هذا المقال متوفر أيضاُ باللغة English


الرومانسية - رسم توضيحي بواسطة داليا الجعلي

المواعدة والرومانسية في السودان 2.0

 

منذ عدة سنوات، كتبت مقالًا عن مشهد المواعدة في السودان حيث أجريت مقابلات مع شاباتان لطيفتان أذكرهما حتى الآن حيث شاركتا أفكارهما حول المواعدة وتجارب الرومانسية. وبعد مرور 4 سنوات، ظللت أكرر سؤالًا واحدًا بإستمرار دون أن أصل إلى أي إجابة؛ أين يتقابل الناس؟

 

في هذه المقالة، سيكون لدي نهج أكثر ذاتية مما كان عليه في المقالة السابقة، حيث سأتحدث عن أفكاري وتجاربي حول المواعدة والرومانسية. أيضًا، تعتمد هذه المقالة بشكل كبير على محادثات مع أصدقائي وصديقاتي الذين يمثلون فئات عمرية مختلفة وكان لديهم بشكل جماعي تجارب مثيرة للإهتمام حقًا.

 

الرغبة المحرمة - رسم توضيحي لداليا الجعلي


الرومانسية مرغوبة ولكنها صعبة ومحظورة

المواعدة أثناء فترة المراهقة وأوائل العشرينات من عمرك أمر صعب، بينما في هذا العمر المحدد يتوق المرء إلى الإتصال الرومانسي. بناءً على تجربتي وتجارب من حولي، نادرًا ما تثمر هذه الأنواع من العلاقات أي ثمار لأن هذا هو العمر الإنتقالي حيث تتشكل هوية الشخص الفردية وجهة نظره في الحياة.

لقد شاهدت فيديو ذات مرة على تطبيق تيك توك، لكن لم أتمكن من العثور عليه لوضع الرابط، فيه صانعة محتوى تتحدث عن كون المواعدة في أوائل العشرينات من عمرك تشبه وضع فلتر على حياتك، لأنه عندما تكون مع شخص ما عليك أن تستوعب أفكاره ومبادئه ومعتقداته، والتي قد لا تكون بالضرورة لك ولكنها ستؤثر عليك. أعتقد بصدق أنه لكي تنجح العلاقة، يجب على الأشخاص تقديم نوع من التنازلات، قد لا يطلقون عليها هذا الاسم بالضبط، ولكن بطريقة ما، يجب أن يترك الشخص رغبته من أجل الصالح العام.


لا أعتقد بالضرورة أن هذا أمر جيد أو سيئ، يمكن أن يكون كلاهما، أو أحدهما، يعتمد بصورة رئيسية على وجهة نظر الشخص. ومع ذلك، في سن مبكرة، لا تعد هذه تجربة إيجابية بالضرورة، فهي تؤثر على المنظور الذي تنظر من خلاله إلى العالم والأشياء المختلفة. من خلال تجربتي، تأثرت بشدة بشريكي، وبينما كنت لا أزال أكتشف الحياة، فقد اكتشف حياته إلى حد كبير بسبب فارق السن بيننا. وهذا بالطبع أمر شخصي في حد ذاته، والآن بعد أن أصبحت أكبر بعشر سنوات تقريبًا من اللحظة التي بدأت فيها تلك العلاقة، أستطيع أن أقول بشكل إيجابي أن الحياة هي دورة مستمرة من الإكتشافات والتطور.

 

ولد أم رجل - رسم توضيحي لداليا الجعلي


 ولد أم رجل؟

في محادثة مع صديقتي المفضلة سارة، كانت تتفكر فيها في علاقتها التي دامت عامين مع حبيبها في الجامعة. كلاهما على حدود الثلاثين من العمر، علامة فارقة كبيرة في الحياة، وليس لديهما أدنى فكرة عن الشكل الذي سيبدو عليه مستقبلهما ومستقبل علاقتهما.

 

وبعد نوبة من الذعر قالت لي سارة: ثريا أنا أريد رجلاً وليس ولداً.

 

النسبة الذهبية - رسم توضيحي لداليا الجعلي


النسبة الذهبية

ومع ذلك، فأنا أزعم أن العشب ليس أكثر خضرة على الجانب الآخر، لأنني كنت مع "رجل" ولم ينجح الأمر لهذا السبب المحدد، من بين أسباب أخرى بالطبع، فما الذي يجعل بالضبط العلاقات تنجح، لأن هناك الكثير من الأمثلة على العلاقات بين شخصين من نفس العمر والتي تكون ناجحة للغاية، والعكس صحيح. لماذا يبدو أن علاقتي أنا وسارة فقط هي التي توقفت بسبب معضلة فارق السن؟ ما هو فارق السن المثالي؟ هل هناك نوع من المعادلة لحسابها؟

 

المعادلة - رسم توضيحي لداليا الجعلي


ربما عوامل أخرى؟

أصبحت أقتنع يومًا بعد يوم بأن فارق السن ليس حجر الزاوية في نجاح العلاقة، فهناك الكثير من العوامل الأخرى التي تساهم في نجاح العلاقة:


- التواصل: بإعتباري شخصًا لديه إضطراب الشخصية التجنبية نشأ على يد أحد الوالدين بنفس الإضطراب، كان ولا يزال التعبير عن مشاعري وعاطفتي تجاه الناس يمثل تحديًا كبيرًا بالنسبة لي. والأسوأ من ذلك أنني كنت أتوقع أن يفهم الآخرون أفكاري ومشاعري دون أن أنقلها لهم. وهذا في الحقيقة خطأ شائع بيننا، وقد رأيته كثيراً بين أصدقائي. لا يقتصر الأمر على توصيل المودة أو المشاعر فحسب، بل يتعلق أيضًا بالقدرة على التواصل بوضوح وموضوعية في أوقات الصراع، والقدرة على إجراء وفهم المحادثات الصعبة حول الأحداث والآراء والأفكار التي تغير الحياة.

 

- التوافق: كنت أعتقد أن التوافق يعني الرغبة في نفس الأشياء وربما أن نكون متطابقين في أنماط تفكيرنا ومعتقداتنا، ولم أفهم إلا قبل بضع سنوات أن التوافق يعني القدرة على التعايش بشكل أساسي، نعم لدي شخصيتي ومجموعة معتقداتي ومبادئي وأفكاري وكل شيء بينهما، ومع ذلك، يمكنني إفساح المجال لشخصية شريكي ومعتقداته ومبادئه وأفكاره ويمكننا أن نتعايش بسلام واحترام على الرغم من اختلافاتنا.

 

- السياق: وهو أمر في غاية التعقيد لأنه عادة ما يكون هناك نوعان من الأشخاص، أولئك الذين هم على استعداد "للقتال" من أجل حبهم، وأولئك الذين يعتقدون أنهم لا يستطيعون القيام بذلك. أعتقد أن السياق مهم، إلى حد ما، قد يبدو بعض الأشخاص وكأنهم متطابقون تمامًا ولكن رغم كل الصعاب قد لا يتوافقون معًا بسبب السياق الذي توجد فيه علاقاتهم، مثل المسافات بينهم والخلفيات الثقافية بما في ذلك اللغة والمعتقد والدين والعرق، والطموح.

لكي تنجح العلاقة فإنها تتطلب التوافق!

 

رسائل الحب - رسم توضيحي لداليا الجعلي


كيف تبدأ الرومانسية؟

في الأغنية السودانية الكلاسيكية لعائشة الفلاتية بلال تزورني مرة تقول: "قلبوا جافي وأنا راضية بيه، يا بلال تزورني مرة". في الثقافة المركزية السائدة في السودان، يُتوقع من الرجل أن يكون عكس الرومانسية، فيجب أن يكون قاسياً وجافاً ولا يظهر أي نوع من المودة، فهذه هي سمات الرجولة.


في محادثة مع صديقي ياسر، أخبرني أنه في مجتمعات الرجال، يمكن للرجل أن يظهر المودة تجاه زوجته في أيام زواجهما الأولى، ولكن بعد شهرين إذا استمر في إظهار المودة العلنية تجاه زوجته، فإن المجتمع سوف يبدأ في الحكم عليه.

 

في محادثة مع صديق آخر، هذه المرة صديق أصغر سنًا بكثير، أخبرني أحمد أن الرومانسية يجب أن تبدأ دائمًا من جانب الذكر، وقال: "يجب على النساء إعطاء الإشارات ولكن لا يتخذن الخطوة الأولى على الإطلاق، يجب أن يبدأ هذا دائمًا من جانب الرجل".

 

لذا، إذا كان الرجال لا يتوقعون منا، أو لا يريدون منا أن نخطو الخطوة الأولى، ولم يكن من المناسب لهم ثقافيًا أن يكونوا رومانسيين، فكيف ستبدأ الرومانسية؟

 

بالنظر إلى معظم الشعر والأغاني السودانية الكلاسيكية، نجد أن الإناث هم الأفراد الرومانسيون، بينما الرجال يظهرون المودة فقط عندما ينفصلون عن أحبائهم! وبطبيعة الحال، لكل قاعدة شواذ.

 

عالم متنوع - رسم توضيحي لداليا الجعلي


الإختلافات الثقافية

وبينما كنا نجلس في ردهة مستشفى بالقاهرة أنا ووالدتي، وبعد أن مر أمامنا العديد من الأزواج وهم يشبكون أصابعهم أو يمسكون بأيدي بعضهم، علقت أمي قائلة: "لو كانوا رجالًا سودانيين، لكانوا مشوا خمسة أقدام أمام زوجاتهم". وهذا صحيح تمامًا، ففي الخرطوم لم يكن مشهدًا شائعًا رؤية الأزواج يسيرون جنبًا إلى جنب في الشوارع أو الأماكن العامة، وربما يكون هذا هو إرث 30 عامًا من الحكم الإسلامي!

 

بينما في الجارة الشمالية، يعد إظهار المودة علنًا أمرًا طبيعيًا ومقبولًا إجتماعيًا. أعتقد أيضًا أن وسائل التواصل الإجتماعي تلعب دورًا كبيرًا في تغيير المعتقدات والأعراف المجتمعية، فكلما رأينا شيئًا بكثرة كلما أصبح طبيعيًا، بينما في الخرطوم كان من النادر رؤية الناس يظهرون المودة في الأماكن العامة، إلا في أماكن محددة جدًا وبين مجموعات معينة أصبح من الشائع جدًا الآن رؤية الأزواج السودانيين يظهرون عاطفتهم على وسائل التواصل الإجتماعي أو في الأماكن العامة هنا في القاهرة ومدن أخرى حول العالم.


وهذا يقودني إلى مجموعة أخرى من الأسئلة، هل أصبح الرجال السودانيون أكثر رومانسية بسبب تعرضهم لثقافات مختلفة سواء من خلال التجارب الحياتية المباشرة أو من خلال وسائل الإعلام؟ يعتقد صديقي أحمد أن هناك حملة "لتأنيث" الرجال، وبحسب رأيه فإن رحلة الصحوة النفسية بأكملها والسماح للناس بالشعور بمشاعرهم والتعبير عنها هي مجرد حملة لجعل الرجال أكثر أنوثة.

 

رأيي الشخصي هو أنه لا حرج في إظهار المشاعر والضعف في سياق العلاقة/الشراكة من قبل أي من الطرفين، ولا أعتقد أنه إذا أظهر الرجل جانبه الضعيف فإن ذلك يقلل من رجولته، أليس هذا هو المغزى من وجود شريك في الحياة في المقام الأول؟ ولكن من المؤكد أن الأمر متروك للشركاء أنفسهم لتحديد معالم وديناميكيات علاقتهم، فلا ينبغي أن يكون هناك شكل أو قالب يضغط الناس على أنفسهم ليتخذوا شكله.


وكان لصديقي الآخر ياسر ملاحظة مختلفة، وهي أن النساء اللواتي ـالنسويات تحديداًـ يميلن أكثر ويتبنين سردًا جديدًا للطاقة الأنثوية مقابل الطاقة الذكورية، لكن ألا يعيدنا ذلك إلى الأدوار الأساسية للجنسين؟ إذا كان الأمر كذلك، فهل هذا يعني أنه كان علينا القيام بدورة كاملة حول الشمس للوصول إلى نفس الموقع الذي بدأنا منه؟

 

كل ذلك يؤدي أيضًا إلى مجموعة مختلفة من الأسئلة، كيف تظهر تجاربنا السابقة وصدمات الطفولة في علاقاتنا البالغة وتحدد هوياتنا وأفكارنا المتعلقة بالعلاقات والرومانسية؟

 

هذا ما بحثه جون بولبي حول نظرية التعلق والذي أسفر عن أنماط التعلق الشهيرة التي يعرفها الجميع باستثناء صديقي ياسر. وبحسب ياسر، هذا مجرد هراء، ويتفق معه أحمد أيضًا في أنه ليس كل شيء يعتمد على تجارب طفولتنا وأن هذه مجرد أشياء يحاول الغرب إقناعنا بها وهي أننا عشنا طفولة بائسة وبالتالي نحن “معطوبون”. في حين أن آباءنا والأجيال التي سبقتنا مروا بتجارب طفولة أكثر قسوة مما مررنا به، وتبين أنهم أشخاص محترمون... والسؤال هنا هو هل نحن كذلك؟


وحتى لا نحيد عن الموضوع الأساسي، وهو الرومانسية، من المهم الإعتراف بأن العلاقات الإنسانية معقدة للغاية، وهذا هو مجموع ما أصل إليه في كل مرة أتناقش فيها مع أي شخص حول هذا الموضوع. وهناك متغيرات مختلفة جدًا تحكم هذه العلاقات.

 

وأخيرًا، وأترككم مع هذا السؤال، هل الرومانسية مهمة لنجاح العلاقة؟ أنا شخصياً لا أعتقد ذلك، على الرغم من أنني قاومت هذا الإعتراف لفترة طويلة جداً، أعتقد أن المتغيرات الأخرى أكثر أهمية بكثير مثل المتغيرات الثلاثة المذكورة أعلاه. وأشار ياسر، ولو بشكل غير مباشر، إلى أنه يؤمن بنفس الشيء، بينما يعتقد أحمد أن الحب مهم ولكن دعونا لا نبالغ في تعقيده!


من ناحية أخرى، تعتقد سارة أن الحب مهم ولا يمكن لأي علاقة أن تنجح بدون الحب الرومانسي.

 

قطع الأحجية - رسم توضيحي لداليا الجعلي


خاتمة

أعلم أن هذه المقالة فرضت الكثير من الأسئلة دون الإجابة على أي منها، وهذا هو بالضبط الغرض منها. بدأ الأمر معي بالتذمر وطرح السؤال الأول حول أين تقابل الناس وفي محاولة للإجابة على هذا السؤال، واجهتني الكثير من علامات الإستفهام في الطريق.

 

على الرغم من عدم وصولي إلى أي إجابة في الوقت الحالي، فأنا أعرف والأشخاص الذين تمت مقابلتهم يعرفون أيضًا ما هي مواقفهم، ومع ذلك، فتحت هذه الرحلة عيني على أشياء مختلفة، وآمل حقًا أن تكون أفادتكم/ن أيضاً، وقد تكون من المسلمات بالنسبة لأخرين ولكن هذا أيضًا لا بأس به! 


ثريا صالح

ثريا صالح (1998)، ولدت ونشأت في أم درمان حتى مايو 2023، كاتبة علمت نفسها بنفسها، بدأت بنشر أعمالها عام 2019 في مجلة 500WordsMag وفي عام 2020 في مجلة أندريا. إنها مهتمة بالتقاطع بين الفنون والثقافة والموضوعات الاجتماعية والسياسية مثل الهوية والنسوية، وتشترك معظم كتاباتها في موضوعات تتمحور حول الشباب. أصبحت مؤخرًا محررة في مجلة أندريا.