أُعيدت كتابة التاريخ مؤخراً، في عالم الفن العالمي، والاسم الذي نُقش الآن بأحرف من ذهب هو جولي مهريتو. حيث ارتقت الفنانة الأمريكية من أصول إثيوبية إلى آفاق غير مسبوقة، و سجّلت رقماً قياسياً جديداً كأعلى سعر يُدفع مقابل عمل لفنان إفريقي في مزاد.
فقد أسرت تحفة الفنانة، وهي لوحة تجريدية بعنوان "المشاة مع الفجر والصباح"، أنظار عالم الفن وبيعت بمبلغ مذهل بلغ 10.7 مليون دولار في مزاد سوذبيز بنيويورك في أواخر 2023 . هذه اللحظة المفصلية لا تسلط الضوء فقط على الموهبة الاستثنائية لمهريتو، بل تعكس أيضاً الاهتمام المتزايد بالفن الإفريقي المعاصر، وخاصة في مجال اللوحات التجريدية.
جولي مهريتو تحضر حفل عشاء "مساندة النساء" الذي أقامته مؤسسة كيرينغ في مطعم ذا بول ببارك أفينيو، في 15 سبتمبر 2022، بمدينة نيويورك. المصدر: ديا ديباسوبيل.
هذه القطعة الفنية التي حطمت الأرقام القياسية، والمُنفذة باستخدام الحبر والأكريليك على القماش، استمدت اسمها من قصيدة للشاعر لانغستون هيوز تعود إلى عشرينيات القرن الماضي. صُممت لوحة "المشاة مع الفجر والصباح" كجزء من استجابة مهريتو لإعصار كاترينا المدمر في عام 2005، وتأثيره العميق على مدينة نيو أورلينز. وقد شهد المزاد، الذي كان حدثاً درامياً بحد ذاته، تنافساً محتدماً بين مزايدين شغوفين على هذه التحفة الفنية. ومع الوصول إلى السعر النهائي البالغ 10.7 مليون دولار بعد احتساب الرسوم، ترسخت مكانة مهريتو كواحدة من أبرز الرسامات في عصرنا الحالي.
"المشاة مع الفجر والصباح" هي لوحة تحمل اسمها من أحد أعمال الشاعر البارز في حركة نهضة هارلم، لانغستون هيوز. المصدر: بي بي سي نيوز.
ولدت جولي مهريتو في عام 1970 في أديس أبابا، إثيوبيا، وكانت رحلتها في عالم الفن مسيرة من الابتكار المستمر والتقدير المتزايد بموهبتها. شملت مسيرتها الأكاديمية الدراسة في جامعة الشيخ أنتا ديوب في داكار، وكلية كالامازو في ميشيغان، ومدرسة رود آيلاند للتصميم في بروفيدنس، حيث حصلت على درجة الماجستير في الفنون الجميلة عام 1997.
ومن بين الجوائز التي حصلت عليها: جائزة برلين المرموقة عام 2007، وجائزة مؤسسة جون دي وكاثرين تي. ماك آرثر عام 2005، وجائزة الفن الأمريكي من متحف ويتني للفن الأمريكي في العام نفسه.
اكتسبت مسيرة مهريتو الفنية اهتماماً كبيراً في أوائل الألفينات من خلال لوحاتها الكبيرة متعددة الطبقات، التي دمجت فيها المخططات المعمارية وصور المدن الحضرية. ومع مرور الوقت، اتخذت أعمالها منعطفاً مثيراً، حيث تبنّت التجريدات الحركية والخطّية التي تنبض بتوترات مضطربة، مستحضرةً مشاهد التهجير الناتجة عن الحروب وفوضى الاضطرابات المناخية.
تُقدم لوحاتها سرداً بصرياً للتداولات العالمية - تحركات الناس ورؤوس الأموال، وانتشار الأوبئة، والانتفاضات السياسية. وعلى مدار أكثر من عقدين، تعمّقت مهريتو في استكشاف إمكانيات الرسم، وابتكرت أشكالاً تتناغم مع تاريخ الفن والحضارة الإنسانية.
من اللوحات البابلية إلى الرسومات المعمارية، ومن لوحات التاريخ الأوروبي إلى رموز حركات التحرير الإفريقية، تستمد مهريتو إلهامها من مصادر متنوعة. بما يقارب ثلاثين لوحة وأربعين عملاً على الورق، تمتد من عام 1996 حتى اليوم، يتشكل معرضاً استقصائياً لمنتصف مسيرتها المهنية، ويُعدّ حتى الآن الرؤية الأشمل لممارستها الفنية.
جولي مهريتو أثناء عملها. بإذن من الفنانة ومعرض ماريان غودمان © جولي مهريتو. المصدر: توم باول.
تتلاعب مهريتو، من خلال فنها، بجوهر التجريد، والهندسة المعمارية، والمناظر الطبيعية، والمقاييس، ومؤخراً، التصوير التشكيلي. في جوهر عملها يكمن اهتمام عميق بتجاربنا الحياتية، مستكشفةً كيف تؤثر قوى مثل الهجرة، والرأسمالية، وتغير المناخ على الشعوب والإمكانات الإنسانية.
تتجاوز مساهمات جولي مهريتو في عالم الفن مجرد سجلها اللافت في المزادات. في زمن تكافح فيه المتاحف لتحقيق التنوع والشمول في بيئة سياسية معقدة، تقف مهريتو كرمز قوي للتقدم. فهي مثال نادر لفنانة معاصرة من النساء السود اللواتي دخلن بكل سلاسة في قائمة كبار الفنانين، تاركة بصمةً لا تُمحى في تاريخ الفن. ومع استمرار ريشتها في الإبداع، ننتظر بفارغ الصبر الفصل القادم في رحلة مهريتو، واثقين أنه سيكون استمراراً للرواية الرائعة التي كتبتها بالفعل على قماش الفن العالمي.