ما هو معيار العظمة في الموسيقى الأفريقية؟ ومن جعلها كذلك؟ هذه الأسئلة تتبادر إلى ذهني عندما أقوم بتحديد سياق الموسيقى الأفريقية الحالي، من الأسلوب إلى المحتوى وطريقة توصيلها.
منذ التسعينيات وما بعدها، كانت الموسيقى الأفريقية (المعاصرة والتقليدية) أفريقية نقية، من حيث الأسلوب والتعبير، أنواع مثل أسيكو و ماكوسا من الكاميرون، وبينقا من كينيا، و بونقو فلافا من تنزانيا، و كويتو من جنوب أفريقيا، و رومبا و ندومبولو و سوكوس من الكونغو وما إلى ذلك، حتى الأنواع المختلطة مثل زوك وهو مزيج أفريقي كاريبي من طراز كاليبسو و الريقي وأسلوب الجيتار الأفريقي، بالإضافة إلى الأنواع الغربية مثل الريزم و البلوز وموسيقي البوب أو الهيب هوب، كلها احتفظت بعنصر من التقاليد الأفريقية.
في الوقت الحالي، لست متأكدًا أنها كذلك. يرغب معظم الموسيقيين الأفارقة في الإنتقال إلى أمريكا أو أوروبا أو إلى بلد أفريقي لديه إرتباط مباشر بوسائل الإعلام السائدة. الكل يريد نسخ سيناريوهات أو قيادة السيارات التي شاهدوها في الفيديوهات الموسيقية، الكل يريد أن يقول شيئًا سمعه في أغنية لأمريكي أو أُنتج في أمريكا. حتى في اختيار الأسماء المسرحية التي هي أول لمحة للإبداع في الفنان، يرغب الكثير من الموسيقيين الأفارقة في الحصول على اسم يبدو وكأنه موسيقي آخر في الولايات المتحدة "ويز ، آيس ، دون ، ......". ربما يكون قد نجح مع البعض، مما يعني أن التفاعلات بين الثقافات جيدة، ولكن هناك القليل من الأسئلة التي تثار هنا؛ هل من المقبول التواصل مع الثقافات الأخرى والإنفصال عن ثقافتك من أجل المكانة أو الشهرة؟ هل يجوز لشخص آخر أن يحدد وزن العظمة التي تحملها ثقافتك أو هويتك؟
هل نسينا أيكون؟
أنظر إلى بعض الموسيقيين الأفارقة الذين حققوا أعظم النجاحات في صناعة الموسيقى لكن إنجازاتهم مرتبطة بالغرب بطريقة أو بأخرى. ألياون دامالا ايكون ثيام أو المعروف باسمه المسرحي"إيكون"، هو أحد هؤلاء الفنانين. وقد صعد إلى الشهرة في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بعد إصدار أغنيته الناجحة " "Locked up التي تضم مغني الراب ستايلز بي من ألبومه الأول Trouble. السنغالي الأمريكي هو مغني قطب في فئة الأر اند بي، ومنتج تسجيلات ورائد أعمال، ومن بعض أغانيه Belly Dancer و Lonely و Ghetto (واحدة من أكثر أغانيه التي تم إعادة انتاجها)، وI Wanna Love you بمشاركة سنوب دوغ، مما جعله يتصدر القوائم ويفوز بجوائز.
تعاون إيكون أيضًا مع قامات أسطورية مثل فيفتي سينت، وايمينيم، وويتني هيوستن، ومايكل جاكسون ولايونيل ريتشي، كما تعاون مع قامات عالمية مثل تامر حسني من مصر، وميليسا من لبنان وشارك في أغنية "بكرة"، وهي أغنية لمشروع خيري تم إنجازه في عام 2011 من قبل مجموعة قلوبا قومبو. غامر إيكون أيضًا بدخول منطقة الشرق الأوسط وتشارك مع أكبر فنانيها، من إنتاج ريد ون والمنتج الكبير كوينسي جونز المنتج التنفيذي للأغنية الشهيرة " We are the World" لمايكل جاكسون.
ليس هناك شك في أن إيكون لديه واحدة من أكبر قصص النجاح في أمريكا. حيث نشأ كطفل مهاجر من أفريقيا و واجه مشاكل عديدة مع القانون، وأثناء قضاء عقوبته بالسجن استخدم الوقت للتفاعل مع موهبته الموسيقية وكانت هذه نقطة انطلاقه إلى مكانته الأسطورية. طور إيكون ووقع مع الكثير من الفنانين من خلال علامته التجارية كونفيكت ميوزك، أسماء مثل تي بين وكاردينال أوفيشال و كولبي أودين والقائمة تطول. كما فعل الشيء نفسه مع موسيقيين أفارقة مثل توفيس إديبيا وساركودي وويز كيد وبي سكوير. و كلهم شهدوا حقبة ضخمة من النجاح خلال فترة وجودهم مع كونفيكت، وبعضهم لا يزال بموجب عقده كما أن الأمور تسير بشكل جيد جداً معهم. هذا لا يعني أن إيكون تحكم في وضع المعيار- بل وفر فرصة أكبر وأفضل من حيث الإنتاج والتسويق والعلامة التجارية.
انضم المغني والمنتج المرشح لجائز الجرامي "أيكون" إلى 24 نجمًا عربيًا من 16 دولة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الأغنية الخيرية "بكرة"
في عام 2014 بدأ مشاريعه الخيرية بمشروعه "إيكون يضيء أفريقيا" وهو مشروع يوفر الكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية في خمسة عشر دولة أفريقية مختلفة. جذب المشروع أنظار كل دور الإعلام الكبرى في العالم، فقد أجرى عشرات المقابلات في كل من الراديو والتلفزيون بالإضافة إلى الشبكات الخاصة الأخرى. وفي عام 2018 أعلن عن بناء أول مدينة رقمية في أفريقيا سميت باسمه "مدينة إيكون" و أول مدينة لها عملتها الرقمية الخاصة بها "إي كوين" تقع في داكار عاصمة موطنه السنغال. وبعد ذلك، أعلن عن انتقاله إلى إفريقيا وعاد بعد فترة قصيرة بالفعل إلى السنغال. كان التحدي الرئيسي الآخر بالنسبة له هو إعادة تقديم نفسه كفنان أفريقي أو سنغالي بدلاً من الأمريكي الأفريقي أو السنغالي الأمريكي، وهي الخطوة التي قللت من إهتمام دور الإعلام الدولي ووكالات الأنباء. يعتقد الكثير من الناس الآن أنه توقف عن الغناء بينما هو في الواقع نشيط للغاية في إنتاج موسيقى جديدة، ولكنه لا يصل إلى موجات الأثير لدينا - فهو لا يجد أي إهتمام من وسائل الإعلام الدولية.
موهومبي ونيكول شيرزينغر في الفيديو الموسيقي "Coconut Tree"
موهومبي - ابن الكونغو
اسم أسطوري آخر بنفس الحالة هو موهومبي نزاسي موبوندو، من أم سويدية وأب كونغولي. موهومبي موسيقي ومغني وملحن وراقص، اشتهر في عام 2011 بأغنيته " "Bumpy Rideمن ألبوم "MoveMent" ". إستمر في تقديم المزيد من الموسيقى المدهشة منفرداً ومتعاوناً، ومن أعماله الرائعة أغنية " Coconut Tree" مع الجميلة والموهوبة نيكول شيرزينغر، المغنية الرئيسية السابقة لفرقة الفتيات بوسي كات دولز، كما عمل مع أسماء كبيرة مثل بيتبول، ونيللي، وشاقي وفيدي من أستراليا وأراش مغني إيراني سويدي، وستيلا موانقي مغنية راب كينية تقيم في النرويج.
عمل موهومبي أيضًا مع منتجي موسيقى عالميين مثل "كوستي" من رومانيا و"نادر خياط" المعروف باسم "ريد ون" وهو منتج مغربي سويدي. تصدر طوال حياته المهنية العديد من القوائم في الولايات المتحدة ودول عدة في أوروبا، وفاز بالكثير من الجوائز أيضًا. موهومبي لديه شغف كبير بالتعليم وهو حاصل على درجة البكالوريوس في الموسيقى من الكلية الملكية للموسيقى في ستوكهولم، ويتحدث سبع لغات تتضمن اليونانية واللاتينية. لطالما جذب إنتباه وسائل الإعلام الرئيسية بشخصيته وموهبته. سجل أغنيتين جميلتين مع موسيقيين من موطنه الكونغو (التي عن نفسي أعتبرها عاصمة الموسيقى في العالم) و هما أغنية "Found a way" بمشاركة ويراسون عام 2013 و "Zonga Mama" بمشاركة فالي إيبوبا في عام 2017.
أعلن مؤخرًا عن انتقاله إلى الكونغو مع إصدار أغنية بعنوان "Mwana Congo" والتي تعني "ابن الكونغو" بلغة لينقالا متبوعة بمزيد من الأغاني وكلهم بلغة اللينقالا أيضًا. أنا شخصياً أعجبت بالقرار والتحرك، ولا أعرف ما إذا كان ذلك بسبب أنني مخلص للأفريقية أو لأنني أحد أكبر المعجبين به في العالم، ولكن في كلتا الحالتين وسائل الإعلام الدولية التي كانت دائمًا تنظر إليه لا توافقني الرأي، فبمجرد اعتناقه للأفريقية نزلت موسيقاه إلى أسفل الرفوف، ولم يتم عرض أغانيه الجديدة ولم تتم دعوته لإجراء مقابلات في الكثير من دور الإعلام الكبرى للتحدث عنها أيضًا.
من ناحية أخرى، كان على الكثير من المواهب من إفريقيا ربط موسيقاهم بالغرب، في شكل تعاون أو إنتاج موسيقاهم في الولايات المتحدة. حتى أن البعض ينتقل إلى الولايات المتحدة أو أوروبا بحثًا عن فرص تؤهلهم ليكونوا "مشاهير عالميين"، أسماء مثل ويز كيد ودون جيزي ودي بانج.
أنا شخصياً ليست لدي مشكلة في الإنتقال أو استكشاف الخيارات ولكن هذا يظهر فقط أن افريقيا لا تتحكم في صناعة الموسيقى الخاصة بها. لقد أثبتت وسائل الإعلام الغربية ثقلها على أنها الطريقة السهلة للفنان أو الموسيقي للحصول على الشهرة بشكل أسرع وتمكن الكثير من الموسيقيين الأفارقة من التعرف علي موسيقيين أو منتجين أفارقة آخرين مما يؤدي إلى تعاون جميل للغاية ومتنوع ومبدع، لكنني أعتقد أن أفريقيا يمكن أن تفعل المزيد من حيث إنشاء أو زيادة تأثير وسائل الإعلام المحلية لتقديم خدمة أفضل في تقوية صناعة الموسيقى الخاصة بها وتقرير حجم عظمتها بنفسها.
لماذا ستبقى الموسيقى الأفريقية عظيمة؟
من حيث المحتوى، كانت الموسيقى الأفريقية دائمًا موسيقى سعيدة مليئة بالحب والتشجيع، والموسيقى الحزينة موجودة أيضًا ولكن مع كلمات وتعبيرات ذات مغزى. حيث أن الموسيقى الواقعية في إفريقيا هي جزء رئيسي من حياة المرء اليومية. توجد أغاني لأحداث ثقافية مختلفة، وأغاني لأيام مثمرة وأيام فارغة. يغني الناس عندما يُقبض على شخص يسرق أو عندما يعود شخص بصيد ثمين، فهناك أغاني لموسم الزراعة وأغاني لموسم الحصاد على حسب نجاحه. يتم الثناء على الأفراد ذوي الإنجازات البارزة بالأغاني ويغنى للآخرين لخدمة مجتمعاتهم بطرق هائلة وعندما يموتون يتم تذكرهم بأغنية أو اثنتين أيضًا. الموسيقى في إفريقيا هي ببساطة أسلوب حياة وهذا في حد ذاته شكل آخر من أشكال الفن.
في الماضي، لم يتحدث الموسيقيون الأفارقة مطلقًا عن المال أو السيارات أو العنف الجسدي أو اللفظي لأنهم لم يُلزموا بوصف عنف العصابات في سياق الموسيقى الأمريكية (الواقع في شوارع بعض المدن في الولايات المتحدة). لطالما عبّرت الموسيقى الإفريقية عن الحب والتقدير، وحملت رسائل إيجابية بكل أنواع التعبيرات، وهي رواية قد لا يقبلها الغرب. لذا، مرة أخرى هل يتعين على الموسيقيين الأفارقة الإرتباط بالغرب وتبنِي سياقه للحصول على الإهتمام والإعتراف المطلوبين؟
في عام 2019، عملت مع إحدى محطات الإذاعة في جوبا، وذات مرة قمت بإستضافة وإجراء مقابلة مع " L.U.A.L"، مغني الراب من جنوب السودان الذي نشأ في الولايات المتحدة، سألته لماذا كان عاد إلى جنوب السودان ليعزف موسيقاه بالتوافق مع سوق الموسيقى المحلي بدلاً من القيام بذلك في الولايات المتحدة وفقًا للسوق العالمي؟ كانت إجابته "في الولايات المتحدة ، المنافسة عالية جدًا"، كان يعلم أن الولايات المتحدة ليست المكان المناسب له أو لموسيقاه. ولكن يبدو أنه كان يسير في الاتجاه الخاطئ، كما يقول الكيسواحلي "هاكونا مهالي كاما نيومباني" تعني "لا يوجد مكان مثل الوطن" ولكن للأسف لم يعد هذا ينطبق على الفنون أو الفنانين الأفارقة.
حتى عندما ننظر إلى كيفية تقدير الموسيقى الأفريقية والإحتفاء بها، فإن أكبر الجوائز الموسيقية التي تقام في إفريقيا هي جوائز MTV للموسيقى التي تم إنشاؤها في عام 2008 من قبل شبكة MTV وهي شبكة تلفزيون أمريكية مقرها في نيويورك ولها فروع وقنوات شقيقة منتشرة في عدة أجزاء أخرى من العالم. جوائز الموسيقى الأفريقية الأصلية الوحيدة هي جوائز كورا للموسيقى الأفريقية وجائزة أول افريكا للموسيقى التي يشار إليها أيضًا باسم AFRIMA.
جوائز كورا للموسيقى الأفريقية هي جوائز موسيقية تُمنح سنويًا للإنجازات الموسيقية في جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا. أسسها إرنست أدجوفي رجل أعمال بنيني عام 1994 في ناميبيا. كان من المفترض أن يتم إصدار نسختها للعام 2015 في 13 ديسمبر ولكن لسبب ما تم تأجيلها إلى مارس 2016 ولكن لم يحدث أبدًا ومنذ ذلك الحين لم تتكرر جوائز كورا الموسيقية مرة أخرى. تأسست أفريما في عام 2014 من قبل اللجنة الدولية AFRIMA بالتعاون مع الاتحاد الأفريقي لمكافأة الأعمال الموسيقية والمواهب والإبداع والإحتفال بها في جميع أنحاء القارة الأفريقية مع الترويج للتراث الثقافي الأفريقي. وهناك العديد من جوائز الموسيقى الأخرى في إفريقيا، مثل جوائز موسيقى جنوب إفريقيا (SAMA) في جنوب إفريقيا، وجوائز هيبيبو للموسيقى في أوغندا، لكن جميعها إما على المستوى الوطني أو الإقليمي. أفريما هي جائزة الموسيقى الأفريقية الأصلية الوحيدة التي تحظى بتقدير متساوٍ لجميع المناطق الخمس في القارة.
في الختام، أكرر نفسي وأقول إنني أؤمن بشدة أن إفريقيا يمكن أن تفعل المزيد من حيث إنشاء أو زيادة تأثير وسائل الإعلام المحلية لتقديم خدمة أفضل في تقوية صناعة الموسيقى الخاصة بها وتقرير قدرة عظمتها على المساعدة بشكل أفضل في ربط الموسيقيين في جميع أنحاء المنطقة وحتى على مستوى العالم. سيكون التعاون بين يوسو ندور السنغالي وخالد الجزائري، أوفالي إيبوبا من الكونغو وشيرين المصرية، ونامادينغو من ملاوي ومو علي من السودان، أو ليرا من جنوب إفريقيا وديمي منت آبا الموريتاني شيئًا ما، أليس كذلك؟ إن تضخيم هذه الإصدارت عبر وسائل الإعلام القارية سيجعلها أكثر تأثيرًا لربط الجماهير بالتنوع الموسيقي القاري. علاوة على ذلك ، ستشجع الفنانين الأفارقة على السعي لتحقيق النمو داخل القارة، جنبًا إلى جنب مع وسائل الإعلام والجماهير الذين يفهمون ويقدرون عظمة الموسيقى الأفريقية.