عدد كبير من حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي لا يتم الإبلاغ عنها أو يتم تجاهلها بسبب المحظورات المجتمعية المرتبطة بالموضوع. المصدر: الاتحاد الدولي لتنظيم الأسرة - أفريقيا
تُعد أدوار الجنسين في مجتمعاتنا أحد الأعمدة الرئيسية للتضامن المجتمعي، وكذلك من الركائز التي تقوم عليها العادات والأعراف الاجتماعية المتوارثة عبر الأجيال. ورغم أن مفهوم "الأدوار الجندرية" في عصرنا هذا أصبح موضع انتقاد ورفض من قبل الكثيرين، إلا أنني أعتقد أننا كمجتمع قد استفدنا منها بشكل كبير.
ولكن هناك بقعة داكنة على الثوب الأبيض: ألا وهي إساءة استخدام السلطة. صحيح أن العنف القائم على النوع الاجتماعي يطاول النساء والرجال على حد سواء، إلا أن الإحصاءات الأساسية تُظهر أن النساء يتعرضن له بدرجة أكبر بكثير من الرجال.
ووفقاً لتقارير حديثة، سجلت أوغندا أعلى نسبة من حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي في شرق ووسط وغرب إفريقيا، حيث تشير الأرقام إلى أن 60% من الفتيات والنساء الشابات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 13 و24 عاماً تعرضن لنوع واحد أو أكثر من أشكال العنف في طفولتهن. وفي التقرير نفسه، تبين أن 72% من فئة الشباب الأوغنديين (من 18 إلى 24 عاماً) قد مرّوا بتجربة عنف واحدة على الأقل قبل بلوغ سن الثامنة عشرة، بينما ترى 25% من الشابات في شرق إفريقيا أن تعرضهن للعنف الجسدي من أزواجهن أمر مبرر نتيجة القواعد والأعراف الاجتماعية.
ورغم غياب تقارير وإحصاءات رسمية جديدة حول العنف القائم على النوع الاجتماعي خلال فترة الإغلاق بسبب جائحة "كوفيد-19"، أفاد ناشطي قضايا النوع الاجتماعي في دول شرق إفريقيا بزيادة ملحوظة في حالات العنف المنزلي. ففي كينيا على سبيل المثال، وصلت الحالات إلى مستوى جعل الضحايا يخشون الإبلاغ عنها، وهو ما فاقم الوضع، إذ ارتفعت حالات الوفاة الناتجة عن العنف المنزلي بشكل لافت في أنحاء البلاد.
أما المسح الصحي الديموغرافي في أوغندا فقد أشار إلى أن 56% من النساء المتزوجات تعرضن للعنف الجسدي و/أو الجنسي من أزواجهن أو شركائهن الحاليين. وأظهر الاستطلاع أن العنف الزوجي كان أكثر شيوعاً في العلاقات التي تكون فيها المرأة أكثر تعليماً من زوجها، أو عند انتشار إدمان الكحول، أو عندما تكون الزوجة أصغر سناً بكثير من زوجها. كما لوحظ أن العنف الزوجي يميل إلى أن يكون أكثر شيوعاً في الزيجات المبكرة، وهو ما يرتبط بواقع أن معظم النساء في أوغندا يتزوجن بحلول سن الثامنة عشرة، وبعضهن قبل بلوغ الخامسة عشرة.
الأطفال المولودون في هذه الأسر هم الأكثر معاناة. يتعرض هؤلاء الأطفال للإهمال ويواجهون خطرًا أكبر للعنف الجسدي والنفسي. كما أن الأطفال الذين يشهدون العنف المنزلي يواجهون خطراً متزايداً في تبنّي سلوكيات عنيفة بأنفسهم. هذه السمة المتوارثة للعنف تُعَدّ مصدر قلق بالغ، خاصة في ظل حقيقة أن العنف حاضر في أكثر من 50% من المنازل في أوغندا. وتُسهم الثقافة والعادات الإفريقية في إيجاد ثغرات تسمح بمرور معظم هذه الحالات دون توثيق أو عقاب.
أتاحت الأعراف والتقاليد الثقافية في مجتمعات شرق إفريقيا ثغرة تُشرعن شكلاً واضحاً من الإساءة، إساءةٍ مخفية في وضح النهار يراها الجميع لكن لا أحد يتحدث عنها. المصدر: ذا ستاندرد
الأسباب والتبعات
إن استمرار مسلسل قتل النساء في كينيا يسلط الضوء على الانتظام المقلق للعنف القائم على النوع الاجتماعي في شرق إفريقيا. وقد دعا الناشطون الحكومات إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات لحماية النساء.
ومن أبرز القضايا التي هزّت الرأي العام، قضية ريتا وايني، طالبة تبلغ من العمر 20 عاماً، وُجدت مقتولة ومشوّهة الجسد في شقة مفروشة بالعاصمة نيروبي. وقبل أيام قليلة، عُثر على نجمة إنستغرام الشهيرة ستارليت واهو، البالغة 26 عاماً، مقتولة في غرفة مستأجرة عبر Airbnb، بعد أن نزفت حتى الموت جراء طعنة قاتلة من رجل تعرفت عليه عبر الإنترنت. وهما حالتان من أصل أربع جرائم قتل على الأقل متصلة بالنوع الاجتماعي أُبلِغ عنها في كينيا في السنوات الأخيرة.
ويُعزى المعدل المرتفع للعنف ضد النساء والفتيات في شرق إفريقيا إلى استمرار الأعراف الجندرية الضارة، وانتشار إدمان الكحول، وتفاقم الفقر، إضافة إلى العنف في الأحياء العشوائية الحضرية ومناطق النزاعات. كما أن عنف الشريك والخوف من التعرض للإيذاء يمنعان الفتيات من رفض العلاقات الجنسية ويقوضان قدرتهن على التفاوض بشأن استخدام وسائل الوقاية. ويُفاقم الوضع انتشار ممارسات ضارة أخرى مثل ختان الإناث وزواج القاصرات.
وفي سبع دول من المنطقة، أفاد نحو 20% من الفئة العمرية بين 15 و24 عاماً بأنهم تعرضوا للعنف الجنسي من شريك حميم. كما تُسجل أعلى معدلات العنف الجنسي ضد المراهقين الأصغر سناً (15 عاماً وما دون) في دول النزاعات وما بعد النزاعات مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا وجنوب السودان. وتشير التقديرات إلى أن النساء والفتيات ذوات الإعاقة أكثر عرضة بما يصل إلى عشرة أضعاف للعنف الجنسي، حيث تتراوح النسبة بين 40% و68% من الفتيات ذوات الإعاقة دون سن الثامنة عشرة اللواتي يتعرضن لعنف جنسي. ومن المقلق أن أقل من 10% من المراهقات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و19 عاماً واللواتي تعرضن للجنس القسري طلبن مساعدة مهنية، بسبب الخوف والوصم الاجتماعي والتمييز ونقص الخدمات.
توجد تشريعات مراعية للنوع الاجتماعي في جميع دول شرق إفريقيا تُجرّم بشكل خاص العنف المنزلي. لكن للأسف، غالباً ما تكون هذه التشريعات محدودة النطاق والتغطية أو لا يتم تطبيقها بالشكل المطلوب. وهو ما يؤدي إلى ضعف التركيز على الإبلاغ عن حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي في المنطقة.
وتكون العواقب عادة خطيرة على المستويات العاطفية والنفسية والجسدية. إذ إن ممارسات مثل الضرب، الاغتصاب، هتك العرض، التحرش الجنسي، ختان الإناث، الزواج القسري، توريث الأرامل، والإساءة اللفظية وغيرها، شائعة للغاية وتؤدي إلى تبعات صحية خطيرة، خصوصاً على النساء والفتيات. ولا تقتصر هذه التداعيات على النساء وحدهن، بل تمتد لتطال جميع مستويات الأسرة، حيث يكون الأطفال هم الأكثر تضرراً.
أثرت القيم الاجتماعية والثقافية في العديد من المجتمعات بشرق إفريقيا سلباً على حرية النساء في التعبير عن تجاربهن مع العنف القائم على النوع الاجتماعي ومشاركتها دون التعرض للسخرية. المصدر: هيئة الأمم المتحدة للمرأة – إفريقيا
مواجهة المشكلة بشكل مباشر
لا تقتصر القدرة على مكافحة العنف على حزب أو جهة معينة، بل تشمل المجتمع بأسره، بما في ذلك الأجهزة الحكومية والقوانين والمجتمع نفسه.
يُعد التعليم على جميع المستويات من أقوى الحلول وأكثرها فاعلية لمكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي. فهو سلوك مكتسب، مما يعني أنه يمكن يمكن التخلص منه أو تغييره. وكل أداة أخرى لمكافحة العنف ما هي إلا امتداد للتعليم.
تحتاج النساء إلى معرفة حقوقهن، وكيفية الإبلاغ عن العنف، وكيفية رفض المعايير الضارة المتعلقة بالنوع الاجتماعي. كما يحتاج الرجال إلى فهم كيفية قيام الهياكل الأبوية بخلق هذه المعايير الضارة، وكيف تساهم سلوكياتهم في ديناميات غير صحية. وتحتاج المجتمعات معرفة شكل العنف القائم على النوع الاجتماعي وكيفية التصرف عند مواجهته. كما يجب على الميسرين فهم الأسباب الجذرية للعنف القائم على النوع الاجتماعي على المستويات الوطنية والإقليمية والمجتمعية.
تشمل العوامل الأخرى التعمق في جذور المشكلة، والتي غالباً ما ترتبط بأنظمة التهميش والهياكل الأبوية في المجتمع المعني (خاصة في بعض الدول التي لديها أسوأ سجل في حقوق النساء). سيساعد هذا في إيجاد طرق أفضل لمعالجة هذه الأنظمة وإيجاد بدائل مستدامة لجميع الأجيال والأجناس لكسر العادات الضارة.
تشمل الحلول الأخرى إبقاء الفتيات في المدرسة، ومواجهة العادات والتقاليد المجتمعية الضارة بالمجموعات المستهدفة، والانتباه بشكل خاص إلى الفئات الأكثر عرضة للخطر، وإيجاد بدائل غير ضارة للتقاليد الضارة، وإشراك الرجال كحلفاء لمكافحة إساءة النوع الاجتماعي، والأهم من ذلك الإيمان بالضحايا ودعمهم. فالضحايا سيكونون أقل خوفاً من الانفتاح ومشاركة مخاوفهم وتجاربهم إذا دعمناهم دون إصدار أحكام عليهم.
يمكننا تغيير التشريعات أو تحسين الوصول إلى الخدمات، مثل الرعاية الوقائية أو بعد التعرض للعنف، لكن لا شيء سيتغير إذا لم نؤثر على المجتمع. يبدأ ذلك من القاعدة الشعبية ومن القادة الحكوميين والدينيين وزعماء العشائر. ويجب أن يكون هذا الانخراط مستهدفاً، قائماً على تحليل دقيق للوضع، ومدعوماً ببيانات نوعية مفصلة وقابلة للمقارنة عالمياً.
معاً، يجب أن نلتزم بجعل العالم مكاناً أكثر أماناً للنساء والفتيات وللآخرين المستهدفين بسبب هويتهم الجندرية. إنه جهد جماعي ممكن التحقيق إذا كان الدافع صحيحاً والهدف موحداً.