هذا المقال متوفر أيضاُ باللغة English

 لا تعتبر سيدات الشاي جزءًا كبيرًا من المجتمع السوداني فحسب، بل يُعتبرن أيضًا مراكز للتواصل الإجتماعي، وإستراحات القهوة أثناء العمل، والإجتماعات القصيرة، وغير ذلك الكثير. من النادر جدًا أن تجد شخصًا سودانيًا لم يجرب أجواء سيدة الشاي المتواضعة والمريحة. تمثل هذه المقاهي الخارجية جزءًا كبيرًا من الروتين اليومي لغالبية السودانيين، بغض النظر عن منزلتهم الإجتماعية أو موقعهم الجغرافي.

نظمت أندريا، بالشراكة مع انترنيوز، حدثًا للتوعية بمرض الكورونا لسيدات الشاي، وكان لدى هاتي السيدات بالتأكيد بعض الأفكار القيمة لمشاركتها حول وضع الكورونا في السودان. تعمل ربيعة، ومناهل، ونوال، ونسرين وحرم كسيدات شاي في مناطق مختلفة من الخرطوم وهذه لمحة عن وجهات نظرهن:

 جزء من فعالية التوعية لسيدات الشاي التي نظمتها أندريا بالشراكة مع انترنيوز.

ماذا تعرفن عن تفشي مرض الكورونا في السودان؟

نوال: سمعت عنه كثيراً لكنني لم أشاهده من حولي. يقول الكثير من الناس أنه موجود لكنني شخصياً لا أعرف أي شخص أصيب به، أعرف فقط بعض الأشخاص الذين يعملون في المستشفيات وهم متأكدون من وجوده لأن المستشفيات مليئة بحالات الكورونا.

نسرين: في الماضي كان الناس يعتقدون أنها إشاعة سياسية. أنا شخصياً اعتقدت ذلك لفترة من الوقت، لكن الأمر مختلف حقًا الآن. كل أربعة أو خمسة أيام تسمع عن شخص مات بسبب الفيروس. أعرف عن عائلة فقدت أربعة من أفرادها بسبب ذلك. إعتقدت أنه مرض يصيب الفقراء فقط لكن الآن أسمع أن كل الناس يموتون بسببه، بما في ذلك الأطباء والمحامين. إنه حقًا في كل مكان. المخيف أنه ليس مجرد ارتفاع عدد المتوفين بل ارتفاع سرعة الوفيات.

تصوير: نهاد خاللد

كيف أثر تفشي مرض الكورونا على عملك؟ونوال، ونسرين وحرم كسيدات شاي في مناطق مختلفة من الخرطوم وهذه لمحة عن وجهات نظرهن:

ربيعة: لقد انخفض عدد الزبائن بشكل كبير، فمنطقتنا - كونها بجوار المطار - كانت تعتبر منطقة مزدحمة للغاية، لكن الآن بات الناس خائفين من الفيروس.

مناهل: هناك فرق ملاحظ في عدد الزبائن وخاصة طلاب الجامعات. الآن، يأتي الناس في مجموعات صغيرة وعادة ما يطلبون من سيارتهم ويغادرون. أعمل في شارع النيل بالقرب من جامعة الخرطوم لذا فإن إغلاقها أثر بشدة على دخلي اليومي، والآن معظم الزبائن هم مجرد عدد قليل من الأشخاص الذين يعملون في هذه المنطقة.

تصوير: نهاد خاللد

ما الذي لاحظته من تغيير في سلوك زبائنك بسبب الكورونا؟

ربيعة: اعتاد الناس على القول أنهم غير معترفين بوجود الفيروس أو بشدة خطورته، وكانوا يعتقدون بأنه مجرد دعاية سياسية لا أكثر. لكن مع هذه الموجة الثانية تغيرت آرائهم بشكل كبير، فهم الآن يصدقون بوجود الفيروس .

مناهل: ما زال البعض لا يؤمن بوجود الفيروس. عندما أسألهم عن آرائهم، عادة ما يقولون أنها استراتيجية سياسية لصرف انتباهنا عن الأزمة الاقتصادية. لكني أعتقد أن هذا غير صحيح لأن السياسة لا يمكن أن تكون مرتبطة بمرض، وهذه العقلية يمكن أن تؤدي إلى إصابة العديد من الأشخاص من حولك.

نوال: مع هذه الموجة الثانية فإن غالبية الناس مقتنعون بأنها حقيقية ومنتشرة. لكن بالطبع ما زال البعض يعتقدون أنها ليست حقيقية، إنما هي مجرد لعبة سياسية. بصراحة إعتقدت ذلك أيضًا في البداية، لكنني الآن بت أصدق هذا الأمر، لا سيما بالنظر إلى ما يقوله العاملون في مجال الرعاية الصحية وتجربتهم مع المرضى. أعرف شخصًا يعمل في مستشفى وقد ذكر أن معدل الوفيات مرتفع جدًا لدرجة أنه في غضون كل ساعة يموت مريض بسبب الفيروس. يقولون أيضًا أنه مع ازدياد برودة الطقس يزداد انتشار المرض سوءًا.

حرم: هناك فرق الآن بالتأكيد، فالناس يأخذون الفيروس بجدية أكبر. قبل أيام كنا على وشك المرور بشارع وأخبرنا البعض بعدم المرور به لأنه "شارع كورونا". فالناس خائفون حقا الآن.

تصوير: نهاد خاللد

ما هي المعوقات التي تواجهنها عند محاولة إتباع الإجراءات الوقائية أثناء العمل؟

ربيعة: كوني مطلقة وأم لستة أطفال، فمن الصعب للغاية الحفاظ على دخل ثابت خلال هذه الأوقات الصعبة. زوجي السابق يمنحنا مرتب شهري لكنه لا يكفي. بيع الشاي هو مصدر الدخل الرئيسي الذي أعتمد عليه في النفقات اليومية. لكنني أجد نفسي أفكر، ماذا لو أصبت بهذا الفيروس وأحضرته إلى أطفالي، هل سيكون هذا الدخل كافياً حتى لخدمات الرعاية الصحية؟ هل من المُجدي أن أعمل في هذا الظرف؟ فانا أرتدي قناع الوجه دائمًا أثناء العمل، واشتريت أيضًا معقمًا مقابل 150 جنيهًا من الصيدلية، لكن كان علي تخفيفه بالماء وإلا فلن يكفينا جميعًا.

نوال: عندما يتعلق الأمر بنفسي لا توجد مشكلة، فأنا أحافظ على مسافة مناسبة من الآخرين. لكن المشكلة تكمن في أن معظم الزبائن يجلسون في مجموعات دون تباعد اجتماعي، ويلعبون ألعاب اللودو والورق التي تجعلهم يجلسون في دوائر ضيقة. إذا حاولت أن أنصحهم بأن لا يفعلوا ذلك يردون بـ "لا توجد كورونا". أما الأكواب والأواني فأغسلها بالماء والصابون بالطبع. لكن على الرغم من أنني أحاول توفير أكثر من كوب واحد لمياه الشرب، إلا أن الكثير منهم ما زالوا يستخدمون كوبًا  واحداً ويشاركونه بينهم.

نسرين: الثقافة السودانية تعيق إتباع الإحتياطات، حتى لو رغبت في ذلك يصبح الأمر صعبًا حقًا. يحب الناس أن يبادلوا السلام بالمصافحة والعناق، وإذا حاولت تجنب ذلك فإنهم يعتقدون أنك تتعالى عليهم. حتى يومنا هذا، لا يزال الناس يسافرون في جميع أنحاء البلاد للمناسبات وحفلات الزفاف. اضطررت لإخبار الناس بأنني سافرت لتجنب الذهاب إلى الجنازات لأن الذهاب إلى هناك أثناء اتباع الإجراءات الوقائية يمكن اعتباره سلوكًا فظًا وغير مراعي. أعتقد أن إحدى القضايا الرئيسية هي كيف ينظر الناس أيضًا إلى الإصابة بالفيروس على أنه أمر مخز لذلك يحاولون إخفاءه أو إنكاره.

ما الذي تعتقدن أنه يمكن فعله لمكافحة تفشي المرض؟ خاصة لبائعات الشاي و الطعام.

نسرين: أعتقد أن الإعلام فعل كل ماهو متطلب لنشر الوعي، وأصبح الجميع يعرف عن الفيروس وكيفية تجنبه، الأمر الآن بات في أيدي الناس أنفسهم. أهم شيء هو الحفاظ على نظافة كل شيء في جميع الأوقات، مع محاولة الحفاظ على التباعد الإجتماعي. أعتقد أنه يجب على جميع سيدات الشاي تنظيم المقاعد بطريقة تحافظ على مسافة آمنة بين زبائنها. وفي النهاية، لا يمكننا تجنب الموت ولكن يجب علينا على الأقل أن نفعل ما في وسعنا لمنعه. سيكون الأمر مروعًا أن تكون سببًا لعدوى شخص آخر. البلاد في مرحلة حرجة للغاية في الوقت الحالي، وما زلنا نتطور ونحاول إعادة بناء السودان والناس بحاجة إلى التعاون حتى نتمكن من إجتياز هذه الفترة بأمان.

تصوير: نهاد خاللد

حضرت عوضية محمود كوكو هذا الحدث، وهي مؤسسة الإتحاد التعاوني لبائعات الأطعمة و الشاي - وهي جمعية تعاونية نسائية متعددة الأغراض- وهي أيضًا حائزة على الجائزة الدولية للمرأة الشجاعة لعام 2016. كان لدى عوضية بضع كلمات لتقولها عن وضع فيروس كورونا:

"كثير من الناس في حاجة ماسة إلى حملات توعية مثل هذه الحملة، بينما يدرك آخرون تمامًا وجود الفيروس ولكنهم ما زالوا لا يعرفون كيف يتصرفون أو ماذا يفعلون حياله. يجب استهداف ضواحي الخرطوم على وجه التحديد مثل جبل أولياء، وأم درمان، والحاج يوسف وما إلى ذلك. إعتدنا الذهاب إلى هذه الأحياء بميكروفونات ومكبرات صوت لنشر الوعي حول فيروس الكورونا، وعادة ما كان الناس يتجمعون ويشاركون في مناقشات ومن ثم نزودهم بأقنعة للوجه ومطهرات.

أعتقد أن توزيع معدات الوقاية بحد ذاته لا يكفي حقًا، إذا لم يقتنع الناس بالغرض منهم، فيمكنهم ببساطة أخذها وإساءة استخدامها أو رميها. صحيح أنه لا يمكن لجميع الأشخاص شراء أقنعة الوجه ولكن إذا علمتهم كيفية صنع أقنعة الوجه الخاصة بهم، فلن يحتاجوا إلى ذلك. لا تستطيع بائعات الشاي و الطعام عادةً تحمل التوقف عن العمل، لذا فإن الطريقة الوحيدة لإحتواء الموقف بأمان هي تنظيم حملات وفعاليات للتوعية، حتى لو كانت الفعاليات لعدد قليل من الناس فسوف يأخذون ما تعلموه وينشرونه في كل مكان وبين معارفهم".

لقد أدركنا أن الدعم المتبادل هو مفتاح التغلب على هذه الأزمة الصحية. تُعد سيدات الشاي جزءًا كبيرًا من مجتمعنا ، فماذا سيحدث لو أخذ كل واحد منا زمام المبادرة الشخصية لمساعدة الأشخاص المحيطين أو مكان العمل، من خلال تزويدهم بأقنعة الوجه أو المطهرات أو ببساطة إثارة مناقشات عن الكورونا لحث العملاء لاتباع تدابير الحماية.


تصوير: نهاد خاللد


نُهاد خالد

Nohad is a Mathematics and Computer Science major with a passion for analyzing, writing, and making a change. Her ultimate goal is to utilize data and technology to find creative ways to address societal issues. She enjoys surfing the web, discovering new music, and discussing random topics.