أظهر تامر صديق، المعروف باسم "روتيشن"، موهبة إستثنائية في الموسيقى منذ أول أغنية أطلقها عام 2015، على الرغم أن أغلب معجبيه يعتبرونه مغني راب فقط؛ إلا أنه يتميز بكتابة الأغاني وتلحينها سواءً كانت موسيقى ذات لون أفريقي أو ضمن فئة ريذم أند بلوز (R&B).
في هذه المقابلة، يتحدث روتيشن عن تجربته في مجال صناعة الموسيقى وبداياته، وكيف أن الراب لعب دورًا حاسمًا في المشهد السوداني، خصوصاً خلال الصراع المستمر في السودان. كما سيتحدث كيف ساهمت موسيقى الراب في تشكيل الهوية الثقافية للمجتمع السوداني بطرق مختلفة.
تامر صديق (روتيشن)، المصدر الفريق الإعلامي لروتيشن
البدايات: العائلة والإلهام وشرارة الإبداع
بدأت رحلة روتيشن الفنية منذ أكثر من تسع سنوات بأغنية "Green"، وهي شهادة على التشجيع الذي لا يتزعزع من أخيه الأكبر. لكن التأثير والإلهام الأكبر لروتيشن يأتي من دائرة أسرته. "أذكر جيدًا تلك الأيام عندما كان والدي يصطحبني إلى المدرسة، حيث كان مادحًا له الكثير من الأناشيد النبوية. حينها كان يدندن ألحانًا تتشكل للتو في رأسه، فيسجلها على جهاز تسجيل قديم. ثم بعد عدة أيام كان بإمكاني الإستماع للمدحة فأتذكر أن لحنها هو نفسه الذي كان يدندن به في طريقنا إلى المدرسة". ورث روتيشن عن والده هذه العملية الابداعية التي تجلت في أعماله، فأصبح يصنع اللحن في البداية ثم يكتب كلمات الأغنية.
لكن الإلهام يمتد إلى ما هو أبعد من العائلة بالنسبة لروتيشن، حيث إنه يدرك أهمية أولئك الذين يدفعونه للأمام، سواء من العائلة أو الأصدقاء. فيعلق: "بالحديث عن الإلهام، يتبادر إلى ذهني شخصان، أمي بالطبع هي حجر الزاوية، حيث علمتني أن العطاء هو أمر إلزامي لمن يهمني أمرهم، حتى في أحلك الظروف على المرء أن يواجه الحياة بقلب لا يخشى الصعاب." كما ترك صديقه المقرب محمد هاشم مطر بصمة لا تمحى. يوضح روتيشن: "لقد كان يمتلك قدرة رائعة على تحقيق التوازن بين عالمه الداخلي والعالم من حوله. لقد أمطر عائلته وأصدقائه بالحب والإهتمام، وحتى لو فارقنا فهو لايزال حياً في قلوبنا." تبرز قصة روتيشن قوة العائلة والشرارة التي يشعلها التشجيع، والتأثير الدائم لأولئك الذين يلهموننا لمواصلة الإبداع حتى في مواجهة تحديات الحياة.
الشهيد محمد هاشم مطر. المصدر مطر موفمنت على إنستقرام
الدروب المتقطعة:
المسيرة الفنية لروتيشن لم تكن مرصوفة بالورود. حيث يعترف بالوجود المستمر للعقبات ولكنه يعتبرها ضرورية لفهم الطبيعة الفريدة لكونك فنان راب. ويقول: "الصعوبات التي تواجه الفنانين تختلف من مغنٍ لآخر وعلى حسب تجربته الشخصية في الحياة نفسها".
ويشرح بالتفصيل العائقين الرئيسيين اللذين واجههما:
كسر الحواجز المجتمعية: مبدئياً يتذكر قائلاً: "كان ينبغي عليّ التغلب على المحرمات المجتمعية التي تواجه الفنانين السودانيين بالذات لأن المجتمع نفسه يحب الإستماع للموسيقى بشدة لكنه يواجه صعوبات في أن يكون هذا الفنان من العائلة. لقد استغرق الأمر بعض الوقت بالنسبة لعائلتي لكن في نهاية المطاف تقبلوا أن هذا هو الطريق الذي اخترته لنفسي وأنا أحبهم وأحترمهم كثيرًا لهذا الأمر."
الإستدامة المالية: "التحدي الثاني كان يكمن في الكيفية التي سأستطيع عبرها من الإستفادة ماديًا من شغفي للموسيقى حتى أتمكن من الإستمرار في هذا المجال عالي التنافسية. ومع ذلك، فإنني مؤمن أن الموسيقى التي أقدمها ليست مجرد منتج فهي هويتي، وهذا الإدراك غذى مثابرتي وساعدني على إبتكار أسلوب فريد."
ويؤكد روتيشن أن هذه التحديات أصبحت وقوده. ويقول: "عندما يكون المرء شغوفًا يمكنه رؤية الصورة الأكبر والإستمتاع بالرحلة مهما كانت شاقّة." قاده هذا المنظور إلى إعطاء الأولوية للحقيقة والإحترام في فنه. فيعلق: "لدي إيمان تام أن الفنون يجب أن تسير في خط واحد مع احترامك للمجتمع وفن الراب ليس إستثناء من هذا الأمر. الحقيقة لأنها الحقيقة، وجودها فقط يكفي لتحقيق كل شيء وليس في الموسيقى فحسب."
ويوضح قائلاً: "نحن مغني الراب غالبًا ما نتبنى أسماء مميزة ونستكشف شخصيات مختلفة. بل يمكن أن تتعدد شخصيات المغني نفسه والتي لا أعتقد أن هذا التباين في الشخصيات مشكلة تواجهنا نحن السودانيين، وبطبيعة الحال نمتلك هذه المشكلة في جذور ثقافتنا السودانية، حيث أن شخصياتنا في المنزل تختلف عن تلك التي في المدرسة وتلك التي في الحي. على الرغم من أن بعض مغنيي الراب يتطرفون في فصل شخصياتهم لكن يبقى الشيء المهم عند صناعة الموسيقى هو أن تكون حقيقيًا حيال الفن الذي تقدمه."
روتيشن. المصدر فريقه الإعلامي
تولد موسيقى الراب وتتخلق من رحم المجتمع، وتعكس الأزمنة والأماكن التي تنبثق منها. حيث كان هذا جلياً في تجربة "راب شارع" والتي كانت تمثل تمردًا على فكرة الحرب ومآلاتها المختلفة. كما أن للموسيقى دور كبير في تحقيق السلام وربما أكبر مثال على هذا الأمر هو بوب مارلي. يمكن لرسالة الفنان أن يتردد صداها حتى لو لم يختبر صانعها الأحداث التي يصورها. إن قدرة الفنان على إلتقاط جوهر هذه التجارب هي التي تخلق تعبيرًا فنيًا حقيقيًا.
في حين أن تأثير الموسيقى على المجتمع قد لا يكون مباشرًا كما كان من قبل، إلا أن موسيقى الراب لا تزال تلعب دورًا في تشكيل الثقافة السودانية، خاصة من خلال وسائل التواصل الإجتماعي. حيث يستفيد مغنو الراب البارزون من هذه المنصات للتواصل مع بعضهم البعض ومع جمهورهم.
التعاون مهم بالنسبة لروتيشن. فهو يتحمس لدعم زملائه الفنانين السودانيين ويتطلع إلى العمل مع زملائه، وسوف يصدر أغنية جديدة بعد شهر رمضان برفقة المغني "تقيل".
المصدر الفريق الإعلامي لروتيشن
بالنسبة لأولئك الذين يحلمون بمهنة موسيقى الراب، فإن نصيحة روتيشن هي "التركيز على التوازن، و عدم التعجل في الإصدارات لتحقيق مكاسب مالية أو شهرة عابرة. أول الأعمال هي التي تحدد نغمة حياتك المهنية بأكملها، لذا أعط الأولوية للجودة على الكمية. فالصبر ضروري."
كما يسلط الضوء على أهمية الإتساق، مما يجعل الإبداع عادة، و يقول "الحياة هي لوحتك، ارسمها بتجاربك، سواء كانت جيدة أو سيئة. الكتابة والتأليف المتسق سيصقلان مهاراتك ويحسنان صوتك."
الراب: صوت تعبيري للأجيال
لا يقتصر صعود موسيقى الراب السريع على الإيقاعات والقوافي الجذابة فحسب. إنها أداة قوية للمواكبة الإجتماعية والتعبير عن الذات، وهو تقليد إمتد من توباك شاكور إلى حركة "راب شارع" في السودان. إنه النوع الذي يعكس رغبات الشباب وواقعهم، وهو بمثابة منصة لهم ليتحدثوا عن حقيقتهم، بدون محاولات لإبهار أي شريحة وبدون أسف. وكما عبر روتيشن، لا يزال الراب شكلاً من أشكال الفن القوي الذي ساهم في تشكيله مبدعوه والمجتمعات التي يمثلها.