هذا المقال متوفر أيضاُ باللغة English

معمّر الخواض هو مؤسس ومدير مدرسة ود مدني الإنجليزية في ولاية الجزيرة. مبنى المدرسة متدرج و ملوّن مقارنة بخضرة الأشجار في الشارع. تضم المدرسة العديد من طلاب المرحلة الإبتدائية والمعلمين من جميع أنحاء المدينة. حتى العام 2015، وظّفت المدرسة أكثر من 60 شخصاً في مختلف درجات السلم الوظيفي، كما أضافت وظيفة مشرفة اجتماعية إلى موظفي المدرسة. ويتمثل دورها في معالجة مشاكل سلوك الطالب وتصرفاته داخل الفصل المدرسي من خلال معالجة جذور هذه المشاكل، وغالبا ما تكون مجتمعية أو نفسية في الأصل. المنصب هو واحد من قليلين مشابهين في السودان. يشير الخواض إلى أن هذه الوظيفة قدمت مساعدة كبيرة له ولمدرسيه.

يمكن للمعلمين إحالة الحالات للمشرفة الإجتماعية، حيث يتم الرجوع للأسرة لفهم المشاكل وحلها. معظم المشاكل السلوكية التي أظهرها الطلاب الصغار في المدرسة كانت فرط النشاط، الكذب أو السرقة المرضيين، عدم إحترام كبار السن، العنف ضد الأطفال الآخرين، أو عدم الإنضباط في الفصل. ويمكن أن تنبع هذه القضايا من مجموعة من الأسباب المتفاوتة كعدم كفاية سُبل العيش، و حدوث حالة وفاة أو إنفصال في الأسرة، على سبيل المثال. وقد أخذ وجود أخصائي بعض الحمل من على عاتق المعلمين وساعد الطلاب على تصحيح هذه السلوكيات في الفصل. “إنه مفيد جداً، إذا توّفر ما يكفي من التمويل، أود توظيف عدد أكبر من المشرفين الإجتماعيين. هؤلاء الأشخاص مهمون جداً بالنسبة لنا “يقول الخواض.

بالرغم من ذلك، فإن سُهيلة هريدي تمثّل واحدة من قليلين عاملين في مثل هذا المجال إن لم تكن الوحيدة في ود مدني. وفي جميع أنحاء السودان هنالك عدد محدود من العاملين الاجتماعيين أو الإستشاريين النفسيين بدوام كامل، ومعظمهم يعملون في مدارس خاصة أو دولية في الخرطوم. من الأسباب الرئيسية لذلك نقص الموارد في المدارس الريفية والحكومية. العديد من المدارس تعاني نقصاً في التمويل وتخدم عدداً كبيراً من الطلاب، لذلك فهي تعتمد على المساعدات العابرة للعاملين الاجتماعيين. 

تصف إيثار التاي، خريجة ماجستير من جامعة الأحفاد في مجال الإرشاد وعلم النفس التربوي، أحد البرامج الوزارية الهامة التي يطلق عليها اسم “الصحة المدرسية”. فتقول “يعمل البرنامج على توفير الخدمات النفسية الدورية للطلاب في المدارس الحكومية”. عملت التاي مع فريق متنوع، من بينهم أطباء وعلماء نفس، ووجدوا أن هناك حوجة كبيرة وطلب لعملهم. في الأيام التي تم فيها الإعلان عن وصولهم قبل الزيارة تقول: “وجدنا عائلات كثيرة في انتظارنا” وتضيف “هنالك قبول أكبر بكثير مما كنا نتخيّل”. ومع ذلك، فإنها لا تزال تواجه حواجز كبيرة أمام القبول الكامل لممارسة علم النفس في البلاد.

undefined

Illustration by Greg Groesch/The Washington Times 

هريدي، التي كانت قبل ذلك تعمل مختصّة في علم النفس السريري في مستشفى، كثيراً ما تكافح من أجل العثور على مدخل مع أولياء الأمور في البداية. “في المدارس، من الصعب جداً إقناع أولياء الأمور بأن طفلهم يعاني من مشكلة”. وهذا أحد الأسباب التي تجعل المدرسة تتجنب وصف العمل على أنه إرشاد نفسي أو ربطه بعلم النفس (على الرغم من أن هريدي تحمل شهادة في علم النفس مع تخصص في الإستشارات) للخوف من أي رد فعل غير ضروري من المجتمع. ويمكن أن يعزى جزء كبير من هذه المسألة إلى التصوّر الثقافي للمشاكل النفسية على أنها مخزية أو مشينة. ويمكن للأسر أن تكون حساسة جداً لمشاركة شخص غريب في ما تعتبره مسائل شخصية بحتة. هنا، يجب بناء عنصر الثقة لأن سريّة الإستشارة مسألة في غاية الأهمية في المجتمع الذي عادة ما يكون متطفل. وكثيراً ما يلعب الخوف من الوصمة ومن القيل والقال في المجتمع دوراً في قرارات الأسرة.

تراهن كل من هريدي والتاي على أن هذه الممارسات في مجال الصحة النفسية ستحظى بقبول واسع النطاق مع مرور الوقت، حين يصبح الناس أكثر عُرضة لها، وتتقدم الأجيال الناشئة في السن. لكن لا يزال الإفتقار إلى أي هيكلة رسمية لدعم هذا المجال معضلة رئيسية. 

وقد قامت الحكومة بتنقيح السياسة العامة للصحة النفسية ككل في السودان في عام 2008، غير أن مهنة علم النفس غير منظمة حالياً في البلد. وبسبب الثغرات الكبيرة في السياسات، لا تزال الفروق بين العمل الإجتماعي ومهن الإرشاد في المدارس غير محددة إلى حد كبير ويساء فهمها.

وتشرح أسيلات الزین – وهي مستشارة من ذوي الخبرة تعمل في مدارس التعليم البريطاني في أركويت لعدد من السنوات – أن الإستشاریين النفسيين المدرسیین یهتمون أساساً بثلاثة أنواع من المشاکل: السلوکیة والشخصیة والمجتمعیة. ويتم تدريبهم تحديداً على توفير جلسات فردية وجماعية. وفي حالات أخرى، يطلب منهم إدراج المزيد من أعمال التوعية. تقول الزين: “نحن بحاجة إلى أن يكون لدينا عامل إجتماعي يعمل معنا في تنظيم الأنشطة. نحن نعتبر هذه الأنشطة جزءاً هاماً جداً من العمل الإستشاري”.

أقامت جمعية علم النفس السودانية مؤخراً منتدى يهدف إلى بناء توافق حول الآراء ومعالجة الثغرات الرئيسية في السياسات والإعتماد الأكاديمي للمهن. في حين يتم تدريب الأخصائيين الإجتماعيين بشكل أكبر في علم الاجتماع، فإن البعض يرون أن المستشار يجب أن يكون خريجاً من برنامج علم النفس. بدأ تدريس علم النفس كتخصص أكاديمي على مستوى الجامعة في السودان منذ أوائل خمسينيات القرن العشرين، بدءا من علم النفس التربوي في معهد بخت الرضا وجامعة أم درمان الإسلامية، وتوسع إلى قسم ثم درجة بكالوريوس في جامعة الأحفاد في عام 1967 و 1984 على التوالي. يوجد الآن أكثر من إثني عشر قسماً لعلم النفس في الجامعات في جميع أنحاء السودان.

على الرغم من عدم وجود تخصص على وجه التحديد لتقديم الإستشارات المدرسية، إلا أن الطلاب يدرسون أقساماً من ذلك التخصص ضمن المناهج الدراسية. يجب بذل مزيد من الجهود لتوسيع نطاق هذه الدورات الدراسية في مختلف الجامعات. ومع ذلك، فمن المشجع أن نرى زيادة في البحث الذي يركز على الإستشارات المدرسية فيما يتعلق بتعليم الفتيات، والنازحين، وطلاب المرحلة الثانوية. من الضروري البناء على هذه المعرفة، والأهم من ذلك، توسيع إمكانية الوصول إليها بحيث يمكن أن يستفيد منها أكبر عدد من الطلاب من مختلف الفئات الجغرافية والاقتصادية في السودان.

المراجع

  • Abdallah, Adil Ishag. “Historical and Contemporary Aspects of Psychology in Sudan.” American Psychological Association. Oct. 2010 http://www.apa.org/international/pi/2010/10/sudan.aspx
  • WHO-AIMS Report on Mental Health System in Sudan, WHO and Ministry of Health, Khartoum, Sudan 2009.
  • Shawgi, Mohamed. “Sudan’s Great Depression: mental illness dangerously ignored by country’s health services.” Apr. 2015. http://africanarguments.org/2015/04/08/sudans-great-depression-mental-illness-dangerously-ignored-by-countrys-health-services-by-dr-mohamed-shawgi/
  • Psychology in Africa. “Sudan Mental Health Profile.” Psychology in Africa. Aug. 2013. http://psychologyinafrica.com/profiles/2013/6/23/sudan-mental-health-profile
  • Elbla, Alawia Ibrahim Farag. “Issues and challenges related to access to quality basic education in Sudan.” Ahfad Journal, vol. 28, no. 2, 2011, p. 3+. Academic OneFile, go.galegroup.com/ps/i.do?p=AONE&sw=w&u=tusc49521&v=2.1&it=r&id=GALE%7CA414006457&asid=15587c6a1bb72bac53cc0e5960dede1d. Accessed 19 Oct. 2017 


الهام علي

إلهام علي أمريكية من أصل سوداني، مهندسة ومتخصصة في التقنية. لها اهتمامات بالتنمية المستدامة والتمويل والفنون والسياسة العامة. إلهام مؤسسة موقع sudanrevolutionart.org ومديرة مهرجان موسيقى السلام السوداني. في وقت فراغها ، ترسم وتلعب الغيتار.