هذا المقال متوفر أيضاُ باللغة English


المصدر: قناة DW


السبت 15 من إبريل/نيسان شهد بداية الإشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في المدينة الرياضية بالعاصمة الخرطوم، لتمتد بعدها رقعة المعارك لتشمل مدينتي الخرطوم بحري وأم درمان، وفي وقت لاحق إلى إقليم دارفور و أيضاً كردفان.


تصف "نظرية الفوضى" صفات النقطة التي ينتقل عندها الإستقرار إلى عدم الإستقرار أو ينتقل النظام إلى الفوضى. هذا الوصف يصف تمامًا الوضع في العاصمة الخرطوم التي تشهد فوضى وأوضاعًا كارثية بإلإضافة لعدم الإستقرار في الأوضاع الأمنية والإنسانية. تعرض خلالها المدنيون لجرائم إعتداء وقتل، وعمليات سلب ونهب ممنهجة للمنازل والممتلكات، بإلإضافة لنقص الغذاء والماء وإنقطاع للتيار الكهربائي وإنهيار الخدمات الصحية. بجانب إقليم دارفور الذي تُرتكب فيه أعمال عنف وحملات تهجير جماعي وإنتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. مع مرور سبعة أشهر منذ بدء النزاع بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم وإقليم دارفور وبعض الولايات، يتم تشريد المزيد من الأشخاص وتتزايد الإحتياجات الإنسانية يوميًا.


نزح ما يقرب من 4.8 مليون شخص وفقاً لمصفوفة تتبع النزوح التابعة للمنظمة الدولية للهجرة، نزح الفارون من الحرب إلى مناطق متفرقة في الخرطوم و جميع الولايات الثماني عشرة. و يقدر عدد النازحين داخل ولاية الخرطوم 62782 أي 1.28%  من إجمالي نازحي الولاية ككل، و قد لجأوا إلى محليات بحري وجبل أولياء وكرري والخرطوم وشرق النيل وأمبده وأمدرمان. أما 68% من كل النازحين في جميع أنحاء البلاد بسبب النزاع هم من ولاية الخرطوم. 


إحصائيات النازحين داخلياً في السودان. المصدر: المنظمة الدولية للهجرة

الخرطوم /وسط بحري


جغرافياً تقع مدينة الخرطوم بحري أو كما يحب سكانها الاصليين تسميتها "بحري"، شمال العاصمة الخرطوم ونظراً لقرب المسافة جغرافيا بين وسط بحري ومواقع الإشتباكات، فقد شهدت الأيام الأولى للإشتباكات مقتل شاب من حي المزاد إثر سقوط قذيفه على شارع المزاد، هذا بالإضافة إلى سقوط جرحى وأضرار متعلقة بالمنازل في مناطق متفرقة من وسط بحري .


اليوم التالي من الإشتباكات شهد توقف محطة مياه بحري بالكامل عن العمل بسبب الدمار الكبير الذي لحق بها، مما دفع الأهالي للخروج من منازلهم بحثاً عن مصادر لجلب المياه حيث اتجهوا إلى مياه الآبار ومستشفى أحمد قاسم بحي المزاد أو الذهاب الي نهر النيل (البحر).


قام فريق فني مشترك من الصليب الأحمر ومهندسي محطة مياه بحري وشركة الكهرباء السودانية بزيارة إلى المحطة لتقييم الأضرار التي لحقت بالمحطة.

المصدر: Sovwac.net


تواصلت الأحداث بمظاهر السلب والنهب حيث بدأت بسوق بحري وسعد قشرة مروراً بمحلات الأجهزة الإلكترونية في شارع المعونة (المؤسسة) والسوق المركزي بحي شمبات، بالإضافة الى بعض البنوك والمحلات التجارية، وحتى المصانع المتواجدة في المنطقة الصناعية بحري لم تسلم من عمليات النهب والتخريب.


خرجت المرافق الصحية عن الخدمة منذ الأيام الأولى من إندلاع الاشتباكات بما فيها مستشفيات بحري وحاج الصافي، لتصبح بذلك المستشفى الدولي بحي الشعبية هي الوحيدة التي كانت تستقبل المصابين بالرغم من نقص الكوادر الطبية والمعينات الطبية لإسعاف المصابين.


السبت 22 من أبريل/نيسان شهد إشتباكات أرضية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في شارع الشهيد مطر وشارع المزاد وحتي تقاطع شارع المعونة، أدت الى أضرار في بعض المنازل وأحد المحولات الكهربائية مما أدى لإنقطاع التيار الكهربائي عن أحياء مدينة بحري وسط بإستثناء بعض الأحياء. الكثير من أهالي تلك المناطق فقدوا القدرة على الصمود وذلك مع تزايد حدة الإشتباكات وسوء الأوضاع، بما في ذلك إنقطاع شبكات الإتصالات ونقص المواد الغذائية وإنعدام الأدوية والرعاية الصحية مما أدى لحدوث موجة هلع دفعت أهالي وسط بحري بالنزوح شمالًا إلى مناطق أكثر أمناً وإستقراراً.


الخرطوم/شمال بحري

يمكن وصف شمال مدينة بحري بأنها كانت تعيش في كوكب آخر أو بصفة اخرى "منفصلة عن الواقع" لما كانت تشهده من هدوء وحياة بصورة طبيعية، حيث كانت بعيدة وفي منأى عن الإشتباكات في الأسابيع الأولى، وكانت أكثر استقرارًا وملاذًا آمنًا لكل الفارين من وسط بحري. لم ينقضي شهراً على بدء الإشتباكات إلا وبدأت رقعة التمدد لقوات الدعم السريع إلى تلك المناطق وتحولت من وسط مدينة بحري لتشمل أيضا شمالًا وصولًا الى مصفاة الجيلي.


تحول المشهد بصورة درامية في شمال بحري، مع تمدد قوات الدعم السريع الى تلك المناطق، لتبدأ معها سلسلة الإشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في شمال بحري .


الأربعاء 24 من مايو/ايار شهد منذ ساعات الصباح الأولى تبادل ضرب مدفعي كثيف بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إثر دخول قوات من الدعم السريع الى منطقة السروجية شمال الكدرو لضرب قاعدة وادي سيدنا الجوية. مناطق كبري الحلفايا والكدرو والسروجية والخوجلاب ومناطق مجاورة شهدت مواجهات أرضية عنيفة بإلإضافة الى الغارات الجوية ودوي الإنفجارات المتواصل، مما أدى الى سقوط قتلى وجرحى وأضرار في المزارع والمنازل. هذا بالإضافة لبدء سوء الأوضاع دفع الآلاف للفرار بإتجاه الشمال إلى واوسي وعطبرة وشندي ومناطق اخرى . 


مابين الوسط والشمال    

 شهدت مناطق الوسط إنقطاع التيار الكهربائي وإنعدام المياه وسوء الأوضاع المعيشية وشبكات الإتصالات وإنعدام الرعاية الصحية ومظاهر نهب وسلب للمنازل والأسواق، بإلاضافة الى إقتحام بعض المنازل من قبل قوات الدعم السريع.


بينما شهدت مناطق الشمال إشتباكات أرضية عنيفة وغارات جوية وسقوط بعض القذائف على المنازل خلفت بعض الضحايا والجرحى، هذا بجانب توقف الأسواق والمحلات التجارية وإنقطاع شبكات الإتصالات.

 

معاناة العالقين...وكارثة إنتشار الجثث في الشوارع

المواطنين العالقين في العاصمة الخرطوم جراء تواصل المعارك يعانون من إنعدام الخدمات وسوء الأوضاع المعيشية، إلى جانب التعديات المستمرة من قبل قوات الدعم السريع على المواطنين، وصعوبة الخروج من المنازل بسبب إستمرار الإشتباكات، حيث إضطرت العديد من الأُسر الى دفن موتاها في المنازل لصعوبة الوصول إلى المقابر. هذا ناهيك عن إنتشار مئات الجثث في شارع الشهيد مطر والسوق المركزي بحي شمبات وشوارع العاصمة الخرطوم بصورة عامة، الأمر الذى حذرت منه منظمات محلية ودولية يمكن أن يكون سبباً رئيسياً في إنتشار الأوبئة والأمراض، مما يشكل تهديداً على السكان مع تزايد عدد القتلى بصورة مستمرة.


الطيب حاج أحمد

الطيب حاج أحمد الطيب هو باحث ومحلل بيانات مقيم في السودان وله اهتمام بمواضيع تنموية مختلفة. قبل اندلاع الحرب في السودان كان يسعى لنيل درجة الماجستير في الرياضيات من جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا.