تحذير من المحتوى وإخلاء مسؤولية: المحتوى التالي يتناول تجارب شخصية وحساسة . ما يرد من آراء يعبرعن وجهة نظر الكاتب، ولا يعكس بالضرورة مواقف منصة أندريا. ندعوكم لقراءته بما ترونه مناسبًا. يمكنكم الاطلاع على إشعارنا التحريري الكامل هنا.
عندما تتصفح وسائل التواصل الاجتماعي أو بريدك الإلكتروني، قد تبدو “عروض العمل” أو “الرسائل الودية” عادية، غير أنّها في السودان اليوم قد تقود مباشرةً إلى العمل القسري، أو الاتجار بالبشر، أو حتى تجنيد الأطفال كمقاتلين.
كيف يعمل الاستغلال عبر الإنترنت
رغم أنّ معظم أشكال الاستغلال تقع في الواقع، فإنّ المنصّات الرقمية تضاعف من المخاطر. يستخدم المجرمون وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لما يسمّونه “فرص عمل” أو “رحلات سفر” بلغة مشفّرة. تبدأ المنشورات العامة بتلميحات غامضة، ثمّ تنتقل بالمستجيبين إلى مجموعات مغلقة ومشفّرة حيث تبدأ عمليات الاحتيال. كثير من هذه المجموعات تدّعي توفير فرص عمل أو زواج أو هجرة، لكنها في الحقيقة واجهات لشبكات الاتجار بالبشر. ويُستدرج الشباب – لا سيما الفتيان – إلى أعمال خطرة أو تجنيد قسري.

مؤشرات التحذير ويقظة المجتمع
تزدهر شبكات الاستغلال لأنّ الضحايا ومن حولهم لا يدركون العلامات مبكراً. وفقًا لـ (شبكة الحماية – Safeguarding Network)، احذر من الأصدقاء الذين:
- يقضون ساعات طويلة وسرّية على الإنترنت ضمن مجموعات جديدة.
- يبدؤون بتكرار شعارات متطرفة أو نظريات مؤامرة تستهدف جماعات دينية أو عرقية أو إنسانية أو سياسية.
- يُظهرون فجأة إعجاباً بالمقاتلين أو تمجيداً للعنف.
وإذا لاحظت ذلك، فلا تجادلهم أو توبخهم؛ بل استمع إليهم، وتعاطف، وافتح حواراً هادئاً، فالكثير من الشباب ينضمون لهذه المجموعات بدافع الوحدة أو الإحباط أو بحثاً عن هوية.
كيف تبقى آمناً: بناء الوعي الرقمي
أفضل وسيلة للوقاية هي التحقق قبل أي تصرف أو مشاركة:
- تحقق من الحساب أو المحتوى عبر أكثر من مصدر.
- تجنّب مشاركة المعلومات غير المؤكدة، خاصة إن بدت “جيدة أكثر من اللازم”.
- بلّغ المنصات مباشرةً عن المحتوى المريب أو الضار، إذ تمتلك أنظمة لمعالجة ذلك.
- كن حذراً من العروض التي تعد بالمال السريع، وإن شعرت بأنّ شيئاً مريباً، لا تتفاعل.
أما من هم خارج السودان، فيمكنهم المساهمة عبر:
- نشر حملات التوعية.
- دعم مبادرات التحقق من المعلومات (Fact-checking).
- مشاركة معلومات موثوقة حول الهجرة الآمنة مع العائلات في الداخل.

لماذا يُستهدف الفتيان؟
منذ أبريل 2023، أدّت الحرب في السودان إلى إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العقود الأخيرة. تفككت الأسر، انهار الاقتصاد، وشحّت سبل العيش. في هذا الفراغ تفاقمت ظواهر الاستغلال الإنساني، واستخدم المجرمون الإنترنت لاستهداف الفئة الأضعف: الفتيان. بينما تتعرض النساء لاستغلال خفي بسبب الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالعنف الجنسي، يُستدرج الفتيان مباشرةً عبر الإنترنت. العروض التي تتحدث عن “المال السريع” أو “الدفاع عن المجتمع” تتبع نفس مسارات التطرف التي تعتمدها الجماعات المتشددة عالمياً، باستغلال العزلة والغضب والرغبة في المكانة. في السودان، تُترجم هذه المسارات إلى تجنيد الأطفال، واستغلالهم في العمل القسري، ومخاطر التهريب.

موارد وخطوط دعم: أين تجد المساعدة والحماية
إذا كنت أو أحد معارفك مهدداً بالاستغلال أو التجنيد، فهذه الجهات يمكن أن تساعدك:
- صندوق الأمم المتحدة للطفولة (UNICEF) تعمل عالمياً لحماية الأطفال من الاستغلال والعنف، بما في ذلك في مناطق النزاع.
- منظمة الرؤية العالمية (World Vision) تنفّذ برامج في السودان ودول أخرى لحماية الأطفال ودعم تعليمهم.
- منظمة أنقذوا الأطفال (Save the Children) تقدّم حماية وتعليماً ودعماً طارئاً للأطفال في مناطق الأزمات.
- [الخطة الوطنية السودانية لمكافحة ومنع الاتجار بالبشر (2021–2023)] سياسة حكومية تضع إطاراً لحماية الشباب من الاتجار والاستغلال، ويمكن تطويرها لمواجهة التهديدات الرقمية الجديدة.
- شبكة الوقاية من الاستغلال والاعتداء الجنسي في السودان (PSEA) توفر قنوات للإبلاغ والحماية للناجين، خاصة في حالات الاستدراج الإلكتروني. وفي 20 أغسطس 2025، أصدرت الشبكة إجراءات تشغيل معيارية (SOPs) توضّح كيف يمكن للمنظمات التعامل بسرعة وأمان مع حالات الناجين، وفق نهج يركز على الضحايا والناجين.
الخاتمة
لقد فتحت الحرب في السودان الباب أمام الاستغلال في الواقع وفي الفضاء الرقمي معاً. ولكن المعرفة قوة: فالتعرّف على العلامات وتجنّب المنشورات المشبوهة قد ينقذ الأرواح. الفتيان هم الأكثر عرضة للخطر، ولكن عبر يقظة المجتمع وتضامنه، يمكن تفكيك هذه الفخاخ الرقمية.
وما يزال المطلوب هو جسر أقوى بين جهود حماية الأطفال التقليدية والمساحات الرقمية التي ينشط فيها المجرمون والمجنّدون. ولن يتحقق ذلك إلا عبر دمج الأمان الرقمي في برامج الحماية، وتمكين المبادرات الشبابية المحلية، والضغط على شركات التقنية لسدّ الثغرات في السياق السوداني
