لله لا أن يتجه الناس للطرق على الأشياء لطرد "الشر".ويقتبس من سفر أشعياء 20:26 ونصه " اذهبوا يا قومي، ادخلوا غرفكم وأغلقوا الأبواب من خلفكم، اختبؤوا لبرهة حتى يغادر الغضب".

وحسب منظمة الصحة العالمية (WHO) لا يوجد عقار بإمكانه علاج فيروس كورونا والذي انتشر من مدينة ووهان في الصين في نهاية 2019. يتطلب من الجميع إذن المحافظة على التباعد الجسدي و ممارسة "قُوك إقودا" (لا تلمسني) والبقاء في المنزل للمحافظة على الأمان من إنتشار الوباء. وبصورة مماثلة يمكن استعارة التجارب السابقة ل"رميو جيمو" التي دعت للتوحد من الجميع للإنصات لزعمائهم التقليديين وكبار السن الذين طلبوا من الجميع الابتعاد عن بعضهم، غسل اليدين بإستمرار والبقاء في المنزل لتسهيل مكافحة فيروس كورونا.
 


مايكل اوجوك

مايكل أوجوك مراسل قنوات متعددة مقره في منطقة جولو (شمال أوغندا) ، يهتم بالقصص الإنسانية والثقافة ومواضيع النزاعات والبيئة والصحة والتعليم