تنوع وقوة وضخامة الموسيقى الأفريقية وأنواعها
لا شك في أن إفريقيا لديها أكبر المجموعات الثقافية تنوعًا، وهذا يجعلها القارة التي تضم أكبر عدد من أنماط وأنواع الموسيقى في العالم. تمتلك جمهورية الكونغو الديمقراطية وحدها حوالي ثمانية أنواع مختلفة مما يجعلها الدولة التي تضم أكثر أنواع الموسيقى في العالم بعد المكسيك وبعض البلدان الأخرى في منطقة البحر الكاريبي، مثل جامايكا وبورتوريكو وجمهورية الدومينيكان. الفرق هو أن الأنواع الموسيقية في البلدان الأخرى هي في الغالب مختلطة أو ثقافات محلية ومهاجرة، لكن جميع الأنواع الموسيقية في الكونغو أصلية مبنية على إيقاعات موسيقية تقليدية. فلا عجب لماذا تعتبر كينشاسا عاصمة الموسيقى للعالم بأسره (الولايات المتحدة هي عاصمة صديقة لوسائل الإعلام وبالتأكيد لديها معظم أنواع الموسيقى، فهي في الواقع تحتوي على الكثير من الأنواع ولكن القليل فقط يمكن تصنيفها على أنها "أصلية"). بلدان أخرى مثل كينيا وأنغولا والكاميرون لديها أيضًا أكثر من نوع واحد، وكلها تأتي من إيقاعات تقليدية تم تطويرها إلى أنواع حديثة. حتى أن بعضها أصبح جزءًا من الهجرة الثقافية العظيمة التي أدت إلى ولادة أنواع موسيقية أخرى حول العالم مثل زوك وكاليبسو في الكاريبي.
بصفتي موسيقي من جنوب السودان ومنتج للموسيقى، ما زلت أتساءل، ما هي هوية موسيقى جنوب السودان؟ ما النوع أو الأنواع التي يمكننا القول أنها تحدد موسيقانا في جنوب السودان؟ هذه المقالة هي مساهمتي الشخصية كموسيقي وشخصية إعلامية وكاتب، على أمل المساعدة في تطوير موسيقى جنوب السودان، وليس المقصود بها بأي شكل التقليل من قيمة ثقافة معينة أو المبالغة في تقدير أخرى.
جنوب السودان غني بالألوان للغاية عندما يتعلق الأمر بالتنوع الثقافي بما في ذلك الموسيقى، فقد مثلت الإيقاعات التقليدية مثل "طبول أشولي" جنوب السودان بشكل جيد للغاية على المستوى الدولي، ووضعته في دائرة الضوء وعلى رأس العديد من أحداث ومسابقات "التراث والثقافة" حول العالم. ومع ذلك، عندما ننظر إلى الموسيقى المعاصرة أو الحديثة في جنوب السودان، لا يوجد نوع (أو أنواع) معينة تمثل الدولة من حيث الإيقاعات أو الآلات مثل "بونقو لافا" من تنزانيا أو "موكاسا" من دولة الكاميرون أو "رومبا" من الكنغو. إن عدد الموسيقيين في البلد جيد للغاية، وأعتقد أنه يمكن أن يعطي قيمة إحصائية مذهلة عند الحديث عنها. ولكن بالنظر إلى تاريخنا يبدو أن جميع موسيقيينا تقريبًا يرتبطون أو يتصلون بأنواع الموسيقى في المكان الذي نشأوا فيه، أو بالأنواع الموسيقية التي يفضلونها أكثر من غيرها. فقد نشأ الموسيقيون في أوغندا في الغالب وهم يعزفون الموسيقى الأوغندية، كما هو الحال مع أولئك الذين نشأوا في كينيا وبلدان أخرى، بينما يفعل الآخرون ما يمكنهم الإحساس به أو يجدونه أسهل وأكثر ملاءمة لهم (أو ما هو مشهور ومنتشر فقط) من الأنواع الأفريقية مثل أفروبيتس أو بونقو لافا أو سوكوس، أو الأنواع العالمية مثل الريقي أو الهيب هوب أو البوب أو البلوز والريزم.
ومع ذلك، فإن الأمر مختلف بالنسبة لأولئك الذين نشأوا في إثيوبيا والسودان (قبل استقلال جنوب السودان)، لم يتمكنوا حقًا من التعود على الأنماط الرئيسية للموسيقى في هذين البلدين، فالموسيقى الإثيوبية مختلفة ببساطة، فهي لا تنادي أي اسم سوى إثيوبيا، سواء كانت بصوت عالٍ أو بنبرة منخفضة وهادئة. من ناحية أخرى، تختلف الموسيقى السودانية أيضًا بطريقة لا يستطيع العديد من سكان جنوب السودان الإرتباط بها، ولا أقول إنهم لا يستطيعون فعل ذلك- لأن الكثير من الموسيقيين من جنوب السودان تمكنوا من ذلك وقد قاموا بالفعل بعمل جيد للغاية. يتبادر إلى ذهني أسماء مثل الراحل تشول مانوت عندما نفكر في التنوع الثقافي والترفيه، لم يكن بإمكانهم تبنيها كأسلوب خاص بهم على أية حال.
تحديد المشكلة
بدأتُ الموسيقى كمغني راب، ونشأت في المشهد الموسيقي وبين الكثير من الموسيقيين من جنوب السودان في السودان. وشاهدت حرفيًا الجميع يواجه انتقادات، بما في ذلك شخصي سواء من الجمهور أو من زملائي الموسيقيين. كان هذا هو الوقت الذي أصبحت فيه الموسيقى الرقمية شائعة، والتي يتم تأليفها بإستخدام برنامج كمبيوتر بدلاً من الآلات الموسيقية، كان من الممكن إستخدامها بالفعل مما يجعل الأصوات أكثر إبداعًا وجمالًا. كما أن جعل الموسيقى رقميًا أسهل وأسرع وأرخص، لذلك كان هذا سبب تعرض الموسيقيين مثلي للإنتقاد، وصف الناس دائمًا موسيقانا بأنها غير أصلية، كما تم انتقادنا أيضًا بسبب "عزف الموسيقى الأجنبية، وتبني ثقافات لا تتعلق بثقافتنا في أي نوع من الطرق".
معظم فرق الجاز في جنوب السودان تعزف الموسيقى الكونغولية ويتم انتقادها طوال الوقت، قلة منهم تعزف الموسيقى التقليدية مثل الفرقة التي يقودها الموسيقي العظيم والمعلم سيبيت بانداس. لكنه تلقى الكثير من النقد أيضًا، حيث يقال دائمًا أنه يركز على إيقاع تقليدي محدد يتعلق بانتمائه العرقي، بدلاً من القيام بشيء عام وشامل لجميع تقاليد جنوب السودان أو البعض منها.
الآن بعد أن قمت بجولة ذهابًا وإيابًا في حارة الذاكرة محاولةً معالجة كل ذلك، اكتشفت أنه لا يوجد أحد مخطئ في فعل ما فعلوه أو اختيار نمط الموسيقى الذي اختاروا القيام به. كانت المشكلة الرئيسية والوحيدة وما زالت هي حقيقة أنه لم يتمكن أحد من الجلوس واختيار إيقاع تقليدي معين أو الجمع بين عدة إيقاعات تقليدية لتطويرها إلى نوع (أو أنواع) حديثة يمكن استخدامها لتحديد موسيقى جنوب السودان.
إيمانويل كيمبي
Source: Radio One South Sudan on Facebook
استكشاف الخيارات
حاولت استكشاف بعض الإيقاعات التقليدية في جنوب السودان مع أعلى إمكانات تطويرها إلى أنواع حديثة. وجدت أن الخيارات كثيرة بدءًا من طبول أشولي، فهي تحمل ثقلًا في تفردها وتمركزها العالي - أسلوب ثلاثة طبول في أربعة. يجب أن أقول "إنها محبوبة من قبل الكثيرين" في البلاد، وأغنية "انا ياو بي أروفو" لهاردلايف أفينيو ستارز هي دليل على ذلك. خيار آخر هو طبول البلاندا الشهيرة، وبعض القبائل الأخرى المحيطة بهم أو القريبة منهم، لديها أسلوب أربعة طبول في أربعة، إيقاعه ثابت وجذاب للغاية، وتوجد أغنية مشهورة جدًا تحتوي على هذه الإيقاعات وهي "الإحتفال" لإيمانويل كيمبي.
بصفتي منتجاً للموسيقى، أعي قولي جيداً عندما أقول إذا كنت تلعب بالإيقاع قليلاً، فيمكن مزج أسلوب طبول البلاندا مع أنواع مثل الريزم والبلوز والبوب أو الريقي و الهيب هوب، ثم إنشاء أنواع فريدة تحمل اسم "جنوب السودان" بصوت عالٍ كتوقيعها. مثال آخر على الطبول التقليدية التي يمكن تطويرها إلى نوع حديث لتمثيل جنوب السودان هو نوع الطبول ثلاثة في أربعة في أغنية "بينيا انتي وين" لأفريمو أدونغو وأغنية الإنجيل الشهيرة 'وايا وايا موتو موتو'، إنه أسلوب طبل جميل ومشهور تعزفه عدة قبائل من المناطق الثلاث في البلاد (مع سرعة وإيقاع مختلفين). ما تم ذكره أعلاه ليست الخيارات الوحيدة، ولكن القليل منها فقط يمكنني وصفه بسبب أنني تفاعلت معها أكثر من غيرها.
لم أذكر سوى "الطبول" لأنها تعمل كمركز للموسيقى التقليدية وكل شيء آخر مبني حولها. مثل معظم أو كل البلدان الأفريقية أو العالم، فإن جنوب السودان لديه العديد من الآلات الموسيقية الجميلة جدًا والجذابة في كل من الشكل والصوت. أدوات مثل ماريمبا بجميع أشكالها وأحجامها (تلك التي يجب وضعها على الأرض، على طاولة أو حامل، والأخرى التي يجب تعليقها على الرقبة وموازنتها بواسطة حامل يوضع على الخصر)، وآلات أخرى مثل أودنقو بجميع أشكالها وأحجامها أيضًا، لدينا أدوات مثل كودي (شيء يشبه "الطنبور" أو "الربابة") و ليكيمبي المعروف عالميًا باسم كاليمبا، يقال أنها نشأت من زيمبابوي لكنني أعرفها جيدًا لأنها واحدة من الآلات الموسيقية التقليدية الرئيسية في قريتي الأصلية جنبًا إلى جنب مع أودنقو وكودي.
تحتوي أجزاء أخرى من البلاد على صفارات وأدوات نفخ تشبه الناي والأدوات الحديثة المشابهة الأخرى مصنوعة من الخيزران أو غيره من الأخشاب التي يتم حفرها أو المعروف أنها فارغة من الداخل. والبعض الآخر مصنوع من أنواع مختلفة من قرون الحيوانات كذلك والقائمة تطول. يمكن تطوير جميع الأدوات المذكورة أعلاه إلى أشكال حديثة مع بعض المواد المستدامة والصديقة للبيئة، أو استخدامها كما هي مثل طريقة فرقة قاندا بوي (المعروفين سابقاً باسم "دا توينز" ثنائي أوغندي مقرهم في المملكة المتحدة) حيث يستخدمون آلة الأودنقو. الخيارات كثيرة من حيث الأسلوب والأدوات الموسيقية، سواء كانت معروفة أو مكتشفة، أو لا تزال قيد الإنشاء. والعامل الأكثر أهمية في الأمر برمته هو أن جميع الأنواع المعروفة حاليًا أو المعممة كموسيقى عالمية بدأت كتقاليد تابعة لمجموعة معينة من الأشخاص في مكان ما، ثم بدأت في الإنتشار إلى أماكن أخرى لتحتضنها مجموعات أخرى، وكلما تقدم بها الزمن تتم إضافة شيء ما أو إزالة شيء حتى يصل إلى حالته الحالية أو معياره المعروف لدينا. لذلك أعزائي موسيقيي جنوب السودان، حان الوقت الآن، دعونا نتبع النمط.
أدوات موسيقية تقليدية من جنوب السودان
موسيقى روكا - دعنا نعتبرها نقطة البداية
بين العامين 2010 و 2012 بدأ داينامك Dynamq حملة موسيقى روكا، وهي حملة تمهيدية لتقديم نوع موسيقي خاص بجنوب السودان أو نوع موسيقي من جنوب السودان. حشد الناس لإلتقاط صور مع منشورات لافتة مكتوب عليها روكا ميوزك، لا يهم أن تكون مطبوعة أو مكتوبة بخط اليد أو أي شيء. ثم نشر الصور على صفحته على موقع الفيس بوك مع تسمية توضيحية تقول "روكا ميوزك - نمط جديد من الموسيقى قادم من جنوب السودان" ثم حث الناس على مشاركة صورهم الخاصة مع حشد أشخاصًا آخرين للقيام بالمثل أيضًا. حصلت الحملة على الكثير من القبول والدعم، وتمكن من الحصول على بعض المشاهير من أجزاء أخرى من العالم للمشاركة أيضًا، وكان ذلك مثيرًا للإعجاب. شاركت بنفسي بأكثر من خمس صور لي وحدي ومع الأصدقاء. في جميع أغانيه تقريبًا، ذكر مصطلح "روكا ميوزك" ثم أضاف توقيعه "A’buma Ye" وبالنسبة لي، فإن هذه هي الطريقة التي يتعرف بها الناس على موسيقاه، والآن أصبحت توقيعًا أكثر من أنها نوعاً من أنواع الموسيقي. بالعودة إلى الموسيقى نفسها فإن روكا هي كلمة مشهورة جدًا في اللغة العربية المحلية في جوبا وتعني "الأناقة" وهي حسب رأيي كلمة مناسبة جدًا لنوع محلي فهي تبدو أصلية، ولكن ما هي الإيقاعات التوافقية للروكا ميوزك؟ ما هي الآلات التي تمنحها مكانة فريدة قائمة بذاتها بين جميع الأنواع الأخرى؟ والأهم من ذلك ما هي أنماط الطبل والأسلوب الذي يميزها؟
داينامك - تمساح نهر النيل
Source: https://profileability.com/
عندما بدأ كل شيء في روكا ميوزك، كان له أسلوب محدد والذي كان نوعًا من دانسهول ممزوجًا بإيقاع أفريقي مثل ما فعله بأغنيتي "جيري جيري" و"كلامات دي" و في سولو بمشاركة المغنيين كوين زي ويابا أنجلوسي. لكن يبدو أنهما لا يختلفان عن الكثير من الأنواع المختلفة الأخرى الموجودة هناك. أنا لا أقول أن أنواع الموسيقى من أماكن مختلفة لا يمكن أن تبدو متشابهة أو لديها أوجه شبه ولكن في كل هذا، ما الذي يمنحها حالتها ومعاييرها الفريدة؟
أتفق تمامًا مع الفكرة، فأنا أعطيها مائة وعشرة بالمئة، و لكن بالنسبة لي يجب أن يكون الأمر عبارة عن ايقاعات بطيئة تتطلب رقصًا بطيئًا مع بعض الحركات المثيرة والجذابة التي من شأنها أن تمثل "الأناقة" كما يوحي الاسم.
مثال آخر هو "موسيقى يوكو" لدبليو جي دي كينق، وهو معروف بأنه واحد من الموسيقيين الأكثر وضوحاً وثباتًا وحيوية في المشهد الموسيقي لجنوب السودان. لا أعرف حقًا كيف أترجم كلمة "Yuku"، لكنها أشبه بالطاقة غير المتوقعة التي تجذب انتباهك الكامل وتحافظ عليه لأطول فترة ممكنة. وأفضل تفسير لذلك هو عندما ترفع يدك أو شيء ما كما لو كنت تحاول ضرب شخص ما ولكنك لا تفعل ذلك لأن نيتك كانت فقط إخافته أو جذب انتباهه، وبالنسبة لي هذا مفهوم أو فكرة رائعة ومناسبة جدًا لنوع موسيقي يمثل جنوب السودان وإعطاء موسيقاه هوية، فلنكتشف الآن أي الإيقاعات التقليدية يمكن أن تتطابق معها أو أي من الإيقاعات يمكن مزجها لترقى إلى مستوى اسمي "يوكو" أو "روك".
WJ De King Source: Music in Africa
أخيرًا - هل اللغة مهمة؟
اعتدت أن أكون أحد الأشخاص الذين ينتقدون بشدة الموسيقيين الذين يغنون باللهجات، ولكن بعد تفكير طويل وشاق توصلت إلى استنتاج مفاده أن اللغة ليست مهمة حقًا، فمن المهم جدًا أن تصل الأغنية إلى مستوى مجموعة كبيرة من الجمهور الذين يفهمون ما تقوله الأغنية بالفعل، ومع ذلك، بغض النظر عن لغتها لا ينبغي أن تكون عنصرًا لقياس جودتها. أصبح الغناء باللغات أو اللهجات المحلية شائعًا جدًا في إفريقيا مؤخرًا حتى الموسيقيين المعروفين بأنهم يمارسون أنواعًا معاصرة مثل الهيب هوب يغنون الآن بلغاتهم الأصلية، ومن الأمثلة على ذلك نافيو من أوغندا مع أغانيه تومونوني و نجوقيريزا.
لا توجد في جنوب السودان لغة يتحدث بها عمومًا مجموعات عرقية متعددة في جميع مناطقها الثلاث أو في مناطق مختلفة من البلاد، بخلاف بعض اللهجات الملتوية باللغتين العربية والإنجليزية. وفي رأيي فإن اللغة هي لهجة موثقة لذلك قد نبدأ أيضًا في العمل على ذلك أثناء تطوير موسيقانا لمنحها توقيعًا (أو توقيعات) في شكل من أشكال النوع أو الأنواع الخاصة بنا.
المراجع:
https://en.wikipedia.org/wiki/Music_of_the_Democratic_Republic_of_the_Congo (1)
https://en.wikipedia.org/wiki/Music_of_Mexico (2)
https://en.wikipedia.org/wiki/Music_of_Jamaica (3)
https://en.wikipedia.org/wiki/Music_of_Puerto_Rico (4)
https://en.wikipedia.org/wiki/Music_of_the_Dominican_Republic (5)
https://www.youtube.com/watch?v=WVJkZKHSyh0 (6)
https://www.youtube.com/watch?v=UjE7ZcGnTy8 (7)
https://www.youtube.com/watch?v=D_KQEYluNbs (8)
https://web.facebook.com/afrimomusic/ (9)
https://www.youtube.com/watch?v=YUuLxfqnjD4 (10)
https://web.facebook.com/dynamq (11)
https://www.youtube.com/watch?v=7PLoDbyssIw (12)
https://www.youtube.com/watch?v=HJ2Gk-BMhVQ (13)