تحذير وإخلاء المسؤولية: المحتوى الذي أنت على وشك قراءته يحتوي على تجارب مصورة وحساسة. ننصح القارئ بالتقدير وحرية الإختيار. اقرأ إشعارنا التحريري الكامل هنا.
فرت مريم نور من غرب دارفور بأطفالها الخمسة الصغار إلى مدينة أدري بتشاد في أبريل الماضي عقب هجوم مسلحون يرتدون زي الدعم السريع بمواتر وسيارات عسكرية على منزلها في مورني بغرب دارفور، حيث قتل المسلحون زوجها ضمن آخرين وأحرقوا منزلها أسوة بعشرات المنازل في منطقة مورني التي تبعد نحو 83 كيلو متر من الجنينة عاصمة غرب دارفور. وكان طريق الفرار إلى تشاد صعباً للغاية لمريم ليس بسبب وجود مسلحون في الطريق فحسب، بل أيضاً بسبب كونها كانت خارجة من عملية ولادة قبل يومين فقط من الهجوم وفرارها إلى تشاد.
بعد معاناة استطاعت مريم الوصول إلى مدينة أدري التشادية حيث بنت منزلاً من القش والخيم في المعسكر وأقامت فيه مع أبنائها. تتلقى مريم دعماً شهرياً من منظمة الغذاء العالمي عبارة عن ذرة وعدس وزيت، إلا أن الدعم بالكاد يكفي للأسبوع الأول من الشهر مما يجعلها خالية اليدين. حيث تقول إنها تضطر للعمل في صناعة الأطعمة والغسيل في المنازل بمدينة أدري لتلبية طلبات أطفالها، مشيرة أن الدعم لا يكفيها كما أنها المعيل الوحيدة لأطفالها الخمسة بعد مقتل زوجها في الحرب.
لاجئات سودانيات بمعسكر تولوم بتشاد. المصدر فاطمة فضل
ظروف إنسانية بالغة التعقيد ومكافحة للعيش
تعيش النساء السودانيات اللاجئات في معسكرات تشاد ظروف إنسانية بالغة التعقيد عقب فرارهن من القتال في ولاية غرب دارفور حيث تعاني المعسكرات من غياب الخدمات الأساسية . ووفقاً لمنظمة الأغذية العالمي , يعاني 40% من الأطفال السودانيين اللاجئين دون الخامسة من فقر الدم الحاد بسبب قلة استهلاك الغذاء. كما أن العديد من اللاجئين يعبرون الحدود وهم يعانون من الصدمات والجوع وينتشر مرض الكبد الوبائي في معسكر اللاجئين بشرق تشاد بصورة كبيرة بسبب قلة المياه الصالحة للشرب. حيث سجلت منظمة أطباء بلا حدود 954 حالة إصابة بالإلتهاب الوبائي بين اللاجئين في مارس 2024، و توفي اربع منهم في ثلاثة معسكرات للاجئين بشرق تشاد بواقع 469 فى أدري و 292 في بوتينغ و132 حالة في ميشي و 41 حالة في مخيمات اليشا. وحذّر فرانيو موندثير، المنسق الطبي لأطباء بلا حدود في أدري من انتشار واسع للأمراض بمعسكرات اللاجئين بشرق تشاد، حيث قال: "بدون اتخاذ إجراءات سريعة لتحسين البنية التحتية للصرف الصحي وتمكين الناس من الوصول إلى المياه الصالحة للشرب فإننا نشهد زيادة في الأمراض وخسائر غير ضرورية في الأرواح."
أقوياء في وجه ظروف قاهرة
رغم الظروف المعيشية الصعبة بالمعسكرات إلا أن العديد من اللاجئات السودانيات يكافحن لإعالة أسرهن وسرعان ما امتهنت العديد منهن الأعمال المختلفة رغم قلة دخلها . اسراء عمر خرجت من منطقة اردمتا، جوار قيادة الجيش بالجنينة بعد مقتل زوجها حيث وصلت إلى منطقة أدري التشادية بعد ثلاثة أيام. وتكافح اسراء، وهي أم لثلاثة أطفال، من أجل الحياة بالمعسكر، حيث تعمل في كمائن لصناعة الطوب لمدة 7 ساعات في اليوم لإعالة أسرتها، وتتقاضى نحو ٢ ألف جنيه سوداني في اليوم. وتقول إن العمل شاق جداً لكنها مضطرة للعمل لتربية أطفالها الخمسة. وتضيف إسراء: "علينا أن نكون أقوياء في وجه الظروف القاهرة ونكافح ولا نستسلم أبداً"، مشيرةً أن الأمل موجود بتحسين أوضاعهم في القريب العاجل.
جانب من معسكر أدري للاجئين بتشاد.
عازة أحمد، ايضاً فرت إلى تشاد بعد الهجمات العنيفة التي تعرضت لها الجنينة واستقرت في معسكر أدري بشرق تشاد مع خمسة من أبنائها والذي يبلغ أكبرهم 12 عاماً. قُتل زوجها في أحداث الجنينة وباتت هي العائل الوحيد للأسرة وتقول إنها تعتمد على شقيقاتها بالمعسكر بالإضافة إلى حصة الإغاثة التي يتم توزيعها لهن، وأشارت أنها تبحث عن عمل ايضاً لتتمكن من الإستقلال مادياً. وأعربت عن أملها في إستقرار الأوضاع في السودان لتتمكن من العودة مرة أخرى إلى منزلها في الجنينة، التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع بعد معارك ضارية مع الجيش. وتبدو المدينة غير مزدحمة بالسكان كما كانت قبل الحرب، كما دمرت العديد من المنازل، فضلاً أن البنوك والمؤسسات الحكومية متوقفة بالكامل في الوقت الذي تنتشر قوات الدعم ومسلحون موالون لهم في أغلب أرجاء المدينة.
%90 من اللاجئين الذين فروا إلى تشاد من النساء والأطفال
قتل ما بين 10 آلاف و15 ألف شخص في ولاية غرب دارفور أغلبهم بواسطة قوات الدعم السريع والمليشيات العربية المتحالفة وفقاً لتقارير الأمم المتحدة وذلك منذ إندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل 2023. ووفقاً للمفوضية السامية للاجئين، وصل أكثر من 719،123 لاجئ سوداني إلى تشاد وأن 90% منهم من النساء والأطفال. وتحتضن تشاد نحو مليون ومائة ألف من اللاجئين من دول مختلفة منهم السودانيون الذين وصلوا قبل الحرب الحالية. ويتوزع اللاجئون السوانيون الفارون موخراً إلى تشاد في عدة معسكرات جديدة، كما استقر آخرون في معسكرات قديمة تم توسعتها.
جانب من معسكر ادري اللاجئين بتشاد
الرعاية الصحية وعدم الشعور بالأمن في المعسكرات المتاخمة للحدود السودانية
وتقول إلهام، وهي عاملة سابقة بمنظمات الإغاثة ولاجئة الآن بمعسكر أدري بتشاد، "الوضع العام صعب جداً بالنسبة للكثير من النساء في المعسكرات"، مشيرة أن هناك عدد من الحالات المزمنة التي تتطلب رعاية صحية وهي تمثل مشكلة كبيرة للنساء في المعسكرات. إلهام، أيضاً ذكرت أن حصة الدعم المكونة من الذرة والزيت غير كافية مشيرة أن بعض اللاجئين يبيعون حصصهم في السوق مقابل شراء إحتياجاتهم الأخرى. كما نوهت أن الأمن يمثل مشكلة كبيرة وخاصة في المعسكرات المتاخمة لغرب دارفور، مشيرة أن مسلحين يتسللون من هناك لتهديد حياة اللاجئين وأن مجموعة من النساء تعرضن لحالات اغتصابات بالمعسكرات بواسطة مسلحين تسللوا من غرب دارفور.
وفي وقت سابق أعلنت المفوضية عن نقل نحو 260,000 لاجئ سوداني إلى معسكرات قديمة تم توسعتها وذلك لأسباب أمنية. كما أن نحو 160,000 لاجئ آخرين ينتظرون إعادة توطينهم إلى مواقع جديدة أكثر أمناً. ويتوزع اللاجئون السودانيون الجدد في تشاد في عدة معسكرات على رأسها أدري، تنقي، زايو، مجيء، علاشة، أركوم، ملح، فرشي، قابا وحجر جديد.
فتيات سودانيات في جلسة نقاش بمعسكر تولوم بشرق تشاد - تصوير فاطمة فضل
عدم وجود فرص عمل للاجئين بالمعسكر
ويمثل عدم وجود فرص كافية للعمل مشكلة كبيرة بالنسبة لللاجئات حيث تعمل بعضهن (وخاصة الأرامل اللاتي يعٌلن أطفالهن) في مهن مختلفة منها بيع الخضار، غسيل الملابس، الزراعة، والعمل في كمائن الطوب. وتقول إلهام أن المرأة السودانية اللاجئة بسبب الحرب الحالية ضربت مثلاً للكفاح، مشيرة إلى أنهن لا يستسلمن أبداً في وسط هذه الظروف البالغة التعقيد بالرغم من كونهن أكثر المتضررات من هذه الحرب. وأضافت "ما قدمته المرأة السودانية في معسكرات اللجوء والنزوح هو عمل عظيم ويكشف قدرتهن على الصمود". وتطالب إلهام المنظمات بضرورة العمل على مشاريع لتمكين النساء في معسكرات اللجوء وخاصة في مجالات الزراعة والصناعات اليدوية والأعمال الصغيرة، مشيرة إلى أن هناك لاجئات حاصلات على درجات تعليمية عليا ومؤهلات لشغل وظائف.
وتقول جهاد، وهي شابة لاجئة بالمعسكر أن أغلبية النساء اللاجئات من الأرامل برفقة أطفالهن وبسبب عدم كفاية المساعدات المقدمة لهن امتهنت العديد منهن الأعمال الصغيرة المتاحة، كما أن بعضهن خاطرن واضطررن للعودة للجنينة من أجل العمل، في حين أن أخريات عدن وخلعن نوافذ وأبواب منازلهن التي سلمت من النهب وقمن ببيعها نسبة للظروف بالمعسكرات. وأشارت إلى ضرورة وجود مصدر دخل وتمكين النساء في معسكرات اللجوء إقتصادياً. وأضافت ان المرأة اللاجئة قوية جداً قادرة على تجاوز هذه المرحلة لكنها تحتاج إلى الدعم الكافي.
مبادرة للدعم النفسي والمعنوي للنساء والفتيات
مبادرة الدعم النفسي والمعنوي في معسكر تولوم: تصوير: فاطمة جسار
وتحاول مجموعة من النساء بمعسكر تولوم الخروج من صدمة الحرب عبر الإستعانة ببرامج ترفيهية وإدارة جلسات نقاش ولقاءات بالمعسكر تديرها مبادرات، منها مبادرة جندريات للسلام واللاعنف. وتقول فاطمة جسار الناطقة الرسمية بالمعسكر: "إن الهدف من المبادرة هو الدعم النفسي والمعنوي للنساء والفتيات بالمعسكر عبر مرشدين متخصصين وغير متخصصين بالإضافة الى برامج ترفيهية لتفريغ الطاقة السلبية والصدمة التي تمر بها النساء نتيجة للحرب". وتجتمع أسبوعياً مجموعة النساء بالمعسكر في جلسة قهوة للتفاكر حول أوضاع المعسكر في إطار المبادرة التي تحمل شعار" أبقى زولاً ليه قيمة." ويضم معسكر تولوم آلاف اللاجئين/ات منهم فارين من حرب دارفور في 2003، فضلاً عن اللاجئين/ات الجدد الذين فروا من القتال الجاري الآن بين الجيش والدعم السريع. وكان التأقلم مع البيئة في المعسكر صعباً للكثير من النساء بحسب الناطقة باسم معسكر تولوم فاطمة جسار، وأشارت إلى أن مهمة إيجاد فرص عمل صعبة جداً، خاصة بالنسبة للاجئين الجدد. ومع ذلك، فإن النساء في المخيم يكافحن لدعم أسرهن من خلال وظائف صغيرة مثل جمع الحطب، وتربية الماشية، والعمل في البناء وكذلك التجارة. كما يقضي بعض حاملي الشهادات يومهم في المخيم في مطاردة إعلانات التوظيف للمنظمات الإنسانية والتقدم للوظائف النادرة التي تعلن عنها بعض المنظمات.
وبينما تمثل النساء والأطفال الغالبية العظمى من السودانيين الذين فروا إلى تشاد مؤخراً بسبب الحرب في السودان، فإن إيجاد فرص العمل والدخل يمثل تحدياً كبيراً بالنسبة لهم، ويعتقد البعض أن تمكينهم من خلال التدريب وخلق فرص العمل يمثل شريان الحياة للعديد من السودانيين الذين أظهروا مرونة على الرغم من الحالة العامة السيئة.