هذا المقال متوفر أيضاُ باللغة English

في الآونة الأخيرة، بدأت أشعر بالملل أثناء القيام بمهامي المنزلية اليومية، أو أجد نفسي عالقة في دوامة من التفكير المفرط الذي يستنزف ذهني ونفسي. وفي أحد الأيام، بعد أن شعرت بالإرهاق، لجأت إلى هاتفي للاستماع إلى بعض الأغاني على يوتيوب، لكن بدلًا من ذلك، صادفت بودكاست أثار الكثير من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي. بدافع الفضول، قررت معرفة ما وراء كل هذه الضجة. ومنذ تلك اللحظة، تحول الاستماع إلى البودكاست إلى روتيني اليومي، رفيقي خلال ساعات الأعمال المنزلية الطويلة أو لحظات الملل.

المصدر: SoundCloud


شهدت ثقافة البودكاست وصناعة المحتوى تطوراً ملحوظاً على مستوى العالم في السنوات الأخيرة، وأصبحت وسيلة رائجة للتعبير عن الآراء، ومشاركة المعرفة، وتقديم الترفيه. وفقاً لدراسة أجرتها شركة Sirius XM، المتخصصة في صناعة البودكاست، لعام 2024، فإن البودكاست المرئي يلعب دوراً  كبيراً في توسيع قاعدة الجمهور، حيث يجذب 13 مليون مستمع شهرياً عبر الصوت والفيديو.

 

لاحظت أن الكثير من الإعلاميين وصناع المحتوى السودانيين توجهوا إلى صناعة البودكاست بعد اندلاع الحرب، واستخدموه كوسيلة للتواصل مع جمهورهم، سواء للتعبير عن آرائهم الشخصية، مشاركة قصص الآخرين، أو لإضفاء البسمة وإيصال الأمل في ظل الظروف الصعبة.

 

من هنا، خطرت لي فكرة إعداد قائمة بأفضل البودكاستات السودانية التي يجب متابعتها من وجهة نظري الشخصية:


 

1- ونسة مع أوسا: تقدمه يسرا يوسف (المعروفة بـ أوسا) وهي صانعة محتوى اشتهرت في التيك توك قبل ظهورها في اليوتوب، وتقيم حالياً في الامارات العربية المتحدة.


يسرا يوسف (أوسا) مع تميمة الحظ الخاصة بالبودكاست (كتكوت) المصدر: صفحة أوسا على الفيسبوك


كان الموسم الأول للبودكاست محط جدل واسع، حيث نال إشادة لتقدمه في مجال صناعة المحتوى الشبابي. تميز البودكاست باحترافية عالية من حيث الموقع، الديكور، جودة التصوير، واستخدام أحدث الأجهزة التقنية، إلى جانب استضافة شباب سودانيين ناجحين من مختلف المجالات، وأحياناً شباب من جنسيات عربية. ومع ذلك، لم يسلم من النقد، خاصة بسبب استضافته لشخصيات مثيرة للجدل بتصريحاتها، التي أشعلت النقاشات على مواقع التواصل الاجتماعي، وربما هذا ماساهم في زيادة شهرة البودكاست.

 

ما يميز هذا البودكاست هو عفوية أوسا واستخدامها للهجة السودانية العامية والمصطلحات الشبابية، مما يسهل التواصل مع الجمهور وجعل المحتوى أكثر قرباً وواقعية. يتميز الحوار فيه بطابع غير رسمي، مشابه للونسة العادية بين شخصين، مما يخلق أجواء من الأريحية في الكلام والردود.

حقق الموسم الأول من البودكاست نجاحاً ملحوظاً، مما دفع أوسا لمواصلة العمل في الموسم الثاني. لمزيد من التفاصيل حول البودكاست، يمكنك متابعة الأخبار والتحديثات عبر منصاته الرسمية.


أحد حلقات البودكاست مع "قرجة" مسؤول التسويق في افروليذر لصناعة المركوب السوداني. المصدر: صفحة أوسا على الانستقرام


2- هبة كاست: تقدمه الإعلامية المعروفة هبة المهندس، يتميز باستضافة شخصيات بارزة من السودان والعالم العربي في مجالات مختلفة. يُعرف هذا البودكاست بالانتقائية في اختيار الضيوف وموضوعات الحلقات، وهو ما يعكس خبرة هبة المهندس الطويلة في الإعلام. تتفوق في طرح الأسئلة بشكل مدروس، مع إدارة حوار سلس يسمح للضيوف بالتعبير عن أفكارهم وآرائهم بحرية وعمق.

 

شعار البودكاست المصدر: قناة هبة كاست على اليوتيوب


تتنوع مواضيع البودكاست بين عدة مجالات مثل الفن، ريادة الأعمال، التسويق، وصناعة المحتوى، إضافة إلى قضايا المرأة والمجتمع.


بودكاست "هبة كاست" يجذب جمهوراً أساسياً من الفئة العمرية التي تتراوح بين منتصف الثلاثينيات وما فوق. هذا يرجع بشكل أساسي إلى أسلوب هبة المهندس الهادئ والناضج في تقديم الحلقات ومناقشة المواضيع. هذه المواضيع سودانية المحتوى، تجعله يبدو مألوفاً وقريباً من الذوق السوداني العام، خاصة بسبب مشاركة ضيوف معروفين في كل بيت سوداني. كما أن التعليقات من الجمهور غالباً ما تتضمن طلبات لاستضافة شخصيات من نفس الفئة العمرية.


ترتدي الإعلامية هبة المهندس الثوب السوداني التقليدي في معظم حلقاتها، مما يضفي على مظهرها جاذبية ورصانة ويعزز من أصالة المحتوى الذي تقدمه. يُلاحظ تقدير الجمهور لهذا الظهور المميز الذي يعكس التراث السوداني بوضوح.

إحدى حلقات البودكاست مرتدية التوب أثناء استضافتها للممثل الكوميدي محمد تِرْوِيس. المصدر: صفحة هبة كاست على الفيسبوك


قد يكون النقد الوحيد على هذا البودكاست هو أن هبة، كمقدمة، تميل أحياناً إلى التحدث أكثر من ضيوفها، مما يقلل من المساحة المتاحة لهم للتعبير عن أفكارهم ومشاركة تجاربهم بشكل موسع.


3- بودكاست "كيف؟" مع آية الباز: محتوى مخصص للنساء والفتيات، يهدف إلى تقديم الدعم والإلهام عبر موضوعات هادفة. يحمل اسم البودكاست "كيف؟" إشارة إلى الأسئلة الملهمة التي تتم مناقشتها مثل: كيف تصبحين سيدة أعمال ناجحة؟ كيف توازن الأمهات بين حياتهن المهنية والأمومة؟ كيف تبحثين عن حياة أفضل لأبنائك؟ كيف تحولين مهارة إلى مشروع ناجح؟ وكيف تواصلين دراستك خارج السودان؟ حيث يتميز البودكاست بجودة محتواه واهتمامه بتقديم نصائح عملية تساعد النساء في تطوير حياتهن الشخصية والمهنية.

أحد حلقات البودكاست مع رائدة الاعمال نوار كمال مالكة براند NK Jewlery. المصدر: قناة آية الباز على اليوتيوب


قامت آية بإجراء مقابلات مع العديد من رائدات الأعمال الشابات اللاتي يشاركن رحلاتهن في اكتشاف الذات والإجابة على الأسئلة الرئيسية للبودكاست. في هذه الحلقات، تحدثن عن الطموح، النجاح، الإصرار، والعزيمة، وعبَرن عن الجوانب الإيجابية التي تظهر عندما تصر النساء على التقدم. الحلقات تبرز قوة ووعي الشابات السودانيات، وتسعى لتقديم صورة جميلة وملهمة بعيداً عن الإسفاف أو السعي وراء الترندات.


آية محاورة سلسة وتتيح للضيف مساحة كافية ومريحة للإجابة والتفاعل مع أسئلتها، مما يخلق جواً من الحوار العفوي والهادف. منذ إطلاق البودكاست قبل عدة أشهر، حقق انتشاراً واسعاً بين الشابات السودانيات، حيث تفيض التعليقات بالإشادات والثناء على المحتوى الهادف الذي يقدمه. هذا التفاعل الإيجابي يعكس مدى تأثير البودكاست واهتمام الفئة المستهدفة بالمواضيع التي تطرحها آية.


أحد الانتقادات المتكررة التي وُجهت لهذا البودكاست هو الاستخدام المتزايد للمصطلحات الإنجليزية في الحوار من قِبَل المتحدثين وآية نفسها. أدى هذا الأسلوب إلى إرباك بعض المستمعين الذين وجدوا صعوبة في فهم بعض الجمل، مما دفع الكثيرين للمطالبة بإضافة ترجمة إلى الحلقات لتسهيل الفهم وضمان وصول المحتوى للجميع.

 

4-   حوار "بالمحبة": هو بودكاست يقدم على قناة تلفزيون (Televzyon), منصة سودانية تنتج و تنشر محتوى إبداعي و ترفيهي مرئي باليوتيوب. يتسم الحوار بعمق إنساني، حيث يركز على إقامة حوار حقيقي وصادق مع شخصين قريبين لبعضهم، سواء كانوا أفراد العائلة أو الأصدقاء أو الأحباء أو الأزواج.


يهدف البودكاست إلى اكتشاف المشاعر الإنسانية الكامنة، وتعليم المستمعين كيفية الإصغاء للطرف الآخر، ومصارحته بما نشعر به، وهو شئ مفقود في زمننا هذا بسبب الانشغال الرقمي للجميع. يتميز البرنامج بأجوائه العاطفية، التي قد تثير الضحك أو البكاء، بناءً على صدق اللحظة والتجارب المشتركة بين المشاركين.

بوستر حوار "بالمحبة" يوضح حواراً بين أب وابنته وأيضاً أختين. المصدر: صفحة Televizyon على الفيسبوك


البودكاست قصير لمدة 15 دقيقة أو يزيد قليلاً، ولكن لن تمل بسبب المشاعر المتدفقة مابين المشاركين اذا ما كانوا ازواج، أو أب وابنته الصغيرة، أو أم وابنتها المراهقة، أو صديقتين أو صديقين. حيث يساهم هذا التفاعل العاطفي في كسر حواجز الشفافية التي نادراً ما نجدها في المجتمع السوداني، ويتناول الموضوعات بطريقة سلسة وواعية، مما يجعله تجربة فريدة تثير التفكير والمشاعر في آن واحد.


يمكن أن يساعد البودكاست في محاولة المشاهد لكسر حاجز عدم الفة التعبير عن المشاعر ومحاولة التقرب من الاشخاص المقربين بطرح أسئلة مشابهة للتي في الحلقات باختلاف نوع  الرابطة.


انتقادي الوحيد لهذا البودكاست هو عدم تقديم تعريف بالشخصيات وخلفياتهم قبل بدء الحوار، حيث يبدأ النقاش مباشرة دون توفير معلومات عن المشاركين. وهذا قد يؤثر على تفاعل بعض المستمعين مع المحتوى.

 

5 - بودكاست K&M Talk: يتميز بتركيزه على ريادة الأعمال وكيفية تأثيرها على تطوير العلاقات الفعّالة. يقدمه الثنائي خالد علي، مستشار الأعمال، ومهلب حمدان، المتخصص في التسويق وتطوير الأعمال. يستعرض الثنائي في حلقاتهما قصصاً وأفكاراً مبسطة حول نمو الأعمال وتطوير الذات، مع تسليط الضوء على أهمية بناء شبكة من العلاقات.


الثنائي خالد علي ومهلب حمدان مقدمي البودكاست المصدر: قناة بودكاست K&M Talk على اليوتيوب

 

المحتوى موجه بشكل خاص لأصحاب المشاريع الناشئة والمبادرين، حيث يتناول استراتيجيات فعالة يمكن أن تساعدهم في النجاح في مجالاتهم. إذا كنت تبحث عن نصائح عملية وآراء متخصصة في هذا المجال، فقد يكون هذا البودكاست خياراً جيداً.  

وصف بعض المستمعين بودكاست K&M Talk بأنه "كورس مجاني بطريقة ممتعة" في مجال الأعمال، حيث يوفر محتوى قيّم يساعدهم على استغلال وقتهم ومواردهم المالية بفعالية.


يبدو أن الجمهور يعبر عن إعجابه بالتحدث في مواضيع عميقة باللهجة السودانية حيث يجعلها ممتعة وسهلة الفهم وأكثر تفاعلاً وأقل رسمية. يتميز المقدمون في هذه البودكاستات بقدرتهم على تدفق الأفكار بسلاسة، مما يساعد المستمعين على الاستغراق في الموضوعات المطروحة.

 

6- بودكاست "شاي لبن" مع مصطفى النعيم: هو واحد من البودكاستات الأكثر شهرة في السودان، حيث بدأ في رمضان 2021 على قناة سودانية 24. يركز البودكاست على استضافة شخصيات بارزة ومؤثرة في الساحة السودانية، بما في ذلك مشاهير وملهمين، حيث يتناول الحديث معهم جوانب من حياتهم، إنجازاتهم، والتجارب الشخصية التي مروا بها.


مصطفى النعيم وشعار البودكاست المميز. المصدر: صفحة شاي لبن في الفيس بوك


حقق البودكاست نجاحاً كبيراً حيث وصل إلى سبعة مواسم حتى الآن. اسم البودكاست مستوحى من شرب الشاي باللبن، الذي يعتبر من الثوابت في جميع البيوت السودانية، حيث يتم تناوله بعد صلاة المغرب ويرتبط بجلسات المؤانسة والتواصل العفوي والنقاشات المثمرة، مما يجعله طقساً مثالياً لمشاركة الحكايات والقصص والضحكات.


يمتاز بودكاست "شاي لبن" باستضافة مجموعة متنوعة من الشخصيات من مختلف أطياف المجتمع، مما يجعله منصة شاملة تشمل جميع الأعمار والفئات. يقدم مصطفى النعيم، المحاور المتمكن، حواراً سلساً وشيقاً يتيح له التعامل مع جميع الفئات بفعالية. إنه يفهم طبيعة الشباب وعفويتهم، ويعرف كيف يتحاور مع النساء من خلال تناول المواضيع المهمة بالنسبة لهن. كما أنه يستعين بخبرة كبار السن، فيستفيد منها لتوجيه الحوار مع تسليط الضوء على تاريخهم ومكانتهم في المجتمع.


هذه القدرة على التواصل مع مختلف الفئات تجعل من كل حلقة تجربة فريدة تمزج بين الجدية والمرح، وتمنح الجمهور فرصة للاستفادة من قصص وتجارب متنوعة.


 7- بودكاست جبنة تايم: هو منصة مخصصة لدعم الأمهات السودانيات العاملات، لمساعدتهن على تجاوز التحديات اليومية التي تواجههن سواء في العمل أو المنزل. تقدمه د. سلمى الفكي، التي تقوم بإجراء مقابلات مع شخصيات سودانية ملهمة من مجتمعات المغتربين، حيث يشاركون تجاربهم الشخصية وأسرار نجاحهم. يتمحور البودكاست حول تقديم نصائح قيمة وإلهام الأمهات من خلال مناقشة الصعوبات والعقبات التي واجهنها وكيف تغلبن عليها.


دكتورة سلمى الفكي بدورها طبيبة تعيش في بلاد الغربة تطلعنا على تحديات السودانيات هناك. المصدر: صفحة دكتورة سلمى الفكي على الفيس بوك


يتميز البودكاست بأسلوب حوار ممتع ولطيف يجمع بين اللغة السودانية الدارجة والإنجليزية وأيضاً الحياة المهنية والشخصية، مما يضفي مرونة وسهولة في التواصل مع مختلف المستمعات.


تستضيف الدكتورة سلمى الفكي سيدات طموحات وقويات تمكنّ من التغلب على الصعوبات والتكيف مع بيئات جديدة خارج بلدهن، حيث يشاركن تجاربهن الملهمة المتعلقة بالتوازن بين العمل والحياة.


تشكل حلقات بودكاست "جبنة تايم" من خلال مشاركة قصص النجاح والتغلب على التحديات، دعماً نفسياً واجتماعياً للنساء اللواتي يواجهن صعوبات مشابهة في بيئات جديدة. تقدم الحلقات إلهاماً وحلولاً عملية للتعامل مع التحديات المتعلقة بالتوازن بين الحياة المهنية والأسرية.

 

خاتمة

هذه القائمة هي غيض من فيض من إبداعات البودكاستات السودانية التي تظهر بشكل ملحوظ على منصة يوتيوب. تمثل هذه البودكاستات وسيلة تعبير للسودانيين لمواجهة حالة الحنين التي يشعرون بها للسودان بعد الحرب، حيث يعكس العديد منها قصص النزوح والخسائر والفقدان التي عانى منها الناس.


البعض منها يركز على المرونة والصمود، مما يعطي الأمل لأولئك الذين يكافحون للتأقلم مع واقعهم الجديد. تتناول هذه البودكاستات موضوعات تمكين المجتمع عبر مشاركة المعلومات والمناقشات الهادفة التي تعالج قضايا حياتية تمس السودانيين بشكل مباشر، سواء كانوا داخل السودان أو في الخارج. هذه المنصات تعزز الشعور بالاتصال والتضامن بين أفراد المجتمع السوداني، وتساهم في بناء روح الأمل والتحفيز للاستمرار.


ولاء عبدالعاطي محمد نور

ولاء عبد العاطي، مترجمة ماهرة، ومحررة مساعدة، ومنشئة محتوى، ولديها التزام قوي بربط الثقافات من خلال اللغة والإعلام. تشتهر ولاء بتفانيها في الدقة والإبداع، حيث تعمل على إضفاء الحيوية على القصص والأفكار، مما يجعل المحتوى متاحًا لجمهور متنوع. ساهمت في العديد من المشاريع التحريرية، حيث أظهرت موهبتها في إنشاء المحتوى وخبرتها اللغوية.