عندما تصبح الأمور صعبة يلجأ الكثير منا إلى الهروب من الواقع. إذا تم نقلك عبر الزمان والمكان إلى مكان لا داعي لتقلق فيه بشأن وضعك الحالي سيكون ذلك رائعًا. لذلك عندما ضربت جائحة كوفيد-19 قررنا بشكل جماعي الضغط على ALT + Shift. أملاً منا على إجبار الوضع إلى إعادة التشغيل.
لقد غيرت 2020 حياتنا إلى الأبد مع القيود المفروضة على الحركة والسفر، والأزمة المالية التي تركت الآلاف من العاطلين عن العمل، بالإضافة إلى التضخم المتصاعد. لكن الجنس البشري قادر على التكيف والعمل بالإجماع لإيجاد حلول للمشاكل التي طرحها عام 2020 ، وهو ما دفعنا إلى هذا الفصل الجديد من الحياة على الأرض.
سائق دراجة نارية وحيد في شارع فارغ في الخرطوم حيث أمرت الحكومة السودانية بالإغلاق الشامل لمنع انتشار فيروس كورونا. المصدر: أسوشيتد بريس
كوفيد كبطل رواية:هل المرض الشرير أم البطل المخالف للعرف؟
قد يجادل البعض بأن فيروس كورونا هو شرير تماماً بلا ندم أو حتى قصة تجعلك تتعاطف معه وتتفهم دوافعه. لقد قتل الآلاف وتحور من حين لآخر لجعل العالم يخشى أنه قد يكون لا يقهر أو يشبه لعنة يونانية. ناهيك عن أنه إذا لم يقتلك فقد ترك لك أزمة اقتصادية تفوح منها رائحة ركود مستقبلي، كل هذا يجعل كوفيد-19 أكبر شرير في الآونة الأخيرة.
ومع ذلك، مع تقدم الوقت أظهر فيروس كوفيد-19 علامات تدل على أنه شخصية رمادية أخلاقياً، حيث تركنا جميعًا نشعر بالإرهاق في أعقابه، لكنه علمنا دروسًا مهمة حول مكافحة العدوى والصحة العقلية، وكيف أن الهروب من الواقع ليس الحل أبدًا. و هناك إدراك بطيء توصلت إليه وسائل الإعلام عندما يتعلق الأمر بتصويرها لكوفيد-19.
كوفيد-19 في وسائل الإعلام: ما الرواية المحيطة به؟
رسم بياني يوضح مصادر معلومات كوفيد-19 التي لجأ إليها الناس على مستوى العالم. المصدر: المجلة الطبية البريطانية (BMJ)
كان هناك العديد من الميمات والأعمال الإبداعية المتعلقة بكوفيد-19 توصفه كحدث مروع، وربما حتى أنه حدث يمثل نهاية العالم. بينما ركزنا بشكل جماعي على الجوانب السلبية للفيروس، تكيف العالم ببطء لنشر الوعي والدعوة إلى تدابير الحماية. تحولت عدسة التركيز نحو كوفيد-19 كشيء نحتاج إلى التعامل معه على أساس يومي وكيف سنشفى من تداعياته كمجتمع.
إلى جانب تأثيره على الجهاز التنفسي، أثبت الفيروس أنه ثقيل جدًا على الصحة العقلية وكانت حربًا من أجل البقاء والولادة من جديد. أصبح هذا بالتأكيد عبئًا كبيرًا يجب تحمله ولجأ بعض الأشخاص إلى الهروب لأحلام اليقظة غير قادرين على التكيف- وهي تقنية تستخدم لمواجهة الواقع من خلال تخيل أنك في مكان آخر بظروف مختلفة بعيدًا عما تعتبره جحيمًا. وماذا يفعل الناس عند مواجهة فكرة الجحيم المتجسد؟ يفرون! مما أدى إلى ارتفاع ما يعرف الآن باسم كوتيجكور.
كوتيجكور. المصدر: https://www.gulleygreenhouse.com/
كوتيجكور هو جمالية ريفية أصبحت شائعة على منصات التواصل الاجتماعي مثل تمبلر وتيك توك وسرعان ما استحوذت على الإنترنت. كوتيجكور هي حركة جمالية تجمع بين أفضل مميزات المغادرة والعيش في كوخ في الغابة. إنها لمحة عن بساطة العيش حيث تكون الثمار طازجة دائمًا والهواء نظيفًا دائمًا والتكنولوجيا دائمًا بعيدة عن الأنظار. لا أحد يستطيع التواصل معك في جنة الغابة.
مع تحول موضوع المنفى المفروض على الذات إلى رواج عالمي، يطمع الناس في أن يتمكنوا من الهرب، ولكن وفقًا لخبراء الصحة العقلية فإن الهروب يضر بنفسيتهم في الواقع. بقدر ما قد يؤلم المرء نفسه فإن تأخير الإشباع والمعاناة للحظة في مواجهة الواقع والتوافق مع اللحظة في الوقت المناسب، ثم التعامل معها لاحقًا سوف يزيد الأمر سوءًا مع مرور الوقت.
تختلف طرق الهروب، لأنها تتقدم من الإنكار المعقول حيث تقنع نفسك باستخدام نوع من المنطق المشوه أن هذا في الواقع لا يحدث بل نوع من الحلم. على عكس الأحلام الواضحة لا يمكنك التحكم في نتائجها. لجأ بعض الناس إلى تعاطي المخدرات أو التركيز على موضوع ما. تبنى بعض الأفراد كونهم مدمني عمل على افتراض أن دفن أنفسهم في العمل أفضل من مواجهة حقيقة أن العالم يتغير ولا يمكننا التنبؤ بكيفية تطوره وإلى ماذا يتطور.
بالنسبة للعديد من العائلات، فإن وجودهم معًا في مكان واحد أظهر لهم جوانب من ديناميكياتهم التي لم يتوقعوها. استمتع البعض بمعرفة ذلك والعمل على حل المشكلات الأساسية بينما ركز البعض على المعاناة التي تبث على كل شاشة التلفزيون للهروب من الضيق في منازلهم. ومن المفارقات أن الوقت الذي كان يجب أن يجمع الناس معًا مزقهم، حيث ارتفعت معدلات الطلاق بشكل كبير مما يثبت للكثيرين أنهم كانوا في الواقع يهربون من مشاكلهم ويشتتون انتباههم عن الرتابة اليومية بدلاً من مواجهتها. بالنسبة للبعض، كانت هذه لحظة الإدراك، لكن آخرين قرروا الإستمرار في التزييف وأن كل شيء على ما يرام وانهمكوا في البرامج والأفلام مواصلين في دورة الهروب من الواقع.
مركز جبرة للعزل. المصدر: https://ultrasudan.ultrasawt.com/
خلال زيارتها لمركز جبرة للعزل، تحدثت أندريا إلى الأطباء هناك حول عملهم في علاج مرضى كوفيد-19، وأنه بعد شفاء المرضى من فيروس كورونا بدا أن الآثار النفسية اللاحقة هي الأعراض المراوغة. كشف أحد الأطباء أن بعض المرضى حاولوا الفرار من المنشأة خوفاً من حتمية الأمر. دفع هذا الطاقم الطبي إلى إجراء المزيد من الجلسات الفردية مع المرضى لمساعدتهم في الحصول على الدعم الذي يحتاجونه لصحتهم العقلية لأنه ضروري لشفائهم.
أخذتنا طبيبة نفسية في جولة حول المواضيع التي عملت عليها من خلال جلسة الإستشارة الخاصة بها، والتي تحدثت خلالها مع المرضى حول أعراضهم، وكيف يشعرون حيالها، وما الذي سيفعلونه بشكل مختلف بعد التعافي، وما الذي يتطلعون إليه بعد الخروج من المستشفى، وشعورهم بالبعد عن عائلاتهم، وكيف يتصورون لم شملهم.
أخصائي طبي خلال مقابلة مع أندريا. المصدر: أندريا
حكت لنا أنها تشركهم في الحوار بشكل احترافي وتحاول التأكد من أنهم يفهمون أنه كلما زاد إيمانهم بتعافيهم زادت الإحتمالات لصالحهم. أكدت الأخصائية النفسية أيضًا كيف يعمل كل متخصص طبي في هذه المؤسسة بلا كلل لمساعدة مرضاه على التعافي.
الأرض الجزء الثاني: كيف يمكن للعزلة أن تدفعنا إلى المزيد من الوحدة
أعتقد أننا تعلمنا جميعًا أن نقلل من كوننا ضيقي الأفق وأن نركز على الصورة الكبيرة بعد أن ضربها النيزك الذي يمثله الوباء. يجب أن تبدو المواضيع حول الوطنية وكراهية الأجانب غير مجدية عندما نمر بكارثة جميعًا معًا ككوكب.
في الماضي، كنا قادرين على الوصول بسهولة إلى زملائنا ولكن عندما يصبح الوصول امتيازًا فإنه يعلمنا أنه لا ينبغي لنا أبدًا أن نأخذ تجمعنا كأمر مسلم به. إنه الشيء الوحيد الذي أنقذنا بالإضافة إلى الإدراك العميق بأن الشجاعة وعدم الهروب هي السمة الرائعة التي أبقت جنسنا على قيد الحياة.
ومع ذلك، فإن ذروة الشجاعة هي الإعتراف بأن الأمر مرهق عقليًا ويستغرق وقتًا قبل أن تتعلم التمسك بموقفك وعدم البحث عن مخرج سهل. لقد علمنا الوباء أيضًا أن الهروب قد يعطي إرجاءًا مؤقتًا ولكن على المدى الطويل، سيؤخر عملية الشفاء من التأثير النفسي الذي قد يحدثه هذا الحدث على الصحة العقلية للفرد.