"هنا، يُستدعى المتلقي إلى مواجهة المفارقات التي تصوغ وجودنا… والأنظمة التي تُقيدنا وتُعرّف حدود ذواتنا." — القيّم الفني، كتيّب معرض زِيكوسانزي

الكاتبة تحضر معرضاً فنياً في مركز تسوّق. المصدر: فودو، 2025
من يوليو إلى أغسطس 2025، سعى مختبر فودو للفنون والمجتمع إلى جذب عشاق الفن لحضور معرض "زِيكوسانزي إذا فعلت، زِيكوسانزي إذا لم تفعل" المقام في مول ميتروبلكيس في ناليا، كمبالا. كلمة "زِيكوسانزي" بلغة اللوغندا، والتي تعني حرفياً "حرب عليك"، توجّه نظرة عميقة على الذات من خلال نوافذ زجاجية شفافة في مركز التسوق، مما يطلب من الجمهور التساؤل حول الطريقة التي يعيش بها المرء روحانياً في بيئة مادية. قامت منسقة المعرض كارول كاجيزي، الكاتبة والمديرة الفنية الأوغندية، بخلق حوار بين الفنانين الأوغنديين وامالا كييون جوزيف وكيكوميكو جيرالد بوتو، لإتاحة مناقشة حول مفهوم الهوس الجماعي بالاستهلاك.
يُشير وامالا، الفنان متعدد التخصصات والرسام والمدير الفني، إلى أن دافعه ينبع من نظرة ثاقبة وردود أفعال في بيئات تسعى إلى تقييد التعبير عن الروح. من ناحية أخرى، يصر كيكوميكو، الفنان متعدد التخصصات والنحات ومصمم الديكور والمدير الفني، على ضرورة الانتباه إلى الجمود المادي المحيط بنا (والذي ربما يمدنا بالحياة). معاً، يقدم الفنانان وجهين لعملة واحدة للجمهور ليقلبها: هل تصطف مع المستهلكين أم مع الساعين لكسب العيش؟

معرض زيكوسانزي، "إينامبا يو إيليوا - أين لوحة أرقام سيارتك؟" حقوق الصورة: فودو، ٢٠٢٥
هل تعرف رقمك "رمزك الإجتماعي"؟
يُظهر وامالا الصعوبات المرتبطة ببناء البيت أو الحفاظ عليه، بينما يوازن بين مسؤوليات الحياة المنزلية وبين نضاله وجهاده في ساحة العمل. يُذكَّر "المُكافح" دائماً بأن يحسب خطواته، وأن يتحمّل مسؤولية حالته الشخصية ووجوده.
يُساق الفنان وامالا، المأخوذ بعمق تأملاته الذاتية، في صراع مع مفهوم "زيكوسانزي" في محاولة للهروب من القيود التي تسعى لتصنيف وجود الإنسان. إن السعي وراء "لوحة الأرقام"، بحثاً عن الهوية، المكانة، الانتماء، بطريقة لتموضع الذات داخل الواقع الاجتماعي، هو ما يدفع الفنان لاستكشاف رموز المكانة والطبقة الاجتماعية، كما تظهر في سباقنا المحموم نحو رقم يحدّد موقعنا على السُلّم الاجتماعي.
خلال نقاش في افتتاح المعرض، دخلتُ أنا وصديقٌ لي إلى تركيب كيس اللكم. يحمل العمل الفني Matooke in Kumasi امرأة تتنفس بهدوء ولطف وسكينة. هنا بيتُها. إنَ فعل تقشير الموز الأخضر يجسّد المنزل بالنسبة لها. هذه هي تحيتها، وموقعها المتقدم في سلسلة الغذاء. هنا، تمدّ الآخرين بما صنعته يداها.

تُقدَّم لوحة وامالا “ماتوكي في كوماسي” كما لو أن ملاكماً يجلس بين قبضتيه، مركزاً كل ثقله في موضعه. تصوير: فودو، 2025
بينما تتشبّث المرأة بموضعها فوق كيس اللكم الذي يحتوي على لوحة الارقام، تُحضِّر كل إصبع من أصابع الموز الأخضر بعناية كاملة، لتقوّي به أبناءها، أو زوجها، أو الجيران. هذه حلبتها. وفي هذه اللحظة، يمكن العثور على موقعها هنا. عملتها تُكتسب هنا. هذا مكانها، داخل هذا المعرض، معلقة من سقف مركز التسوّق. تنغمس في تقديمها كما ينغمس الملاكم في قبضتيه. هذا ملعبها. ويبقى للمتلقي القرار: أهو للضرب أم للتقوية؟
ساحات للفنون
أبدعت فودو في تطوير حِسّاً تنظيمياً لابتكار معارض تجريبية حيث تٌعرض فيها الأعمال الفنية داخل فضاءات تضخّم رسالتها عبر خلفياتها التي تعتبر ضرورية لنقل الرسالة. وهذه المرة، يستضيف مركزٌ تجاري في وسط المدينة معرضاً يدعو الجمهور لمواجهة الظلال الاجتماعية.
يضع المعرض عمداً أعمالاً فنية مثيرة للتفكير حول الاستهلاكية وضغوط المجتمع داخل مركز تجاري، مما يجعل التجربة ساخرة، لأن المكان نفسه يجسد ما يتم انتقاده. معاً، نٌراكم ما يفوق حاجاتنا ونُصِرّ على رفاهيات ندّعي ضرورتها. ومع ذلك، يقف الفن، من خلف جدران زجاجية شفافة ممتدة من السقف إلى الأرض، ليطلب من الإنسان التوقّف. أن يرى المشكلة قبل التفكير في الحل.
تسأل المنسقة الفنية ونحن نتحاور:
ما الذي نطارده؟
وتعيد السؤال: لماذا نستهلك؟
عادةً ما يكون الاستهلاك هو الجانب المٌرضي في رحلة السعي. نسعى بقوة لنستهلك باستمرار.
تثير هاتان المرآتان (السعي والاستهلاك) تساؤلات الجمهور عن “المطاردة”.
أولئك الذين يمرّون في المول، في مطاردةٍ يومية للنقود أو للشراء، يستوقفهم هذا الفن. ليلمسوا هذا الإعصار، ولو لدقيقة. وهذه الدقيقة هي بداية التحرر.
لمحة عن الإدراك الفني
قصة المنسقة في هذا المعرض هي انغماس في فوضى البقاء في العصر الحديث. بين مطاردة المال وربط التفاعلات الاجتماعية بالقيمة المالية، وبين التخدير اللامتناهي بالاستهلاك، نواصل التكديس والتكديس… حتى يطحننا كل ذلك. بالنسبة لها، تجد أن هذا نقاش ضروري في زمن الاستهلاك المتزايد.
يستمد الفنان كيكوميكو احتجاجه الاستعماري من فرض الاستهلاك والإنتاج الضخم. فوفقاً للتعليم الاستعماري، يبدأ مفهوم “البيت” بخيال نافذتين وباب. يستخدم كيكوميكا هذه الرمزية ليحتضن في داخله فيض الإنتاج، باستخدام شخصيات "تادوبا" تادوباس (مصابيح الكيروسين القديمة في أوغندا) من فترة الاستعمار إلى أعمال فنية مصنوعة من الخردة لتُظهر كيف يمكن لأشياء كانت توفر الضوء أن تعبّر أيضاً عن الإحساس بالاختناق أو الضغوط المجتمعية.

عمل كِيكوميكو «شظايا من ذكرياتنا» يقدم نوعًا من الفوضى الاستعمارية. المصدر: فودو، 2025
تُصوّر نافذة المنزل تدفق الطاقة إلى الخارج. ومع ذلك، في هذا السياق، لا تُعتبر النافذة مساحة لجلب الهواء النقي إلى المنزل، بل تُفرج عن طاقة الاستهلاك الذي نختنق به. وبتجلى ذلك في أعمال مثل "شظايا من ذكرياتنا، وبوابات مفتوحة"، حيث يُصرّ الفنان على أن نلتقي بـ«تادوبا» قبل أن تنير منازلنا. هنا، في هذا المعرض، تتكدس الخردة المعدنية مثل القمامة التي تتساقط من المداخل وفي الخزائن التي نخزن فيها ما ننساه.

ستائر «تادوبا» للفنان كيكوميكو. المصدر: فودو، 2025
احتمالات تأثير الفراشة
يأخذني عمل وامالا الفني «العمالقة النائمون 1» إلى حالة من الغيبوبة الهادئة. إنه استكشاف حساس، همسة خافتة للاستيقاظ، لحظة لحساب الراحة أو الاعتماد على الراحة!

«العمالقة النائمون 1» لوامالا. حقوق الصورة: فودو، ٢٠٢٥
من خلال هذا المعرض، يجب على الجمهور التفكير في إيجاد حل. التفكير أحياناً في أنه يأخذ غفوة من شمس مابعد الظهيرة. للسعي في طرق المدينة التي تنحني وتبعثر النقود. هذا هو الكد وهذه هي ثمرة الكد. لحظة للراحة من راكب يتفاوض أو للتخلص من استياء راكب أعطاه أجر منخفض.
أثناء الغفوة، هناك، على يده، تستقر فراشة. تجد مكاناً ساكناً. مكاناً لتأخذ لحظة راحة، ومكاناً لتبدأ رفرفة جديدة لجناحيها. تسترح وتصلي معاً. على أمل أن تتناثر حين تقلع الفراشة، براعم النقود للعامل المجتهد.
من الغيبوبة، يُعيدني وامالا إلى وعيي مُلاحظاً أن الشخصية "تعمل بجد"، وأن الزمن من حوله يُضفي ظلاماً على نوره. ومع ذلك، يصر العمل الجاد على الراحة بينما يتقدم المرء في كده.

"الحلم الأخضر" لوامالا: الاستيقاظ باكراً في الصباح والسهر طوال الليل. المصدر: فودو، 2025
يدعو الكدّ العاملَ الكادح إلى أرض «الأحلام الخضراء» والأسواق التجارية، هذا هو نداء حلم المدينة الكبيرة. فرصة أمل. فراغ الأمل. أحلام يقظة. نوبات ليلية. شروق الصباح. يستيقظ الكادح، وتمتد رحلة البحث بلا توقف.
يجذب وامالا الجمهور إلى صخب السعي الإنساني، ذلك الذي يحتضن أنماط الاستهلاك وما يقابلها من أحلام تتكاثر وتطاردنا. لكي تلعب العملة المعدنية كرمي النرد، هل تستيقظ صباحاً وتسهر طوال الليل؟
يشرح وامالا: «الأموال تحيط بالرجال العاملين لأنهم حالمون».
وفي استكشافه، ينصح وامالا الكادح قائلاً: «نحن نائمون على مواردنا». هذا المعرض، المقام داخل مركز تجاري، وسيلة لإيقاظ الجمهور! ويسأل: «لماذا تنتظر أشياء أكبر عندما تمتلك هذا الذي بين يديك؟»، سؤال يستخدمه الفنان ليختبر معنى القناعة وما الذي يحقق الرضا للكادح.

جمهور معرض «زيكوسانزي» ينظرون عبر الجدران الزجاجية. المصدر: فودو، 2025
تجمع المجتمع الفني في لحظة فنّية
تحمل هذه اللحظات من المعرض عناصر جماعية: نقاشات ومناظرات، تبادلات في المعرفة، وتمكينٌ للوعي المشترك. هنا، في المعرض، يدعو الفن كل الأذواق: الفرقة السمراء (وإن كانت كلمة «العِرافة» هي الأنسب)، والأسود الكامل، وشرائط قوس قزح، واللمسات أحادية اللون، والألوان النابضة بالحياة.
تُعدّ ردهة مركز التسوق في متروبولكس، في هذه اللحظة الفنية، بمثابة منزل يلتقي فيها الأصدقاء القدامى للحديث، وينخرط فيها نقّاد الفن في مناظرات؛ بينما يحوم المتأملون والطلاب ويتسللون إلى المساحات بنبرة نقدية. هنا تكون الأحاديث هامسة ونقدية، لكنها في الوقت نفسه صاخبة ومهيبة. من الضروري الإصغاء جيداً.
يحضر مجتمع الفن كاملًا. يُلقي كيكوميكو نظرة خاطفة ويقول: «اعملوا يا شباب، اعملوا. اصنعوا فناً».
ولأحد الحاضرين، يُجسد الفنانون التقاطع بين البيت ومكان العمل. ومن ناحية أخرى، يلتقط الفنانون حالة من التنويم الجماعي داخل ثقافات التطرف المفرط.

«شظايا من ذكرياتنا» لكِيكوميكو، حيث يتدفق الفائض إلى الأرض. المصدر: فودو، 2025
يدعونا هذا المعرض الفني لأن نتوقف للحظة. فالمفارقة في موقعه ومادته تكمن في أنه داخل مركز تجاري في قلب المدينة، حيث يجب أن يستمر العمل والانشغال بلا توقف. لكن، تماماً كالسائق الذي يأخذ غفوة من وسط كَدّه، يحتاج الجمهور أيضاً إلى هذه اللحظة الفنية.
في النهاية، أي جانب من العملة تراهن عليه؟
الاستهلاك؟
الكَدّ والسعي؟
كلاهما؟
هل تتوقف لالتقاط نفسك؟ هل سيكون له أي أهمية مستقبلاً؟ هل هناك خيار آخر؟
تذكر، "زوكوسانزي إن فعلت، زيكوسانزي إن لم تفعل"
