هذا المقال متوفر أيضاُ باللغة English

لقد كانت حالة إنتاج و توزيع الطاقة في السودان دائما مروعة. حيث يعاني غالبية السودانيين من فقر الطاقة، ولا يحصل سوى 45% من السكان على الكهرباء.


منذ اندلاع الصراع بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، بدت هشاشة قطاع الطاقة واضحة. في العديد من الولايات، كان الدمار الذي حل بالقطاع سريعًا وملموسًا لدرجة أنه حتى المحلل المتمرس لم يكن ليتوقع حدوثه على هذا النحو.


بإستثناء الأجزاء المتصلة بالشبكة والتي تعمل بالطاقة الكهرومائية في البلاد، أصبحت معظم الولايات الآن بدون كهرباء. وتشمل الشبكة القومية، التي تعتمد على السدود الكهرومائية، ولايات الخرطوم والنيل الأبيض وسنار ونهر النيل وأجزاء من شمال وغرب كردفان والولاية الشمالية.


وتعتمد بقية الولايات على محطات كهرباء مستقلة تعمل بالوقود الأحفوري. ومن الواضح أن سلسلة التوريد تعطلت بعد 15 أبريل، وبعد أسابيع قليلة من بدء الصراع، اضطرت محطات الطاقة في معظم ولايات دارفور وكردفان والولايات الشرقية إلى التوقف عن العمل.


صورة لخط كهرباء في السودان. المصدر: إي كيو إنترناشيونال


المواطنون يحصون خسائرهم وانقطاع التيار الكهربائي مستمر


قال إمام منصور، وهو صاحب متجر في الأبيض، عاصمة شمال كردفان: "لقد فقدت كل ما عندي من الدواجن المجمدة والزبادي في غضون أيام". واستمر انقطاع التيار الكهربائي عشرات الأيام على الرغم من اتصال المدينة بالشبكة القومية.

وتعتمد ولايات دارفور الخمس جميعها على شبكات مستقلة منتشرة في عدد محدود من المدن، وتعمل بمحطات الطاقة الحرارية. وكما كان متوقعاً، أدى الصراع في غرب ووسط وجنوب وشمال دارفور، إلى جانب عدم كفاية البنية التحتية بين هذه الولايات وداخلها، إلى تعرض منطقة دارفور لأزمة طاقة.


تمر أسابيع من دون أن يستخدم سكان الضعين في شرق دارفور الكهرباء، ومما لا شك فيه أن الأزمة أكثر خطورة في الجنينة وزالنجي، عاصمتي غرب ووسط دارفور، على التوالي. ولا تعد مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور استثناءً، إذ امتد انقطاع التيار الكهربائي عن المدينة “نحو ثلاثة أسابيع"، بحسب ما ذكر أحمد شريف، أحد سكان المدينة.


وحتى في الجانب الشرقي الهادئ نسبيًا من السودان، يمكن الشعور بتأثير الحرب على إمدادات الطاقة. قال محمد، وهو طالب انتقل إلى بورتسودان من الخرطوم، ويبدو أن آماله السابقة في العثور على ملجأ وملاذ آمن في العاصمة المؤقتة الجديدة قد تحولت إلى خيبات أمل مريرة: "لقد شهدنا انقطاع التيار الكهربائي لمدة ثلاثة أسابيع متتالية".


إن تداعيات غياب الكهرباء هائلة ومتنوعة، ولكن أبرزها غياب خدمات الإتصالات الخلوية. حيث يوجد في معظم المدن والبلدات الصغيرة أبراج اتصالات تعتمد على كهرباء الشبكة.


من الناحية المثالية، تحتوي هذه الأبراج على مولدات ديزل كاحتياطي عند انقطاع التيار الكهربائي مؤقتًا. والآن لا توجد شبكة كهرباء ولا ما يكفي من الديزل لتشغيل المولدات الإحتياطية للأبراج. وفي ظل هذا الإعداد الهش والمحفوف بالمخاطر، كانت شبكة الإتصالات دائمًا على حافة الهاوية، وكشف الإختبار الأول عن خللها الأساسي.


لقطة شاشة من IODA تظهر إيقاف خدمات الإنترنت لشركة سوداتل في 23 أبريل وعودتها في 24 أبريل. المصدر: smex.org


ونتيجة لذلك فقد الناس الاتصال بأسرهم وأقاربهم لأسابيع وفي بعض الولايات لأشهر. وتوقفت أيضًا المعاملات المصرفية عبر الهاتف المحمول، حيث يكافح ملايين الأشخاص في مناطق النزاع لإرسال الأموال أو تلقيها، حيث أصبحت الأموال النقدية نادرة.


تأمل في مصادر الطاقة البديلة؟


ومن ناحية أخرى، أصبح الوصول إلى خدمات المياه الآن أكثر صعوبة من أي وقت مضى. انهارت شبكات توزيع المياه في المدن الكبرى، واضطر القرويون بشكل خاص إلى الإعتماد على آبار المياه المستقلة التي تعمل بالديزل (وتسمى محليًا الدونكي).


بئر مياه يعمل بالديزل وبذكاء تم تزويده بألواح طاقة شمسية احتياطية، في الضعين، شرق دارفور


أثرت ندرة الطاقة بشكل كبير على القطاع الصحي حيث كافحت معظم المدن لتوفير الكهرباء الكافية للمستشفيات الكبرى والمراكز الصحية الصغيرة.


وبقدر ما يبدو الأمر محزنًا، إلا أن المأزق يوفر فرصة للتأمل. ففي السودان الجديد، لا بد من وجود إستراتيجية حكومية ملموسة لتنشيط قطاع الطاقة. ويجب صياغة الخطة على أساس الموثوقية والوصول الشامل لكل مواطن.


فقط لو كان لكل برج اتصالات نظام شمسي احتياطي ولكل بئر ماء ألواح شمسية إضافية متصلة به، كان من الممكن أن تكون المعاناة أقل بكثير مما يعيشه الناس الآن.


الريح الرحيمة

الريح كاتب سوداني يتحمس للتفكير في تخصصات متعددة، ويتنقل في عوالم مختلفة من خلال كتاباته في الموسيقى والعلوم والثقافة والتكنولوجيا. يعمل الريح كمهندس في الحقل نفطي.