هذا المقال متوفر أيضاُ باللغة English

مع اقتراب دخول النزاع في السودان عامة الثاني، وتصاعد وتيرة المعارك في عدة مناطق، تستمر معاناة المواطنين، خاصة أولئك الذين يعيشون في مناطق النزاع. تأثرت المجتمعات المحلية والبنية التحتية الحيوية بشكل كبير، مما أدى إلى ارتفاع أعداد الأشخاص الذين يواجهون ظروفاً حرجة من انعدام الأمن الغذائي.



نستعرض هنا تأثير العديد من العوامل المترتبة على أزمة نقص الغذاء، بالاضافة إلى إستخدام نموذج رياضي لتحليل وفهم أسباب الأزمة في مناطق (الخرطوم، الجزيرة، دارفور، كردفان) . كما سنناقش دور النماذج الرياضية في تقديم رؤى تُسهم في تحليل الأزمات الإنسانية وإيجاد حلول مستدامة لها.


‌نظرة عامة عن الوضع الإنساني بالسودان

وفقاً لتقرير صادر عن برنامج الأغذية العالمي، يعاني أكثر من 24.6 مليون شخص في السودان، أي ما يزيد عن نصف السكان، من مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي (المرحلة الثالثة أو أعلى ضمن تصنيف الأمن الغذائي المتكامل). من بين هؤلاء، هناك 8.1 مليون شخص في ظروف طارئة (المرحلة الرابعة)، وما لا يقل عن 638 ألف شخص وصلوا إلى المرحلة الخامسة الحرجة.


نساء وطفلات يقفن طابوراً للحصول على الطعام - المصدر رويترز


يشير الوضع الحالي إلى تداخل عدة عوامل معقدة، أبرزها تواصل النزاعات، والأزمات الاقتصادية، والنقص الحاد في الخدمات الأساسية. يُعتبر القطاع الزراعي مصدراً رئيسياً للإنتاج في البلاد، إلا أن امتداد القتال إلى الولايات الأكثر إنتاجاً مثل الجزيرة وكردفان ودارفور أدى إلى وقوع السودانيين في أزمة غذائية حادة تُعد الأسوأ في تاريخهم. خلال عام واحد فقط من الحرب، فقد السودان حوالي 25% من ناتجه المحلي الإجمالي، مما ساهم في تفاقم انعدام الأمن الغذائي الذي بات يؤثر على 25.6 مليون شخص. هذا الانخفاض الحاد أثر بشكل كبير على قطاع الزراعة الغذائية، الذي يشكل أكثر من 34% من إجمالي الناتج المحلي.


تأثير إنعدام الأمن الغذائي على النساء والأطفال

تُعتبر النساء والأطفال من أكثر الفئات عرضةً للتأثر بتداعيات الأزمات المستمرة، تُعاني النساء الحوامل والمرضعات من مستويات عالية من سوء التغذية نتيجة النزاعات المتواصلة، والتحديات الاقتصادية المستعصية، وصعوبة الوصول إلى الاحتياجات الأساسية. تُظهر البيانات الحديثة أن معدلات سوء التغذية بين الأطفال في السودان بلغت مستويات حرجة. ففي وسط دارفور، تشير التقديرات إلى أن نسبة الأطفال دون سن الخامسة الذين يعانون من سوء التغذية الحاد تصل إلى 15.6%، بينما ترتفع هذه النسبة بشكل مقلق إلى ما يقارب 30% في مخيم زمزم، مع غياب أي مؤشرات على تحسن الوضع نتيجة استمرار النزاع. وتمثل هذه المعدلات من بين الأعلى عالمياً، مما يشكل خطراً حقيقياً على حياة الأطفال. 

وفي سياق أكثر تحديداً، تكشف التقارير عن أن أكثر من 33% من النساء الحوامل والمرضعات في مخيم زمزم بشمال دارفور يعانين من سوء التغذية، وهو ما يُرجح أن يكون نتيجة لتفضيلهن تغذية أطفالهن على حساب احتياجاتهن الخاصة. تعكس هذه الظاهرة تهديداً خطيراً ليس فقط على صحة الأمهات، بل أيضاً على صحة ونمو الجيل القادم من الأطفال في السودان، ما ينذر بتأثيرات طويلة الأمد على مستقبل أجيالها المقبلة.


العوامل المؤثرة على هشاشة السكان

تشير التقديرات إلى أن الصراعات المسلحة تمثل العامل الأساسي الذي يؤثر على نحو 50% من السكان المتأثرين، إذ تفرض هذه النزاعات تحديات كبيرة تعيق الوصول إلى الغذاء. إلى جانب ذلك، تساهم الأوضاع الاقتصادية في تفاقم المشكلة، مع الارتفاع السريع في أسعار المواد الغذائية، مما يجعلها بعيدة عن متناول العديد من الأشخاص.


نسبة السكان المتأثرين بعوامل انعدام الأمن الغذائي

 

تم إجراء التحليل من قبل المؤلف بناءً على أرقام برنامج الأغذية العالمي

شمال دارفور: شدة النزاعات وضعف وصول المساعدات الانسانية يعكس تدهور الأوضاع الذي يشهد زيادة متواصلة مع الوقت.

جنوب كردفان: شهدت ارتفاع تدريجي ومعتدل لنسبة نقص الغذاء. ما يُظهر تأثيراً أقل حدة للصراعات أو تحسيناً نسبياً في المساعدات الإنسانية.

ولاية الجزيرة: الزيادة في نقص الغذاء تبقى أقل من المناطق الأخرى، وذلك بسبب دخول قوات الدعم السريع إلي ولاية الجزيرة مع نهاية عام 2023، ما يعكس الزيادة الكبير في النصف الاول من عام 2024 بسبب حدة الاشتباكات والاوضاع المضطربة التي شهدتها المنطقة.

وسط دارفور: يظهر نمط مشابه لشمال دارفور، مع زيادة سريعة بسبب شدة الصراع والنزوح.


مستويات انعدام الأمن الغذائي المتوقعة حسب المنطقة

تم إجراء التحليل من قبل المؤلف بناءً على أرقام برنامج الأغذية العالمي


متوسط مستويات انعدام الأمن الغذائي حسب المنطقة (2023-2024)

تم إجراء التحليل من قبل المؤلف بناءً على أرقام برنامج الأغذية العالمي 


مع استمرار النزاع وتدهور الأوضاع الميدانية والقيود المفروضة، تبدو التوقعات أكثر كآبة، حيث يواجه حوالي 4.5 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي في هذه المناطق. تشير التقارير إلى أن النزاع المستمر والمجاعة المتوقع حدوثها حسب التوقعات الجديدة من التصنيف المتكامل للأمن الغذائي (IPC) في خمس مناطق على الأقل في السودان - معسكرات زمزم وأبو شوك والسلام في شمال دارفور، وفي جبال النوبة الغربية لكل من السكان والنازحين داخليا. من المتوقع حدوث مجاعة في خمس مناطق إضافية بين ديسمبر 2024 ومايو 2025 - أم كدادة، مليط، الفاشر، التويشة واللَّيت في شمال دارفور.هذا الوضع ينذر بتفاقم معدلات سوء التغذية الحادة وتصاعد الأزمة الإنسانية في البلاد.


الطيب حاج أحمد

الطيب حاج أحمد الطيب هو باحث ومحلل بيانات مقيم في السودان وله اهتمام بمواضيع تنموية مختلفة. قبل اندلاع الحرب في السودان كان يسعى لنيل درجة الماجستير في الرياضيات من جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا.