بين 4 مايو و 4 أغسطس 2024، استضافت مؤسسة الشارقة للفنون معرض «الزمن مرسوماً: ثنائيات»، مستمدًا من الأعمال الجديدة والتاريخية التي تستكشف الرسم كممارسة.
عمر خيري. بورتريه (ثنائيات). 1976. ألوان زيتية على قماش. (69 × 43) سم. مقتنيات مؤسسة الشارقة للفنون. الشارقة. تصوير: موفق عبد الله
لطالما كان الفن شكلاً أساسياً من أشكال التوثيق، حيث يلتقط جوهر التجربة الإنسانية ويحافظ عليها للأجيال القادمة؛ تجسد هذا في معرض “الزمن مرسوماً: ثنائيات” في مؤسسة الشارقة للفنون، من خلال أعمال عمر خيري وشخصياته المزدوجة الفريدة من نوعها. لم يعرض هذا المعرض فقط تطور المواد الأرشيفية، وخاصة الورق، بل تعمق أيضاً في موضوعات الذاكرة والهوية والتعبير الفني. من خلال التركيز على الرسومات ومفهوم الثنائيات، وسلط المعرض الضوء على العلاقة المعقدة بين الفنان والوسيط والمشاهد.
عند دخول المعرض، يلفت انتباه الزوار على الفور لوحة خيري "الثنائية" المعروضة بشكل بارز عند المدخل، تحدد هذه القطعة مفهوم المعرض، وتؤكد على موضوع الثنائية. معظم الأعمال الفنية مرسومة على الورق، مما يؤكد على هشاشة هذه الوسيلة في توثيق التاريخ البشري.
يسار: عمر خيري. بدون عنوان. 1987. حبر على ورق على خشب. (42 × 59) سم. مجموعة مؤسسة الشارقة للفنون. الشارقة. تصوير: موفق عبد الله
يمين: منير كنعان. العالم السفلي. خمسينيات القرن العشرين. ألوان زيتية على ورق مقوى. (23 × 54) سم. مجموعة مؤسسة الشارقة للفنون. الشارقة. تصوير: موفق عبد الله
استوحيت فكرة معرض "الزمن مرسوماً: ثنائيات" من بحث القيمين على مجموعة مؤسسة الشارقة للفنون، مع التركيز بشكل خاص على عمر خيري وحالته النفسية. غالباً ما كان خيري يعيش حياة مزدوجة، فكان يوقع على أعماله الفنية إما باسم خيري أو باسمه الآخر جورج إدوارد سكونكوكور، وأحياناً بكليهما. ألهمت هذه الإزدواجية فكرة إقران الأعمال الفنية في المعرض.
عمر خيري. بلا عنوان. 1977-1981. حبر على ورق على خشب. (49.9 × 60) سم. مجموعة مؤسسة الشارقة للفنون. الشارقة. تصوير: موفق عبدالله
تتضمن إحدى الأعمال المؤثرة لخيري، التي أنجزها بين عامي 1977 و1981، شخصيتين متطابقتين: إحداهما تبدو مكتئبة ومنغمسة في الظلام، بينما الأخرى سعيدة وتتلذذ بالنور، وينعكس هذا التصوير للازدواجية في أعمال فنانين آخرين في المعرض؛ على سبيل المثال، يرسم إبراهيم الصلحي موازاة بين صورته الذاتية (البورتريه الشخصي) و"بيكاسو وزجاجة حليب على حافة النافذة" بين فنانين حديثين رائدين في عصرهما. وعلى نحو مماثل، تتناول رسومات كلوديت جونسون ذات الحجم الطبيعي، عدم وضوح الأجساد السوداء الجنسانية داخل المشهد الفني البريطاني، ويتم تقديمها بطريقة تشجع المشاهدين على التفكير في هذه الموضوعات.
إبراهيم الصلحي. بورتريه شخصي. أوائل الستينيات. قلم وحبر على ورق خرطوشة. مجموعة مؤسسة الشارقة للفنون. الشارقة. تصوير: موفق عبد الله
إبراهيم الصلحي. بيكاسو وزجاجة حليب على حافة النافذة. 1984. مؤسسة الشارقة للفنون. الشارقة. تصوير: موفق عبد الله
يعكس المعرض أيضاً سرديات تاريخية وثقافية أوسع نطاقاً، وخاصة تلك الخاصة بالسودان. تساهم رسومات خيري لمشاهد أحياء أم درمان من نهر النيل إلى سوق أم درمان، واللوحات المستوحاة من الزار للفنانة السودانية والمؤسس المشارك للحركة الكريستالية (مجموعة الفن المفاهيمي في الخرطوم) كمالا إسحاق، في نسيج غني من التراث الأفريقي السوداني والأفريقي الآسيوي.
كلوديت جونسون. أشكال واقفة 2 (يسار)، أشكال واقفة 3 (يمين). 2021. مجموعة مؤسسة الشارقة للفنون. الشارقة. تصوير: موفق عبد الله
نجد أن المعرض يضم مجموعة متنوعة من الأعمال الفنية، لا تضم فنانين سودانيين فحسب، بل أيضاً مجموعة رائعة من المواهب العالمية من بينهم ديفيد كولوان الفنان متعدد التخصصات الذي يناقش ويوثق في عمله في الغالب المشهد الفني والأحداث الاجتماعية والسياسية في جنوب إفريقيا في حقبة الفصل العنصري وما بعد الفصل العنصري. وهناك أيضاً فريدة لاشاي ولوحاتها الديناميكية التجريدية التي تتشابك فيها السرديات الشخصية مع المشاهد المضطربة في بلدها الأصلي إيران. بالإضافة إلى إبراهيم مسعودي برسمه "بدون عنوان" في أوائل الخمسينيات والذي يأسرك ببساطته وسرده القوي. حيث يصور أماً وطفلها في لحظة من الصمود الهادئ وسط الفوضى؛ جالسين في وضع يسبب نوعاً من الصراع للمشاهد حيث الأم في خضم حرب متصاعدة وفي نفس الوقت تمنح طفلها والمُشاهد نوعاً من الأمان والسكينة من خلال احتضان طفلها بثقة تحت ضوء القمر على الرغم من المعركة المتوقعة. جمع المعرض فنانين من خلفيات وموضوعات مختلفة، مما أثرى تجربة المشاهد بمجموعة كبيرة من وجهات النظر.
عرض رقم 4، فضاءات المريجة للفنون. مؤسسة الشارقة للفنون. الشارقة. تصوير: موفق عبد الله
إن الترتيب الذي قام به القائمون على تنظيم المعرض دقيق للغاية؛ فالأعمال الفنية مرتبة ومتراصة على مسافة أقل قليلاً من مستوى العين، مما يخلق تجربة بصرية متماسكة، كما أن التباعد المتساوي بين الأزواج والمسافة المضاعفة بين كل زوج تخلق تدفقاً إيقاعياً في جميع أنحاء المعرض. على سبيل المثال، تُعرض أعمال بايا التي تصور النساء والحيوانات والأشجار في ثلاثيات ولكن بنظرة عميقة إلى المساحات التي تظهر فيها في أزواج، مع مسافات تباعد متناسقة تعزز تماسك المعرض.
معرض رقم 4، فضاءات المريجة للفنون. مؤسسة الشارقة للفنون. الشارقة. تصوير: موفق عبد الله
إن تجربة الزائر مصممة بعناية، بدءاً من إحدى ثنائيات خيري بدون الثنائي الخاص بها، لتجعل الزائر يخوض رحلة استكشاف، وبينما ينتقل الزوار من عمل فني إلى آخر، فإنهم مدعوون إلى التأمل في غياب الورق، ووجود الثنائية، والتداخل بين الضوء والظل.
عمر خيري. بحارة. 1967-1990. ألوان زيتية على ورق. (70 × 52) سم. مجموعة مؤسسة الشارقة للفنون. الشارقة تصوير: موفق عبد الله
ويتوج المعرض بتحول في الحبكة مع لوحة خيري الأخيرة "بحارة"، الزوج المفقود من لوحة "الثنائي"، والتي تشكل خاتمة قوية. ولا يبرز هذا الترتيب المدروس مواهب الفنانين فحسب، بل يسلط الضوء أيضاً على الطبيعة الدائمة للفن كشكل من أشكال التوثيق.
معرض رقم 4، فضاءات المريجة للفنون. مؤسسة الشارقة للفنون. الشارقة. تصوير: موفق عبد الله
بالإضافة إلى ذلك، يتضمن المعرض تركيب فيديو للفنان ثيستر جيتس، وهو فيديو بعنوان "بيلي يغني نغمة عظيمة" يكمل الرسومات ويعزز التجربة الموضوعية، وقد يبدو من الغريب أيضاً أن يتم عرض فيديو في معرض مخصص للرسم، ولكن هناك رابط شعري بين تركيب الفيديو ورسم الفنان ديفيد كولوان "أكوليتس" مع تصميم رقصات مثير وطقوسي. يضيف عنصر الوسائط المتعددة هذا عمقاً ويوفر منظوراً معاصراً للموضوعات التي يتم استكشافها.
نجح معرض "الزمن مرسوماً: ثنائيات" المقام في مؤسسة الشارقة للفنون في دمج موضوعات الرسم والورق والثنائيات، ليخلق تجربة متناغمة ومحفزة للتفكير. ومن خلال أعمال عمر خيري ومعاصريه، سلط المعرض الضوء على أهمية الحفاظ على التاريخ الإنساني ودور الفن في ربط الماضي بالحاضر.
قوموا بزيارة موقع مؤسسة الشارقة للفنون لمعرفة المزيد عن الأحداث القادمة.