تحذير وإخلاء المسؤولية: المحتوى الذي أنت على وشك قراءته يحتوي على تجارب مصورة وحساسة من رواندا. ننصح القارئ بالتقدير وحرية الإختيار. اقرأ إشعارنا التحريري الكامل هنا.
الكابوس
في صباح يوم 14 أبريل، كان قلب قاسم موتونزي مثقلًا بالفزع واليأس، تمامًا مثل بقية من هم من عرق التوتسي الذين كانوا يخشون أن يذبحوا في المذبحة المدبرة. باحثًا عن ملجأ، صعد في سقف أحد الجيران من عرق الهوتو، آملاً في الهروب من القتلة الذين تعهدوا بإنهاء حياته.
كان هذا بعد أسبوع واحد فقط من بدء الإبادة الجماعية ضد التوتسي عام 1994، والتي أودت بحياة أكثر من مليون شخص بريء. يتم إحياء ذكرى أهوال هذه الفترة المظلمة في رواندا لمدة 100 يوم سنوياً، تبدأ من 7 أبريل وتستمر حتى 4 يوليو - الوقت الذي توقفت فيه الإبادة الجماعية.
كان موتونزي، الذي كان يبلغ من العمر 19 عامًا فقط، قد ترك جدته وإخوته وراءه داعياً الله أن يظلوا بأمان في غيابه. كان يسمع صوت راديو في غرفة مجاورة وهو متقرفصاً في مخبأه. فجأة، تحققت أسوأ مخاوفه عندما قرأ صحفي في الراديو اسمه على قائمة التوتسي الذين كان من المقرر مطاردتهم وقتلهم في اليوم التالي.
يتذكر موتونزي سماع الصحفي في الراديو يقول: "إنها الساعة الثانية بتوقيت كيقالي، وهذه قائمة بأسماء الصراصير المختبئة والتي يجب التعامل معها على الفور. آمل أن يكون أبطالنا في حواجز الطرق والأحياء عبر كيغالي يستمعون". يتذكر موتونزي قائلاً: "لقد أحسست بالخوف الشديد". "كنت أعرف ماهية إذاعة RTLM وعرفت حينها أن كل قاتل في كيغالي كان يسعى ورائي. والأسوأ من ذلك، كانت عائلتي وأصدقائي في خطر أيضًا." بقلب مثقل، كان يعلم أنه مضطر لمغادرة المنطقة على الفور.
ملصق لمسرحية راديو الكراهية التي تستعيد دور وسائل الإعلام خلال الإبادة الجماعية التي وقعت عام 1994 ضد التوتسي، ولا سيما إذاعة RTLM التي تم بثها في أوائل التسعينيات. المصدر: أنجي إليزا
بفضل حظه ودهاءه، تمكن موتونزي من الحصول على بطاقة هوية مزورة باسم وعرق مختلفين، مما سمح له بالفرار من البلاد. لكن تكلفة هروبه كانت باهظة حيث كانت جدته وشقيقه من بين العديد من الضحايا الأبرياء للإبادة الجماعية.
قصة موتونزي هي مجرد واحدة من العديد من الذين وقعوا ضحية راديو RTLM، وهي محطة إذاعية كان يمولها رئيس رواندا في ذلك الوقت، جوفينال هابياريمانا، بالإضافة إلى بعض أغنى مواطني البلاد بما في ذلك فيليسيان كابوغا. يخضع كابوغا حاليًا للمحاكمة في لاهاي لدوره في تمويل وتنظيم الإبادة الجماعية في رواندا. أصبحت المحطة الإذاعية مرادفة للإرهاب وتطارد الناجين وأجيال المستقبل على حد سواء.
المسرحية
بعد تسعة وعشرين عامًا، من 6 - 10 أبريل 2023، أعاد المخرج المسرحي السويسري ميلو راو، المعروف بمسرحياته الفنية والإستفزازية في أوروبا، راديو RTLM إلى كيغالي في شكل مسرحية في محاولة لتسليط الضوء على الدور الذي لعبه خطاب الكراهية في دفع الصراعات والإبادة الجماعية في حالة رواندا.
في استوديو زجاجي مستطيل مضاء جيدًا يقع في وسط إحدى غرف مركز مؤتمرات كيغالي، يتناوب ثلاثة صحفيين وهم ديوجين نتاريندوا وبوانغا بيلي بيلي وسيباستيان فوكو، في الصياح والصراخ في الميكروفونات. بفضل تنسيقه الصاخب، يمكن أن يمثل ذلك أي عرض في الفترة 1993-1994 في RTLM؛ كان هناك أناشيد واستقبال مكالمات هاتفية ونشرات إخبارية وأحدث الأغاني الناجحة من Nirvana و Reel 2 Real.
الصندوق الزجاجي الخافت الذي كان بمثابة مسرح لممثلي راديو الكراهية كما تم عرضها لأول مرة في كيغالي. المصدر: أوليفر موجويزا
في الواقع، شاهد الجمهورإعادة تمثيل لبث نموذجي من RTLM الذي كان يُعرف أيضًا باسم "راديو المنجل". المسرحية عبارة عن اعتداء عاطفي قاسٍ مليء بالقصص المروعة للناجين والوجه الإنساني للكراهية.
إن وحشية الإبادة الجماعية في عام 1994 ضد التوتسي والأحداث التي أدت إليها هي رعب خالص في راديو الكراهية. الشيء الوحيد الذي ينقذ الجمهور من الإنهيار التام هو معرفة أن ما تشاهده هو فن وأن ما يقرب من ال 30 عامًا تفصل الجمهور من الأيام المروعة للإبادة الجماعية التي تم تصويرها على خشبة المسرح. مسرحية "راديو الكراهية"، التي تم عرضها في 28 دولة في أنحاء أوروبا والأمريكتين، مشتقة من 1200 صفحة من النصوص الفعلية للراديو. يصور الإنتاج بعض الصحفيين المشهورين في الإذاعة بما فيهم فاليري بيمريكي التي تؤديها بوانجا بيلي بيلي، وهي ممثلة كونغولية مقيمة في بلجيكا. تقضي بيمريكي حاليًا عقوبة بالسجن مدى الحياة لتورطها في الإبادة الجماعية.
وظهر في المسرحية صحفي آخر وهو جورج روجيو ألماني الجنسية وهو الوحيد غير الرواندي المدان بالتورط في الإبادة الجماعية. قضى 12 عامًا في السجن حتى إطلاق سراحه في عام 2009. والصحفي الثالث في المسرحية، كانتانو هابيمانا، أحد أشهر مقدمي برامج الإبادة الجماعية على RTLM ، و الذي توفي في جمهورية الكونغو الديمقراطية في عام 2002. يقول منتج المسرحية إنها تعمل على تثقيف الشباب حول كيفية عمل خطاب الكراهية والدعاية له، وكيفية الكشف عنه والتصدي له.
يشاهد الجمهور أحد المشاهد التي يظهر فيها الصحفي الألماني جورج روجيو المدان بالضلوع في الإبادة الجماعية. المصدر أوليفر موجويزا
التحذير
بينما تتصارع شتى المجتمعات مع التهديد المتزايد باستمرار خطاب الكراهية الذي تضخّمه وسائل التواصل الإجتماعي، أصبحت مسرحية "راديو الكراهية" أكثر أهمية من أي وقت مضى. على خلفية المخاوف المتزايدة بشأن خطاب الكراهية والعنف ضد الروانديين والكونغوليين الذين يتحدثون لغة كينيارواندا في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، أصدرت الأمم المتحدة تحذيرات رهيبة من إبادة جماعية محتملة.
مشهد من مسرحية "راديو الكراهية" التي قام بتمثيلها صحفيون. المصدر أوليفر موجويزا
في نوفمبر من عام 2022، ذكرت أليس وايريمو نديريتو المستشارة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بمنع الإبادة الجماعية، أن العنف الحالي هو مؤشر واضح على هشاشة المجتمع وتذكير مقلق بالظروف التي أدت إلى الإبادة الجماعية في الماضي. على الرغم من التحذيرات والواقع على الأرض، يدق المراقبون والأكاديميون ناقوس الخطر بأنه يتم تجاهل علامات الخطر الوشيك، بالرغم من صدى الماضي الأليم الذي مر به الروانديون.
من الضروري ألا يُنسى الإلتزام الذي تم التعهد به منذ 75 عامًا "بأن لا يحدث ذلك مرة أخرى" متعظين من تاريخ المحرقة، وأن يتم اتخاذ خطوات لمنع حدوث مأساة مرة أخرى. في هذا المناخ يعتبر "راديو الكراهية" بمثابة تذكير صارخ بالقوة التدميرية لخطاب الكراهية والحاجة الملحة إلى إتخاذ تدابير ضده.