غلاف ألبوم سوا سوا. المصدر: سلمى عمر/ انستجرام
ماذا تعني رحلة شخص ما؟ ماذا يمكن أن تقدم لنا هذه الرحلة؟ وكيف يغيرنا المسار الذي اتخذناه من حيث بدأنا وانتهينا؟ تكتب أناييس نين في مذكراتها: " "نحن نسافر، البعض منا إلى الأبد، للبحث عن حالات أخرى، وحياة أخرى، وأرواح أخرى". تتحدث نين، التي اضطرت إلى الفرار من منزلها في فرنسا أثناء الحرب العالمية الثانية، عن الحاجة إلى السفر بالروح والعقل لكي تصبح متكاملاً. هذه الرحلة المحددة عبر أبعاد حقيقية وأثيرية، هذا ما يستحضره ألبوم سوا سوا بقوة غامرة.
غالبًا ما تشغل الأعمال الفنية الدائمة حياتين. الحياة المقصودة تحت سيطرة المبدع الذي يقف وراءها، وحياة خاصة بها تنبثق من العواقب المحيطة بإنتاجها.
"سوا سوا" هو رحلة موسيقية
"سوا سوا" هو ألبوم مفاهيمي سامي ومريح للأعصاب، وهو ليس مجرد رحلة موضوعياً فحسب بل ونصياً أيضًا. "سوا سوا" تعني "كلنا سوياً" باللهجة السودانية العربية، والألبوم عبارة عن مفهوم غير عادي لرحلة موسيقية حول أفريقيا وتاريخها الغني بالصوت والفن والشعر. ومع ذلك، لم يكن أحد من المشاركين يتوقع أن يقودهم مسار إنشاء الألبوم إلى عبور بلدان وأزمنة وحرب عنيفة مفاجئة.
قبل سوا سوا، كان هناك سلمى عمر وأحمد حميدة وفرقة درم سيركل سودان. وقد دفعهم حبهم المشترك للأصوات الفريدة للإيقاع الأفريقي إلى إنشاء مشروع درم سيركل سودان حيث جربوا لأول مرة دمج الموسيقى السودانية التقليدية مع أنماط من ثقافات أخرى وخلق جسور لحنية.
سلمى عمر و أحمد حميدة. المصدر: معهد جوته
في نهاية المطاف، تحول إهتمامهم ببناء روابط بين الأصوات الثقافية المختلفة إلى رغبة في جمع مجموعة من الفنانين المختلفين للتعاون في ألبوم متنوع. وهنا زُرعت بذرة سوا سوا في عام 2018 في جاز كافيه في الخرطوم، حيث حلموا بمشروع يتكون من 8 مقطوعات موسيقية و8 أعمال فنية و8 قصص قصيرة.
نمت البذرة الصغيرة وفي وقت لاحق من ذلك العام، أخذت الجذور الثنائي الإيقاعي إلى سيناء، مصر لبدء تسجيل أول مقطوعة موسيقية لهم. ومع ذلك، فإن رؤيتهم ستكبر فقط وظروفهم ستزداد تعقيدًا منذ ذلك الحين.
رحلة صنع الألبوم
في عام 2019، كان إبراهيم المغربي، المنتج ومؤسس شركة جين ريكوردز في برايتون ، يزور السودان للعمل مع فنان آخر عندما بدأت الثورة. وبدافع من الشغف الناتج عن المشاريع الفنية المتنوعة التي خرجت من تلك الفترة، أمضى المغربي وقته في تسجيل الموسيقى الثورية وانغمس في اللحظة التي فرضت قوتها.
لذا عندما هدأت الأمور وعُرضت عليه رؤية سلمى وأحمد لألبوم مفاهيمي يجمع بين الثقافات الأفريقية، وجد نفسه منغمسًا بسرعة في رؤيتهما وبدأ في إشراك فنانين آخرين.
أشار إبراهيم مغربي خلال مقابلة: "أعتقد أن بداية "سوا سوا" كانت مع عازفي الإيقاع، سلمى عمر وأحمد حميدة. كانت رؤيتهما هي العمل مع العديد من الموسيقيين والمطربين والكتاب لتجميع هذا الألبوم التعاوني. بدأ الأمر في عام 2018 عندما قاموا بأول مجموعة من التسجيلات في سيناء، مصر مع مغني موريتاني وعازف طبول مصري. ومن هناك، أصبحت القصة بأكملها مبتلاة بالظروف."
المنتج إبراهيم المغربي المصدر: صفحة إبراهيم المغربي على الفيسبوك
خلال فترة التسجيل، استمرت الثورة، واجتاحت العالم جائحة، وحدث إنقلاب، ومرت سنوات عديدة، وأخيرًا، إندلعت حرب مدمرة أدت إلى تفريق أفراد الطاقم. وتجسدت الرحلة التي كانت مخصصة موضوعيًا للألبوم في الحياة الواقعية.
لقد أُجبروا على التسجيل بشكل متقطع، واتجهوا الى تأجير استديوهات في أماكن مختلفة، وقضوا كل لحظة دون معرفة ما إذا كانت الخطوة التالية ستحدث. وفي النهاية، ظلوا ملتزمين برؤيتهم المركزية للوحدة والتعايش السلمي، وتمكنوا من تجميع ألبوم عبر بلدان مختلفة وسنوات عديدة.
سلمى عمر مع فرقة سودان روتس ميوزيك وشبين تيريا في حفل صغير في أندريا بارك في عام 2022. المصدر: سلمى عمر
نظرة فاحصة على المقطوعات
السفر هو أن تأخذ معك بعض الأشياء وتترك أشياء أخرى خلفك. في ألبوم سوا سوا، هناك رحلات أمل وفرح، كما هو الحال في مقطوعة "سلامُ عليكم" حيث تُغنى كلمات الوحدة بهدوء على إيقاع هادئ يدعو المستمع إلى إعتناق الوحدة.
رحلات أخرى تهدف إلى تذكر الماضي، مثل المقطوعة الأولى "الغُبش"، وهي مقطوعة أحادية الإيقاع تحدد على الفور النغمة موسيقيًا وغنائيًا لرحلة عبر الثقافات والتاريخ. بعض الرحلات هي رحلات الخسارة وإعادة الإكتشاف، تمامًا مثل مقطوعة الجاز المتقدة "تأمل" التي تجعلك تفقد حواسك في الأجواء الصوتية لصحراء حالمة.
وبعض الرحلات هي سبب للإحتفال، وخاصة في مقطوعات مثل "أعط حبك" و"ويست فايب" حيث توحد طبول غرب إفريقيا إيقاعات الموسيقى الأفريقية. في سوا سوا، تمتد عبارة "الموسيقى لغة عالمية" عبر قارة مقسمة لتجمع مجموعة من التجارب المختلفة وتنسج رحلة موسيقية جميلة من الإنسجام والأمل.
وعندما سُئل الثنائي عن الأبعاد الفنية والقصة للألبوم المفاهيمي، قالا إن "الإيقاعات متجذرة في القصص، والصور تحكي ألف كلمة". والواقع أن رؤيتهما المتماسكة للتراث الفني الصامد في المنطقة لن تكتمل إذا ما أدرجا التاريخ العميق للفنون البصرية والكتابية.
وفي تجميع كُتَاب الأغاني، شارك الفنانون السودانيون وجنوب السودانيون جيدو، وهناء حبيب، والهادي الرضي، وأدي "مانديلا" ماتور في مزج عناصر الدراما والخيال والنثر الشعري. حيث تحمل كل قصة معها مقاييس متساوية من الخسارة في مهزلة الحرب والمكسب في شكل لحظات فرحة صغيرة. ومن الخيال البحري إلى الملحمة الجذابة للأطفال وكلابهم، تجسد القصص حجم الخوف والحزن والإلتقاء في الأوقات الصعبة.
أما بالنسبة للأعمال الفنية، فقد حضر الفنانون مصعب زكريا ومآب تاج وريم الجعيلي وعمرو بدر أثناء تسجيل الألبوم، وعبروا في رسوماتهم بشكل فوري عن حزنهم وحاجتهم للتواصل والأمل الذي وجدوه بالتضامن. ومع أن القطع الفنية ملونة ومبهجة إلا أنها تثير شعورًا بعدم اليقين والتوتر.
أزرق 1 - مآب تاج. المصدر موقع سوا سوا على جن ريكوردز
المشاهد المصورة هي لحظات من السطوع التي يتم الإحتفاظ بها في مكانها كتذكير بالإنسجام عندما تكون هناك حاجة ماسة إلى ذلك. جنبًا إلى جنب مع بقية الأعمال، يوفر الألبوم تجربة تحويلية شاملة تهدف إلى ربط الناس خلال أصعب أوقاتهم.
يصبح الرقم 8 عندما يقلب رمزًا لللانهاية. وعند النظر إليه عن كثب، فإنه يمثل أيضًا حلقة، حيث تؤدي نقطة البداية أيضًا إلى نقطة النهاية. رحلة مثل تلك التي قام بها "سوا سوا"، وهي رحلة كثيرًا ما يختبرها العديد من الأشخاص من البلدان المشاركة في الألبوم.
خاتمة
دوامات من العنف والصمود والأمل وإعادة الربط. حلقات من رحلة تبدأ بالإيمان، وتؤدي إلى طريق الدمار والخسارة الذي لا يمكن للمرء الخروج منه إلا عندما يعود إلى الأمل والإيمان. من السودان ومصر والمملكة المتحدة وموريشيوس وبوركينا فاسو وغانا، يمثل الألبوم رحلة صوتية عبر التاريخ الموسيقي لأفريقيا، ولكنه أيضًا رحلة حرفية لأشخاص اضطروا إلى متابعة أحلامهم في مكان آخر بعد فقدان منازلهم. منذ أكتوبر من العام الماضي، هربت سلمى وأحمد إلى مصر ثم إلى الإمارات، متسائلين إلى أين ستأخذهم رحلتهم بعد ذلك.
لا يزال السودان يعاني من حرب أودت بحياة الألاف، ولكن بالنسبة للبعض، فإن "سوا سوا" يمثل رمزًا للأمل والوحدة بين السودانيين الذين تعرضوا لتعطيل عنيف في حياتهم. حيث يتردد صدى عنوان الألبوم، بعنوان "سوا سوا"، برسالة لا تتزعزع عن السلام، ورفض الحرب والإنفصال والإنتقام، مع إحتضان الإنسجام والترابط. تحث الكلمات المستمعين على الإتحاد كجيران، والتخلص من العنف، وإعتناق الإنسانية المشتركة التي تربطنا جميعًا.