هذا المقال متوفر أيضاُ باللغة English

لقد كان الأمر قاسياً. أنشدنا النشيد الوطني، ورقصنا في الشوارع، ومع ذلك، أُطلق علينا الغاز المسيل للدموع. في عام 2024، كما في الأجيال التي سبقتنا، أصبحت الموسيقى صرختنا في وجه الظلم، وأسلوبنا في الاحتجاج، وطريقتنا في المطالبة بالتغيير.

 

رواية القصص متجذرة بعمق في الثقافة الإفريقية، وكينيا ليست استثناءً. فقد ساعد هذا التقليد الغني في نقل التاريخ من جيل إلى جيل، وغالباً ما يتم ذلك من خلال أشكال فنية تلامس الناس. لطالما كانت الموسيقى، على وجه الخصوص، وسيلة قوية لرواية القصص منذ زمن بعيد. من الإيقاعات الجريئة لأغنية Unbwogable في أوائل الألفينات إلى الأناشيد المؤثرة في السنوات الأخيرة، لطالما لجأ الكينيون إلى الموسيقى للتعبير عن غضبهم، وآمالهم، وصمودهم.

 

احتجاجات جيل زد والموسيقى كمقاومة


صورة لمتظاهرة خلال احتجاجات الجيل Z؛ تصوير تريفور مالوبا


كان عام 2024 عاماً مليئاً بالاضطرابات. خرج الشباب الكينيون إلى الشوارع بأعداد غير مسبوقة، مطالبين بالمساءلة والعدالة والتغيير. لم يحملوا معهم سوى لافتات وهتافات وأصواتهم، ووقفوا متحدّين ضد نظاماً خذلهم. لكن ردّ الحكومة كان وحشياً، فقد أكثر من واحد وستين شخصاً حياتهم بسبب عنف الشرطة، وأُصيب عدد لا يُحصى، وقُوّضت الاحتجاجات السلمية بالقنابل المسيلة للدموع والعنف.

 

ورغم كل ذلك، أصبحت الموسيقى درعاً وسلاحاً في آنٍ واحد. غنّى المتظاهرون وهم يسيرون، فارتفعت أصواتهم فوق ضجيج الفوضى. كانت أغنيات التحدي والتذكير والصمود تتردد في الشوارع، لتؤكد أن الدولة، مهما حاولت إسكاتهم، لن تنجح في كسرهم.

 

أغنية فانسي فينغرز "لن ننسى أبداً" ولغة الفقد


الغلاف البصري لأغنية لن ننسى أبدًا. المصدر: سبوتيفاي

 

قام فانسي فينقرز، أحد أعضاء فرقة ساوتي سول الأسطورية، بتوثيق هذه اللحظة التاريخية من خلال ألبومه القصير بعنوان "لن ننسى أبداً". لم يكن المشروع مجرد موسيقى فحسب، بل تحول إلى نصب تذكاري، وكبسولة زمنية تحمل الحزن، والغضب، والأمل.

 

واحدة من أكثر الأغاني المؤثرة في هذا العمل كانت "لالا توتو لالا"، والتي جاءت كأغنية تهويدة للشباب الذين فقدوا حياتهم بسبب وحشية الشرطة. كانت الألحان الناعمة تتناقض مع الواقع القاسي لموت الشباب على يد من كان من المفترض أن يحموهم. كانت الأغنية مرثية، ورسالة حب، وتأملاً وطنياً في الخسائر التي لا تُعوض.

 

أما أغنية "أذكروا أسماءهم"، فقد ذهبت أبعد من ذلك، مؤكدة أن من سقطوا لن يُنسَوا. ففي بلد غالباً ما تُمحى فيه المظالم بالصمت، أصرت هذه الأغنية على أن تُذكَر تلك الأسماء، تلك الأرواح، وألا تُمحى من الذاكرة.

 

ثم جاءت أغنية "ويبس زا زاكايو"، وهي نقد جريء لإخفاقات الحكومة. من خلال كلمات حادة وإيقاعات قوية، انتقد فيها فانسي فنقرز القيادة التي خذلت شعبها. لم تكن الأغنية مجرد احتجاج، بل كانت بمثابة اتهام صريح.

 

فنانون آخرون ينضمون إلى صوت المقاومة الجماعي


غلاف أغنية ديك ديك ديك. المصدر: سبوتيفاي


لم يكن فانسي فينقرز وحده في هذه الحركة. فقد انضم فنانون آخرون إلى المسيرة، مستخدمين منصاتهم كمساحات للنشاط والمقاومة. عبّر الفنان كاريسما، المعروف بلقب باسم لوهيا هيت، عن غضب وإحباط الشباب بصوته ورسائله، بينما جاءت أغنية "ديك ديك ديك" لإريك وايناينا لتجسد إلحاح اللحظة، مذكّرة الكينيين بقوة الجماعية لشعب يرفض الصمت.

 

كان التعاون عنصراً أساسياً في هذه المقاومة. فقد اجتمع كلٌّ من نجوكي كارو، وأوتشيكو، وليزا أودور-نوح، وجوجو، ومورديكاي ديكس، وإيتس ديكو، لصناعة موسيقى ألهمت وحفزت في آنٍ واحد. لم يكن الأمر يقتصر على أغاني فردية، بل كان حركة وتحولاً ثقافياً، وإعلان واضح أن الكينيين لن يتراجعوا.

 

دور الفن في النضال الكيني والذاكرة الجمعية


تتمتع كينيا بتاريخ طويل من استخدام الفن لمقاومة القمع. فمن أغاني الاحتجاج في حقبة الاستعمار إلى الأناشيد السياسية بعد الاستقلال، كانت الموسيقى دائماً أداة للتغيير. وجاءت الأغاني التي وُلدت من احتجاجات عام 2024 لتُكمل هذا الإرث. إنها جسر يربط بين الأجيال، ينقل روح من سبقوا، وينير الطريق لمن سيواصلون النضال.

 

رواية القصص من أجل المستقبل


ليست هذه الأغاني مجرد ألحان، بل هي تاريخ حي. إنها توثّق الألم، والنضال، والصمود لشعب رفض الصمت. وتذكّرنا بأن بأهمية أصواتنا، وأن للموسيقى قوة، وأن رواية القصص هي شكل من أشكال المقاومة.

 

حين نغنيها، فإننا نُكرم من ساروا في الصفوف الأمامية. نُحيي ذكرى من فقدناهم. ونُذكّر العالم أن نضال كينيا من أجل العدالة لم ينتهِ بعد.

 

واليوم، مع ظهور تحديات جديدة وتطوّر إيقاعات المقاومة، تظل هذه الموسيقى تذكاراً قوياً بأن الكفاح من أجل العدالة لا يهدأ أبداً، وأن موسيقى التغيير لا تتوقف عن العزف.


نغينا موالوكو

نجينا موالوكو هي صحفية إذاعية، ومقدمة بودكاست، وراوية قصص شغوفة بسرد الحكايات الإفريقية من منظور أفريقي. تركز في أعمالها على التاريخ الإفريقي، والموسيقى، والفنون، مستخدمة صوتها كوسيلة للاحتفاء بالإرث الثقافي الغني للقارة والحفاظ عليه.