بقدر ما تضررت البنية التحتية ، كان الفنانون والحياة الثقافية الأكثر تأثراً بنظام الإنقاذ. المسرح شوهد في مدني و مصدر الصورة: أندريا
إبراهيم عابدين عبد الرحيم محمد صالح كاتب وناقد وصحفي ومدرّس من مواليد 1960م بالولاية الشماليّة بالسودان (منطقة الغابة). تشكّلت شخصيته خلال السّبع سنوات الأولى بالطبيعة السّاحرة للولاية الشّماليّة وقد حلم في طفولته بالرعي لتلك الصورة الخيالية التي كان يراها في الراعي من اكتشاف العوالم المختلفة في الصحراء وشريط النيل فكان طفلاً ذو رؤية مختلفة. بعد ذلك انتقل للتعليم بمدينة أمدرمان بالمرحلة الإبتدائية ثم الثانوي العام بمدرسة بكّار بحي الثورة بامدرمان.
كانت هوايته القراءة منذ أن كان صغيراً، وقد كانت أول كتاباته مقال نقديّ عن أغنية نورة للفنان جبارة والشاعر محمد الحسن سالم حميد بعمر العشرون عاماً. فقام بإرساله للصحفي عيسى الحلو عندما كان يعمل بالملحق الثقافي لجريدة الأيام، وقد نُشِرَ بالفعل هذا المقال وكانت هذه البداية التي اتجه بها للنقد قبل أن يعي أنه نقد بأركانه الكاملة.
كان إبراهيم يكتب الشعر والقصة القصيرة أيضاً، إضافة للنقد. فالبداية النقديّة كانت بالتعليق على الأغاني والكتابة عنها، ثم بعد ذلك نشر في الملحق الثقافي لمجلة الإذاعة والتلفزيون الكثير من المقالات الفنيّة، القصص القصيرة، و البرامج الثقافية الخاصة بالجمعيّات الأدبية.
درس إبراهيم آداب و فلسفة في جامعة القاهرة فرع الخرطوم -النيلين حالياً- و أسس مع الكثيرين بالجامعة جمعيّة "التراث والثقافة العربيّة" التي كانت تهتم بالشأن الثقافي وكانت ذات توجه بعثي عربي إشتراكي. كما كان يشارك ايضاً في العمل الثقافي بجمعية إرهاص الثقافيّة القائمة بنفس الوقت (و كانت خاصة بالجبهة الديموقراطيّة). عمل بهما معاً حتى السنة الثالثة بالجامعة بعدها أصبح لديه توجه سياسي فانضم لحزب البعث العربي الإشتراكي للهويّة التي شكلتها القراءة لديه، خاصة تلك الكتب والروايات التي تطرح موضوع الوحدة العربيّة بشكل لافت يطرب له الوجدان.
من أهم التجارب التي مرّ بها في حياته وعندما كان في الثالثة والعشرون عاماً، هي الفترة التي وقعت فيها حرب إيران والعراق عام 1983م. فقد ذهب للحرب ضمن الجيش الشعبي في بغداد، مسلحاً بإيمانه بالقضيّة بتكليف من الحزب. وانتظم في تدريب عسكري ثم انتقل للجبهة ومكث فيها ستة أشهر قبل العودة إلى السودان بغرض إكمال العام الدراسي بالجامعة. بعدها انتظم في العمل السياسي بشكل كبير مما قلل اهتمامه بالعمل الثقافي في تلك الفترة، مما أثّر عليه كشاعر وكاتب قصة وناقد.
قامت الإنتفاضة الشعبية ضد الرئيس جعفر نميري في أبريل عام 1985م واعتُقِل لمدة خمسة عشر يوماً بذلك العام، وتم الإفراج عنه بسقوط نظام الحكم، بدأ حزب البعث التجهيز لإنتخابات عام 1986م وكان من الكوادر النشطة التي تعمل بهذا الشأن داخل الحزب. لم يحز الحزب على أي مقعد في تلك الإنتخابات فبدأ التفكير بعد هذه الإنتخابات بسؤال مهم: هل مشكلة السودان ودول العالم الثالث سياسيّة أم ثقافيّة؟ وخَلُصَ إلى أن الثقافة بإمكانها فعل الكثير وأن المشكلة ثقافيّة بالمقام الأول وليست سياسية. فقدّم استقالته وانتهت علاقته بالعمل السياسي بشكل مباشر أو منظّم وظلّت قناعاته كقومي عربي قائمة، وتجربته السياسيّة أضافت له كمثقف وكاتب.
بعد تخرجه من الجامعة عمل كصحفي فأشرف على الملف الثقافي بصحيفة "البديل السياسي" ثم قام بتأسيس مجلة "البلد" مع مجموعة من الصحفيين والمثقفين عام 1987م. كان مسؤول عن العمل الثقافي بها، و تم إصدار سبعة أعداد منها ثم توقفت مع انقلاب 1989م بعوامل ماديّة وسياسيّة. من الجدير بالذكر أن عابدين كان عضو نقابة الصحفيين قبل وصول المؤتمر الوطني للحكم أيضاً عام 1989م.
تمت سرقة جميع أفكار الملاحق الثقافية من قبل الإنقاذ فتم تأسيس ملاحق ثقافيّة بنفس الطريقة التي كانت تعمل بها الملاحق الثقافيّة في تلك الفترة بعد أن أوقفوها، لكن بتوجهات مختلفة ومؤدلجة. وتم تقديم طلب للأستاذ إبراهيم عابدين لكنه رفض العمل مع النظام الإنقلابي الديكتاتوري الشمولي، مدافعاً عن قضيته. فكان هذا أول إنتهاك له بإبعاده عن الصحافة التي كانت حلمه.
بدأ العمل بمنظمة الأمل للأطفال فاقدي السند في الفترة ما بين 1989م إلى 1991م إلى أن تم إيقافها أيضاً من قبل الإنقاذ، بعدها اتجه للتدريس في مدينة ودمدني كمهنة ليست بعيدة عن مشروعه العام في نشر الثقافة والوعي ونشاطه في العمل الثقافي. تدرّج في التدريس حتى وصل لمدير مدرسة ثم مدير التعليم الخاص بوزارة التربية والتعليم في ولاية الجزيرة بعد ثورة ديسمبر المجيدة التي قامت بالسودان عام 2018م.
كان عضواً في رابطة الجزيرة للآداب والفنون منذ بداية الثمانينيات ومؤسساً وعضواً بجمعية كنار الثقافية عام 1996، وعضواً في المنتدى الثقافي بنادي الخريجين ومن مؤسسيه أيضاً.
لم يتوقف عن الكتابة النقديّة إطلاقاً فنشر في الكثير من الصحف والملحقات الثقافية، كجريدة الأضواء والأيام والصحافة ومجلة الثقافة السودانية ومجلة الخرطوم، وبعض المجلات الالكترونية. تقدم في الكثير من المنابر الثقافية كناقد بتقديم الأوراق النقديّة مثل إتحاد الكتاب وجائزة الطيب صالح في مركز عبد الكريم ميرغني، وجائزة الطيب صالح للإبداع الروائي، ومجموعة "ريحة البن" بجامعة الجزيرة، والكثير من المنابر في ولايات السودان المختلفة. قدم عابدين الكثير من الحلقات عن الكتابة والنقد على إذاعة ود مدني ببرنامج "مدارات ثقافية"، و كان ناقد أساسي في كل البرامج الخاصة بتدشين الكتب في مدينة ودمدني، فكل الكتّاب يستعينون به لتقديم رؤيته حول العمل.
تم توقيفه من قبل حكومة المؤتمر الوطني في الكثير من المنابر وخاصة الندوات المهتمة بالفكر، و واجه التهديد واختلاق الأسباب مثل عدم استخراج تصديق للندوات والبرامج. إنه يعزي تأخره في نشر كتبه النقدية والشعرية والقصصيّة للكثير من الأسباب منها أسباب ماديّة وأسباب سياسيّة وعدم توفر السبل المتاحة للنشر في ذلك الوقت.
لديه ثلاثة كتب جاهزة وهي دراسات في القصة القصيرة ودراسات في الرواية ومجموعة قصصية، وكتاب عن النقد الروائي شارك به في جائزة الطيب صالح. كما أن لديه بعض المخطوطات لكتب أخرى منها نقدية، كمخطوطة عن الكتابة النسائية، فدراسة الفلسفة أثرت عليه في اتجاهه للنقد. عابدين يرى أن حركة النقد متأخرة كثيراً عن الكتابة في السودان، لذلك جعل مشروعه النقدي موازياً لمشروعه في نشر الثقافة والوعي كناشط في العمل الثقافي. من أحلامه تأسيس مركز ثقافي عالمي بمدينة ود مدني لتصبح هذه المدينة مدينة ثقافية وقبلة المثقفين والمفكرين من كل أنحاء العالم.
**
تم نشر هذه المقالة كجزء من سلسلة محتوى حول الفن و المقاومة والثورة . المشروع مدعوم من الصندوق العربي للثقافة والفنون والمجلس العربي للعلوم الاجتماعية ومؤسسة أندرو دبليو ميلون. الآراء المعبر عنها في هذا الإنتاج هي آراء صانعيها ومن أجريت معهم المقابلات ولا تمثل بالضرورة آراء المجلس العربي للعلوم الاجتماعية.