يعتمد نجاح برامج الحكومة للصحة العامة على الشراكات الفعالة بين الأديان والمؤسسات وصانعي السياسات والمهنيين الطبيين. توجيهات منظمة الصحة العالمية ضد التجمعات الإجتماعية للسيطرة على انتقال كوفيد-19 أثرت سلبًيا وإيجابيًا على الشراكات الدينية والسياسية. يتطلب امتثال المجتمعات لعمليات الإغلاق الوطنية دعمًا من القادة الدينيين في المجتمع. في جميع أنحاء القارة الأفريقية لعب الإيمان دورًا مهمًا داخل المجتمعات التي تظهر ممارسات دينية متنوعة. خلال وباء الإيبولا في إفريقيا، لعبت الجماعات الدينية دورًا حاسمًا في نشر المعلومات من منظمة الصحة العالمية للسيطرة على انتقال المرض في المجتمع. يعتمد الكثير من الناس على عقيدتهم للتوجيه واستلهام القوة في أوقات الشدة مثل جائحة كورونا، ولا يختلف الشعب السوداني كثيراَ.

يبدو أن التمسك بالدين هو النور الذي ينقذ أرواح كثيرة، والذي يبدو كفكرة عظيمة حتى يتم تشويه المشاعر الدينية لجعل الناس يخافون من حماية أنفسهم خارج إرادة الله. هذا يطرح سؤالا كبيرا لأن الله يأمرنا بحماية أنفسنا وأحبائنا. فلماذا يكون الدين ضد اللقاح؟ سلطت بعض تعليقات المجتمع الضوء على الصلاة والطقوس الدينية كعلاج أو دواء لعدوى كوفيد-19. كانت هناك أيضًا خرافات مفادها أن الوباء هو عقاب على خطايانا وأن قيود كوفيد-19 على صلاة الجماعة هي ضد الإسلام.

الحركة المناهضة للتطعيم والمشاعر الدينية من ورائها

لا يزال التردد في اخذ اللقاح يمثل ظاهرة تقوض فعالية حملات التطعيم وحماية السكان من الأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات.

في جميع أنحاء العالم، تم تحديد الأسباب الدينية التي تدعم التردد في أخذ اللقاح للعديد من الجماعات الدينية، بما في ذلك البروتستانت والكاثوليك واليهود والمسلمون والأميش والهندوس والسيخ. على سبيل المثال، كان سبب أن المكونات الخنزيرية أو غير الحلال للقاحات هو العائق الرئيسي الذي تم تحديده من المسلمين. سبب آخر لرفض المسلمين كان له علاقة بشهر رمضان وفترة الصوم. يرتبط الإعتراض على التطعيم أيضًا بالإيمان بالحماية الإلهية والشفاء للبروتستانت والكاثوليك واليهود. الاستخدام المزعوم للخلايا الجنينية المجهضة لإنتاج اللقاحات يثير القلق بين مجتمعات الأميش والكاثوليك. أثناء اندلاع كوفيد-19 أثار كبار القادة الكاثوليك من الولايات المتحدة وكندا اعتراضات أخلاقية على اللقاحات المنتجة باستخدام خلايا مشتقة من أجنة مجهضة. سابقاً، كانت العلاقة بين استخدام لقاح فيروس الورم الحليمي البشري سيئة مع الآباء المسيحيين الذين يعتبرون هذا اللقاح عديم الفائدة لأطفالهم، و يعتبرون أنه كان يرسخ نتيجة لنمط حياة جنسي معين. كما أنه كانت المحرمات الدينية من بين الأسباب الرئيسية لعدم التطعيم بين الهندوس والسيخ المؤمنين أيضًا.

كيف اجتمع القادة الدينيون لطمأنة الجماهير

منذ اندلاع الوباء، نظر العديد من المؤمنين إلى قادتهم الدينيين في انتظار تعليماتهم حول كيفية القيام بالتطعيم. ألغي الحج إلى مكة وشعر بعض المسلمين أنهم يفقدون ارتباطهم بعقيدتهم. أكد القادة الدينيون بشكل قاطع أنه في الأوقات العصيبة لوباء كوفيد-19، لم يكن من الحكمة جعل الوضع أسوأ من خلال التجمع حتى لأسباب دينية بالإضافة إلى تسليط الضوء على أهمية التطعيم. تناول رجال الدين الإسلاميين حقيقة أن اللقاح جائز حتى في رمضان ولن يفسد الصيام.

جاءت الكنيسة القبطية في أم درمان على وجه الخصوص بمحتويات مختلفة، لا سيما مقاطع الفيديو التي جاءت بمباركة كبار الكهنة لتثقيف الجمهور حول مخاطر كوفيد-19. خلال مقابلة أندريا مع رئيس الكهنة تيموثي، سلط الضوء على دور الكنيسة القبطية في تنظيم حملات التطعيم. وأوضح أيضًا أنهم بادروا في توعية المصلين بكيفية اتخاذ الإحتياطات للحماية من فيروس كورونا. و مع كثرة الأعداد، كان على المؤمنين أيضًا التناوب على حضور الخدمات الكنسية.

رئيس الكهنة تيموثي خلال مقابلة مع أندريا. المصدر: مجلة أندريا

في إطار حملتها الرمضانية الصحية، خرجت منظمة الصحة العالمية برسائل دُعمت من قبل هيئات فتوى بارزة مثل الأزهر ومجمع الفقه الإسلامي الدولي لتشجيع المسلمين على أخذ لقاحات كوفيد-19 خلال فترة الصيام. وأوضحوا أن اللقاحات مباحة بموجب الشريعة وأن أخذ اللقاحات لا يفسد الصيام.

رسالة منظمة الصحة العالمية حول لقاح كوفيد -19 خلال شهر رمضان. المصدر: تويتر /WHOEMRO@

كيف ستعمل الطقوس الدينية على المضي قدمًا؟

من بين عدد كبير من الصور المستوحاة من التباعد الإجتماعي التي اجتاحت الإنترنت، كانت لقطة واسعة الانتشار لطفل يتم تعميده باستخدام مسدس ماء بلاستيكي. وأظهرت الصورة كاهنًا من ولاية تينيسي، الأب ستيفن كلاسيك، مرتديًا رداءه ويرتدي كمامة وهو يعمد طفلًا بينما يحافظ على مسافة مترين.

لم يكن الماء الموجود في المسدس البلاستيكي ماءًا مقدسًا، واندفع نحو الأب وليس الطفل لتأثير الفكاهة مع التأكيد على التباعد الإجتماعي وارتداء الكمامات كنهج صحي لإعطاء الأولوية لصحة الناس. طلبت الأسرة من الكاهن القيام بهذا الوضع كما تم نسخه من عدة منشورات للكهنة منتشرة عبر الإنترنت.

صورة مسرحية لكاهن يعمد طفلًا باستخدام مسدس لعبة. المصدر: Classic FM

ليست هذه هي المرة الأولى التي يجد فيها رجل دين طريقة إبداعية وآمنة لمواصلة العبادة وسط جائحة فيروس كورونا. في أبريل، بارك القس تيموثي بيلك، وهو قس في ديترويت، رواد الكنيسة بمدفع مائي بينما ظل المصلون في سياراتهم من مسافة بعيدة.

في السودان، كان للزعماء الدينيين تأثير كبير على مجتمعاتهم المحلية حيث ساعدوا في تسهيل حملات التطعيم. استضاف البعض مراكز التطعيم في مساجدهم وكنائسهم، بل ووعظوا باستمرار بأهمية اللقاح. وسلطوا الضوء على مخاطر فيروس كورونا وأهمية التطعيم الكامل في الوقت المناسب واتخاذ الإحتياطات في حالة إعادة فتح أماكن العبادة.

كان إمام ضريح الشيخ الميرغني في كسلا مثالاً للإمام الذي أصر على التباعد الإجتماعي وارتداء الأقنعة أثناء الزيارات. كما تم تنظيم عدد الأشخاص الذين يزورون الضريح للحماية من الإكتظاظ.

تباعد الرجال اجتماعيا أثناء أداء الصلاة في مقامات الشيخ الحسن المرغني بكسلا. المصدر: مجلة أنداريا

كما لعب معهد التشريع الإسلامي دورًا كبيرًا جدًا خلال الجائحة في السودان. وأصدرت فتاوى حول وجوب أخذ اللقاح في حال ذهابنا للحج، ووضحت كيف أن اللقاح يتماشى مع أمر الله تعالى أن نحمي أنفسنا والآخرين. قام المعهد بتوعية الجماهير بأن الحفاظ على النفس هو أحد لبنات الإيمان بالإسلام.

خاتمة

لا يزال هناك قدر هائل من المعلومات الخاطئة المتداولة في السودان حول سلامة وفعالية لقاحات كوفيد-19.حيث تعمل نظريات المؤامرة والمعلومات الخاطئة عن اللقاحات مجتمعة على تقويض استجابة الصحة العامة، بما في ذلك أخذ اللقاح. تحتاج الحكومة وأصحاب المصلحة الآخرون إلى تكثيف الجهود لإشراك القادة الدينيين وتثقيفهم ومساعدتهم على استخدام ما تعلموه لمساعدة أتباعهم على فهم قيمة التطعيم وطرق الوقاية الأخرى من كوفيد.

الدين جزء مهم من النسيج الإجتماعي والثقافي للعديد من المجتمعات. كما يتمتع القادة الدينيون بالقدرة على منع أو تسهيل تبني لقاحات كوفيد-19. نظرًا لمستوى تأثيرها العالي، فإن التدخلات التي تشرك رجال الدين كعوامل تغيير لتشكيل الآراء والتأثير على السلوكيات المتعلقة بكوفيد ضرورية لزيادة أخذ اللقاح.

تم التأكيد على أن تطعيم جزء كبير من المجتمع يكون أفضل طريقة للسيطرة على جائحة كوفيد-19. يحتاج الجمهور أيضًا إلى تقدير هبة الحياة التي منحها الله من خلال ضمان تطعيمهم لحماية أنفسهم من فيروس كورونا.