هذا المقال متوفر أيضاُ باللغة English

الماضي والحاضر

السودان وجنوب السودان تشكلان نقطتين مهمتين للنظر في التحول الواسع في مجال الصحافة والتغطية الإعلامية على مدى العقود الماضية. على الرغم من إزدهار وجيز في وسائل الإعلام المستقلة بعد الإستقلال في عام 1956، أدت سلسلة من الإنقلابات والحكومات العسكرية لشن رقابة واسعة في الصحافة. في عام 1970 قام نميري، الذي أتى توه إلى السلطة في إنقلاب، بضرب وسائل الإعلام الحرة ضربة أكبر بتأميم وسائل الإعلام المطبوعة وتذويب الصحف المعارضة. سيادة حزب المؤتمر الوطني التي بدأت في عام 1989 ولا تزال حتى يومنا هذا، حظرت ما يقرب من خمسة وخمسين من الصحف التي كانت موجودة قبل الإنقلاب التي جاء به الحزب إلى السلطة. يستمر الصحفيين للتعرض للإعتقال في كل منالسودان و جنوب السودان. خلال الإحتجاجات الأخيرة ضد تدابير التقشف في سبتمبر 2013 في السودان، كان هناك تعتيم إعلامي في السودان. في جنوب السودان، مد الأمن القومي نفس المعاملة للصحافة. في هذا العام وحده واجهت عدد من المؤسسات الإعلامية المضايقة و الإغلاق من الأمن، و بعضها يظل مغلقاً حتى يومنا هذا.

ظهر مناخ في وسائل الإعلام الناشئة و تقنيات جديدة للتوزيع والإنتاج يمكنها التغلب على قيود الرقابة والتوزيع. بدأ سودان تريبيون، وهو موقع باللغة الإنجليزية المخصص للأنباء من السودان وجنوب السودان في عام 2003، ومقره في باريس. وتنشر الأخبار اليومية من كلا البلدين، من مصادر صحفيين من السودان و جنوب السودان، وكذلك تعليقات من الخبراء الوطنيين والدوليين. في عام 2011، توسع إنتشارالموقع مع إصدار الموقع باللغة العربية . Sudaneseonlineمنبر للسودانيين من جميع أنحاء العالم يلقي الضوء على مختلف القضايا التي تهم المجتمع السوداني ويشارك الملتحقين به في المناقشات ولديهم خيار إضافة قصصهم الخاصة، و الحكايات والمقالات. حريات، التغييرالطريق 500wordsmag، ومصنع السودان للأفلام وسائل إعلام جديدة تساهم في تطوير الصحافة والإنتاج الإعلامي في السودان.

الإنتاج الإذاعي

في عام 2004 المشهد الإعلامي في جنوب السودان كان مليء بالتحديات. كان هناك إنتشار أمية في البلاد، وكانت العديد من المناطق لا تزال بعيدة للغاية، مما كان يشكل صعوبات سواء بالنسبة لتوزيع الأخبار أو الإبلاغ عنها.

وسائل الإعلام إزدهرت في جنوب السودان بفضل الراديو، فكان الطريقة البارزة التي من خلالها يحصل الناس على أخبار البلاد.

راديو تمازج مثال رائع للإمكانيات إعداد التقارير وتقديم الأخبار إلى المناطق النائية في السودان وجنوب السودان. فهو يستخدم فرق من المراسلين الذين يتمركزون في مجتمعاتهم المحلية، والحصول على القصص التي لولاهم لكانت ستضيع في المناطق التي هي في كثير من الأحيان نائية و يصعب الوصول إليها. عمل الراديو لا ينتهي فقط عند نقل الأخبار، ولكنه أيضاً يعد برامج حوارية وأعمال درامية إذاعية في المناطق التي يكون الإتصال بالحكومة محدود للغاية. الإذاعة ليست مجرد وسيلة لتعميم الأخبار، بل هي جزء أساسي من الحياة العامة التي من خلالها يمكن للناس أن يناقشوا القضايا التي لولاها فلن يكونوا قادرين على التحدث عنها في نطاق عام. من خلال المناقشات الهاتفة يظهر شعور بالهدف المشترك بين المجتمعات التي على خلاف ذلك يتم عزلهم جغرافياً عن بعض.

تشمل البرامج الإذاعية الأخرى راديو مرايا الذي ترعاه الأمم المتحدة، وإنترنيوز التي تعمل في مناطق الصراع عبر الحدود. بالنسبة للعديد من الصحفيين الأجانب هذه البرامج الإذاعية، جنباً إلى جنب مع سودان تريبيون وSudaneseonline هي المنافذ الأولى للحصول على معلومات حول جنوب السودان والسودان. القصص التي يتم إنتقاؤها يتم تضخيمها من قِبل التقارير الدولية. 

undefined

Photo Credit: EmergencyJournalism.net  

الإعلام المعاصر

علاقة التآزر بين التقارير المجتمعية المحلية ووسائل الإعلام الدولية لا تزال على شبكة الانترنت. في جنوب كردفان، حيث هناك حرب أهلية دائرة بين الحكومة السودانية والجبهة الثورية السودانية تكمن منطقة من الصعب جداً الوصول إليها من السودان، و على قدم المساواة من جنوب السودان. تقارير النوبا و عاين تتألفان من فرق من الصحفيين والمصورين الذين يغطون النزاع المستمر. لقد جعلوا أخبار المنطقة متداولة في وسائل الإعلام الأخرى من خلال إنتاج تقارير فيديو عالية الجودة وتحميلها مباشرة على مواقعهم على شبكة الإنترنت. ويتم تدريب هؤلاء الصحفيين لتوظيف تقنيات صارمة للتحقق لمسؤوليتهم الهائلة في القدرة على تسليط الضوء على الصراع الذي لولاهم لكان العالم قد نساه إلى حد كبير.

من منظور دولي، فإن هذه التطورات ذات أهمية خاصة بسبب التخفيضات في عدد الموظفين لدى وكالات الأنباء الأجنبية و العديد من الصحف ووسائل الإعلام في شمال الكرة الأرضية. بعد إستقلال جنوب السودان على سبيل المثال، كان من الملاحظ أن هناك إنخفاض كبير في الإهتمام الدولي بعدما إنتقل الصحفيين إلى تغطية النزاع في مالي من بين أماكن أخرى.

لكن ذلك كان وقت مختلف، الآن إذا نظرت إلى الجيل الجديد في السودان و جنوب السودان ستجد التوجه نحو الهواتف المحمولة والإنترنت ووسائل الإعلام الإجتماعية، حيث يتم تمرير محتويات مختلفة من خلال هذا الفضاء المهيمن. هذا الجيل و الأكبر منه بشكل متزايد يريد سرد جديد يتناول الأعمال والسياسة والفنون والثقافة بدلاً من التركيز الضيق على الحرب والفقر والفساد الذي ساد منذ الثمانينات في الإعلام عن و من السودانين.

يدعو هذا الوسيط الإسفيري الجديد لأنواع مختلفة من وسائل الإعلام، ويدعو وسائل الإعلام التي تستخدم خدمات هذا الوسيط الناشئة على الجمع بين التقارير الشعبية القائمة على المجتمع المحلي، مع إمكانية الوصول إلى الدولية، ومعايير الإنتاج ذات الجودة العالية. التغطية الدولية مهمة نظراً للتهديد الوجودي الحقيقي الذي يواجه الصحفيين المحليين في كلا البلدين. حان الوقت لسرد القصص و الصورة من خلال أعين مختلفة. أعيننا. 

هذا هو جوهر مجلة أندريا. أندريا تس لتوفير منصة للجميع، للكتابة الروائية و الواقعية، للمصورين و الصحفيين، و مصوري الفيديو ومصممي الغرافيك من السودان و جنوب السودان. المساهمين المهتمين في عرض ثقافات وقضايا المرأة و القضايا الإجتماعية و تسليط الضوء على الأعمال التجارية، والأغذية والأزياء التقليدية يمكنهم أن يخلقوا نوع السرد الجديد حول البلدين والهويات والتمثيل المعاصر.

أندريا منصة للصحفيين والإعلاميين، والذين لم يتدربوا ليكونوا إعلاميين ولكن لديهم العاطفة و الإندفاع للقيام بهذه المهمة. و تسعى أندريا إلى تعزيز و تحفيز من لديهم القصص والرغبة في مشاركتها، وترحب بالذين عاشوا مواقف دفعتهم ليصبحوا كُتّاباً ومصورين ورواة القصص؛ أولئك الذين يهتمون بالسودان و جنوب السودان وطروحاتهم.

عندما تقل الحدود بين البرنامج الإذاعي و الصحف، و الموقع الإلكترونية، يمكن للإنتاج الإعلامي أن يشمل مجموعة متنوعة من أشكال مختلفة، و مجلة أندريا تسعى جاهدة لتكون المنطلق لهذا التنوع. مجلة أندريا مجلة ثقافية رقمية مهتمة بقصص من السودان و جنوب السودان. نعمل جنباً إلى جنب مع الكتاب المحليين وفي المهجر والمصورين ومصوري الفيديو من السودان وجنوب السودان لإيجاد وسيلة لإنتاج سرد مؤثر على المجتمعات من خلال نشر الثقافات المتنوعة.

أندريا ترتب مناقشات عن دورنا كأصوات للقصص في زمن فيه الكتابة، وإلتقاط الصور و سرد القصص يمكن أن يكون مدى ما يمكننا القيام به حيال القضايا المجتمعية. فلماذا لا نستفيد من هذه الوسائل؟ إذا كنت تعتقد أن إستخدام وسائل الإعلام الجديدة يمكن أن تستخدم من أجل خير الإنسانية أيا ما يكون ، دعونا نبدأ هذا النقاش. 


السنوسى عثمان

السنوسي كاتب و مصور فيديو يُكمِل الماجستير في صناعة الأفلام الوثائقية في جامعة كاليفورنيا، بيركلي. السنوسي سوداني، حصل على منحة مؤسسة ماستركارد في عام 2014. أنتج مؤخراً فيلم قصير عن حياة الطالب الزيمبابوي Munyarazi Mahiya وتحديه لإعاقته. عمل السنوسي ككاتب و منتج للبرنامج الإذاعي "بيتك لك"؛ أول مسلسل إذاعي طويل في جنوب السودان في عام 2008 عن موضوع إعادة الإدماج. كما كتب وأنتج "سوا شباب"، برنامج إذاعي يذاع حالياً عن بناء السلام في جنوب السودان، فضلاً عن غيرها من البرامج الإذاعية عن تغيير السلوك. عمل السنوسي كمراسل لموقعoaklandnorth.net الأخباري الإلكتروني الذي يغطي مدينة أوكلاند في كاليفورنيا. يمكنكم متابعة تغريداته على IbinMohOsm@