هذا المقال متوفر أيضاُ باللغة English

الموسيقى هدية من الطبيعة الأم نفسها. ترانيم الطيور، ودوامات الرياح، قعقعة الرعد، وطقطقة النار، وثرثرة المطر. مثل هذه الظواهر أثرت في خيال الإنسان وإبداعه وتقليده لتولد ما نسميه الآن الموسيقى.


يعود أقدم دليل على الموسيقى في إفريقيا وتحديداً شرق إفريقيا إلى سنة 500م في رسومات تُظهر الآلات والرقصات والطقوس التي لوحظ أنها رسمت لتوثق جزء من الحياة اليومية للمجتمع. خلال الفترة الإستعمارية، تأثرت الموسيقى بشكل أكبر من خلال إدخال تداول الموسيقى من خلال إنشاء النوادي والقاعات الإجتماعية ومحطات الراديو والغراموفون بالإضافة إلى القوانين والقواعد التي حدت من أداء أنماط معينة من الموسيقى أو الرقص. بحلول منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، عندما بدأت البلدان الأفريقية في الحصول على الإستقلال، ظهرت العديد من الأنواع الشعبية التي سيطرت على المساحات الحضرية وأضفت إحساسًا بالعالمية إلى المدن والبلدات في جميع أنحاء شرق إفريقيا.


الفن الصخري الموجود في Amak’hee 4 في محمية “سواغا سواغا”. المصدر: جامعة جاجيلونيان


شهدت الموسيقى الأفريقية على مر السنين تغييرات. ربما يكون ما يسمى بالموسيقى التقليدية اليوم مختلفًا تمامًا عن الموسيقى الأفريقية في الماضي. لم تكن الموسيقى الأفريقية في الماضي مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بمجموعة عرقية معينة. اسلوب الموسيقار الفردي وإبداعه كان دائمًا يلعب دورًا مهمًا.


سوتي زا بوسارا وجزيرة زنجبار


المحتفلون يحضرون مهرجان ساوتي زا بوسارا. المصدر: ساوتي زا بوسارا


ساوتي زا بوسارا هي كلمة سواحيلية تعني "أصوات الحكمة". حيث سمي عليها مهرجان موسيقي أفريقي يقام في ستون تاون، زنجبار، سنويًا خلال شهر فبراير ويقام بشكل أساسي في القلعة القديمة المعروفة باسم نقومي كونقوي. أقيمت النسخة العشرين من مهرجان ساوتي زا بوسارا في الفترة من 10 إلى 12 فبراير 2023، و كان موضوع الدورة: التنوع هو قوتنا.


المهرجان مليء بالعروض الكرنفالية في الشوارع ومعارض الشوارع الممتعة. تم تقديم مهرجان ساوتي زا بوسارا لتعزيز الحفاظ على الموسيقى الأفريقية ودعمها. على مر السنين، تطور المهرجان من هيمنة الموسيقى والفنون التقليدية فقط، إلى تضمين الفنون والأصوات الحديثة.


موكب استعراضي خلال كرنفال ساوتي زا بوسارا الشهير في مدينة الحجر، زنجبار. المصدر: Afropop Worldwide


يتدفق السكان المحليون والسياح معًا في القلعة القديمة لمدة يومين مع عروض لفنانين من أجزاء مختلفة من القارة. حيث يعد هذا المهرجان أيضًا داعمًا اقتصاديًا لأصحاب الأعمال الصغيرة المحليين في الجزيرة.


تضمنت بعض الأحداث البارزة في نسخة 2023، آسيا مدني، مطربة صاحبة كاريزما طاغية وهي من السودان ولكنها تقيم حاليًا في القاهرة بمصر، فرقة أواريدي المتكونة جميعها من النساء من زنجبار، وأونغوجا التي تعزف على العديد من الآلات الموسيقية مثل الكمان والأكورديون والطبلة والكاجون ونغوما وزيزي وريمبا وساندوكو وفيدومباكي ريكا و آلات النقر. كما غنت ناكس بيتوتا، و هي من جمهورية الكونغو الديمقراطية، و أثارت حماس الجمهور من خلال موسيقاها الصاخبة التي تمزج الرومبا الكونغولية مع موتواشي (موسيقى البوب المغرية من جنوب الكونغو) والأنماط الأفريقية الأخرى، حيث تقوم بدمج موسيقى الريغي والرومبا والأفرو بوب. كما قدمت سانا سيسوخو عازفة الكورا، من منطقة كازامانس في السنغال، أداءً رائعًا مفعماً بالعاطفة.


آسيا مدني تؤدي في مهرجان ساوتي زا بوسارا. المصدر: مسعود خميس


عندما سُئل كيف توصل إلى فكرة المهرجان، قال يوسف محمود، مبتكر ومخرج ساوتي زا بوسارا المشهور: "الموسيقى الأفريقية هي أصل حضارتنا وهي تتلاشى ببطء، والطريقة الوحيدة التي يمكننا من خلالها الحفاظ على هذه الهدية هي أن ننقلها بأفضل طريقة ممكنة." ثم أضاف أن الموسيقى تبرز القيم الأفريقية، حيث يتم الإحتفال بالعديد من الأحداث المهمة عن طريق الموسيقى، سواء كان زواجًا أو ولادة أو الطقوس الإحتفالية للعبورعبر مراحل الحياة المختلفة. يؤكد يوسف كذلك أن الموسيقى هي جذر وعمود حضارتنا كأفارقةو أن إحتضان هذه الهدية مع تعزيز الوحدة من خلال فن التعبير هو تجربة لا تقدر بثمن.


يوسف محمود، مبتكر ومخرج مهرجان ساوتي زا بوسارا . المصدر: ماركوس ميسل


بالنسبة لأولئك الذين قد لا يكونون على دراية جيدة بزنجبار، فهي عبارة عن مجموعة من الجزر في المحيط الهندي، على بعد حوالي 30 ميلاً من ساحل البر الرئيسي التنزاني. يبلغ عدد سكانها 1.8 مليون نسمة، منهم من المسلمين، مع أقلية مسيحية صغيرة. وتشمل الجماعات الدينية الأخرى الهندوس والجاينون والسيخ، ويتم احترام جميع الأديان وهم يتعبدون بحرية.


سكان زنجبار شعب دافئ ومنفتح وودود. التنقل آمن، والجرائم العنيفة لم يسمع بها أحد تقريبًا. في فبراير عندما يقام المهرجان يكون المناخ دافئًا ورطبًا ، 85-90 درجة فهرنهايت على وجه الدقة. الطعام طازج ولذيذ، أوصي بشدة بالعديد من الفواكه والأسماك والمأكولات البحرية، وخاصة طعام الشارع في سوق فورودهاني للأغذية الشهير.


تعد مدينة ستون تاون حيث يقام المهرجان موقعًا فريدًا من مواقع التراث العالمي لليونسكو، حيث تشتهر بأبوابها المنحوتة يدويًا وشوارعها الضيقة. بالطبع، زنجبار تضم أيضًا بعضًا من أجمل الشواطئ في العالم مع رمالها البيضاء النقية ومياهها الفيروزية الصافية مما يجعلها مثالية للغطس والغوص. و هذا ما يجعل من جزيرة زنجبار وجهة رائعة للعديد من السياح.


منظر جوي لمدينة الحجر على ساحل زنجبار. المصدر: African Adventures


مستقبل الموسيقى الأفريقية


يرمز الموسيقيون الأفارقة إلى الذاكرة الجماعية للقارة ورؤية المستقبل وتعكس آلاتهم الموسيقية تاريخ القارة وثقافتها وسلالتها. كرد فعل للأوضاع الإجتماعية والإقتصادية والسياسية المتطورة يتم تطوير أشكال جديدة يوميًا.


كمجتمع، فإن أكبر مخاوفنا هي الركود والجمود. نحن نتطور ونحافظ على تشغيل عجلات الحياة لمواكبة التغيرات الحالية في العالم. اكتشاف طرق جديدة للتعبير عن الذات والحفاظ عليها والنمو معها يخلق الإستقرار بالإضافة إلى المستقبل الذي نتطلع إليه.


واجهت العديد من البلدان الأفريقية أوقاتًا عصيبة في التاريخ الحديث، و أظهرت الموسيقى أنها تعبير ناجح عن المشاعر في مواجهة الخسارة والمعاناة. نرفع ذقننا ونرقص على شروق الشمس، نرقص بسلاسلنا وأجراسنا على أمل غد أفضل. الموسيقى هي الكيفية التي نحافظ بها على بصمتنا في التاريخ، دليل على أننا كنا هنا. سيستمر إرثنا للأجيال القادمة طالما واصلنا الاحتفال به وتكريمه كل عام في أماكن مليئة بالتقاليد مثل زنجبار، حيث يصطدم القديم والجديد بانسجام.


ستقام النسخة الحادية والعشرون من مهرجان ساوتي زا بوسارا في ستون تاون، زنجبار خلال 9 - 11 فبراير 2024. لمزيد من المعلومات، قم بزيارة موقع المهرجان هنا.


كيلفن إنوسنت مسيكا

كيلفن صانع محتوى مقيم في دار السلام بتنزانيا وقد بدأ شغفه بالكتابة في سن مبكرة. عمل سابقًا كطاهٍ قبل أن يغامر في مجال العقارات. يستمتع كيلفن بإنشاء محتوى خاص بالسفر ونمط الحياة بالإضافة إلى نصائح حول علم النفس على قناته على اليوتيوب.