هذا المقال متوفر أيضاُ باللغة English

سواء كان ذلك جسديًا أو روحيًا فنحن جميعًا حاضرون. قد يتجول المرء إلى ما لا نهاية في كيانه الباطن بينما جسده متواجد في العالم المادي. "من خلال الوجود" عنوان المعرض الفني الذي يستكشف الفنان ديرجي شيفيرو فيه منطلق الحضور أو التواجد أو المرور بوقت وفترة معينة، حيث يتأمل المرء ويحلم وينضغط ويضحك ويغضب ويكتئب ويتفاخر خلال فترة زمنية معينة.

الفنان ديرجي شيفيرو في المعرض
"الفن هو أن تكون على طبيعتك الحقيقية."

الفنان ديرجي شيفيرو ووركو - التصوير: كالكيدان زيلاليم

هذا الفنان الإستثنائي غالبًا ما يُساء فهمه بسبب أعماله الفنية "الغريبة". حيث تتجسد جميع أعماله الفنية في أجساد أفريقية عملاقة ذات وجوه أفريقية مميزة، دلالة على الكرامة والاحترام. بصفته شخص غارق دائمًا في سلسلة أفكاره حين يتجول في الغابة وكشخص يعبر دائمًا عن شعوره، فإن هذه السلسلة من الأعمال الفنية كان يجب ان تخلق.

بدافع إلهام الطبيعة له، يُظهر ديرجي ما يشعر به في شكل مادي من خلال فنه. بعد أن تلقى دروسًا في الفن والحياة من شقيقه الأكبر الذي صادف أنه فنان أيضا، تمرس ديرجي جيدًا بمبادئ الفن وآدابه في سن مبكرة جدًا. ولهذا السبب لم يشعر بالحاجة إلى الإلتحاق بالجامعة لدراسة الفن. ديرجي أب -مقيم في المنزل- لطفلين وهو شخص يتمتع بروح حرة حيث يستوحي أعماله من الطبيعة، أو الرياح التي تهب و تحرك الأوراق أو صرخة طفله الرضيع، فكل ذلك يشجعه على الإبتكار. 1 + 1 = 3، ربما تكون هذه المعادلة خارج المعادلة التقليدية لكنها القانون الأساسي لديرجي حيث يقول: "إذا زرعت بذرة واحدة فإنها تنمو لتصبح ملايين".

تختلف أعماله عن "جمالية الفن الإثيوبي" المعتاد، حيث تبدأ أعماله من مفهوم عميق متجذر وهو يتماشى مع شعوره. لاحظت أن بعض أعماله الفنية بدت مخدوشة والبعض الآخر ناعم للغاية، و لقد أوضح لي أن الخدوش هي إنعكاسات لشعوره في تلك اللحظة ذاتها التي كان يصنع فيه العمل الفني، إما أنه كان غاضبًا أو محبطًا. ديرجي شخص بشوش وهادئ وممتن إلى الأبد لدعم عائلته الرائعة.

"بينما يقوم العديد من الفنانين بتنقيح وتعريف أعمالهم، ديرجي يقوم بالتشديد والتساؤل. تتميز بصمة أعماله برجال ونساء القارة الملونين والشفاه الممتلئة اللامعة بأيدٍ ضخمة ملتوية، ومبرزة بأنف وعيون بسيطة ولكن منمقة تتحدثان عن الأحجام. إنها مألوفة ولكنها غير تقليدية وجديدة. ديرجي غير مقيد بأي طريقة تدريس أو صيغة أكاديمية، ومن هنا يذهب بحرية إلى حيث لا يجرؤ معظم الفنانين الذين درسوا رسميًا الى الذهاب والمغامرة، مما يجعله استثنائيًا". قال أمين المعرض، د. ديستا إم.

   المعرض - التصوير: كالكيدان زيلاليم

زيارة المعرض كانت تجربة رائعة بالنسبة لي. حيث تمت إقامته في مجمع التحالف الأثيوبي الفرنسي الجميل للغاية، فالأشجار والبيئة فيه تضعك في حالة صفاء ذهني. تم إحاطة جميع الأعمال الـ 45 بالكامل بمعرض فسيح صامت. ووضعت الأعمال الفنية في وسط الجدار، وعلقت بشرائط مرنة شفافة صغيرة من كلا الجانبين حيث تظهراللوحات كما لو أنها تطفو. تم تضمين بعض الأعمال السابقة مع اللوحات المعروضة، لكن معظمها حديث. تظهر الألوان الدافئة مثل الأحمر والأخضر والأصفر والأزرق والمزيد، حيث تضيف جمالًا إلى الجدار الأبيض الهادئ.

"هناك كرامة في العواقب."
جيمس أس أيه كوري

الريح - بريشة ديرجي شيفيرو - التصوير: كالكيدان زيلاليم

قد يكون الانطباع الأول عن هذه المرأة مؤثرًا، لكن الصلابة والكرامة المعبر عنها في وجهها لا يمكن أن تمر من غير لفت النظر. فقدت المرأة شيئًا لكنها تجسد هالة من الكرامة التي كانت سبباً من العاقبة التي نشأت عن ذلك الشيء الذي فقدته. 

"لا يمكنك دائمًا التحكم في ما يحدث في الخارج، ولكن يمكنك دائمًا التحكم في ما يجري في الداخل.."
واين داير

الريح - بريشة ديرجي شيفيرو - التصوير: كالكيدان زيلاليم

من ناحية أخرى، هذه المرأة ترتدي اللون الأبيض لكن تعبير وجهها يبدو ضائعًا ومثقلًا. إنها منغمسة في كل ما يدور في ذهنها وغافلة عما يدور حولها. أشعر كما لو أن ديرجي يصور معظم الأفراد في عالمنا الآن، الذين يبدون مبتهجين من الخارج لكنهم مكسورين ومبعثرين من الداخل. 

الريح - بريشة ديرجي شيفيرو - التصوير: كالكيدان زيلاليم

هذا العمل الفني هو واحد من أكثر الأعمال التي أعجبتني. اللون الأحمر الصارخ، العميق و اللامع يلفت الأنظار وقد تثير النظرة الجريئة ولكنها مهزومة فضول المرء حول سبب شعورالرجل بهذه الطريقة.

الريح - بريشة ديرجي شيفيرو - التصوير: كالكيدان زيلاليم

ديرجي يرسم ما يشعر به. يمكن رؤية عواطفه في الأعمال الفنية حيث قد يبدو البعض ناعمًا والبعض الآخر قد يبدو بعيدًا عن ذلك. على سبيل المثال، فإن خدود هذا الرجل مكشوطة. نظرًا لعدم وجود مواد طلاء ودهانات عالية الجودة، يتعين على ديرجي إنشاء تقنية الباستيل الزيتية الخاصة به. هذا هو السبب في أن لون بشرة هؤلاء الأشخاص خارج عن المألوف. حيث جرب ديرجي الكثير الى أن تطورت أعماله إلى ما هي عليه الآن، حيث تتمتع ببلاغة عملاقة خلقت مواضيع أفريقية جريئة.

تصوير يدي هذا الرجل العملاقة وقصة شعره الموهوك جنبًا إلى جنب مع الأقراط التي يرتديها يقول شيئًا عن حريته والتعبير عن ذاته.

التصوير: كالكيدان زيلاليم

أظهر هذا المعرض حال الناس من خلال وجودهم، فبعضهم مستبعد والبعض يُنظر إليه على أنه يجادل في أفكاره، والبعض يُرى بكرامة ومثابرة، والبعض الآخر يصور بمشاعر متعددة. ديرجي هو فنان لم يتم منحه التقدير الذي يستحقه. نادرا ما يتم الاحتفال بمفهومه المتجذر بعمق، ومشاعره الغير مصقولة المزينة بالأعمال الفنية. أعماله الفنية مثل أصدقائه، فهو يبتهج عندما يُجري الجمهور نوعًا من الحوار مع أصدقائه. تم تزيين هذه السلسلة من الأعمال الفنية البدائية والمتطورة في نفس الوقت بألوان دافئة زاهية وتعبيرات حادة. هؤلاء العمالقة اللطفاء -كما أود أن أسميهم- يجعلونك تفكر ويزيدون من فضولك. نظرًا لأن ديرجي يفكر خارج الصندوق بالفعل، فإنه يرسم كل ما يشعر به بينما يغير طريقة السرد حول الفن في إثيوبيا، فإن طموح هذا الفنان صاحب التلوين غير الاعتيادي حده السماء. تركني المعرض ماشوقة لأرى ما الذي سيأتي بعد من صنعه.

يمكنكم تصفح أعمال الفنان على صفحته في الفيس بوك: ديريجي شيفيرو


كالكيدان زلاليم

كالكيدان زلاليم تدرس التكنولوجيا الحيوية و لكن شغفها يكمن في الكتابة والتصوير ورواية قصص الناس والفن وتمكين الناس. تستمتع بمشاهدة الأفلام الوثائقية سواء كانت عن الجرائم أو إستقصائية أو أفلام السير الذاتية. تشعر كالكيدان وكأنها روح عجوز وتنغمس في جمع المواد القديمة - الكتب على وجه الخصوص - ما تدين به لجدها الراحل. هدفها النهائي هو تسليط الضوء على ثراء إثيوبيا وإلهام الشابات للدفاع عن أنفسهن وعدم الاستسلام أبدًا.