رسم رقمي لأبو عبيدة محمد عن قتلى المظاهرات في السودان
تاريخ الفن وأثره على الثورة السودانية
منذ فجر التاريخ، وثق البشر أحداثهم الرئيسية وروتين حياتهم اليومية العادية. من رجال الكهوف الذين رسموا ملاحظاتهم عن الطبيعة على جدران الكهوف، مروراً بالقبائل القديمة في أمريكا الشمالية الذين وثقوا إحتفالاتهم باستخدام تماثيل خشبية ملونة، عبوراً بالإغريق والرومان والمصريين القدماء الذين وثقوا النظام الجمهوري و الإحتفالات الملكية والإنتفاضات والحروب والمبعوثين الدبلوماسيين والطبيعة والأوبئة والدين وطريقة عيشهم للحياة.
خلال العصر الذهبي للفنون طوال عصر النهضة، تفوق الفنانون على أسلافهم في إلتقاط تفاصيل كل شيء في حياتهم بما في ذلك المشاعر في لوحاتهم وتماثيلهم. في العصر الحديث للرقمنة يمكن للفنانين تسجيل المشاعر والأحداث والتفاصيل وآرائهم الخاصة وغيرها من الأفكار باستخدام الأدوات الرقمية المتاحة لإنتاج الرسوم التوضيحية الرقمية والأغاني والقصائد ومقاطع الفيديو والرسم على الجدران.
أشعلت ثورة ديسمبر 2018 في السودان عملية التغيير والبعث إلى عصر جديد أعاد إحياء صناعة الفنون من جديد. في 25 أكتوبر 2021 تعثر السودان في مسيرة التغيير السياسي لكن الفنون لا تزال تزدهر، وساعدت في زيادة الوعي وتوثيق كل المكاسب والخسائر خلال هذه الثورة.
لا تلتقط الفنون المعلومات فحسب بل تستحوذ على المشاعر التي تؤكد اللحظات المختلفة التي شهدها الفنانون والأحداث التي مروا بها وما شعر به كل فنان ليفرغ تلك المشاعر والتجارب. تُستخدم الفنون بتنسيقات مختلفة مثل اللوحات الرقمية والأغاني والقصائد والرسم على الجدران. ألهمت معالم الثورة السودانية العديد من محتويات الفنون المنتجة منذ بدء الثورة، حيث أن هناك العديد من الموضوعات الرئيسية التي تحدد محتوى الفنون، والأنواع المختلفة من الفنون لها أيضًا موضوعات مختلفة اختاروا التركيز عليها.
لكل فنان شخصيته الخاصة مما جعلهم يركزون على جوانب معينة من الثورة السودانية. تخبرنا البيانات بالعديد من القصص وفي هذه المقالة نكشف عن المحتوى لتحديد الإتجاهات المعاصرة.
الجدول الزمني للفنون المنتجة
البيانات التي تم جمعها من أجل هذا المقال لا تشمل جميع الأعمال الفنية المنتجة عن الثورة بل شملت فقط تلك التي ظهرت وتم مشاركتها على منصات التواصل الإجتماعي مثل فيس بوك وتويتر وانستقرام. الفنون المسجلة في البيانات هي تلك التي تم إنتاجها في الفترة من 18 ديسمبر 2018 إلى 2 يونيو 2022.
تصور بيانات لعدد الفنون المنتجة منذ بداية الثورة السودانية في ديسمبر 2018 حتى يونيو 2022
معالم الثورة
في الحياة لكل عملية ومشروع أحداثه ومعالمه الرئيسية، وهكذا كان الأمر بالنسبة للثورة السودانية. من المثير للإهتمام كيف تفاعل الفنانون مع كل معلم من خلال إنتاج فنون ذات مواضيع وعواطف محددة. مفهوم المعالم المستخدمة هنا هو أن فترة زمنية محددة تنتمي إلى إنجاز أو حدث حتى يتم تحقيق معلم آخر.
كانت المراحل الثلاثة الأكثر انتشارًا للثورة بالنسبة للفنانين هي حل منظمة "الدعوة الإسلامية" الموالية للإسلاميين، وسد الجسور بحاويات الشحن وبالطبع الإنقلاب العسكري في 25 أكتوبر 2021 مع نشر حوالي ثلاثين فنًا لكل معلم. أعقب ذلك انطلاق الثورة في ديسمبر 2018 و "أربعينية مذبحة الخرطوم" التي تصادف اليوم الأربعين منذ مجزرة 3 يونيو 2019 في مقر الجيش مع نشر حوالي 20 فنًا في كل مرحلة.
عدد الأعمال الفنية المنتجة عن الثورة السودانية منذ انطلاق الثورة حتى يونيو 2022 حسب أهم معالم الثورة السودانية.
أهم الموضوعات
كانت الموضوعات الرئيسية للأحداث التي حرص الفنانون على توثيقها في فنونهم هي العمل النشط والتي تضمنت: الإحتجاجات وإضرابات الموظفين والعصيان المدني والإعتصامات. حيث عادة ما يتم مواجهة هذه الأعمال السلمية من خلال عنف الدولة والذي يشمل؛ القتل العشوائي للمدنيين الأبرياء والتعذيب والسجن غير القانوني. ثم تأخذ السياسة مركز الصدارة من خلال فن التعامل مع الإتفاقات السياسية والزيارات الدبلوماسية.
ثم تأتي الموضوعات الأخرى مثل الرعاية الصحية والتي تركز بشكل أساسي على جائحة كورونا والمصاعب الإقتصادية وأحيانًا المشاعر الواضحة لإنتفاضة السودان دون حدث رئيسي أو سياق لتحديد ما ينتمون إليه. كانت الموضوعات الأقل انتشارًا للفنانين هي التقاليد المجتمعية وأنماط الحياة واللوائح الحكومية والبيئة والقوانين والطاقة والنقل والأزمة العامة التي لا تتعلق مباشرة بأي من الموضوعات المذكورة سابقًا.
الموضوعات الرئيسية للفنون المنتجة عن الثورة السودانية
أكثر أنواع الفنون إنتاجاً
كانت معظم الفنون التي تم إنتاجها عن الثورة السودانية رسومًا توضيحية رقمية نُشرت على وسائل التواصل الإجتماعي والمواقع الإلكترونية. جاءت لاحقًا الأغاني، وبشكل مفاجئ بعد الأغاني جاء أحد أكثر أشكال الفن تقليدية و هو الرسم التوضيحي الورقي وغيرهم.
وثقت الرسوم التوضيحية الرقمية العديد من جوانب ثورة السودان لكنها ركزت على العمل النشط والعنف والسياسة. ركزت الأغاني والرسوم التوضيحية الورقية والقصائد واللوحات الجدارية وتصميمات الرسوم بشكل أساسي على العمل النشط، وركز الرسم على الجدران بشكل أساسي على العنف، وبشكل رئيسي على قتل المتظاهرين الأبرياء العزل.
أنواع الفنون المنتجة عن الثورة السودانية حسب الأدوات والوسائط التي استخدمها الفنانون.
سير ذاتية قصيرة للفنانين الذين لديهم أكبر عدد منشور من الفنون
رسم رقمي لخالد البيه عن المجلس العسكري وأجنداته السياسية
أنتج خالد البيه العديد من الفنون الرقمية وركز على السياسة في رسومه التوضيحية الرقمية. كان خالد "الفنان السياسي" للثورة، حيث أن معظم الفنون التي سُجلت في تركيزها على السياسة كانت من صنعه.
استخدم جلال يوسف الرسوم التوضيحية الورقية واللوحات الجدارية لتوثيق العمل النشط. معظم القطع الفنية التي ركزت على العمل النشط كانت من صنعه لذلك حصل على لقب "الفنان الناشط".
استخدم أبو عبيدة محمد الرسوم التوضيحية الرقمية لتوثيق العنف والنشاط والعواطف. ليس من المستغرب أن معظم الفنون التي وثقت مشاعر الفنان و/أو أهل السودان من ابتكار أبو عبيدة لذلك حصل على لقب "الفنان العاطفي".
بعد أبو عبيدة يأتي محمد مكي الذي استخدم التصميم الجرافيكي لتوثيق العمل النشط بشكل أساسي.
جرافيتي لأصيل دياب لحملة "بلو فور مطر" و "بلو فور سودان".
استخدمت أصيل دياب الرسم على الجدران "الجرافيتي" لتوثيق العنف وتحديداً قتل الأبرياء من خلال رسم العديد من الجداريات حول الخرطوم، وتزيين الأحياء والمنازل بوجوه الشهداء الذين سقطوا خلال الثورة في الإحتجاجات وغيرها من أشكال العمل النشط. معظم الفنون التي ركزت على توثيق العنف الذي تمارسه قوات الأمن من ابتكار أصيل دياب لذلك حصلت على لقب "الفنانة اليقظة".
هي أيضًا واجهت خطر الموت و/أو أنواع العنف الأخرى في كل مرة تخرج فيها لرسم الجرافيتي. حيث قالت: “كنت أنطق الشهادتين في كل مرة أخرج فيها لرسم الغرافيتي لأنني لم أكن أعلم أبدًا ماذا سيحدث لي."
بعد أصيل دياب، يأتي بقية الفنانين الواحد والعشرين الذين أنتجوا فنًا عن الثورة السودانية. قد تشمل القائمة أو لا تشمل جميع الفنانين السودانيين لكنها بالتأكيد تشمل معظم الفنانين المشهورين على وسائل التواصل الاجتماعي. يمكن العثور على قائمة أكثر شمولاً للفنانين الثوريين في إعتصام قيادة الجيش هنا.
أشهر الفنانين السودانيين الذين ابتكروا فنون عن الثورة السودانية.
خاتمة
كان للفنون ولا يزال دورًا حيويًا في تسجيل تاريخ البشرية. أعادت الثورة السودانية المشهد الفني في السودان إلى الحياة بطريقة لم نشهدها في العقود القليلة الماضية منذ سيطرة نظام البشير على البلاد.
ساعدت معالم الثورة السودانية في تشكيل محتوى الفنون المنتجة عن الثورة السودانية وأحيانًا لم تفعل ذلك. هناك مواضيع وسياقات مختلفة للأحداث في الثورة حددت محتوى الفنون. لم يكن لكل أنواع الفنون المختلفة نفس الموضوعات للتركيز عليها، و عبر كل فنان عن تركيزه على موضوعات وسياقات معينة للثورة السودانية ولكن كلها أنشأت مكتبة محتوى غنية لإستكشافها واستخدامها لفهم اللحظات المهمة ومشاعر الناس.
تم نشر هذه المقالة كجزء من سلسلة بيانات التنقيب عن أنماط مثيرة للإهتمام حول الفن والثورة بين 2018-2022.
المشروع مدعوم من الصندوق العربي للثقافة والفنون والمجلس العربي للعلوم الإجتماعية ومؤسسة أندرو دبليو ميلون.