هذا المقال متوفر أيضاُ باللغة English

تحذير‌‌ ‌‌وإخلاء‌‌ ‌‌المسؤولية‌‌:‌‌ ‌‌المحتوى‌‌ ‌‌الذي‌‌ ‌‌أنت‌‌ ‌‌على‌‌ ‌‌وشك‌‌ ‌‌قراءته‌‌ ‌‌يحتوي‌‌ ‌‌على‌‌ ‌‌تجارب‌‌ ‌‌رسومية‌‌ ‌‌وحساسة‌‌. ‌‌الآراء‌‌ ‌‌الواردة‌‌ في‌‌ ‌‌هذه‌‌ ‌‌المقالة‌‌ ‌‌تعكس‌‌ ‌‌فقط‌‌ ‌‌آراء‌‌ ‌‌المؤلف‌‌ ‌‌وليس‌‌ ‌‌أندريا‌‌. ‌‌يُنصح‌‌ ‌‌القارئ‌‌ ‌‌بتقدير‌‌ ‌‌رأيه‌‌. ‌‌اقرأ‌‌ ‌‌إشعارنا‌‌ ‌‌التحريري‌‌ ‌‌الكامل‌‌ ‌‌هنا‌‌.



تشهد السودان تفشياً كبيراً لحمى الضنك وسط الأزمة الإنسانية المستمرة التي تمر بها البلاد منذ إندلاع الصراع المسلح في أبريل 2023. انتشرت حمى الضنك على نطاق واسع في ولايات مثل كسلا والخرطوم. في محلية أم درمان وحدها، تم تأكيد أكثر من 7600 حالة، مما أسفر عن 253 حالة وفاة على الأقل، مع آلاف الحالات المشتبه بها حتى 16 أكتوبر. كما تضررت ولاية كسلا بشدة، حيث تمثل حوالي نصف إجمالي حالات حمى الضنك في البلاد، والتي تستمر في الارتفاع مع شح خدمات الرعاية الصحية بسبب الصراع والموارد المحدودة.


تعتبر الحرب التي بدأت في 15 أبريل 2023 الكارثة الإنسانية الأسوأ على الإطلاق في تاريخ السودان منذ الاستقلال. لقد شكل القتال نقطة تحول لأمة عانت من اضطرابات سياسية واقتصادية على مدى السنوات الخمس الماضية.


اندلع الصراع المسلح حول من يتولى مسؤولية البلاد بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم، وانتشر بسرعة إلى عدة ولايات، مما أودى بحياة عشرات الآلاف من الأبرياء وشرّد الملايين.


إن عواقب الحرب مروعة ويمكن رؤيتها في ملامح البنية التحتية للمصانع والمستشفيات، فضلاً عن المرافق التعليمية والحكومية. وكان لكل هذه الأعمال العدائية التأثير الأكبر في منع المؤسسات الصحية الحيوية من تقديم خدماتها.


ووفقًا للتقديرات، فقد فقد ما يقرب من 150 ألف شخص حياتهم، ونزح ما يصل إلى 12 مليون شخص. وكان تأثير الحرب مدمراً، حيث يواجه نصف سكان البلاد المجاعة وأزمة صحية مروعة.


تأثير الصراع على قطاع الصحة في السودان

يواجه السودان أزمة صحية مع استمرار الصراع في تدمير البنية التحتية الطبية، وبحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فإن اثنين من كل ثلاثة مدنيين سودانيين لم يعد لديهم القدرة على الوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية نتيجة لإجبار مستشفيات البلاد ومراكزها الصحية على إغلاق أبوابها. كما تم استهداف العديد من مقدمي الرعاية الصحية، بما في ذلك الأطباء والممرضات، وتضررت العديد من المرافق الصحية بسبب القصف والغارات الجوية منذ اندلاع الصراع في أبريل من العام الماضي.



ويواجه المواطنون في مناطق الصراع صعوبات ومخاطر تجعل الوصول إلى المستشفيات وتلقي العلاج شبه مستحيل، إذ حولت قوات الدعم السريع بعض المستشفيات إلى ثكنات، حيث يتم علاج جرحاهم. بينما المرافق المتبقية بإمكانيات محدودة بسبب نقص الكوادر الطبية والمخزون المحدود من المعدات الطبية التي لا توفر سوى 25% من الاحتياجات.


إن الوضع في مناطق الصراع يشبه الحصار، حيث أن العنف المستمر في تلك المناطق يعيق حركة المواطنين وحياتهم بشكل عام. ومع استمرار المعارك، قد لا تتمكن المساعدات الإنسانية من الوصول، مما يزيد من تفاقم محنة المواطنين، بما في ذلك الأطفال، حيث تتعرض حياتهم للخطر بسبب نقص الإمدادات الغذائية الأساسية، مما يضعف قدرتهم على مقاومة الأمراض.


فتاة تبلغ من العمر 15 عامًا تتعافى من بتر ساقها اليمنى، التي فقدت بعد أن أصابتها رصاصة طائشة في أحد الشرايين. المصدر أحمد فرفور/فاينانشال تايمز


الغذاء والصحة

يعتبر الغذاء العامل الأساسي في الحفاظ على صحة الإنسان وسلامته، حيث يزود الجسم بالعناصر الغذائية اللازمة للحفاظ على الصحة والحياة والحماية اللازمة من خطر الإصابة بالأمراض. وعلى العكس من ذلك، يؤدي نقص الغذاء وسوء التغذية إلى تدهور المناعة والتعرض للأمراض.


صنفت منظمة الصحة العالمية السودان كواحدة من الدول التي تعاني من نقص حاد في الغذاء، حيث يواجه أكثر من 40٪ من سكان السودان، أي ما يقرب من 19 مليون شخص، مستويات عالية من سوء التغذية الحاد ويعانون من الجوع، ويعاني حوالي 3.6 مليون طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد، وفقاً لبرنامج الغذاء العالمي في السودان.


سوء التغذية وتعطل المستشفيات، وكارثة الجثث والنفايات الطبية على جوانب الطرق، عوامل ساهمت في زيادة انتشار الأمراض في ظل غياب الرعاية الوقائية من الأمراض. وسجلت التقارير الصادرة عن منظمة الصحة العالمية في مايو من هذا العام 1.3 مليون حالة إصابة بالملاريا، و11 ألف حالة إصابة بالكوليرا، وأكثر من 4600 حالة إصابة بالحصبة، ونحو 9 آلاف حالة إصابة بحمى الضنك في السودان.


مع افتقار 65% من سكان السودان إلى القدرة على الوصول إلى الرعاية الصحية وارتفاع معدلات المجاعة والمرض، فإن متلازمة "العنف المروع والتهديد بالمجاعة والمرض" تطارد المحاصرين في مناطق الصراع النشط، بما في ذلك سكان الخرطوم والجزيرة وعدة ولايات في إقليم دارفور.


كيف تنتشر حمى الضنك، أعراضها وعلاجها

حمى الضنك هي عدوى فيروسية تنتقل إلى البشر عندما يتعرضون لسعة بعوض تحمل المرض. ينتشر في المناخات الاستوائية وشبه الاستوائية. تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة وزيادة معدلات هطول الأمطار والرطوبة عززت زيادة خطر انتشار المرض، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، تم رصد أعلى عدد من حالات حمى الضنك في عام 2023، حيث أثرت على أكثر من 80 دولة، وتجاوز عدد الحالات 6.5 مليون حالة، مما أدى إلى أكثر من 7300 حالة وفاة.


أعراض حمى الضنك. المصدر: مستشفيات PACE


تظهر أعراض حمى الضنك عادةً بعد 4 إلى 10 أيام من الإصابة وتشمل ارتفاع درجة الحرارة والصداع الشديد وآلام العضلات والمفاصل والغثيان والطفح الجلدي. لعلاج حمى الضنك، من المهم الحفاظ على مستوى السوائل في الجسم بشرب الكثير من السوائل، وتناول نظام غذائي مغذي، واستخدام الأسيتامينوفين (الباراسيتامول) لتسكين الألم والحمى، والحصول على قسط كبير من الراحة، يجب على المصاب تجنب الأدوية المضادة للالتهابات مثل الأسبرين أو الإيبوبروفين، كما يُنصح المرضى دائماً باستشارة أخصائي الرعاية الصحية للتشخيص والعلاج المناسبين.


إحصائيات حمى الضنك في السودان من 2019 إلى 2024


رسم بياني يوضح عدد الوفيات بسبب حمى الضنك في السودان بين عامي (2019 - 2024) التصور البياني للبيانات بواسطة الطيب الحاج أحمد.


شهد عام 2022 أكبر تفشي لحمى الضنك في تاريخ السودان، وفقاً لما أوردته وزارة الصحة الاتحادية، حيث تجاوز عدد الحالات 6000 حالة وأكثر من 30 حالة وفاة. سجلت ولاية شمال كردفان 1427 حالة مشتبه بها و13 حالة وفاة، وهي الولاية الأكثر تضرراً مقارنة بالولايات الأخرى.


رسم بياني يوضح عدد الحالات المسجلة على مدار الأعوام (2019 - 2024). التصور البياني للبيانات بواسطة الطيب الحاج أحمد.


خريطة توضح المناطق الأكثر تضرراً بحمى الضنك. التصور البياني للبيانات بواسطة الطيب الحاج أحمد.


حمى الضنك تجتاح أحياء شمال بحري.

وفقاً لغرفة طوارئ السماراب، توفي ما لا يقل عن 186 شخصاً بحلول 25 أكتوبر 2024 بسبب تفشي حمى الضنك في منطقة السماراب بالخرطوم بحري، كما تم تسجيل حوالي 500 حالة إصابة بالعدوى الفيروسية التي ينقلها البعوض منذ يوليو. وفي منطقة سوبا شرق الخرطوم، أفادت غرفة طوارئ شرق النيل في 9 نوفمبر عن وفاة ستة أشخاص وأكدت وجود 32 حالة إصابة بحمى الضنك على الأقل. كل هذا في الوقت الذي تستمر فيه المعارك بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع.


أصبح سكان مدينة بحري معتادين على أصوات المدفعية والقصف الجوي، لم تعد عقولهم مشغولة بضوضاء الطائرات العسكرية وانفجار القذائف حيث اعتادوا على المشهد. ولكن ظهور حمى الضنك وانتشارها الواسع بدا وكأنه شبح جديد يهدد حياة السكان، فالمعاناة الحقيقية للسكان لا ترجع إلى المرض وأعراضه، بل إلى نقص الرعاية الصحية اللازمة والأدوية التي يمكن أن تقلل من حدة المرض.


وأوضحت غرفة طوارئ بحري أن خروج المستشفيات عن الخدمة يشكل عائقاً كبيراً أمام تأكيد الإصابة بحمى الضنك بسبب تشابه أعراض حمى الضنك مع الملاريا، ونتيجة لذلك، استشارت غرفة طوارئ بحري طبيباً تابعاً لمنظمة الصحة العالمية لشرح طريقة فحص حمى الضنك للطاقم الطبي والعمل على ذلك. ويتم تشخيص حمى الضنك من خلال فحص الدم الكامل (CBC)، ويتم تأكيد النتائج إما على أنها حمى ضنك أو ملاريا.


وفي السياق ذاته، أوضحت غرفة طوارئ بحري أن توفير الأدوية المطلوبة، بما في ذلك أدوية الأمراض المزمنة، بالإضافة إلى أقراص البندول والملح والجلوكوز، يشكل تحدياً كبيراً.


ومن الجدير بالذكر أن هذه الأحياء كانت تحت سيطرة قوات الدعم السريع منذ بداية الحرب في أبريل 2023، حيث سجلت زيادة في حالات حمى الضنك والكوليرا. كما تعاني من نقص الغذاء ونقص مياه الشرب بسبب توقف محطة المياه عن العمل، بالإضافة إلى توقف عمل المستشفيات.


الخلاصة

إن تفشي حمى الضنك الحالي في السودان يسلط الضوء على التحديات الصحية العامة الكبيرة التي تفاقمت بسبب الأزمات الإنسانية المستمرة. ولمعالجة هذه الأزمة الصحية المباشرة وأسبابها الكامنة بشكل فعال، هناك حاجة إلى تدابير عاجلة. وتشمل هذه استراتيجيات قوية لمكافحة النواقل وتعزيز التدخلات الصحية العامة.


يمكن للأفراد أن يلعبوا دوراً حاسماً في الوقاية من خلال اتخاذ الاحتياطات التالية:

  • لحماية الشخصية: ارتداء الملابس الواقية، واستخدام طارد البعوض، والحد من التعرض لمواقع تكاثر البعوض.
  • إدارة النفايات: التخلص السليم من النفايات المنزلية ومرافق الرعاية الصحية، وخاصة عن طريق حرقها.


في حالة الإصابة، يجب على الأفراد إعطاء الأولوية لـ:

  • الراحة والترطيب: الراحة الكافية وتناول السوائل.
  • التغذية: اتباع نظام غذائي متوازن للحفاظ على القوة ومنع نقص العناصر الغذائية
  • العلاج: طلب الرعاية الطبية المناسبة واتباع بروتوكولات العلاج الموصى بها.
  • ومن خلال الجمع بين هذه الاستراتيجيات، من الممكن السيطرة على تفشي المرض والحد من تأثيره على الصحة العامة.



الطيب حاج أحمد

الطيب حاج أحمد الطيب هو باحث ومحلل بيانات مقيم في السودان وله اهتمام بمواضيع تنموية مختلفة. قبل اندلاع الحرب في السودان كان يسعى لنيل درجة الماجستير في الرياضيات من جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا.